عن منشورات "الجمل"، صدرت مجموعة قصصية جديدة للكاتب والمحلل النفسي التونسي أيمن الدبوسي بعنوان "انقلاب العين". نقرأ ضمن تقديم الكتاب: "هذا كتاب عن الشّمس والدّم والحبّ والموت والله والتّخوم وكلّ ما يقلبُ العين والحشا. حرّرته بشرايين مفتوحة، فهو القلب عارياً مثل ارتماءة خارج الذّات. وبعد، فهو أنوارٌ داميةٌ
ماذا نستطيع أن نكتب عن انقلاب العين؟ هو ليس كتابا جميلا ولا حساسا ولا شاعريا وحتما لن يترك فيك أملا أو ابتسامة أو أحاسيس "إيجابية"، مجموعة قصصية مرعبة (ماعدى الأقصوصة الأولى وهي المفضلة عندي) بكل ما نعرفه عن هواجس أيمن الدبوسي من الجنس العنيف إلى الفضلات البشرية إلى مواقف حادة من الإله. هو كتاب مضحك أحيانا مقرف أحيانا موجع أحيانا، ساخر دوما، بقلم أعتبره من أفضل ما وجد ويوجد في الساحة الأدبية التونسية. هل أنصح به؟ ربما إن كنتم من أحباء الدبوسي، أو إن كنتم تتحملون المشاهد الفضيعة دون خطر القيء، أو إن كنتم مغامرين وتودون اختبار حدودكم. الأكيد أني لم أغير رأيي في الكاتب، ولا زلت مصرة (إلحاحا) على قراءة كل ما يكتب 😁
هل أيمن الدبّوسي نبيّ؟ لو كان للمني و الطمي و الغائط نبيّ فهو حتمًا أيمن الدبوسي.. هل أيمن الدبوسي كاتب موهوب ؟ هو كذلك. هل فقدت الأمل أن يكتب يوماً ما رواية جميلة يتخلّص فيها من هوسه بالقذارة؟ لا لم أفقده و الدليل على ذلك أنني أشتري كلّ كتبه. انقلاب العين مجموعة قصصية لم تحدْ عن القاعدة المعروفة ففيها قصص متفاوتة الجودة و لكنّها لن تتركك في شأنك. ستتوقّف و تتمعّن و تحاول أن تستوعب ما أنت قارئ، فإمّا أن تنطلق في ضحكة صافية من القلب أو تطرق رأسك في حيرة أو ترجع ما في معدتك. و هذا هو انقلاب العين.
لقائي الثاني مع كتابات الكاتب التونسي و هو طبيب نفسي و مخرج و مؤلف و كاتب ...بعد
مرة اخري ...الجنس ...ليس فقط الجنس و انما ابعد بخطوات ...الفحش الجنس او الفحش فى القصص هو مجرد تعبير "اسقاط" عن مشاعر اخرى .... الحب ...الامتلاك...الظلم ...الانتقام ...التنفيس عن الغضب...الخ يجوز انه انتقل من مرحلة الجنس "للفحش" من كثرة ما تم استخدام الجنس في القصص و الروايات حتى فقد معناه و تأثيره على القراء فرغب المؤلف فيما هو جرعة اعنف في ايصال المشاعر المطلوبة للقراء ...
الفاتحة معرفة الله 3/10
العائلة السعيدة 8/10 من اظرف قصص المجموعة
كلاب المولى مش عارف اقيمها ازاى ؟ الخيال 9/10 اجترائها على المحرمات 9/10 سير القصة و نهايتها 3/10 ....اعطيها اجمالا 4/10 حزنت لما حصل لزيدون لصغير و ما حصل لكلبه ...
شمس 4/10
الشر 8/10
عن الكلاب و الرجال الاسم ذكرني ب اسم رواية جون شتاينبك ... الاحداث صعبة و مقززة 4/10 اللغة ..ليست عربية فصحي ...بل لهجة تونسية 4/10 اجمالا 4/10
صلوحة الفحش 10/10 توصيل الشعور العام للقاريء 8/10 و إن كان شعور متقزز حزين مٌحبط اجمالا ... 4/10
المجموعة اجمالا ... 35/70 يعني 50% يعني 2.5 نجوم من 5 و لعدم و وجود انصاف في تؤول الى ال 3/5
ماعساني أقول عن أيمن الدبوسي؟ شخصيا أعشق اختلافه وتغريده خارج السرب! رغم هذا الإحساس الفظيع بالتقزز الذي يخلفه فيّ في كل مرة ، إلا أنه لا يمكن إلا أن أحيي قوة دماغه وقدرته الفائقة على سبر أغوار النفس البشرية بكامل تفاصيلها ونزعاتها الشاذة والمتطرفة. انقلاب العين: مجموعة قصصية قضت على مفهوم العائلة التقليدية. مزيج من التقزز والرعب على كل من مستقبل الطفل ، العائلة، الأم ، الشاب، الدولة.. مرعبة في تطرفها . 3.5 نجمات
هذا ملخص وصور لقاء السبت الفارط 26 فيفري 2022 وهو اللقاء رقم 63 لجمعية عشاق الكتب بسوسة في إطار نشاطها المتعلق بإستضافة وتقديمها للكتاب/ات التونسيين/يات. هاته المرة حل علينا ضيفنا القاص أيمن الدبوسي بمناسبة مناقشة مجموعته القصصية " إنقلاب العين." إضافة إلى ضيوفنا وأصدقائنا من نادي الرواية بفضاء مسار ونادي Medina Book Club بتونس العاصمة. ________ حوصلة شاملة للقاء : - أيمن الدبوسي : أحل اليوم بينكم للمرة الثانية ، فشكرا على الإستضافة ، وللإهتمام الخاص بأدبي وبما أكتب، لأنني لا أعتقد أنه أدب جماهير ، أو أدب لمن هبّ ودبّ. إنما هو لم يجد في نفسه الإقتدار على عبور هذه النصوص، لأن هناك نصوص عندما نقرأها نشعر بأننا نقوم بعملية عبور ، مثلما نعبر سلسلة جبلية شاهقة. فهي تخاطب اللاوعي بالأساس ، وليست رجع صدى لتصورنا عن الأدب. إذ هناك أناس عندما تقرأ ، تظل تنتظر أن تجد ما تتصوره هي عن الأدب، ولكن أنا اكتب تلك النصوص التي تكسر أفق انتظارها. من جهة أخرى، أريد أن أقول إن شغفكم بالأدب من خلال نوادي القراءة، لم تكن متوفرة في العشرين سنة السابقة ، ونادرا ما تجد شخصا ما يمسك كتابا في الشارع ، إلى درجة أننا كنا نشعر بالخجل من بقية أصدقائنا ، لأننا كنا مغرومين "بالمطالعة". تغيرت فكرة الأدب كثيرا الأن ، لم يعد لتسمية المطالعة معنى ، إذ تبدو طفوليّة شيئا ما ، فالأدب في حياتنا لم يعد شيئا للتسلية أو الهواية أو قصصا تساعدنا على النوم ، هذه كلها مقاربات طفوليّة للأدب. أخيرا أشكركم على هذه الجمعية التي أعطت لمفهوم الأدب بعدا أخر. - حلمي الشيخاوي: أنت تعرف أن كتاب قصة العين هو نتاج لتجربة قضاها بطاي مع المحلل النفسي أدريان بوريل لمدة عام ، شجعه فيها الأخير على وضع تخيلاته الجنسيّة وهواجس طفولته على الورق. حينما كانت بطاي آنذاك على وشك بلوغ الث��اثين من عمره ، ويعيش في حالة أزمة مستمرة إلى حين تدخل المحلل النفسي بطريقة حاسمة . وتحدث باتاي عن هاته المرحلة بالقول "لقد أجريت تحليلًا نفسيًا ربما لم يكن تقليديًا جدًا ، لأنه استمر لمدة عام فقط. إنه م��جز بعض الشيء ، لكنه في النهاية حولني من كائن غير صحي تمامًا حيث كنت إلى شخص قابل للحياة نسبيًا ". وفي إشارة إلى الدور التحريري للعملية التحليلية ، أضاف: "أول كتاب كتبته ، لم أتمكن من كتابته إلا بعد التحليل النّفسي ، وأعتقد أنني أستطيع أن أقول أنه بهذه الطريقة فقط تمكنت من البدء في الكتابة ". أريد أن أسألك سؤالا بديهيّا ، هل قادك التحليل النفسي للكتابة من جهة أولى ، ومن جهة ثانية هل يمكن أن نذهب في مقولة كولن ولسن عندما أقر بأن الرواية لا تقتصرُ فوائدها على المتلقّي فقط بل تساعد الكاتب في هضم تجربته الذاتية. هل ينطبقُ هذا الرأي على تجربتك الذاتية ؟ وأخيرا أيّ جزء أو ما الذي يمكن أن تنقذه الكتابة في الحياة النفسية عموما! - أيمن الدبوسي : في علاقة بالجزء الأول من السؤال، التحليل النفسي لم يقدني إلى الكتابة،وإن كان كلام بطاي يحتاج إلى التمعن فيه. أنا لا أرى أن بطاي قد تحول إلى كاتب بهذا الشكل ، هو بدأ التحليل النفسي "thérapie" عن طريق العلاج التحليلي " cure analytique" ثم انقطع عنه. السؤال هنا:" هل هذا العلاج قد فتح جروحه أو قد أغلقتها بعض الشيء حتى تصبح الكتابة ممكنة؟ أدريان بوريل هذا المحلل النفسي هو الذي قدّم إلى جورج بطاي الصور الفوتوغرافية للمعذب الصيني الذي كتب عنه بطاي مجموعة مقالات، وهي تمثل صورا لشخص قتل ولي العهد الصيني ثم قاموا بإعدامه في الساحة العامة باستخدام إحدى طقوس الإعدام الصينية القديمة عن طريق قطع جسده ل100 قطعة، بعد أن أعطوه الكثير من الأفيون ، وعند الشروع في عملية القطع ، يكون هذا المعدم في حالة من النشوة والذروة وهو يحدق إلى الشمس، لهذا كان تحليلا نفسيا غير تقليدي لأنه عرف كيف يستثير بطاي. حيث قدم له مواد تعينه على أن يتقدم في فهمه لنفسه وللأشياء التي كانت تتنازع داخله. أنا جئت إلى التحليل النفسي بشكل متأخر، درست علم النفس برغبة في الأدب، حيث كانت الرغبة في الكتابة موجودة عندي من قبل دراسة علم النفس، بعد الباكالوريا فكرت في أيّ الطرق أفضل لكي أدخل عالم الكتاب. فقررت دخول عالم الكتاب من باب غير تقليدي، أي من الخلف مثل صلوحة ( بشيء من الضحك ) أعتقد أنني لو درست اللغة العربية أو الفرنسية لكنت ناقدا أو معلقا على الأدب. لكني كنت أظلّ في حاجة إلى تجربة حياة ملهمة وإلى لقاءات تغذي مخيلتي. ثم اكتشفت لاحقا أن الذهاب إلى علم النفس أيضا كان استجابة لقوى غامضة في نفسي وإلى أشياء خفية تتحرك داخلي. أعانني علم النفس على فهمها وإدراكها وتمثلها في مرحلة ما. فالأشياء التي نكتشفها عن أنفسنا على أريكة التحليل النفسي يمكن أن نكتشفها بشكل آخر عن طريق الكتابة. صامويل بيكيت أيضا قام بالتحليل النفسي لمدة سنتين عند المحلل النفسي الانغليزي ويلفرد بيون/ Wilfred Bion ولكنه كان تحليلا مجهضا ' analyse avortée'. هؤلاء الكتاب بدأو بالتحليل النفسي مثل عملية تشريح ذاتي، ثم توقفوا في لحظة ما وانصرفوا إلى الأدب. لأن هذا الأخير لا يعالج بالمعنى النفسي ولكنّه يمنحك طريقة لإخراج تلك الأشياء ولقولها بطريقة مختلفة، لا تخلص الشخص من الصدمات " les traumatismes" . وإنما تحولها "transformation" ، لأن التعفن الداخلي / القيح الداخلي لا ينتهي. عكس التحليل النفسي الذي يسعى إلى تخليصنا منه. بطاي أو بيكيت حين انقطعا عن العلاج كان لأجل المحافظة على ذلك الجرح. ولأجل ذلك معين بسيسو يقول في قصيدة 'القصيدة' :" ماذا تبقى معك الآن؟ لم يبق معك إلا الجرح الذي أبقاك حيا." اذن هناك جروح يجب أن نحافظ عليها ليبقى هناك شيء بصدد التدفق. عكس التحليل النفسي الذي يقوم بعملية الرتق، بعد أن يفكك في مرحلة أولى. بينما بيكيت أو بطاي قامو بفتح جروحهم عند التحليل النفسي ثم إنصرفوا لفعل شيء بها من خلال الأدب. لأن السؤال هنا : عندما تعيش طفولة قاسية مثل تلك التي عاشها بيكيت أو بطاي ، السؤال دائما، ماذا ستفعل بما قدر لك أن تعيشه في الطفولة؟ وهذه هي المعضلة الحقيقية. حيث يمكن أن نعيش في الطفولة أشياء عظيمة دون أن نفعل بها شيئا ويمكن أن نعيش أشياء تعيسة ونفعل بها شيئا مهما.. السؤال ليس ماذا عشت بل ماذا ستفعل بالذي عشته؟ رهان الكتابة ليس هو رهان التحليل النفسي، الشخص الذي يمارس أو يمتهن التحليل النفسي يود أن يخرج شخصا سويا، بينما الكاتب محتاج لأن تبقى تلك الجروح مفتوحة ومتعفنة. بطاي يشبه التفكير والكتابة بالجثة المتعفنة، إن التفكير مثل الجثة لأن الجثة متحللة حية وتغلي ونحن ننسى أن فعل التعفن من أكثر الأنشطة الحياتية حيوية. الجثة هي من أكثر المخلوقات حياة. - حلمي الشيخاوي: قلت سابقا أن "انتصاب أسود" و"أخبار الرازي"؛ يمثلان ثنائية الحس والمس. أي ثنائية الجنس والجنون، ماذا عن إنقلاب العين! - أيمن الدبوسي: للضرورة الشعرية أقول الجس ( بشيء من الضحك ) ، الأن أجيبك بشكل جدي، في انقلاب العين كان الرهان مختلفا، انتصاب أسود مثلا هو كتاب مراهق، كتب بشكل مستعجل في لحظة مستعجلة هي 2011 و 2012، وكتب بطريقة محايثة للأحداث الاجتماعية والسياسية التي تقع حينها ومحاولة لاستيعاب كل تلك الحريات التي طرحت علينا في 2011. أخبار الرازي مثّل تجربة المرور بمؤسسة علاجية. هو كتاب عن الخيبة، ولكنها خيبة ناجحة حيث أفضل ما حدث لي هي تلك الخيبة التي انتجت الكتاب. وهذا هو القيح الذي أتحدث عنه. دخلت إلى الرازي وكنت أحمل بعض التوجهات والرؤى التي كنت أود اعتمادها كأدوات علاجية لكنني وجدت شيئا آخر مثّل الصدمة بالنسبة لي كمختص في علم النفس، لكني سعدت بها ككاتب. لذلك في مرحلة لاحقة تخليت عن الجانب النفسي وعشت كاتبا. في "الرازي" كانت الأجواء غائمة كئيبة حزينة لكنها كانت ضرورية لولادة "أخبار الرازي". انقلاب العين تجربة أخرى، أقرب كتاب إلى ذاتي كتاب قريب مني خرج من الاحشاء "الجواجي" . كانت فيه اشياء قد خرجت من اللاّشعور . سأشير إلى دلالة عنوانه قبل أن أترك لك فرصة الدخول في الكتاب، انقلاب العين هي حالة تحدث في أوقات الشدة، كحالة الصرع أو الموت أو الانتشاء، حين نرى شيئا يفوق طاقتنا على التحمل. لذلك إنقلاب العين هو كتابة في اللاّمحتمل، كل ما يقلب العين والحشاء. فقد كانت عندي فكرة مجنونة بعض الشيء، وهي القيام بعمل فني لا يمكن قراءته ولا يمكن مشاهدته، لا يمكن أن ننظر إليه مباشرة مثل الشمس، وهذا الذي لا يمكن أن ننظر له مباشرة هو اللاشعور الخاص بنا ، هو الأشياء الباطنة التي تتحرّك داخلنا، الحمم الداخلية التي تخرج أحيانا في شكل كوابيس وأفعال مجنونة وسلوكيات لا نفهم من أين جاءت ولا لما قمنا بها. الأدب هو السيمولاكر أو المرآة التي يمكن عن طريقها أن نرى هذه الأشياء التي لا يمكن ان ننظر لها مباشرة. لأن الأدب له القدرة على تمثلها. - حلمي الشيخاوي: في كتاب "التجربة الداخلية" كان بطاي صريحا إزاء قراءه عندما كتب : "أؤلف للذين ما إن يشرعوا في قراءة روايتي يسقطون فيها كما يسقطون في حفرة". لمن يؤلف أيمن الدبوسي ؟ وأيّ جمالية يراهن عليها ونحن الواقعون في تبدلات مفاهيم الجمال الناعم والشفاف والإيجابي والاستهلاكي حسب المنطق النيوليبرالي. في استبعاد لما هو سلبي ولما هو جمالية الجرح وجمالية الكارثة. - أيمن الدبوسي : إلى حلمي. ( بشيء من الضحك ) الأدب كما عشته ليس مجرد تسمية أو شيء ثانوي . بل كان عنصرا مشكلا ومساهما في بناء شخصيتي وفي بناء علاقتي بالعالم وبالآخر. هناك نصوص تلقيتها ساعدتني على أن اجيب على بعض أسئلتي ... - حلمي الشيخاوي : ( يقاطعه ) في هذه النقطة بالتحديد ، أريد أن أسألك كيف ! ولماذا الأدب ضروري! - أيمن الدبوسي : أنا حين أسألك من أنت؟ ستقول حلمي الشيخاوي ومن ثم ستسرد وستحكي لي حكايتك كشخص، وهذا ما أقوم به أنا في مهنتي كل يوم. نسيجنا النفسي هو نسيج قصصي بالأساس. نحن سرديات وهذه السرديات هي نوع من المعنى المتأتي من تجربتنا في الحياة. نحن ملقون في العالم، نعيش مجموعة من التجارب ونصطدم بمجموعة من الأشياء. فنحن نمرض، ندرس، نفشل، ننجح وتصير أشياء ... كلها تتحول إلى الذاكرة في شكل سردي، هذا النسيج السردي يمثل شخصيتنا ووعينا بأنفسنا ووعينا بالعالم. الأدب يساعدنا على بناء وعينا بذاتنا وبالعالم من حولنا، لأن علاقتنا بالعالم مرتبطة بمدى وعينا وثراء تمثلنا لتلك الأشياء. بالأدب نحن دائما نجدد صيغة أنفسنا. هناك أشخاص لا يتجددون ولا يعيدون صياغة أنفسهم، هم لا يعيشون العالم بقدر ما يعيشون فكرتهم عن العالم. الأدب دائما ما يأتي لخلخلة تلك التمثلات والقناعات التي نعتقد أنها العالم،وهي أنفسنا. فإن كنا نحن في جوهرنا نسيجا حكائيا وقصصيا فهذا النسيج لا يجب أن يتوقف أبدا. بعض التجارب الشخصية تنتهي في الزمن لكنها لا تنتهي في الزمنية النفسية الخاصة بنا. بحيث انه حين نعود لكي نحاورها من زوايا مختلفة ومعارف مختلفة وأدوات مختلفة ، فنحن نعيد كتابة أنفسنا ونعيد موقعة أنفسنا في العالم. بالعودة إلى سؤالك لمن أكتب، القارئ الذي أكتب له ، هو قاريء يجد في هذه النصوص أشياء تحرك فيه الرغبة في إعادة نسج خيوطه النفسية ليعيد مساءلة نفسه وتصوراته عن العالم. ولا أعتقد أن هناك أفضل من الأدب من هو قادر على انتاج هذا المعنى المتجدد حول تجربتنا في الحياة والوجود. أدبي هو أدب انفعالي، وأريد أن أرفع اللبس عن كلمة "إنفعالي". في الحياة تخترقنا إنفعالات متعددة، كل حدث أو ظاهرة تجعلنا ننفعل، الإنفعال شيء مبهم ولكن قوي، الأدب يساعدنا على تمثله ، لأن عندما نقرأ بعض النصوص ، هناك إنفعالات تمر ، تتجاوز حتى الصور، هناك أشياء يمكن أن تشعر بها ، بدون أن يكون لك فهم واضح لها ، فتقوم بتحريك ذلك الشيء المبهم والغامض، لذلك فالأدب يدفعنا إلى السؤال ، ثم إلى إجابة ، ثم إلى بناء تمثّلات ، ومن ثم التخلي عنها ، لصالح إنفعالات أخرى وهكذا دواليك .. أخر شيء أقوله عن الإنفعال في علاقته بالحقيقة ، الحقيقة هي دائما إلى جانب الانفعال ، سأعطيكم مثالا بسيطا. أستطيع أن أقول لكم الآن ، أنا سعيد ، ولكن هل أنا في الواقع سعيد! لا يوجد ذلك الإنفعال الذي يجعلني سعيدا، التمثلات لا تكفي، مثل الموسيقى لا توجد فيها تمثلات ، هي إنفعالات صرفة ، لذلك الأثر الذي تتركه فينا يكون أكبر ربما من أي شيء أخر. مثال أخير سأذكره وهو كلمة المطر ، كلمة المطر لوحدها لا تمطر ، لذلك فالإنفعالات هي الحقيقة، والأدب كلما إقترب من الإنفعالات إقترب من الحقيقة، - هيلان الماجري: رغم أنك بدأت روائيا ، إلا أنك انحرفت إلى القصة، وهذا خيار لم نألفه كثيرا ، خاصة مع تحول الشعراء والقصاصين إلى رواة ، نظرا لطغيان مقروئيّة الرواية، لو تحدثنا عن سر هذا التحول أيمن! - أيمن الدبوسي: انتصاب أسود حتى لو أنني صنفتها في جنس الرواية لكن أنا لا أدعي أنها رواية. أو هي رواية بشكل غير روائي. هي مجموعة من الوحدات ومحاور، كل وحدة مكتملة بذاتها يمكن أن تقرأ بشكل منفصل. أنا الآن بصدد الاشتغال على عمل جديد روائي ولكنها ليست رواية بالشكل الكلاسيكي التّقني أيضا. لأنه ليس لدي رهان البناء في الأعمال التي أكتبها. تركيزي أكثر على الانفعالات وهذا البناء الهندسي الشكلي يحد من تلك الانفعالات أو يمكن أن تكبحها . الانفعال هو الذي يعطي البنية التي تلائمه وتساعده على التدفق. سأفسر لك أكثر ، أنا أكتب بالطريقة المشهدية. والمشهد أو الطريقة المشهدية متأتية من السينما ، وانا أعتقد أن المشهد هو بنية انثروبولوجية. فنحن حينما نشاهد بعض الافلام يرسخ في ذاكرتنا عنه مشهد بعينه، والمشهد هو عبارة عن وحدة بعينها فيه بداية ونهاية. هذا البناء المشهدي ستجدونه متناثر في كل نصوصي ، والبنية هي تلك، وليست بنية أخرى ذهنية ، انما هي أكثر منها إسقاط نفسي، والمشهديّة لها قدرة على التكثيف الانفعالي. ف"انتصاب أسود" حتى وإن كان يبدو رواية ، إلا أنه في في نفس الوقت يبدو كأنه فيلم صور بكاميرا محمولة. فيه حركة تبدأ ثم تنتهي، والذي يجمع بين كل تلك الفصول ، هو ظهور بعض الشخصيات فقط ، هناك وحدة الشخصية وزمنية خطية ، ربما هذا هو الجانب الروائي فقط فيها ، لكن البقية هي الإستمرارية الإنفعالية ، اللتي تتطور وتنمو إلى حين وصولها إلى النهاية كنوع من الإنحلال ، مثل الجملة التمهيدية التي كتبتها " ما من إنتصاب إلا ويعقبه إرتخاء " فإذا كان من بنية ، فهي بنية الرغبة والإنفعال ولكن البناء الأخر الهندسي الأدبي ، لا يعنيني. - حلمي الشيخاوي: في منجزك الأدبي هناك تناصّ معلن لا مع نصوص أخرى فقط بل مع عناوينها كذلك ( إنتصاب أسود - ربيع أسود لهنري ميللر / إنقلاب العين - قصة العين لجورج بطاي ) لماذا هذا التناص أيمن ، هل يمكن أن ندرج أدبك ضمن شعرية القراءة بدرجة أكثر من شعرية الكتابة! هل القراءة هي التي قادتك إل الكتابة؟ -أيمن الدبوسي: بالنسبة للتناص أعتقد هو نتيجة طبيعية ونوع من الإمتنان ورد الجميل لتلك النصوص ولما كان لها من تأثير على نفسي وعلى وعيي بنفسي ووعيي بالكتابة وخاصة برغبتي في الكتابة. بطاي في قلبي استبطنته . قراءتي له ليست قراءة بسيطة او اعتباطية أنا تشربته، قلت إنه في قلبي بمعنى ما فقد أعانني على فهم نفسي وأعطاني أدوات للتعبير وللمفاهيم التي من خلالها تمكنت من التحدث عن تلك الأشياء التي تنفعل بها ذاتي. وأثناء كتابة هذه النصوص كانت قرائتي له حاضرة في تلك الفترة. - حلمي الشيخاوي: ألا يضعك هذا الخيار تحت مرمى تهمة التقليد؟ - أيمن الدبوسي : من يفهم الأدب يمكن له أن ينجز دراسة مقارنة وسيلاحظ أنه لا يوجد تقليد إذ يمكن أن نعيش نفس الإنفعالات ونفس التجارب القصوى. بطاي يتحدث عن موت والده وفي قصة صلوحة ، الشخصية تتحدث عن موت والدتها، هي تجارب مختلفة ومكتوبة بشكل مختلف . العنوان 'انقلاب العين' كان يمكن أن يكون عنوانا آخر لكن العين كانت حاضرة بشكل كبير ولكن ليس بنفس الحضور عند بطاي. رواية هنري ميللر "ربيع أسود" فيها تناص مع رواية "قلب الظلام" لجوزيف كونراد، حتى أنه يعيد كتابة نفس الجملة لما تحدث عن نزول النهر وقال :" أبطالنا قد قتلوا أنفسهم ، إلخ ... " ولكن ليس المهم أن تسرق ولكن كيف تسرق حسب تعبير فيليب روث ( بشيء من الضحك ). - زينب الحامي: لقد قرأت الكتاب في فترة كانت نوعا ما حرجة أو لأقل حساسة. - أيمن الدبوسي ( يقاطعها ) إنّها أفضل فترة يمكن أن تقرأ فيها الكتاب. - زينب الحامي : الكتاب بالفعل صادم، وأنا أحبّ هذه النوعيّة من الكتب التي تدفعنا إلى التفكير، لذلك أحب كافكا وأحبّ مقولته " على الأدب أن يكون كالفأس يكسر البحر الجامد فينا." أعجبني في كتابك كذلك ، قدرتك الأدبية في أخذ القارئ إلى رحلة مجنونة ، لا يعرف منتهاها ، أنا لم أقرأ كثيرا في نمط الكتابة التي تكتبها. ملاحظة أخرى شدتني ، وهي قدرتك على استحضار شخصيات بتركيبة نفسية معقدة لم نعهدها كثيرا بطريقة متطرفة جدا، مقارنة بما قد يعيشه شخص ما في حياته وأنا اقرأ كنت أشعر بقوة وطاقة تخترقني على مدى كل الأقصوصات . لم أشعر بالملل أو الرّكود أو الرّاحة عند الانتهاء منها . هذا الكتاب هو كتاب تعيشه بالكامل. عندما تقرأ كتابا وتشعر بأشياء محسوسة ومادية أقول : هذا الكاتب عظيم فعلا. أشكرك على انقلاب العين ، لقد أعطاني دافعا كي أعود إلى أعمالك السابقة. - أيمن الدبوسي : تشعرين بأن هناك أشياء إخترقت حدودك ، وهاته الحدود هي التوقعات والجهاز المفاهيمي الذي ندرك به العالم. الانفعال هو الذي يخترق كل تلك الأشياء ويلمس جوهرنا ، لنعيد ترتيب جهازنا المفاهيمي فيما بعد. - زينب الحامي ( تقاطعه ) : وإن كنت لا أنصح بهذا الكتاب في أي مرحلة عمرية، فإنّ هذا الكتاب له قراء معيّنون، إذ لا تستطيع اكتشافه في أي سنّ. - أيمن الدبوسي : هذا كتاب عائلي ، يحتوي على نماذج من العائلات ( بشيء من الضحك ) أنا أعتقد أنّ هذا الكتاب متاح للجميع وعليهم أن يتعثروا فيه. فالكتابة والقراءة يحتاجان إلى هذا النوع من العنف ، مثل اللكمة أو السخطة التي نستفيق بعدها وكأنّنا شخص آخر. - هيلان الماجري : هل تعتقدُ أنَّ ما يلهم كتابة النصوص الإبداعية هو الشر كما قال ذلك توماس مان؟ وهل تذهب فيما إعتبره جورج بطاي ، أن الأدب إذا ما ابتعد عن الشر فسرعان ما يصبح مملا؟ هذا إن تحدثنا عن علاقة الأدب بالشر مثل عنوان أحد كتب جورج بطاي ! - أيمن الدبوسي : أنت لا يمكنك أن تكتب رواية وتضع إلى جانبك ميثاق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على يمينك، سيكون شيئا مضجرا، الإعلان في حد ذاته لا أستطيع قراءته لأنه ممل. تأملوا الأدب والشر في النصوص القرآنية : فرعون، أبو لهب ... هاته الشخصيات العظيمة التي كانت محرّكة للتاريخ والسرديات. بدون شر ليس هناك أدب ولا تاريخ. الشرّ هو محرّك التاريخ وليس الخير. وحتى نبسط كلامنا ، فأنا لا أتحدث عن الشر بالمعنى الأخلاقي والقيمي. الشر هو أيضا المرض، الموت، الخيانة ، الغدر إلخ ... إذن كل هذه الكوارث التي تسقط علينا ، وتدفعنا للكتابة. فإذا كانت " الأمور على عجلة " منسجمة ومتناسقة، لن يكون أدبا ، يجب أن يأتي مسمار لكي يخترق تلك العجلة ، ويدفع السيارة لأن تصطدم بالحائط. في قصة الشر ، أنا كنت مهووسا بسؤال: من أين يأتي الشر؟ دولوز يقول " الشرّ يأتي من الخارج ولكن يلتقي مع الداخل " في قصة الشر بالذات ، هذا الثالوث العائلي الذي تخترقه قوى الشر وتفككه بشكل رهيب. حينما يأتي الطفل ويراود أمه، فيثير فيها الكثير من الإنفعالات والرغبات التي تجعلها تكاد تفقد عقلها، والشر هو الحادث الذي يتعرض له الأب ، فتخترقه سيارة من الخلف وتثير فيه" فانتازمات" ، والشر سنكتشفه في النهاية عند الطفل ، الذي كان يشاهد الأفلام البورنوغرافية التي كان والده يشاهدها. إذا هناك شر يأتي من الداخل وشر يأتي بشكل عرضي من الخارج، وفي تقاطع هذه الأدفاق والشرارات يأتي انفجار هذه العائلة. - ليلى بالزين : الشيء الملفت في كتابك ، أنك تستحضر شخصيات أستطيع أن أقول عنهم " vulnérable " أي هشة ومعرضة للإعتداء ، مثل شخصية العربي أو شخصية صلوحة. ولكن تستحضرهم بشكل مختلف ، وتستحضر الجنس في حياتهم. لماذا إهتممت بالتجربة الجنسية لديهم ، التي نكتشف أنها تجربة مفرطة ومازوشية! - أيمن الدبوسي : أنا لا أعتبر نفسي أكتب عن الجنس، الجنس يحضر في شكل فانتازمات/رغبات ومحركا لقوى الشر ، كنوع من المغناطيس الذي يجعل تلك الشخصيات تنجذب إلى بعضها البعض وتتصادم مع بعضها البعض فيما بعد . لذلك سأغيّر كلمة الجنس بالرغبة أفضل. حيث إن كل فعل بشري وراءه رغبة ما. لنأخذ الجنس بشكل مجرد ، وننظر إليه كنوع من الأدفاق التي تخترقنا. فحتى فعل السيارة التي تخترقه من الخلف هو فعل جنسي ( في إشارة إلى قصة الشر ) ، في نص بطاي " الشرج الشمسي " يتصور الجنس بشكل مختلف عما نتصوره. حيث يرى في نتوء الأشجار وبروز الجبال والحيوانات وهي تتناسل ، محركات لدوران الأرض ، الجنس بهذا المعنى ليس شيئا يخصنا نحن فقط ، فهذه الأدفاق الجنسية تخترق الحيوانات، النباتات وكل القوى الكونية والموجودات. لكن الذي يجعل الجنس شيئا إشكاليا هو البشر الذي خلق القانون والممنوع. لكي يقول لنا إن الجنس يمارس في غرف مغلقة وفي أوقات معينة. الحيوانات لا تختفي عندما تمارس الجنس، النحلة لما تتنقل من زهرة إلى زهرة كي تلقحها ، ليست مطالبة بوثيقة زواج ( لا تكتب الصداق ) كي تفعل ذلك. الجنس بطريقة عامة هو محرك لكلّ الموجودات. ليس بمعناه البشري بطبيعة الحال. وإن ننظر إليه بمنظار غير بشري ، سنشعر أنه طاقة في الكائنات. أنا أرى على سبيل المثال أن شروق الشمس فعل جنسي. أو حينما ألقي وجهي إلى أشعة الشمس فهو أمر جنسي. - حلمي الشيخاوي : في فاتحة الكتاب 'معرفة الله'، هناك نفحة لا أدري إن كان بالإمكان تسميتها بالصوفية، نستدل عليها من العنوان ومضمون القصة. أريد أن أسألك وانا أستحضر كتاب باطاي " التجربة الداخلية" وعنوان كتابه الآخر" دموع إيروس" ، أين تقع هذه الصوفية إن صحّ التعبير وهي البعيدة عن التجربة النسكية المرتبطة بالمعتقد الديني. - أيمن الدبوسي: سأجيبك نصف إجابة، أنا لا اعتقد أنني أملك رهانا صوفيا لأن الصوفية تبحث دائما عن الخلاص الذي يتمثل في الحلول في الله. أي الخروج من الذات والخروج من العالم. وهي نهاية سعيدة تتنتهي بنا في أحضان الإله أو جبة الله كما قال الحلاج . فيما يخص الفاتحة 'معرفة الله'، ليس هناك لقاء وإنما حفرة، هذا النص يبدو وكأنه خلق لقاء مرا مع الله وكنت ختمته بعبارة "مر المذاق" ولكن بأي معنى مر المذاق؟ بمعنى أنه لم يعد الإله هو الضامن لحسن سير دواليب الكون، وهي استعارة لموت الإله. فمثلما نعرف إن إحدى وظائف الإله هي ضمان العدل. في هاته المجموعة القصصية، الله لم يعد ضامنا وحاجزا ضد قوى الشر، والإنسا
- مجموعة قصصية تسعى لتفتيت إدراكك لأجزاء بسيطة لكن تفقد القدرة على إعادة تركيب نفسك كما كنت سابقا -بعد الانتهاء من قراءة كل قصة سينبعث إحدى انفصامتك ليجابهك بسؤال ماذا لو كنت أنت ؟ كيف ستتصرف حيال هذا ؟ _ إن كنت ذو قلب ضعيف هش لا تقرأ ما يحرك انفعالات جسدك / مشاعرك / كيان سلام خاص ... الخلاص ليست مراجعة بقدر ما انطباعات شخصية
قلة هم الذين تكون قراءتهم صلاة في محراب الابداع. لقد ولج الدبوسي بوابات التابو (في معنييه الأصليين من مزاوجة بين المقدس والمدنس) بسلاسة ودك اسوار الذهن بعنف. ولكم وددت أن لا ينتهي هذا الكتاب.
انتصاب أسود و انقلاب العين لأيمن الدبوسي الأول رواية و الثاني مجموعة قصصية يعتريني الشك حول إعجابي بالكتب اللذين قرأتهما. فحتى وإن لم يلمس قلبي و لم يرق لي ما كتبه "أيمن النفساني" في بعض الأجزاء، فضولي الشديد دفعني لإتمام قراءتهما، و حرصًا على استشفاف عبقرية هذا الكاتب العابر. قلمه يرتسم مجنونًا، هاذيا، جامدًا، ساحرًا، مرعبًا، جميلاً، مقرفا، مقززا، مغريا و مداعبا... أحيانًا يثير دهشتي في رموز الألفاظ، وأحيانًا أُجادل ذاتي في فهم أعماقها فأعيد القراءة. على الرغم من هذا التناقض، قصتي المُفضلة تبقى "شمس" من "انقلاب العين"