يُمثِّل تاريخ الدولة العثمانيَّة أكثر من ثلث تاريخ المسلمين، ومع ذلك لم تتم خدمته بالصورة الصحيحة؛ يرجع هذا القصور إلى ضياع الحقيقة بين المغالين في المدح والمغالين في الذم، أيضًا يُعاني التاريخ العثماني من اعتماد المؤرِّخين على نوعٍ واحدٍ من المراجع، إمَّا تركيَّة، أو غربيَّة، أو عربيَّة. هذا الكتاب من الأعمال القليلة التي تجاوزت هذه النقائص؛ إنَّه كتابٌ متوازنٌ يعرض الحقيقة دون تجميلٍ أو تزوير، كما أنَّه يعتمد على أكثر من ألف مرجعٍ متنوِّع، ويعرض وجهات النظر التركيَّة والغربيَّة، وكذلك كافَّة الاتجاهات الفكريَّة. إنَّه كتابٌ يستحقُّ الدراسة حقًّا!
راغب السرجاني داعية إسلامي مصري مهتم بالتاريخ الإسلامي ومشرف موقع "قصة الإسلام"، أستاذ مساعد جراحة المسالك البولية بكلية طب جامعة القاهرة، ولد في مدينة المحلة الكبرى بمحافظة الغربية بمصر عام 1964م، وتخرج في كليه الطب جامعة القاهرة بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف عام 1988م، ثم نال درجة الماجستير عام 1992م من جامعة القاهرة بتقدير امتياز، ثم الدكتوراه بإشراف مشترك بين مصر وأمريكا عام 1998م في جراحة المسالك البولية والكلى. ويعمل الآن أستاذًا مساعدًا في كلية الطب جامعة القاهرة. أتم حفظ القرآن الكريم سنة 1991م.
وعلى مدار أكثر من عشرين عامًا كانت ولا تزل له إسهامات علمية ودعوية ما بين محاضرات وكتب ومقالات وتحليلات عبر رحلاته الدعوية إلى أكثر من 30 دولة في شتى أنحاء العالم، كما يقدم أيضًا عدة برامج على الفضائيات المختلفة، وقد حصل الدكتور راغب السرجاني على المركز الأول في جائزة البرنامج العالمي للتعريف بنبي الرحمة لعام 2007. ينطلق مشروعه الفكري "معًا نبني خير أمة" من دراسة التاريخ الإسلامي دراسة دقيقة مستوعبة، تحقق للأمة عدة أهداف، منها:
1 استنباط عوامل النهضة والاستفادة منها في إعادة بناء الأمة. 2 بعث الأمل في نفوس المسلمين، وحثهم على العلم النافع والعمل البناء؛ لتحقيق الهدف. 3 تنقية التاريخ الإسلامي وإبراز الوجه الحضاري فيه.
صدر للدكتور راغب السرجاني الكثير من الكتب و له المئات من المحاضرات والأشرطة الإسلامية صدر منها على هيئة أشرطة مسموعة: o الأندلس من الفتح إلى السقوط - 12 محاضرة o فلسطين حتى لا تكون أندلساً أخرى - 12 محاضرة o أبو بكر الصديق رضي الله عنه.. الصاحب والخليفة - 6 محاضرات o أبو بكر الصديق رضي الله عنه.. وأحداث السقيفة - 6 محاضرات o في ظلال السيرة النبوية (العهد المكي والعهد المدنى) - 46 محاضرة o قصة التتار: من البداية إلى عين جالوت - 12 محاضرة o كن صحابيًا - 12 محاضرة o كيف تصبح عالمًا؟! - 10 محاضرات
هذا التقييم يتعلق فقط بالجزء الأول من قصة الدولة العثمانية للأستاذ الدكتور راغب السرجاني. حقيقةً الكتاب رائع بكل ماتحمل الكلمة من معنى، يقدم المعلومات الكافية والوافية عن نشأة الأتراك في الأناضول ووضع منطقة الأناضول قبيل نشأة الدولة العثمانية ثم يتدرج تدرج رائع بالتحدث بعيدا عن التفصيل الممل او المعلومات الغير هامة عن تطور هذه الدويلة ان صح التعبير بداية ثم تطورها الى امبراطورية مروراً بالسلاطين واحداً تلو الآخر. أعتقد معرفة هذه الفترة التاريخية المهمة من عمر الأمة الإسلامية مهم جداً لكل عربي ومسلم على وجه الأرض التحديات والمعارك التي واجهت هذه الدولة التي لا يمكن أبداً اختصار تاريخها الممتد على ٦٠٠ عام بكلمة او جملة سلبية كانت أم إيجابية، إذ أن طول عمر هذه الدولة إضافة إلى الاختلاف الجذري بين السلاطين الذين تعاقبو على حكمها يجعل فيها فترات إيجابية ورائعة وأيضاً فترات سلبية وسوداء جداً جداً أعتقد ان بداية الدولة كانت رائعة لكن تطور الأمور مع تقدم الزمن كان سيء جداً وللأسف الشديد بسبب هذا المسار السيء الأخير كان الفرق الشاسع والواضح بين العالم الإسلامي وأوروبا على الصعيد الحضاري والعلمي الذي جعل للأسف كل الدول والمناطق التي كانت تحت حكم بني عثمان ان كان بشرق أوروبا او الشرق الأوسط جعلها متأخرة مئات السنين عن أوروبا الأمر الذي سهل الانتدابات الغربية بعد سقوط دولة بني عثمان لكن هذا حال التاريخ والحياة لا يوجد شيء كامل للأسف......
قصة الدولة العثمانية � من النشأة إلى السقوط ج1 � د. راغب السرجاني � مكتبة الصفا � ط1، 2021
نضج واضح وجهد كبير شبه أكاديمي....وهنات معتادة متعددة
الكتاب في جزئه الأول يرصد قصة الدولة العثمانية منذ النشأة إلى هزيمة فيينا عام 1683، (وهي نقطة الذروة الأخيرة للدولة)، لقد تعرفت على كتابات د. راغب السرجاني من قبل، بما فيها من إيجابيات وسلبيات، لكنه فاجأني في هذا اللقاء الجديد بإيجابيات أكبر ونضج عال، مع سلبيات معروفة متكررة، وهو في رأيي من أفضل كتبه التاريخية. على سبيل المثال فاجأني د. راغب السرجاني في كتابه بتفنيد متين وهام لتبريرات غزو السلطان سليم للشام ومصر، ووصفه بأنه إنحراف خطير من وجهة النظر الإسلامية، وحيود عن خط أسلافه بالتوسع في إتجاه أوروبا المسيحية، وكنت أظنه يتابع موضة بعض المؤرخين الإسلاميين المعاصرين في التبرير للدولة العثمانية (عمال على بطال)، بدعوى أنها كانت خلافة إسلامية، ويسوقون التبريرات لها حتى في حروبها مع المسلمين، وأغلبها تبريرات ساذجة، غفر الله لهم، وما عليهم لو قالوا الحقيقة وانها محض حرب توسع، دون ان يسوقوا التبريرات الواهية التي تزدري بعقولهم وعقولنا. كذلك فعل بوقفة حازمة في موضوع قتل الأخوة، وأدانه أدانة صرفة واضحة. الإيجابيات: 1- إعتماده على عدد كبير جدًا من المصادر والمراجع العربية والأجنبية، في جهد أقرب ما يكون إلى الجهد الأكاديمي بضوابطه وأدواته المعروفة. 2- التوازن العام في الطرح، وعدم الإنسياق في طريق التأييد والتبرير المطلق، أو طريق الهجوم المتجني والإدانة. 3- الرصد الواعي للأخطاء غير المطروقة كثيرًا من قبل المؤرخين لإستراتيجيات الدولة العثمانية، ومنها قراءته للصراع العثماني المملوكي، والصراع العثماني الصفوي، والصراع العثماني البولندي، وحملة اليمن، والحروب البرتغالية، وغيرها. 4- رصده لتأثير الإيديولوجيا على فكر المؤرخ وعمله (ص 15) [ وإن كان هو ذاته لم يستطع التحرر منه في كثير من المواضع ]. 5- رصده العام لأخطاء الدولة العثمانية (ص 17)، فصلها لاحقًا، ومنها فشلها في دمج الشعوب التي إنضمت لإمبراطوريتها، وضعف الإهتمام بالعلم بشقيه الشرعي والحياتي، والجمود الفكري، وأن الجانب الإقتصادي كان أقل من العسكري. 6- رصده للتزاوج المبكر بين الدولة والتصوف السلبي، وبالتالي إنتشار التدين المفتقر للعلم (ص 72). 7- رصده للتوسع البطئ جدًا للدولة خلال القرن الأول من حياتها ( ص ص 69 � 77). 8- رصده لنشأة الإنكشارية (ص 82) ثم الأسباب المبكرة لإنحرافها ومنها قانون منع الزواج (ص 83). 9- دفاع موضوعي عن نظام (الدوشيرمه) العثماني ( ص ص 138 � 146). 10- رصده الموضوعي لأسباب الهزيمة العثمانية الساحقة في موقع أنقرة أمام قوات تيمورلنك (ص 160)، [ لكنه أتبعه للأسف بتحليل غير موضوعي في محاولة لإقحام الدين بطريقة خاطئة، فقال أن من الأسباب هي وجود قوات مُكرَهَة مع السلطان العثماني بايزيد، وشيوع الفواحش في جيشه، ووجود فتنة الدنيا في قلوبهم (!!!)، كأنه لا توجد قوات مُكرَهَة مع تيمورلنك، ولا تشيع الفاحش في جيشه، ولا توجد فتنة الدنيا في قلوبهم !!!، بينما المؤكد أن تيمورلنك وجيشه كانوا أسوأ وأضل سبيلًا...وللأسف هذا الأسلوب في التحليل هو من الأخطاء المتكررة القديمة عن د. راغب السرجاني]. 11- رصده لخطأ السلطان محمد الفاتح بعدم تسمية ولي عهد (ص 348). 12- رصده للفجوة العلمية الكارثية الناتجة عن تأخر دخول المطابع للدولة قرابة الثلاثة قرون !! (ص 358). 13- تفنيد متين وهام لتبريرات غزو السلطان سليم للشام ومصر ( ص ص 388 � 395). 14- تقييم متوازن للسلطان سليم وعهده ( ص ص 408 � 410). 15- إدانته للغة الكبر في رسائل السلطان سليمان (ص 431). [ كما فعل الشيخ الغزالي من قبل في كتابه (الإسلام والإستبداد السياسي) ] 16- إدانة ضمنية لإعدام السلطان سليمان لوزيره الأعظم وصهره ورجل الدولة الكبير إبراهيم باشا البرجالي. 17- نقد هام وواعي لحملة اليمن، وتفنيد لفكرة أن الموقع الإستراتيجي مبرر للإعتداء على المسلمين المحالفين (ص ص 463، 465، 484). 18- رصد فشل العثمانيين في المجمل أمام البرتغاليين الذين وصلوا في إحدى المرات للسويس (ص ص 464، 467، 478 � 480) (!!). 19- إدانة واضحة لإعدام ولي العهد الأمير مصطفى (ص 487). 20- إدانة شديدة لإعدام الأمير بايزيد وأولاده الأربعة، وتصريح الكاتب أنه لا يوجد أي تبرير مقبول عقلًا ولا شرعًا لإعدام الأولاد تحديدًا، وإدانة مجملة لدموية السلطان سليمان وأسرافه في الدماء، الذي نتج عنه أنه أعدم إثنين من أولاده وإثنين من الصدور العظمى وكان كلاهما من أصهاره، ونتج عن ذلك أن آل الأمر إلى سليم الثاني الأقل كفاءة بين إخوته (ص 508). 21- الكاتب يدين بشدة قيام مراد الثالث بقتل أشقائه الخمسة، ويدين بصفة عامة العائلة العثمانية كلها حيث أنها من أسوأ العائلات في ذات البين (ص 547) [ لكنه يؤول قانون محمد الثاني الذي تم الإستناد إليه في كل تلك المآسي حتى يبرئ محمد الثاني (الفاتح) من النتائج الكارثية لقانونه، وهنا تغلب طباع الكاتب تطبعه الجيد في هذا الكتاب !! ]. 22- إدانة واعية جدًا لعبثية الحروب العثمانية الصفوية بالشكل الذي كانت تتم به من إحتلال عثماني مؤقت يعقبه إنسحاب، وكان يجب أن تتخذ شكل التقدم للإستيلاء على كامل إيران وحسم الصراع (ص 558)، فالعثمانيين كان يجب أن يتعاملوا مع الصفويين تعاملهم مع المماليك، ويتعاملوا مع المماليك تعاملهم مع الصفويين. 23- رصد هام لتدهور حال الإنكشارية وتغير نيتهم وسيطرة الدنيا عليها (ص ص 559، 580). 24- تحليل هام لإستمرار الدولة في قوتها رغم ضعف بعض السلاطين (ص 575). 25- تحليل ذكي وموفق لعقم الحروب العثمانية البولندية على المستوى الإستراتيجي (ص 695). 26- رصد إباحة الخمر في الدولة وشيوع شربها حتى على مستوى السلاطين والصدور العظمى (ص ص 582، 699).
السلبيات: 1- إطلاق صفات مديح شديد على الأشخاص أو الدولة لا تناسب لغة التأريخ: البطل الإسلامي الكبير ألب أرسلان (ص 46)، عثمان بن أرطغرل رجل عظيم، صفاته رائعة (ص 70)، ملكاته نادرة (ص 79)، كان أورخان بن عثمان نعم الأمير، ونعم القائد، وجاء من بعده مراد الأول فهذا الشبل من ذاك الأسد (ص 94)، مراد الأول شخصية إستثنائية ليس على مستوى التاريخ الإسلامي فقط وإنما على مستوى التاريخ الإنساني كله (ص 95) (!!)، كان مراد الثاني قائدًا حكيمًا موهوبًا (ص 178)، لا شك أن فترة السلطان العثماني العظيم محمد الفاتح هي من الفترات الرائعة، التي جُدِّد فيها الدين، ووضح فيها مقاصد الشريعة، وأدركة أمة الإسلام أهدافها، ورآى الناس صورة الإسلام كما يجب أن تكون، إنها فترة خالدة حقًا (ص 231) (!!)، الغدر لم يكن صفة معتادة للقادة العسكريين والدبلوماسيين العثمانيين المشهورين بالوفاء والأمانة (ص 462) (!!)، إسهامات سليمان القانوني الإدارية لا تقل روعة عن إسهاماته في مجالي السياسة والحرب (ص 494)، كان فاضل أحمد باشا شخصية إستثنائية، كان إداريًا ناجحًا جدًا (ص 680).......إلخ. 2- إطلاق صفات ليس على إطلاقها: مثل أن الدولة كانت تطبق الشريعة (ص 16)، وتلتزم إلى حد كبير بقواعد الحلال والحرام (ص 127)، أجد أن أفضل سمات سليمان القانوني هو حرصه على الإلتزام بقواعد الشرع الحنيف في جل خطواته (ص 411)، الكل يعلم حرص السلطان على إتباع الشرع الحنيف ( ص 495) (!!)، [ ثم يتحدث بعدها عن قتله لأولاده وصدوره العظام وإسرافه في الدماء تأثرًا ربما بوالده سليم الباطش (فأي شريعة إذًا كان يطبقها) ؟! ]. ومنها قوله أن الله إذا مكن للحاكم المسلم الظالم فإن ذلك يكون حال رفعه لراية أخرى غير راية الدين والجهاد أما إذا رفع راية الدين فإنه يمنع عنه الناصر، حتى لا يلتبس عن الناس أمر دينهم (ص 130) (!!)، [ وهذا غير حقيقي، فكم من حاكم مسلم ظالم نصره الله في الدنيا وهو رافع راية إسلامية ،مثل الأمويين عامة والحجاج من بينهم خاصة، والأمثلة كثيرة ]. 3- بعض التبريرات التاريخية الضعيفة، فمثلًا حكم (أرطغرل) مقاطعة صغيرة، ولم ينجح خلال خمسين سنة سوى في مضاعفة حجمها، وكانت في آخر عهده أقل من إمارة صغيرة، ومع ذلك يصف د. راغب ذلك بأنها تطبيق (لسنة التدرج) !!. 4- عدم تفرقته بين (المصادر) و(المراجع) فيتحدث عن آلاف المصادر التي رجع إليها (ص 12)، بينما أغلبها (مراجع) وليست (مصادر). 5- أخطاء في معظم خرائط الكتاب، بداية من الخريطة الأولى ص 31. 6- تبرير غير موضوعي في عدم الخروج عن الحاكم الظالم (ص 578). 7- مراد الرابع ملتزم بالضوابط الشرعية (ص 655) [ وقد أسلف أنه قتل إخوته (ص 649) ].
أسلوب سرد جميل جدا لتاريخ الدولة العثمانية ، منذ نشوءها كولاية سلجوفية إلى بدايات القرن الثامن عشر ، لكن الكاتب يحشر أفكاره بطريقة مملة جدا ، أفكار متخلفة و رؤية زورية تجاه الآخر.......