لتأليف أبي حيان لهذا الكتاب قصة ممتعة، ذلك أن أبا الوفاء المهندس كان صديقاً لأبي حيّان وللوزير أبي عبد الله العارض، فقرب أبو الوفاء أبا حيّان من الوزير، ووصله به، ومدحه عنده، حتى جعل الوزير أبا حيّان من سُمّاره، فسامره سبعاً وثلاثين ليلة، كان يحادثه فيها، ويطرح الوزير عليه أسئلة في مسائل مختلفة فيجيب عنها أبو حيّان.
ثم طلب أبو الوفا من أبي حيّان أن يقص عليه كل ما دار بينه وبين الوزير من حديث فأجاب أبو حيان طلب أبي الوفاء، ونزل على حكمه، وفضل أن يدوّن ذلك ليشتمل على كل ما دار بينه وبين الوزير من دقيق وجليل وحلو ومر، فكان من ذلك كتاب "الإمتاع والمؤانسة" والكتاب ممتع على الحقيقة لمن له مشاركة في فنون العلم، فإنه خاض كل بحر، وغاص كل لجّة، وابتدأ أبو حيّان كتابه صوفياً وتوسطه محدثاً، وختمه سائلاً ملحفاً.
قسم كتابه إلى ليالٍ، فكان يدون في كل ليلة ما دار فيها بينه وبين الوزير على طريقته قال لي وسألني وقلت له وأجبته. وكان الذي يقترح الموضوع دائماً هو الوزير، وأبو حيّان يجيب عما اقترح. لذا كانت موضوعات الكتاب متنوعة تنوعاً طريفاً لا تخضع لترتيب ولا تبويب، إنما تخضع لخطوات العقل وطيران الخيال وشجون الحديث، حتى لنجد في الكتاب مسائل من كل علم وفن، فأدب وفلسفة وحيوان ومجون وأخلاق وطبيعة، وبلاغة وتفسير وحديث وغناء ولغة وسياسة وتحليل شخصيات لفلاسفة العصر وأدبائه وعلمائه وتصوير للعادات وأحاديث المجالس، وغير ذلك مما يطول شرحه.
وفي الكتاب النص الوحيد الذي كشف لنا عن مؤلفي إخوان الصفا، وقد نقله القفطي منه، إذ كان الوزير قد سأل أبا حيّان عن هذه الرسائل ومن ألفها. وأسلوب أبي حيان في الكتاب أسلوب أدبي راقٍ كعهده في سائر كتاباته. ويمكن القول بأنه وإن كان ألف ليلة وليلة تصوّر أبدع تصوير الحياة الشعبية في ملاهيها وفتنها وعشقها، فكتاب الإمتاع والمؤانسة يصوّر حياة الأرستقراطيين أرستقراطية عقلية، كيف يبحثون، وفيما يفكرون، وكلاهما في شكل قصصي مقسم إلى ليال، وإن كان حظ الخيال في الإمتاع والمؤانسة أقل من حظه في ألف ليلة وليلة.
أبو حيان علي بن محمد بن العباس التوحيدي البغدادي، فيلسوف متصوف، وأديب بارع، من أعلام القرن الرابع الهجري، عاش أكثر أيامه في بغداد وإليها ينسب، وقد امتاز بسعة الثقافة وحدة الذكاء وجمال الأسلوب، كما امتازت مؤلفاته بتنوع المادة، وغزارة المحتوى؛ فضلا عما تضمنته من نوادر وإشارات تكشف بجلاء عن الأوضاع الفكرية والاجتماعية والسياسية للحقبة التي عاشها، وهي بعد ذلك مشحونة بآراء المؤلف حول رجال عصره من سياسيين ومفكرين وكتاب، وجدير بالذكر أن ما وصلنا من معلومات عن حياة التوحيدي بشقيها الشخصي والعام- قليل ومضطرب، وأن الأمر لا يعدو أن يكون ظنا وترجيحا؛ أما اليقين فلا يكاد يتجاوز ما ذكره أبو حيان بنفسه عن نفسه في كتبه ورسائله، ولعل هذا راجع إلى تجاهل أدباء عصر التوحيدي ومؤرخيه له؛ ذلك الموقف الذي تعّجب منه ياقوت الحموي في معجمه الشهير معجم الأدباء (كتاب) مما حدا بالحموي إلى التقاط شذرات من مما ورد في كتب التوحيدي عرضا عن نفسه وتضمينها في ترجمة شغلت عدة صفحات من معجمه ذاك، كما لّقبه بشيخ الصوفية وفيلسوف الأدباء؛ كنوع من رد الاعتبار لهذا العالم الفذ ولو بصورة غير مباشرة.
وكم هو ممتع وأنيس وكم هو رائع الجلوس وإياه في هدوء� تتسامران سويا وتشعران بدفء الصحبة كل بطريقته
فالكتاب سيأنس برفيق جديد يضمه إلى ألوف قرءوه ويقرؤونه � عبر قرون عديدة مديدة� وأنت ستهنأ بصحبة هذا الصديق المثقف المسلي والأنيق دون ملل مع سيد النوادر� وصاحب العبارة السريعة الرشيقة
معه تحن لتلك العصور التي غابت عنا تتمتع فيها بجذالة اللغة العربية وجميل إيقاعها وألفاظها فيه البلاغة غير متكلفة أو معقدة� أدب عظيم الفصاحة والبيان� لفظا وعبارة وبناء �
في الكتاب يعرض التوحيدي مسامراته مع الوزير أبي عبد الله العارض � وذلك على مدار ما يقارب الأربعين ليلة �
فيها تتمتع بموسوعية مجالات التوحيدي المعرفية � لتشمل نقاشات في� الأدب والسياسة والدين � والطب وعالم الحيوان والكثير من العلوم الأخرى �
فالمحاورات لا تقتصر على النوادر وقص الأحداث التاريخية � ولكنها تحوي كذلك استطرادات أدبية وفلسفية وفقهية
والكتاب كنز حقيقي من كنوز الأدب � ونفيسة من نفائس الفكر العربي�
ان الكلام على الكلام صعب فكيف ان كان عميق الغور واسع الافق وفي بيانه سحر
اربعون ليلة تسامر فيه ابو حيان مع الوزير ابي عبد الله العارض تبدأ كل ليلة بسؤال الوزير وحديثه تتبعها محاورات ومكاتبات وابو حيان يجيب وكأنه يخوض في كل بحر ويغوص في كل لجة من فنون العلم من فكر وفلسفة ولغة وادب وسياسة ومجتمع فهي ليالي الفلاسفة والمفكرين والادباء فيها هزل الحديث وجده وفيها خيره وشره يخيل اليك وانك تقرأ انك جالس معهم وتستمع لاستجابات ابو حيان وتثيرك خطراته العقلية وشطحاته الخيالية وشجون حديثه وسحر بيانه فحديثه عن الروح والنفس والعقل والقضاء والقدر والنظم والنثر والنحو والمنطق والسياسة وعن عالم الحيوان فيه قرع للحس وتنبيه للعقل وامتاع للروح ومعونة على استعادة اليقظة وانتفاع في المقامات وتمثل للتجارب المختلفة وامتثال للاحوال المستأنفة
اجمل الليالي كانت 6,14,35, 37 ورسالة ابي الوفاء الى ابو حيان ونصحه وارشاده لابو حيان في كتابته جميلة مؤثرة اعدت قراءتها اكثر من مرة فقد احببت ابو الوفاء وكلامه ولولاه لما قرأنا هذا الكتاب اقتبس من كلام ابو الوفاء المهندس
"وليكن الحديث على تباعد أطرافه، واختلاف فنونه مشروحا، والإسناد عاليا متّصلا، والمتن تامّا بيّنا، واللفظ خفيفا لطيفا، والتصريح غالبا متصدّرا، والتعريض قليلا يسيرا وتوخّ الحقّ في تضاعيفه وأثنائه، والصدق في إيضاحه وإثباته، واتّق الحذف المخل بالمعنى، والإلحاق المتّصل بالهذر، واحذر تزيينه بما يشينه، وتكثيره بما يقلّله، وتقليله عمّا لا يستغنى عنه، واعمد إلى الحسن فزد في حسنه، وإلى القبيح فانقص من قبحه، واقصد إمتاعي بجمعة نظمه ونثره، وإفادتي من أوّله إلى آخره، فلعلّ هذه المثاقفة تبقى وتروى، ويكون في ذلك حسن الذكرى، ولا تومئ إلى ما يكون الإفصاح عنه أحلى في السمع، وأعذب في النّفس، وأعلق بالأدب، ولا تفصح عمّا تكون الكناية عنه أستر للعيب، وأنفى للرّيب، فإنّ الكلام صلف تيّاه لا يستجيب لكلّ إنسان، ولا يصحب كلّ لسان، وخطره كثير، ومتعاطيه مغرور، وله أرن كأرن المهر وإباء كإباء الحرون، وزهو كزهو الملك، وخفق كخفق البرق، وهو يتسهّل مرّة ويتعسّر مرارا، ويذلّ طورا ويعزّ أطوارا، ومادّته من العقل والعقل سريع الحؤول خفيّ الخداع، وطريقه على الوهم، والوهم شديد السّيلان ومجراه على اللسان، واللسان كثير الطغيان، وهو مركّب من اللّفظ اللّغويّ والصّوغ الطّباعيّ، والتأليف الصّناعيّ، والاستعمال الاصطلاحيّ، ومستملاه من الحجا، ودريه بالتمييز، ونسجه بالرّقة، والحجا في غاية النشاط وبهذا البون يقع التباين ويتّسع التأويل، ويجول الذّهن، وتتمطّى الدعوى، ويفزع إلى البرهان، ويبرأ من الشبهة، ويعثر بما أشبه الحجّة وليس بحجّة، فاحذر هذا النّعت وروادفه، واتّق هذا الحكم وقوائفه ولا تعشق اللّفظ دون المعنى ولا تهو المعنى دون اللفظ، وكن من أصحاب البلاغة والإنشاء في جانب، فإن صناعتهم يفتقر فيها أشياء يؤاخذ بها غيرهم، ولست منهم، فلا تتشبّه بهم، ولا تجر على مثالهم، ولا تنسج على منوالهم، ولا تدخل في غمارهم، ولا تكثّر ببياضك سوادهم، ولا تقابل بفهاهتك براعتهم، ولا تجذب بيدك رشاءهم، ولا تحاول بباعك مطاولتهم، واعرف قدرك تسلم، والزم حدّك تأمن، فليس الكودن من العتيق في شيء، ولا الفقير من الغنيّ على شيء، أما سمعت قول الناس: ليس الشاميّ للعراقيّ بصاحب، ولا الكرديّ من الجنديّ بساخر، فإن طال فلا تبل، وإن تشعّب فلا تكترث، فإن الإشباع في الرواية أشفى للغليل، والشرح للحال أبلغ إلى الغاية، وأظفر بالمراد، وأجرى على العادة.
على سنن ألف ليلة وليلة جاء هذا الكتاب، إلا أنه كان أقل ليالي، وأكثر جدية، وأعمق غورا، وأجزل لفظا، وأشد تنوعا. أخطأت حين اخترت الكتاب للقراءة اليومية، فرغم أنه ظاهريا مما يتناسب مع فكرة القراءة اليومية، لعدم ترابط المواضيع، وكثرة الأجزاء، إلا أنني لم أحسب حساب وعورة الكلمة، وقدم الأسلوب، هذا الذي ألحظه دائما حينما أنتقل من كتاب حديث إلى آخر تراثي، حيث اعتياد العين على القراءة السريعة لا يتناسب مع نوعية الأسلوب المختلفة، لذا فأنا أجزم أنني فوت الكثير من جميل العبارات، ومفيد المعاني، لتنوع المزاج في القراءة، وعدم حضور الذهن في بعض الأوقات، وتفويت البحث عن معاني الكثير من المفردات الغريبة. لا يخدعنك الكتاب بحجمه، فهو من نوعية الكتب التي لها سرعة قراءة خاصة بها، وأحقية انتباه لكثير مما تحويه سطورها.
لا وصفَ أفضل لهذا الكتاب من اسمه , مؤنسٌ وأنيس للوحشة كلام لا يُمل , كلقاء لصديقين كل الكلام فيه مهم ولا يُهم كموسيقى هادئة تُعزف في خلفية المشهد ,نسكُن إليها دون أن نعيها , ونجلس معها طويلاً دون أن نمل - كل الكلام مهمٌ ولا يُهم
كانت المجالس غالبا ما تعود بي لكتاب ألف ليلة وليلة، والفرق أن هذه مجالس الوزير وتلك حبكت قبيل الشخير و التي بين أيدينا ذكرت سياسة بختيار والثانية أوسنت عيون شهريار. كان من جملة ما احتوى عليه الكتاب ما إن صنف لم يستحكم بباب عن باب، فليلة يتناول الوزير ونديمه فلسفة الإغريق ليرتعوا أخرى بين طرائف أم الربيق في قويق، ويُتوقع أن تحيط ببعض ما حكاه التوحيدي أو لا تعلم من نظير حيث ألقت رحلها أم قشعم. وتخلل النثر تارة أشعار وتارة أخرى طغى الوقار كتدارس علوم النفس وتمييزها عن الحس. اختتم بأخبار المتكلمين الذين كانوا في كل صوب خائضين مما استشكلوا والظن غالبه اليقين.
نفرت من توسل الأديبِ للوزير ولو علِم أنه ماأغناه عن زمهرير ولو لزم ما سقاه القدر من مرير كان أصوب ومن المروءة أقرب وذلك كل ما أزعجني وأنغص علي قراءتي ولم أستسغه منه فمررت برسالتيه مرور الكرام، من رأى مكروها وعنه صام.
وأخص بالذكر ما ظفرت به عن العرب، عن إلمامهم بالأخلاق و عذب الطرب فكانوا أعرف من غيرهم بالأدب...حتى صاروا "لا فخر لهم إلا بالبلاغة ولامعقل لهم إلا السيف ولا عز لهم إلا بالسؤدد"... شجاعتهم منقطعة النظير، كرهم وفرهم إن هم دعوا للكريهة وإفحال غيرهم بسرعة البديهة. وما نسي الكاتب باقي الشعوب من الثناء بما شاع عنهم من كرم و أخلاق وباقي الشيم.
ولو لم يكن ما نهلت من كتابه سوى تجديد عهد بما ما تناسيتُه عقودا فكفى بذلك عن عذب كلامه شهيدا...
If these are not the finest Arabic lines I wrote in 2020 ... I believe in the power of tea and a good Arabic Classic ! Recommending it to الذواقة , this is the closest you can get to المعري and still understand what is said !
أشياء ليست بالقليلة في هذا الكتاب ، فهو يحمل علامات و دلالات على طريقة العيش و التفكير و السلوكيات العامة عند من سبقونا ، خليط ٌ من دروس المنطق و الإلهيات و الأدب و التاريخ ، و سوء و حسن الأوائل ، إنه يعرّي رغم أنني أكيد أنه كان للمسامة لا أكثر ، هذا الكتاب و سواه من كتب التراث تعرّينا و تعرّي زمانها ، فكيف أنّا طوال هذه السنوات لم نتغيّر بشكل ٍ حقيقي ، ليس في الأمر أصالة ، بل حالة تدنّي في العقل العربي و المخيال الشعبي القابل لكل خرافة ، و الأدهى في حالتنا العربية أننا نبذنا أشياء كثيرة باسم الدين ؛ رغم أنها لا تخدشه ، فلا أفتض أن فردا ً في هذا الزمن هو أقرب لمن سبقوه في الفهم على اعتبار أن طريقة فهم النص الديني في الزمانين واحدة !
لو صحى أبو حيان من مرقده الترابي ، لقال تغيّرت المباني ، و هذه الوجوه الكالحة على حالها !
من كنوز الأدب المنثور ، قد لا يعرفه أكثر القراء ، الحاجة إليه ماسة مع استفحال داء العامية ، واندراس الأساليب الفصيحة . لشيخنا علي الطنطاوي رأي غريب بعض الغرابة ومختلف عن رأي نقاد الأدب فيما يخص أسلوب الجاحظ وأسلوب التوحيدي ، إذ يرى الطنطاوي بأن التوحيدي أربى على الجاحظ في جودة السبك ، وسلامة الأداء ، وإن كان الجاحظ أغزر فكرا ، وأكثر تصرفا في فنون القول ، ��هو حكم صائب في نظري ، وقد لمسته عند قراءتي للكاتبين معا في آن واحد .
الكتاب عبارة عن مختارات قليلة من كتاب الإمتاع والمؤانسة للتوحيدي، وهو الكتاب الذي كنت أنتوي بالفعل قراءته في القريب العاجل، سواء هو أو التحقيق الكامل لكتابه الصداقة والصديق أو البصائر والذخائر أو مثالب الوزيرين، لا لشيء سوى بسبب حديث كيليطو عنه في إحدى كتبه التي قرأت عن قريب، أعتقد كان رواية والله إن هذه الحكاية لحكايتي، لكن صدقًا لما قرأت المختارات - وهي قليلة بحيث لا تصلح للحكم على مضمون الكتاب الأم - قررت أن أرجئ القراءة للتوحيدي، فأنا لا أريد تكرار تجربة المعري وكتابه الرسالة الذي تعثرت فيه للغاية وجعلني أندم شديد الندم لقراءته في وقت لم أكن مهيأ له بالشكل الكافي أما عن كتابنا هنا فهو عبارة عن مختارات من بضعة ليال كان أولها في المفاضلة بين العرب والعجم، المفاضلة بين البلاغة والحساب، المنطق والفلسفة، ومن كثرة عشوائية الحوارات لم أستوعب ما المراد وأين الكلام السمين من الغث قد أرجئ الكتاب الأكبر حين أكون متفرغا لو بالكامل وله وحده دون العديد من الكتب التي أقراها سويًا ملحوظة جانبية: بدت لي مقدمة أحمد أمين للكتاب جميلة عكس ما رأيت من تحقيقه، ولا أدري هل هذا حكم متسرع أو أن هذه هي عادة الحكم على كتب التراث من حيث الألفاظ الغريبة، فالكتاب كان يتوقع معنى الكلمات التي تغمض عليه ولا يؤكد رأي عن سواه، ولا أدري هل حكمي متسرع أم لا، لكن يرجأ القول لحين القراءة الفعلية للكتاب
-- أبو حيان التوحيدي خليفة الجاحظ على عرش الريادة الأدبية ، و أحد سادة الكتابة النثرية ، و عبقرية مشهورة من عبقريات الثقافةالتراثية العربية ، و علم بارز من أعلام الثورة الفلسفية التي اضطرمت نيرانها في القرن الرابع الهجري . - { كان متفننا في جميع العلوم من النحو و اللغة و الشعر و الأدب و الفقه و الكلام ، و كان جاحظيا يسلك في كتبه مسلك الجاحظ ، و يشتهي أن ينتظم في سلكه ، فهو شيخ الصوفية و فيلسوف الأدباء ، و أديب الفلاسفة و محقق أهل الكلام ، و متكلم المحققين و إمام البلغاء ، فرد هذه الدنيا الذي لا نظير له ذكاء و فطنة ، و فصاحة و مكنة ، كثير التحصيل للعلوم في كل فن ، حفظة واسع الرواية و الدراية } ! . - بهذه الكلمات الرائعة البراقة استهل ياقوت الحموي ترجمته لأبي حيان في كتابه الفخم { معجم الأدباء } و هي ترجمة دسمة لهذا الأديب العلم ، تنبئ عن مكانته العالية عند أهل الأدب و الفلسفة و العلم . إسمه علي بن محمد بن العباس ، و كنيته أبو حيان و لقبه التوحيدي ، و قد غلب عليه هذا اللقب لأن أباه كان يبيع نوعًا من التمر في العراق يقال له : { التوحيد ! } ، و يحتمل أن يكون اللقب نسبة إلى التوحيد و هو : الدين و العقيدة ! لقوله في الإمتاع و المؤانسة : { و أنا أعوذ بالله من صناعة لا تحقق التوحيد و لا تدل على الواحد و لا تدعو إلى عبادته ! } . و أيضا لأن المعتزلة كانوا يسمون أنفسهم أهل العدل و التوحيد و قد كان هو منسوبا إليهم حسب بعض الروايات التاريخية . ولد في سنة 310 ( هجرية ) في بغداد لأبوين فقيرين ، و أقام فيها أغلب حياته ، إلا أن طفولته كانت صعبة جدا . ثم لما صار يتيما ( بعد وفاة أبويه ) انتقل إلى جوار عمه الذي لم يجد عنده الرعاية المأمولة ، فاستبدل بهذا الجوار اللئيم جوار الكتب و القراءة و العلم ، حيث عمل بمهنة الوراقة ( نسخ الكتب ) فصار مثقفا موسوعيا جراء اطلاعه الكبير على مخلفات كتب الأولين في شتى العلوم و المعارف ، إلى جانب ثقافته الشخصية و تعليمه الخاص ( و من العلماء الذين تلقى عنهم العلم : أبو سعيد السيرافي و علي بن عيسى الرماني في النحو و اللغة و البلاغة ، و أبو حامد المروذي في الفقه ، و تتلمذ أيضا للفيلسوف الكبير أبو سليمان المنطقي في الفلسفة و المنطق و غيرهما ) . و لما آنس من نفسه النبوغ و القدرة العلمية حاول الإتصال بوزراء عصره و خصوصا : الوزيرين الشهيرين الصاحب بن عباد و ابن العميد ، إلا أن محاولاته هذه باءت بالفشل الذريع ، نتيجة عدم اكتراثهما به فنقم عليهما و عاداهما و شن عليهما حملة شعواء تجلت في كتابه { أخلاق الوزيرين } و الذي انتقدهما فيه نقدا لاذعا جدا ، ليعود إلى أحزانه الأولى مرة أخرى بإحراق كتبه و اعتزاله عن الناس . و قد عانى في حياته كثيرا من شظف العيش و قلة ذات اليد ، فأورثه ذلك سخطا و مرارة و نكدا لا يطاق ! . غير أن هذا لم يقض على عبقريته العلمية و لم يحد من همته للعلم و التحصيل ،بل إن ذلك صنع منه رجلًا صاحب علم و أدب و ثقافة ، و يمكننا اعتباره أحد الشموس الكبرى التي استنارت بها الحياة العربية و الإسلامية ، ليصبح واحدا من أهم أئمة اللغة و البيان و الفلسفة الذين يشار إليهم و إلى كتبهم بالبنان .
-- و على الرغم من أن العصر الذي عاش فيه أبو حيان كان عصر ضعف و انهيار من الناحية السياسية ، فقد فسدت فيه أحوال الدولة العباسية و لم تبق لهم كلمة مسموعة ، و لا قوة نافذة و لا كيان يرتجى معه البقاء . فاستولى البويهيون على بغداد ، و تمزقت البلاد إلى ممالك و دويلات صغيرة ، و كثر القتل في الخلفاء . على الرغم من ذلك كله فقد أبقت الأمة على قوتها الفكرية ؛ فنشطت الحياة الأدبية و الثقافية في ذلك العصر و ازدهرت أيما ازدهار ، و نشأت في ظل الممالك المتخبطة و الإمارات المتناحرة زمرة صالحة من العلماء و الأدباء و الشعراء بتأثير التسلسل الحضاري المنبعث من القرن الثالث الهجري ، و كانوا أحرص الناس على العلم و المعرفة . -- و يعتبر أبو حيان من الشخصيات الجدلية التي تضاربت حولها الأقوال ، و مزال الناس فيه بين مادح و قادح ، فقد رماه قوم من المؤرخين بالزندقة و الإلحاد ( ابن الجوزي و الذهبي ) ، بينما انتصر له آخرون و أنصفوه من اتهامات أولئك ! بل و عدوه من كبار الزهاد و الأئمة ( تاج الدين السبكي و ياقوت الحموي ) . و الحقيقة أننا لا نجد أي دليل على صدق تلك الدعاوى و الإتهامات ! حيث أن القارئ لما بقي من كتبه سيقف على العشرات من النصوص فيها و التي تمجد الله و الرسول صلى الله عليه و سلم و تستدل بكلام الصحابة و الأئمة من علماء الإسلام ، بل و تدعو إلى توثيق الصلة الإيمانية بالله عز و جل و غير ذلك من دلائل صحة عقيدة الرجل .و قد ناقش المرحوم محمد عمارة هذه الأقوال كلها و بحثها جميعا ، ثم خلص في نهاية بحثه إلى براءة أبي حيان من تهم الكفر التي افتريت عليه في كتابه ( أبو حيان التوحيدي بين الزندقة و الإبداع ) فليراجعه من شاء الإستزادة في هذا الموضوع . -- كان أبو حيان التوحيدي يأخذ نفسه بثقافة موسوعية واسعة ، و قد ظهر هذا جليا في كتبه و رسائله ، كما كان له أثر كبير في تطور الأدب العربي في عصره ، و هو ناقد جريئ لا تخطئ بصيرته مواضع النقص ، و ذو حس مرهف مع قدرة لغوية و نثرية بارعة و أسلوب في غاية الروعة و الوضوح و الصفاء ! ، و قد عده شيخ الأدباء علي الطنطاوي أحد ستة انتهت إليهم - حسبه - إمامة النثر في الأدب العربي و هم على التوالي : الجاحظ و أبي حيان التوحيدي و الغزالي و ابن خلدون و محيي الدين ابن عربي . و إن آثاره تعتبر من أصدق الوثائق على ذلك العصر و معرفته و رجاله و طريقة التفكير فيه ، كما أنها تعرف بصاحبها أصدق تعريف . -- توفي أبو حيان التوحيدي سنة 414 ( هجرية ) في مدينة شيراز على أرجح الأقوال ، و ذلك بعد فراره من تهديد الوزير المهلبي بقتله إثر وشاية طالته من بعض حساده ! . بعد أن أثرى المكتبة العربية بالعشرات من روائع الكتب التي سلمت من الإحراق الذي طالها به ! و منها : البصائر و الذخائر ، الصداقة و الصديق ، أخلاق الوزيرين ، المقابسات ، الإمتاع و المؤانسة ، تقريظ الجاحظ ، الهوامل و الشوامل ، الإشارات الإلهية . -- أما عن كتابه هذا ؛ { الإمتاع و المؤانسة } فهو فسحة أدبية ممتعة ، و حديقة تسر الناظرين ، و بستان يانع بثماره للواردين .و هو أحد الكتب التراثية المشوقة التي ظلت على الدوام تستقطب القراء من مختلف المشارب و الإتجاهات ، ذلك أنه جمع بين حسن السرد ، و جودة البناء ، و رفعة المواضيع ، و جمال الرصف ، و هو يقدم عند الدارسين على أنه أحد عيون الأدب و الفلسفة العربية الشاهدة على أصالة و ثراء الحضارة العربية الإسلامية . و قصة الكتاب أن أبا الوفاء المهندس و هو صديق أبي حيان التوحيدي الذي قدمه إلى الوزير أبي عبد الله العارض ، حتى صار التوحيدي من خلان الوزير و من المقربين إليه ، و صار يسامره بعد ذلك دائما في بلاطه و خلواته الليلية معه ، و تدور أحاديثهما في ذلك على الأدب و الشعر و الفلسفة و غيرها من العلوم ، تتخللها جمل من الفوائد و الطرائف و النوادر . فلما وقع خبر ذلك إلى سمع أبي الوفاء طلب من أبي حيان أن يكتب له كل ما دار بينهما من تلك المسامرات في كتاب خاص ، فأجاب التوحيدي طلب صاحبه بكل سرور ، و دون كل ذلك في أثر أطلق عليه إسم ( الإمتاع و المؤانسة ) ، و قد بلغ عدد الليالي فيه أربعين ليلة . و قد تنوعت مواد الكتاب بتنوع مساءلات الوزير لأبي حيان فهي لا تخضع لتبويب معين أو ترتيب مقصود ! حيث كان الوزير يسأله عن مجموعة من المواضيع فيجيبه التوحيدي عنها بديهة ، و يستحضر في ذلك ما في جعبته من كلام العرب و نوادرهم و شعرهم و أخبارهم و يذكر في خلال ذلك نصوص القرآن و السنة و كلام الزهاد و الحكماء و تجارب الناس و معارف الفلسفة و علم الكلام و ما إلى ذلك . و الكتاب ممتع و مؤنس ( كإسمه ) و لغته عالية جدا و فخمة بفخامة تعابير التوحيدي ، و فيه معلومات شتى عن المجون و الأخلاق و ثقافات أهل العصر و البلاغة و الغناء و السياسة و فيه أيضا تحليل نفسي لبعض الشخصيات ، كما ضم فنونا مختلفة من الأدب كالمقالة ( وردت في الليلة الرابعة و قد وصفها الدكتور محمد نجم بأنها مقالة هجائية بارعة حيث تعرض فيها التوحيدي لانتقاد الوزير الصاحب بن عباد ) و القصة و الخطابة ( وردت في الليلة الثامنة ) و الأمثال ( وردت كثيرا في الليالي : الثالثة و الرابعة و السادسة و التاسعة ) . و الكتاب يكشف كشفا حضاريا مهما عن خبايا القرن الرابع و ما يميزه عن باقي ��رون الحضارة الإسلامية . -- و من مميزات هذا الكتاب كشفه عن لغز تاريخي طالما حير المؤرخين و المتخصصين و هو لغز جماعة ( إخوان الصفا و خلان الوفا ) حيث لم يقم أحد من الكتاب أو المفكرين قبل التوحيدي بذكر هذه الجماعة أو كتب أي شيء عنهم أو عن أسمائهم أو عن رسائلهم التي حاولوا فيها التوفيق بين الدين ( الشريعة ) و بين الحكمة ( الفلسفة ) ، و ظل الغموض يلف هذه الجماعة عند الناس حتى جاء التوحيدي و تحدث عنهم في كتابه هذا فقال معرفا بهم : هي عصابة تآلفت بالعشرة و تصافت بالصداقة ، و اجتمعت على القدس و الطهارة و النصيحة ، فوضعوا بينهم مذهبًا زعموا أنهم قرَّبوا به الطريق إلى الفوز برضوان الله و المصير إلى جنته ، و ذلك لأنهم قالوا : الشريعة قد دُنست بالجهالات ، و اختلطت بالضلالات ، و لا سبيل إلى غسلها و تطهيرها إلا بالفلسفة ، ذلك لأنها حاوية للحكمة الاعتقادية ، و المصلحة الاجتهادية ، و زعموا أنه متى انتظمت الفلسفة اليونانية و الشريعة العربية فقد حصل الكمال ! ، و صنفوا خمسين رسالة في جميع أجزاء الفلسفة : عِلميِّها و عَمَليِّها ، و أفردوا لها فهرستا و سموَّها رسائل إخوان الصفا و خلان الوفاء ، و كتموا أسماءهم ، و بثوها في الوراقين ، و لقنوها للناس ، و ادعوا أنهم ما فعلوا ذلك إلا إبتغاء وجه الله عز و جل و طلب رضوانه ليخلصوا الناس من الآراء الفاسدة التي تضر النفوس ، و العقائد الخبيثة التي تضر أصحابها ، و الأفعال المذمومة التي يشقى بها أهلها ، و حشوا هذه الرسائل بالكلم الدينية و الأمثال الشرعية و الحروف ( الكلمات ) المحتملة ، و الطرق الموهمة . -- و من فواخر الفوائد في مسامرات هذا الكتاب هو تلك المقارنة الفخمة في الليلة الخامسة و العشرين بين النظم و النثر ، حيث جاء فيها أبو حيان بما تعجب به القلوب و تتعجب منه العقول . و هو باب في القول عريض ، و سبيل مشتمل على كلمات قصار و حكم كبار مختصة بصناعة القلم و اللسان ، و البلاغة و البيان ، في إقامة الكلام على ميزان المعنى المفيد و اللفظ السديد ! . -- إلى جانب أنه حوى مناظرة مذهلة بين عالمين شريفين ( هما : أبو سعيد السيرافي و أبو بشر متى بن يونس المنطقي ) في التفاضل بين النحو العربي و المنطق اليوناني . و تكشف هذه المناظرة عن تصادم هذين العلمين و عن الجو الثقافي الذي كان سائدا آنذاك في مجالس الملوك و الوزراء . و قد وجه السيرافي فيها سهام النقد القوي إلى صلب المنطق الأرسطي ، و استطاع التعبير عن أفكار غاية في العمق بأسلوب ميسّر . و تكمن أهمّيةنصوص هذه المناظرة في أنهاتؤرخ لأول نقد علمييوجه للمنطق الأرسطي ، ويتحدث عن عقمه بشكل مباشر ، قبل نقد السهروردي و ابن تيمية و غيرهما . -- و قد اتبع التوحيدي في تأليفه للكتاب طريقة الجاحظ في توسعه في الحكايات و استقصائه للروايات ، و إتيانه بالطرائف و النوادر ، كما كتب بأسلوب رفيع أصيل العبارة ، متوازن الجمل على منوال ما كان الجاحظ يفعل في أسلوبه ، و كأنه استمرار لمدرسته ، مع ما جد من معارف و توسع من علوم ، حتى قال عنه إحسان عباس إنه : جاحظ آخر يبهرني بروعة أسلوبه ! . و قد التزم أبو حيان في الكتاب أسلوبا واحدا في عرض لياليه ، و هو أشبه بما نراه في ليالي ألف ليلة و ليلة ، حيث يلقي الوزير سؤاله فيجيبه التوحيدي مستقصيا استقصاء العارف الخبير و مستطردا على عادته الجاحظية في كل فن و قول و علم ! ، و يتخلل ذلك بعض الحوارات الخفيفة التي يستفسر فيها الوزير عن لفظة أو معنى محدد ، و يبدو ذلك واضحا من أثر إجابات التوحيدي التي تثير أفكارا و تساؤلات عند الوزير فيسأله عن ما استغلق عليه منها أو ما أثار لديه الفضول ، و تكون إجابات أبي حيان غالبا شافية كافية ، و أحيانًا كان يكتب له الأسئلة على أن يسأل شيوخه عنها ويوافيه بالرد عليها في الليالي القادمة . إلى أن ينتهي المجلس ب : { ملحة الوداع } التي يطلبها الوزير من أبي حيان ، فيوردها في شكل نادرة طريفة أو حكمة بليغة أو شعر من نظم عال ، ثم يعودان في الليلة الموالية إلى موضوع جديد و مسامرة أخرى . و قد قال الأستاذ أحمد أمين رحمه الله في المقارنة بينه و بين كتاب { ألف ليلة و ليلة } : فإن كان ألف ليلة و ليلة يصور أبدع تصوير الحياة الشعبية في ملاهيها و فتنتها و عشقها ، فكتاب الإمتاع و المؤانسة يصور حياة الأرستقراطيين أرستقراطية عقلية ، كيف يبحثون و فيم يفكرون ، و كلاهما في شكل قصصي مقسم إلى ليال ، و إن كان حظ الخيال في الإمتاع أقل من حظه في ألف ليلة و ليلة .
-- و اختصارا يعد الكتاب موسوعة ثقافية و اجتماعية و تاريخية لا نظير لها في الآداب العالمية مطلقا ! . إلى جانب أنه يعتبر مثابة للأدب و الأدباء ، و مهوى أفئدة الذين يرغبون في الإلمام بثقافات العصر الذي كتب فيه ، و لو طاوعت نفسي و تركت المدى للكتابة و الإفاضة عن هذا الأثر النفيس و محتواه و أهميته و ما تضمنه من مادة غزيرة و علم وافر ، ما اكتفيت و لا توقفت ! .
--- فائدة : -- من أهم المراجع و الدراسات في ترجمة أبي حيان التوحيدي :
-- معجم الأدباء لياقوت الحموي . -- طبقات الشافعية الكبرى للسبكي . -- وفيات الأعيان لابن خلكان . -- بغية الوعاة في طبقات اللغويين و النحاة للسيوطي . -- أمراء البيان لمحمد كرد علي . -- النثر الفني في القرن الرابع لزكي مبارك . -- أبو حيان التوحيدي لإحسان عباس . -- أبو حيان التوحيدي إنسانا أديبا لمحمد السامرائي . -- أبو حيان التوحيدي لحسن السندوبي . -- أبو حيان التوحيدي بين الزندقة و الإيداع لمحمد عمارة . -- أبو حيان التوحيدي أديب الفلاسفة و فيلسوف الأدباء لزكريا إبراهيم . -- أبو حيان التوحيدي لعبد الرزاق محيي الدين .
الامتاع والمؤانسة س/ ماهو موضوع الكتاب ؟ هو كتاب جمع أربعين مجلسًا دارت بين أبي حيان التوحيدي وبين الوزير أبو عبدالاله العارض كان يسرد فيها أبو حيان مواضيع عدة، على طريقة كتب الأدب التراثية، احتوت على شعر ولغة وسياسة وحيوان ومنطق وفلسفة وغناء وتاريخ وتحليل لشخصيات العصر، وجعل بذلك هذا الكتاب مرآة لذلك الزمان. س/ من المؤلف؟ الفيلسوف المتصوف الأديب الماتع، سمي الجاحظ الثاني، عرف بغزارة معارفة وتنوع بصائرة وحدة ذكاءه وسعة علمه توفي عام 414 هجري. س/ كم عدد الصفحات؟ الكتاب له طبعات عدة، والطبعة التي بين يدي هي طبعة دار الكتب العلمية ، 534 صفحة. س/ ماذا يقدم لي الكتاب؟ بمثل هذه الكتب، نرتقي لغويًا وفكريًا، ونأخذ تصورًا عن الوضع الاجتماعي والديني العام للعراق في ذلك الحين 400 هجري. ودون ذلك متعة ولذة في قراءة الأدب. س/ رأيي الشخصي بالكتاب؟ الكتاب أعجبني واستمتعت به جدًا ، وأحب أن أنظر لكتب التاريخ والأدب بنظرة انثروبولوجية ، فأنظر الكلام والعادة والجو العام والثقافة والدين لذلك الزمان. وهذا الكتاب يوفر وجبة غنية بهذا الذي أريد، هذا عدا عن حلاوة الكلام وجمالية السرد وروعة المواضيع. وتميز الكتاب بالتنوع ، فهذا مما يمنعك منعًا من الملل، ويتيح لك الخيار حال قراءته لليلة ( موضوع ) لم يعجبك ، بالذهاب مباشرة للموضوع التالي ، فقد تنتقل من مسألة فلسفية لا تفهم منها إلا أنك لم تفهم ، إلى ليلة يتحدث فيها أبو حيان عن الأسد وكيفية لقاءة باللبوة، وهذا من الممتع حقيقة.
الجزء الأول (14.11.2016- 30.112016) - (14.2.1438-1.3.1438)
وكأنك تشاهد حلقة من برنامج وثائقي فكري أدبي كل ليلة .. هكذا كان حال الوزير أبو عبد الله العارض الذي سامره أبو حيان التوحيدي وأجاب على اسئلته في العصر البويهي فكان كل ليلة يحدثه بموضوعات شتى وبلغة أدبية بلاغية متألقة في الجزء الأول من الكتاب يروي لنا أبا حيان ما حدث به الوزير ب16 ليلة .. وفيها انتقل من حديثه عن بعض أهل عصره من العلماء والشعراء إلى الفلسفة واللغة إلى فضل العرب والعجم - معاقبهم ومعايبهم، إلى عالم الحيوان، النفس والبدن ، السكينة ، والممكن والواجب .
لأنها متنوعة لم تستهوني جميعها، وما اثر علي سلبا في سلاسة القراءة أيضًا كثرة الأخطاء والتصحيحات في النص والهوامش نظرًا لقدم الكتاب اما أجمل الليالي بنظري (بهذا الجزء)كانت الليلة السابعة - الحساب مقابل البلاغة، والليلة التاسعة عن أخلاق الحيوان والإنسان أخيرًا من اللفتات الجميلة والمميزة كانت "مُلحة الوداع" وهي خاطرة قصيرة أو أبيات من الشعر يختم بها أبا حيان حديثة وكأنها التحلية ما بعد الوجبة الدسمة !
--------------------------------------------- الجزء الثاني - 15.7.2017 /20.10.1438- 30.7.2017/ 6.11.1438
اما هذا الجزء فكان أقل جمالا ومتعة من الأول .. ولكنه بالطبع لا يخلو من اللفتات الجميلة هنا وهناك الليلة المُفضلة لدي كانت الليلة الخامسة والعشرون .. التي قارنت بين النثر والشعر
كانت ضمن المنهج في الباكالوريا..كم استمتعنا بها مع أستاذنا الجليل لمادة العربية ..يا الله أربعون ليلة سمر للتوحيدي مع الوزير البداية سؤال و النهاية موسوعة معرفية.
This entire review has been hidden because of spoilers.
يعرض التوحيدي في هذا الكتاب مسامرات ومحادثات بينه وبين الوزير أبي عبدالله العارض لمدة سبع وثلاثين ليلة تكلما فيها وتسامرا في كثير من المواضيع في الدين والأدب والسياسة ورأي كل منهما برجالات الأدب والسياسة وكثير من المواضيع... كان الوزير يبدأ الليلة بطلب من التوحيدي أن يتكلم في موضوع وكان الوزير أيضا ينهي الليلة بطلب من التوحيدي أن يحكي له مُلحة الوداع ما أعجبني في الكتاب هو لغة التوحيدي المليئة بالثقافة والدراية باللغة وتطويعها كما يشاء لغة مفهومة وغير ركيكة وفيها بلاغة ومحسنات بديعية لكن دون تكلف أو تعقيد للكلام أيضا ما يلفت النظر في الكتاب ثقافة التوحيدي فهو خاض مع الوزير في كثير من المواضيع مبينا عن كم من المعرفة في الق��يم والحديث والمشهور والنادر وكثرت الأحاديث في الدين والفقه والفلسفة والأدب وكان يجيب عن أسئلة الوزير بأجوبة متخمة بالأدب والمعرفة بالنهاية هذا الكتاب قيّم وفيه عرض التوحيدي الكثير من ثقافته وعلمه وآرائه التي كانت تعجب الوزير وتجعله يخوض معه في الكثير من الأمور.
من الصعب ان نكتب عن التوحيدي ملك العبارة المختصرة �� المعلومة السريعة و السخرية الرائعة ، و اذا لم يكتب التوحيدي كتاب غير الامتاع و المؤانسة لكان يكفيه ، لكن هناك كتب اخري للتوحيدي مثل "الاشارات الالهية " و يعتبر كتاب مناجاة مع الله غير عادي و غير تقليدي ، اعتقد ان التوحيدي بحاجة الي اعادة قراءة و اكتشاف ، فانه جمع موسوعية الجاحظ و حسن عبارة الاوائل
كان رفيقي الذي لا يمل عبر الكيندل أثناء فترة العزل بسبب كورونا. لأشهر طويلة ممتعة، كلما احترت في الكتاب القادم أعود إليه وأقرأ منه بعض الجواهر هنا وهناك.
أتصور أن من لم يقرأ التراث يمكن له البدء من هنا، أو من كتب ابن المقفع، فيجد نفسه مطلق الحركة.
قد تكفينا مؤونة تطويل الكلام في كتاب الإمتاع كلمة حاذقة مختصرة كتبها رجل صقلي على نسخته، قال:"ابتدأ أبو حيان كتابه صوفياً، وتوسطه محدّثاً، وختمه سائلاً مُلحفاً" وهكذا أقول بشيء من التجوز، أن أبا حيان وإن رأى الشانئ والمحب فيه اتساع الثقافة وسموّ الأدب، فإنه كذلك قد رأى منه شناعة الاستجداء والثلب.
وإن مما يحق للمرء التعجب منه والاندهاش لأجله تأليف أبي حيان هذا الكتاب في شهرين أو دونهما، مع كونه لم يرغب ابتداء في تأليفه، ومع انشغال باله واضطراب حاله، لقد أوتي من الفصاحة والمكنة والغزارة والتدفق ما جعل تأليف كتاب خطير كهذا في زمان قصير أمراً متيسراً عليه.
أما أسلوب الكتاب فكما قال أحمد أمين:"أغمضَ أسلوبه في هذا الكتاب تعرضه كثيراً لمسائل فلسفية عميقة قد عزت على البيان، ودقت عن الإيضاح، فإذا هو خرج عن هذه الموضوعات الدقيقة إلى موضوعات أدبية، كوصف لفقره بؤسه، جرى قلمه وسال سيله وأجاد وأبدع" ورسالة أبي حيان الأخيرة البائسة إلى أبي الوفاء المهندس من عيون ما قرأت، ويحسن عندي حفظها وتلاوتها والعجب منها.
ألاحظ أن كثيراً ممن يتكلمون عن أبي حيان يقدمون كتابَيه "الإمتاع المؤانسة" و"أخلاق الوزيرين" على ما سواهما من كتبه، لا جرم فالكتابان أكثر ما يكشف الجانب النقدي عند أبي حيان، ولا ريب أن أبا حيان كان سابقاً في أدبه حين حلّق في سماء هذا الفن الغريب من التأليف بالليالي. ولكن من يطل على أبي حيان من هذين الكتابين فسيظلمه، لأنه يراه فيهما رجلاً شتّاماً بذيئاً، لا يتورع عن القدح في أحد، وسيفوته جانب المناجاة والصدق والتأله الذي لم يكد يظهر فيهما، وربما ظلم أبو حيان نفسه بعد أن ظلم أهل عصره.
وأين أبو حيان في بصائره هادئاً منفسحاً متفنناً حيث هو الآمر المملي على نفسه، وحيث هو بعيد عن التملق والاستجداء، أقول: أينه من ذلك الغضب والسفه والهجاء العجيب الملون البديع؟ لقد حسن هناك في عين الناظر وخف على قلب القارئ.
كتاب جميل، فخم، وقِصّتُه أنَّ أبا ”الوفاء� المهندس� كان صديقًا للتوحيديِّ ومُقرَّبًا لأحدِ الوزراء، فقرَّبَ «التوحيديَّ» إلى هذا الوزير، وبعدَ سبعٍ وثلاثينَ ليلةً مِنَ السَّمَرِ بينَ الوزيرِ و«التوحيديِّ»، طلبَ «أبو الوفاء» من «التوحيديِّ» أنْ يقصَّ عليه ما دارَ في ذلك السَّمَرِ وإلَّا أبْعَدَه وأوقَعَ به العقوبة، فما كانَ مِنْه إلَّا أنْ وضعَ تلك اللياليَ بالفعلِ في هذا الكتابِ الذي سمَّاهُ «الإمتاع والمُؤانسة».
سَمرٌ أَخرجَ لنا سلسلةً مِنَ الموضوعاتِ الشائقةِ لم تخضعْ لترتيبٍ أو تبويب، اشتملتْ على طرائفَ مُمتِعة. . . . . . . تمَّ في: ١٨ مارس ٢٠٢٢ ١٨ شعبان ١٤٤٣ وقد قيّمتُه: ٥/٥ 🌟🌟🌟🌟🌟