يرى الكتاب أن المرجعية الأساسية، إن لم نقل الوحيدة، في مجال العلاقة بين الدين والدولة، ومسألة تطبيق الشريعة هي عمل الصحابة. لذا فالحاجة تدعو إلى الرجوع إلى الأصل، كما كان منفتحاً وغير مقنّن قبل «ظهور الخلاف» وقيام المذاهب والفرق، أي كما كان زمن الخلفاء الراشدين.
محمد عابد الجابري (1936 بفكيك، الجهة الشرقية - 3 مايو 2010 في الدار البيضاء)، مفكر وفيلسوف عربي من المغرب، له 30 مؤلفاً في قضايا الفكر المعاصر، أبرزها "نقد العقل العربي" الذي تمت ترجمته إلى عدة لغات أوروبية وشرقية. كرّمته اليونسكو لكونه “أح� أكبر المتخصصين في ابن رشد، إضافة إلى تميّزه بطريقة خاصة في الحوار�.
لا أعلم كيف أصف مقدار الحفاوة والفرحة واللذة الفكرية التي عايشتها كلما توغلت في صفحات هذا الكتاب المتميز.
الكتاب يطرح رؤية جديدة، أو هكذا أرى، لموضوع تطبيق الشريعة في العصر الحديث.
يتحدث الكاتب عن ضرورة المرجعية المنفتحة والعودة إلى عصر الصحابة والنظر إلى كيفية فهمهم لروح الشريعة وأطرها العريضة بعيداً عن قانونية الفقهاء التي هي بالضرورة منظومة عقلية تعتمد على استنباط القواعد من النص أو القياس على أحكام سابقة لإصدار أحكام جديدة ذات علة أو علل مشتركة.
ثم يشير الجابري إلى أن الصحابة لم يكونوا يعملون بالعقلية الفقهية القانونية قدر ما كانوا يتعاملون بمبدأ المصلحة أولاً ثم النص ودليلنا في ذلك الفاروق عمر عندما أوقف حد السرقة بلا سابقة يقيس عليها وكذا تعديلاته لتشريعات منصوص عليها نصاً كعدم إعطاء المؤلفة قلوبهم وعدم إعطاء الفاتحين من سواد الأرض المفتوحة بدون خضوع لمبدأ (نص - استنباط قاعدة - حكم) مما يشير إلى استيعاب الصحابة إلى مبدأ الشريعة الصالحة لكل مكان وزمان استيعاباً جيداً.
يشير الجابري فيما يشير إليه ضرورة عدم التحدث عن فصل الدين عن الدولة في بلاد أغلب مواطنيها مسلمون حيث أن الإسلام لا توجد فيه فكرة المؤسسة الدينية بل الأمر متروك لأفراد العلماء في الاجتهاد والدين في حد ذاته لا يجعل واسطة بين العبد وربه فاقتراح فصل الدين عن الدولة يجدي في الأديان التي احتوت مؤسسات دينية متحكمة في كل تفاصيل الحياة للأفراد.
يضرب الجابري مثالاً عن حد السرقة وجذوره العربية التي أقرها الإسلام فيما بعد بقطع يد السارق من أن المجتمع القبلي كان لا يعتمد على الحبس كونه مجتمعا متحركاً معتمداً على الخيام فيصير حبس السارق أمراً صعباً ولهذا أقر الإسلام بالقطع لتوائمه مع المجتمع حينئذ كونه يمنع السارق من تكرار فعلته ويعرف الناس به ليحذروه.
ثم يشير الكاتب إلى ضرورة وحتمية التدرج في تطبيق الشريعة لألا يرفض الناس النظام التشريعي كله دفعة واحدة.
وقد اتفق الكاتب، وهذا كان مما أبهجني، مع بعض ما توصلت إليه بتفكيري في مسألة تطبيق الشريعة من نقطتين:
1. أن مسألة تطبيق الحدود بحرفيتها قد يجوز فيها النسخ والتغيير ورؤية عقوبات تتوافق ومعطيات العصر الحديث ودليلي في ذلك أن التشريع لم يغط كافة الأوجه والحالات الممكنة والتي جعل إحداها الفاروق يبطل معها الحد.. وثانياً، أن حد السرقة وبعض الحدود الأخرى أو قل جلها قد كان له أصل في الجاهلية وأقره الإسلام لمناسبته لمجتمع تلك الفترة وفي هذا رسالة ضمنية بأنه إذا استجد على المجتمع تغيير فمن الممكن حينئذ النظر إلى عقوبات جديدة أو تشريعات جديدة تتوافق وتلك المستجدات ويصبح النص منسوخاً بالواقع المعاش مع إمكانية العودة إليه بعودة الظروف الملائمة له بالطبع وأيضاً مع الالتزام بالخطوط العريضة للشريعة الإسلامية.
2. أنه، وبإيجاز شديد وفي اعتقادي المتواضع للغاية، لا يوجد شيء اسمه قانون مثالي في عالم غير مثالي وسنظل في دائرة البحث عن الكمال النسبي حينئذ لا المطلق بمعنى أن نبحث عما يبدو كمالاً في زمانه ومكانه لا سائر الأزمنة والأمكنة لتغير الظروف بتغيرها.. ونجد هذا في المقتطف التالي:
باختصار، هذا الكتابت مثير فكرياً وقد يصطدم مع المنظومة الفكرية العقلية لمن ينادون بتطبيق الشريعة بحذافيرها دون النظر أولاً إلى مقاصدها والمصلحة العامة.
أرجو عدم النظر إلى رؤيتي هنا نظرة نهائية أصنف على أساسها وأقولب فكلنا حالات متفردة من الفكر ومجموع وجهات النظر والرؤى وقد أجد كتاباً يجعلني أشطب ببساطة على كل ما قيل في هذا الكتاب وأسقطه من حساباتي.
هناك تدين العامة وهم غالبا لا يعرفون شيئا عن دينهم بالكاد الشعائر والطقوس الدينية كالصيام والصوم والاعياد هناك تدين الفقهاء وهم يعرفون دينهم جيدا لكن معرفتهم في العلوم الانسانية علوم الاقتصاد والسياسة والاجتماع...محدودة ولا يؤمنون بحرية التفكير. وهناك تدين المثقفين يعرفون دينهم وثقافتهم ومطلعون على باقي الاديان والثقافات وهم الوحيدون القادرون على صنع مشروع ينطلق من الثقافة الاسلامية لكن بطريقة تراعي متطلبات العصر فلا يمكن استيراد بذرة من الخارج وزرعها في تربة غير مناسبة ولا يمكن الرجوع الى الماضي
الاسلام صالح لكل زمان و مكان هذا لا يختلف عليه مسلمان لكن ما المقصود بذلك. هناك الطرف الاول الذي يعتبر ان الصحوة الاسلامية هي الحل وذلك بازالة البدع التي طرات عليه الاقتداء بالسلف الصالح و تطبيق الشريعة حرفيا لان الانسان لن يستطيع ابدا فهم الحكمة الالهية من تطبيقها دون الاخذ بعين الاعتبار تطور التاريخ ظهور علوم السياسة الاقتصاد الصناعة التكنولوجيا.... اما الطرف الثاني يدعو الى اسلام الوسطية و الاعتدال وانه يجب اللجوء الى الاجتهاد فنحن جزء من هذا العالم لذا يجب التركيز على مقاصد الشريعة و تحقيق المصلحة العامة التي جاءت من اجلها واكبر دليل على ذلك هو الاجتهادات التي قام بها الخلفاء الراشدون فيما يشبه الناسخ و المنسوخ . ان شعار الاسلام هو الحل شعار غامض و يستعمل كشعار ايديولوجي في مواجهة شعارات اخرى و لا يعطي حلول عملية للمشاكل التي نواجهها. كما ان العلمانية يستحيل تطبيقها في بلد اسلامي لانها مصطلح غربي يعني فصل الدين (مؤسسات دينية بالنسبة للمسيحية) عن الدولة و يمكن تعويض هذا المصطلح في الدول الاسلامية بالديمقراطية و العدالة الاجتماعية وبهذا تصبح ضروريات عصرنا جزء من مقاصد شريعتنا
حوار عقلاني، لقضية مهمة: الدين والدولة والشريعة في الإسلام، وكيف رأى الصحابة " الدولة وولاية الأمر" القراءة الأولى للجابري ولن تكون الأخيرة إن شاء الله
رأيي في الكتاب : اولا : الهدف الرئيسي من الكتاب هو معرفة العلاقة بين الدين والدولة و كيفية تطبيق الشريعة بشكل صحيح هذا يقتضي انو نعتمد في مرجعيتنا على الدين الصحيح مع احترامي لجميع الاديان الاخرى ثانيا : الاسلوب الذي استخدمه الكاتب في بعض النقاط لم يكن موفقا ثالثا :كان في شغلات غلط وماخذ على بعض ما جاء في الكتاب رابعا :بس الكتاب ككل فيه افكار حلوة و الكاتب اجتهد وواصاب في بعض النقاط و اخطأ في بعضها أفكار أعجبتني : 1- موضوع اختيار ولي الأمر في الدين الإسلامي ترك للتشاور ومافي نص معين بيحكم كيفية اختياره 2- الفتنة التي حدثت في عهد عثمان وعلي رضي الله عنهما لم يكن الدين فيها موضع خلاف وانما كان سبب الخلاف سياسيا 3- من أهم مقاصد الشريعة هي الحفاظ على المصلحة العامة 4- الشخص الذي يوكل اليه منصب معين لازم يكون فهمان الدين مزبوط لحتى يكون قادر على الاجتهاد في المسائل الطارئة و هذا الاجتهاد ما بيجي من فراغ وانما استنادا على نصوص شرعية 5- ليس كل من ادعى تطبيق الاسلام بيكون بمثل الاسلام 6- لكل بلد وضعه الخاص المختلف عن البلدان الاخرى فيجب على ابناء هذا البلد ان يبحثوا عن حلول مشاكلون لحالون من دون مساعدة من الخارج 7- التجديد الحقيقي المطلوب هو ايجاد حلول عملية لما يطرحه علينا عصرنا من قضايا لم يعرفها ماضينا ,حلول تكون قادرة على الدفع بنا الى طريق التقدم و مواكبة العصر و المساهمة في انماء انجازاته 8- المسألة ليست هل الاسلام يصلح لهذا الزمان ؟ المسألة هي هل المسلمون اليوم صالحين لزمانهم؟ 9- الحركات المتطرفة قديما كانت تغلو على مستوى العقيدة أما الحركات المتطرفة اليوم فهي تغلو على مستوى الشريعة 10- عالم الدين في هذا الزمان يجب أن يكون ملما بالعلوم الدنيوية 11- عند عدم ثبوت الجريمة على المجرم فهذا يسقط عنه الحد ولكن هذا لا يعني انو نتركو بدون عقوبة ولكن العقوبة بتكون تعزيرية
لا نختلف في مدى اتساع أفق الدكتور الجابري وحظور ذهنه الوقاد بجانب سعة اطلاعه الذي يتجلى لأي أحد يقرأ له، هذا أول كتاب أقرأه للدكتور ولمست فيه هذا الشيء الذي كنت أقرأ عنه والآن لمسته.
رغم ذلك، فإني لا أجد الدكتور وفق في طرحه في هذا الباب الذي تطرق له، والسبب بسيط أنه بنى ما يريد دراسته على عمل الصحابة دون الكتاب والسنة اللذان هما أصل السياسة.
رغم ذلك، فإن عمل الصحابة يعني دراستك للتاريخ، وعندما تريد أن تستخرج من التاريخ دراسة نقدية أصولية يجب عليك أن تتطلع على كل الروايات حيث لا يفوتك شيء، ويجب أن تكون ممحصا لهذه الروايات حتى لا تنقل السقيم وتترك الصحيح، وهذا ما لمسته في الدراسة، والتي أثرت على النتائج التي استخلصها الدكتور في النهاية.
كمثال : حكمه على حديث ( الخلافة ثلاثون سنة ) انه موضوع أو ضعيف، وهذا غير صحيح فالحديث صحيح أو حسن عن بعض النقاد.
قال الجابري أنه لا يوجد في القرآن ولا السنة ما يدل ان الرسول ص يريد دولة، وهذا خطأ فبيعة الرسول للأنصار تدل على ذلك، وسعيه للبحث عن من ينصره في مكه يدل على ذلك دون التطرق لتفاصيل الروايات بهذا الشأن.
ذكر الجابري ان عثمان رفض قبول المعارضة واصلاح ما ارادوه وهذا عكس ما ثبت عن عثمان انه مدحهم وارسل احد الصحابة - نسيت اسمه - الى مصر كي يتأكد من اصلاح الوضع، وكتب بينه وبين المعارضة كتابا على الالتزام بالاصلاحات.
هناك أيضا بعض العبارات غير المستساغة في حق عثمان كقوله انه رجل مسن كبير وقد ملّه الناس لطول خلافته ، وهذا مخالف للواقع الذي يعيشه العرب حيث افترض انهم لا يحبون طول التولي عليهم وهم لم يعرفوا ��صلا خلاف ذلك، اما انه التولي غير موجود عليهم ، أو وجد الى أن يموت الولي، فكيف استنتج الجابري مللهم؟ وقوله ايضا عن عثمان انه اجتمع حوله اصحاب المصالح الذين يديرون الامور دونه ، وهذا غير صحيح!
كذلك قوله ان معاوية يعلم انه انتزع الخلافة بالسيف! وهذا غير صحيح بل تنازل الحسن عنها له، ولم يكن الخلاف ابدا مع علي على الخلافة بل على قتلة عثمان، وقوله ان معاوية برر خلافته عليهم بالقضاء والقدر وهذا غريب.
الثغرات الدستورية ايضا عليها بعض النقاط والملاحظات، في حقيقة الأمر لم أر الجابري وُفق في دراسة هذا الموضوع، هذا الموضوع يحتاج الى متخصص الى مجاله لذلك كتاب " الحرية أو الطوفان" للدكتور حاكم المطيري يفي بالغرض فمن يقرأ الكتابين يتبين له الفرق بين المتخصص وغير المتخصص، مع احترامنا الشديد لعقلية الجابري الفذة المتقدة.
يتحدث الكاتب في كتابه عن حاجتنا لنظام حكم جديد عن طريق إعادة فتح باب الاجتهاد في الدين ليحقق الحكم بأحكامه بين الناس غايته الأساسية والتي هي المصلحة العامة
يعرّف الدّولة فيقول: "الدولة قوامها أرض ذات حدود معلومة، وجماعة من الناس تسكن هذه الأرض وسلطة مركزية تنوب عنهم في تدبير شؤونهم الجماعية وفق قوانين وأعراف وباستعمال العنف إن اقتضى الحال، العنف الذي تحتكره باسم الجميع، ولصالح الجميع. ويرافق وجودها التقيد بقانون أو نظام وغياب النظرة الشمولية التي تجعل المصلحة العامة فوق كل اعتبار."
وأما عن ممارسة التنظيم بين الناس في عهد النبوة: "مع البعثة المحمدية بدأ المسلمون يمارسون الدين الجديد ليس فقط كموقف إزاء الرب المعبود (الله) بل أيضاً كسلوك جماعي منظم. ومع أن الرسول كان رئيس الجماعة الإسلامية وقائدها ومرشدها فلقد رفض رفضاً باتاً مكرراً أن يسمى ملكاً أو يعتبر رئيس دولة. لقد كان يعتبر نفسه ويعتبره المسلمون نبياً رسولاً كما وصفه القرآن. فالزعيم السياسي والفاتح العسكري يقصران اهتمامها على شؤون الدنيا وحدها، أما النبي فهو يركز اهتمامه على الآخرة وما عدا ذلك كله من تنظيم لشؤون الدنيا فجميعه غير مقصود لذاته بل من أجل الدين ونشره والدفاع عنه".
ثم يبدأ بالتدليل على فكرة فتح باب الاجتهاد -لأهله طبعاً - "القرآن تحدث مراراً وبوضوح عن الأمة ولكنه تجنب الحديث عن النظام السياسي الاجتماعي الاقتصادي الذي بات يجسد تلك الأمة في دولة، وترك المسألة للمسلمين وكأنها داخلة في قوله عليه السلام: (أنتم أدرى بشؤون دنياكم) . "
ولكن فتح باب الاجتهاد وحده لا يكفي : "ما لم يتم فتح العقل الذي تقع عليه مهمة الاجتهاد! "
ومما يؤكد على أهمية فكرة الاجتهاد هو أن مشكل الدين والدولة ، مشكل جديد تماماً ولم يكن موجوداُ في تاريخنا بحيث علينا أن نفكر بحل لهذا المشكل بأنفسنا: "إن مسألة العلاقة بين الدين والدولة لم تطرح في زمن النبي ولا في زمن الخلفاء الراشدين ، أما في زمن النبي فلقد كان الجهد متجهاً إلى نشر الدين والدفاع عنه، ولم يكن المسلمون زمن الصحابة ينظرون إلى الإسلام على أنه "دولة" بل ربطوه بالأمة ونسبوا الأمة إلى الإسلام ورسول الإسلام والأمة بهذا المعنى كائن اجتماعي وروحي لا يتوقف وجوده على أي تنظيم سياسي."
وبعد أن أكّد الكاتب على الفكرة السابقة وصل إلى فكرة هامة هي الأخرى، وهي الأصوليات الأخلاقية التي يتبعها الأسلوب الإسلامي، هذه الأخلاقية في الحكم التي لا يمكن التخلي عنها مهما كان الاجتهاد: "القرآن والحديث يشتملان على ما يمكن أن يعتبر على الأقل أصولاً لأخلاقية الحكم في الإسلام مثل مدح الشورى والترغيب فيها والدعوة إلى إقامة العدل وإلى التكفل بالفقراء والمساكين ومن في معناهم..الخ، وواضح أن تجسيم هذه الأصول الأخلاقية في الدولة يتطلب أن يكون الحكام علماء بالدين، مخلصين له، قائمين بأمره، فالعلاقة بين الدين والدولة لا تكون علاقة اتصال إلا إذا كان الإمام يشخص وحدة الدين والدولة بوصفه الممثل للأمة المتصرف باسمها، والعلم بالدين هنا لا يعني مجرد المعرفة بأحكامه بل أيضاً - وهذا أهم- امتلاك القدرة والصلاحية على الاجتهاد فيه اجتهاداً يجعل أحكامه تستجيب للتطور وتعتبر وجه المصلحة العامة في كل وقت وعصر.
ويقول أبو بكر العربي الفقيه الأشعري الأندلسي المعروف: (كان الأمراء قبل هذا اليوم وفي صدر الإسلام هم العلماء والرعية هم الجند فاطرد النظام وكان العوام القواد ، فريقاً لأمراء آخر ثم فصل الله بحكمته البالغة وقضائه السابق فصار العلماء فريقاً والأمراء آخر وصارت الرعية صنفاً والجند آخر فتعارضت الأمور ولم ينتظم حال الجمهور)."
وكنتيجة فإن : "الدولة في الإسلام إنما نشأت زمن الرسول وتوطدت واتسعت زمن الخلفاء الراشدين من خلال هذين الأمرين: تطبيق الأحكام الشرعية من جهة، والجهاد والفتح من جهة أخرى."
وكما ذكرت في بداية مراجعة الكتاب، أن المصلحة العامة هي ما كان المقصد من وراء أحكام الشريعة ولعل مما يدل على ذلك موقف سيدنا عمر بن الخطاب حيث كان يوافق في أفكاره القرآن: "لم يكن الوحي ينزل على سيدنا عمر وإنما كانت خبرته الاجتماعية وحسه القانوني المرهف وحرصه على توخي المصلحة في نظرته للأمور هي التي جعلت تفكيره في الشأن الاجتماعي يلتقي مع مقاصد الشريعة التي تلتقي عند مقصد واحد أساسي هو (المصلحة العامة) ومن هنا كان الاجتهاد مصدراً للتشريع في الإسلام".
فإذاً طالما كانت المصلحة العامة هي المقصد الأساسي فمن الرائع أن ننجح في جعل ضروريات عصرنا جزءاً من مقاصد شريعتنا انطلاقاً من هذا المبدأ! ومن دون شك فإننا حين نفعل ذلك لا نلغي ما قاله فقهاؤنا بالأمس حول مقاصدها ولكن متطلبات العصر إنما تكملها.
فكرة جميلة أخرى: <اتّباع الرّسول اللامركزية في حكمه مع حفاظه على ارتباط الدويلات بالدولة الإسلامية > "كان الرسول صلى الله عليه وسلم قد اعتمد ما نسميه اليوم باللامركزية في علاقته بأجزاء الجزيرة العربي التي كانت قد دخلت في الإسلام، وبما أن الزكاة كانت وحدها الفريضة الإسلامية التي يمكن اتخاذها معياراً اجتماعياً وسياسياً للحكم على بقاء أولئك الرؤساء والأمراء ملتزمين بالإسلام وهكذا كانت الزكاة في هذا السياق رمزاً للولاء السياسي فضلاً عن معناها الديني الاجتماعي".
وعرّج على خطأ نقل تجربة أنظمة الحكم العلمانية إلى الدول الإسلامية: "التأثيرات الخارجية لا يكون لها مفعول إلا مع وجود استعداد مسبق ومع ذلك فالمنقول حتى في هذه الحالة سيظل غريباً شاذاً، يثير المشاكل داخل المنقول إليه إذا لم تتم تبيئة هذا الأخير تبيئة تامة ناجحة، وومشكلة العلاقة بين الدين والدولة نقلت إلى المجال العربي ولم يتم بعد تبئؤتها تبيئة ملائمة مع الواقع العربي "
وأما إن حاولنا فهم عبارة "فصل الدين عن الدولة في مرجعيتنا التراثية : "لا أحد من الحكام في التاريخ الإسلامي استغنى أو كان في إمكانه الاستغناء عن إعلان التمسك بالدين لأنه لا أحد منهم كان يستطيع أن يلتمس الشرعية لحكمه خارج شرعية الإعلان عن خدمة الدين والرفع من شأنه ومن جهة أخرى لم يكن هناك في التاريخ الإسلامي مؤسسة خاصة بالدين متميزة من الدولة فلم يكن الفقهاء يشكلون دولة."
ويعلّق على عبارة (الإسلام هو الحل ) قائلاً: "إن كل من يهمه هذا الشعار يجد نفسه أمام فراغ.. ما هو النظام السياسي الذي يقبل أن يوصف بأنه إسلامي ويكون في نفس الوقت متلائماً مع ظروف عصرنا ومستجيباً لحاجاته واتجاه تطور التاريخ وبما أنه ليس هناك في القرآن ولا السنّة نص تشريعي ينظم مسألة الحكم فإن المسألة برمّتها بقيت تنتمي لقوله عليه السلام: (أنتم أدرى بشؤون دنياكم) وبالتالي فشعار الإسلام هو الحل عندما يرفع كشعار سياسي سيبقى فارغاً ما لم يكن رافعه يبشر باجتهادات معينة واضحة ومفصلة في المسألة السياسية ، والاجتهاد في الإسلام لا ينطلق من فراغ وفي هذه الحالة، تكون المصلحة العامة التي تقتضيها الظروف العصرية هي المرجع والخلقية الإسلامية هي الموجه والتجربة التاريخية للأمة هي موطن العبرة والاعتبار.
وحول المزيد عن "الخلقية الإسلامية " قال: "العناصر الأساسية التي يمكن التماسها في الخلقية الإسلامية في الحكم في عهد النبوة: الشورى - المسؤولية (كلكم راعٍ) -الاجتهاد
إذاً يجب أن تنطلق عملية بناء الفكر السياسي الإسلامي من إعادة تأصيل المبادئ الثلاث أعلاه.
ثم يذكر الكاتب فكرة هامة جداً وهي، وبعد الحديث عن هذا التجديد في الفكر السياسي الإسلامي، أنّه وبكل الأحوال "جوهر الدّين وروحه، أنّه يوحّد ولا يفرّق أما السياسة فجوهرها وروحها أنّها تفرّق ، فهي تقوم حيث يكون الاختلاف فهي فن إدارة الاختلاف فالاختلاف في الدّين إذا كان أصله سياسياًَ يؤدي ضرورة إلى الطائفية ومن ثم إلى الحرب الأهلية"
ومن أجل كل هذا، فإن ما نحتاجه هو أكثر من "صحوة" "إن النائم الذي ينام ليلته ليصحو في الغد يستطيع أن يتابع مسيرة حياته كالمعتاد، أما أهل الكهف أو من هم في معناهم فلا تكفيهم "الصحوة" لمتابعة مسيرة الحياة ، بل يحتاجون إلى تجديد عقولهم أولاً حتى يستطيعوا أن يروا الحياة الجديدة على حقيقتها"
وفي موضوع ذي صلة بمواضيع الحكم والسياسة، وهو موضوع يعترض كثيراً من التجارب الديمقراطية التي تسعى إلى النجاح وهو موضوع "التطرف" فإذا كان لدينا يسار ويمين فالواقع أن التطرف في اليسار ليس موجهاً ضد من في اليمين كما قد نتخيل لكنه موجه ضد اليسار نفسه وكذلك التطرف في اليمين موجه ضد اليمين ! فمثلاً الجماعات الإسلامية المتطرفة تعترض أكثر ما تعترض على سواهم من المسلمين أكثر من غيرهم! وما الخوارج (بتطرفهم) كمثال تاريخي إلى خارجون عن سيدنا علي بن أبي طالب كرم الله وجهه!
ختاماً، فإنني معجبة بالكتاب إلى حد بعيد ذلك أنه يضع النقاط على الحروف ويوضح بالفعل إشكالية الدين والدولة وما هي الأطر التي يجب أن نفكر خلالها، واستطاع أن يقنعني (وإن كنت أعتقد شيئاً مثل ذلك سابقاً) أننا حقاً بحاجة لنظام جديد تماماً يوافق بين حاجات عصرنا وبين الحكم الذي يجب أن يسود وهو الحكم وفق قوانين خالق الكون فهو الأدرى بقوانين الكون نفسه !
يتخذ الجابري في هذا الكتاب تجربة الخلفاء الراشدين والتاريخ الإسلامي كمرجع أساسي لمسألة الدين الدولة وتطبيق الشريعة ويعتقد بأن هذا هو المرجع الأساسي لنا كمسلمين لأنه كان قبل ظهور المذاهب والطوائف، ولأن القرآن والسنة لم تأتيا بنصوص صريحة تحكم الدولة وإنما أكدت على مفاهيم ضرورية كالشورى والعدالة الإجتماعية وغيرها - برأيي أنه قد أغفل نقطة وهي أن الصحابة بشر وأنهم ربما قد أخطئوا في اجتهاداتهم!- وفي المقابل ناقش الجابري مسألة الإجتهاد بشكل موسع وأكد على أهميته وضرورة إعادة تأصيل الأصول قبل الإجتهاد، وهو يرى أن لكل عصر حاجات مختلفة وبالتالي أساليب النهضة تختلف من إقليم لآخر وماقد يطبق على زمان ومكان قد لا يصلح لغيره، وأيضاً القواعد والوسائل التي استخدمت سابقًا في إدارة الدولة الإسلامية تحتاج لأن تتطور لنفس السبب السابق. ناقش الجابري بعض المسائل التي لها علاقة مثل الطائفية، والتطرف، والعلمانية التي ارتبطت بالأقليات الدينية في الشام كما يظن. وينادي الجابري بفصل الدين عن السياسة لأن اجتماعهما لا يخلو من توظيف الدين لأغراض ومصالح سياسية ولأسباب أخرى أيضًا. أيضًا تناول مفهوم الصحوة وفضَّل استخدام مصطلح "التجديد" بدلا منه لأن الصحوة تدل على تعبير سطحي أو مجرد "انفعال". بالطبع ليست هذه كل الأمور التي نوقشت في الكتاب لكن هذا ماشدني في الأخير بالرغم من أنني اختلفت مع الكاتب في عدد من النقاط البسيطة إلا أن الكتاب يستحق خمس نجمات.
الاسلام صالح لكل زمان و مكان هذا لا يختلف عليه مسلمان لكن ما المقصود بذلك. هناك الطرف الاول الذي يعتبر ان الصحوة الاسلامية هي الحل وذلك بازالة البدع التي طرات عليه الاقتداء بالسلف الصالح و تطبيق الشريعة حرفيا لان الانسان لن يستطيع ابدا فهم الحكمة الالهية من تطبيقها دون الاخذ بعين الاعتبار تطور التاريخ ظهور علوم السياسة الاقتصاد الصناعة التكنولوجيا.... اما الطرف الثاني يدعو الى اسلام الوسطية و الاعتدال وانه يجب اللجوء الى الاجتهاد فنحن جزء من هذا العالم لذا يجب التركيز على مقاصد الشريعة و تحقيق المصلحة العامة التي جاءت من اجلها واكبر دليل على ذلك هو الاجتهادات التي قام بها الخلفاء الراشدون فيما يشبه الناسخ و المنسوخ . ان شعار الاسلام هو الحل شعار غامض و يستعمل كشعار ايديولوجي في مواجهة شعارات اخرى و لا يعطي حلول عملية للمشاكل التي نواجهها. كما ان العلمانية يستحيل تطبيقها في بلد اسلامي لانها مصطلح غربي يعني فصل الدين (مؤسسات دينية بالنسبة للمسيحية) عن الدولة و يمكن تعويض هذا المصطلح في الدول الاسلامية بالديمقراطية و العدالة الاجتماعية وبهذا تصبح ضروريات عصرنا جزء من مقاصد شريعتنا.
مع أن الكتاب يبدأ بطيئاً إلا أنه ما يلبث أن تبدأ الأفكار فيه بالتسارع والغنى.. لا يمكن مقارنة هذا الكتاب الصغير بغنى كتبه الأطول.. إلا أنني استمتعت بقراءة هذا البحث.. والكتاب لا يكتفي بإعطائك بعض المعلومات بل يعطيك طريقة في التفكير تستطيع فيها فهم المنطق من وراء نظرية الجابرة في العلاقة بين الدين والدولة..
لا أذكر هل قرأته في 2007 أو في 2008 لكنه مع كتاب الديمقراطية وحقوق الإنسان وكتاب المثقفون في الحضارة العربية كان بوابة دخولي إلى عالم الجابري. هذا العالم الذي ما زال يأسرني ويضيف لي مع كل كتاب أقرأه له. رحمه الله
يحتوي على بعض القطع الصغيرة التي تستحق خمس نجمات كاملات. أما البقية فسرد أقرب إلى العادي. في الكتاب يقدم الجابري نظرات جديدة تجاه العلاقة بين الدين والدولة في الإطار الإسلامي.
مراجعة: فيصل الحبردي، 25 فبراير 2024 هذه المراجعة خاصة فقط بجزئية تطبيق الشريعة في الكتاب
من أخطر الأشياء على الفكر الإنساني، والتي تسبب الضلال الفكري، هي الأسئلة المزيفة، الأسئلة المزيفة هي كأسئلة الأطفال، تطرح مشاكل مزيفة يعيشها الوعي على أنها مشاكل حقيقية، وخطورة السؤال المزيف، أنه يستدعي جواباً مزيفاً، يثير بدوره مشكلة مزيفة، ذلك لأن كل سؤال يطرح إلا ويحمل معه مشروع جواب. ومن الأسئلة المزيفة، هو سؤال (هل الإسلام دين أم دولة؟!) السؤال الذي لم يطرح قط في الفكر الإسلامي منذ ظهور الإسلام إلى أوائل القرن الماضي، سؤال لا ينتمي إلى التراث الإسلامي، بل يجد أصوله وفصوله في النموذج الحضاري الأوروبي، الذي كان ولا يزال العرب يطمحون إلى تحقيقه في أوطانهم خصوصاً فيما يتعلق بالتقدم والنهضة.
مسألة تطبيق الشريعة يبدأ الجابري حديثه في الكتاب عن ضرورة بناء مرجعية تكون سابقة وأكثر مصداقية من المرجعات المذهبية، يقصد تلك التي قامت أصلاً كوجهة نظر لتأييد موقف سياسي معين، يقول أنه من الضروري التمييز بين ما هو معرفي وما هو أيديولوجي، بين ما هو حقيقة تاريخية وما هو مجرد هوى ورغبات ذاتية. والمرجعية الأصل السابقة على كل المرجعيات، هي عمل الصحابة، وتحديداً في عهد الخلفاء الراشدين، وذلك لأن نصوص الكتاب والسنة لا تشّرع لشؤون الحكم والسياسة ولا تفصل فيها بنفس الدقة والوضوح كما في قضايا الميراث والزواج مثلاً، لذا، فإن المرجعية الأساسية، إن لم تكن الوحيدة، في مجال العلاقة بين الدين والدولة ومسألة تطبيق الشريعة، هي عمل الصحابة رضوان الله عليهم، لأنهم هم من مارسوا السياسة وشيدوا صرح الدولة وطبقوا الشريعة بناءاً على فهم أصيل لروح الإسلام سابق لأنواع الفهم الأخرى التي ظهرت في إطار الصراعات والنزاعات والخلافات التي عرفها تاريخ الإسلام منذ النزاع بين سيدنا علي ومعاوية. سيقال إن عهد الخلفاء الراشدين قد شهد خلافات سياسية، وهذا صحيح، فخلافاتهم واختلاف آرائهم وطريقة حسمهم للأمور، تشكل عنصراً أساسياً فيما نسميه (عمل الصحابة)، إذ أنه ليس هنالك عمل دون خلاف واختلاف.
إن اعتماد عمل الصحابة لا يعني الحكم بالخطأ والانحراف على جميع المرجعيات الأخرى التي شيدها أئمة مجتهدون كانوا على قدر كبير من المعرفة والنزاهة والموضوعية، كل ما في الأمر أنهم شيدوا لعصورهم مرجعيات توخوا فيها أن تجيب على ما طرح في تلك العصور من نوازل. وبما أن عصرنا يختلف اختلافاً كبيراً عن العصور الماضية ويطرح من المشاكل والمستجدات ما لم يكن يخطر على بال أولئك المجتهدين الواضعين لقواعد وأصول إنتاج المعرفة الفقهية، فإن الحاجة تدعو إلى الرجوع إلى الأصل كما كان، منفتحاً وغير مقنن قبل ظهور الخلاف وقيام المذاهب والفرق، أي كما كان زمن الخلفاء الراشدين.
إن القواعد والأصول التي وضعها المجتهدون لتنظيم الاجتهاد في عصورهم كانت وسيلة مفيدة وضرورية، أولاً لإنتاج المعرفة الفقهية (فقه الدين وفقه السياسة)، ثانياً لجعل المعرفة مسيجة بضوابط تكبح فوضى الهوى. لكن هل يجب الأخذ بها دوماً؟ إن القواعد والأصول المنظمة للمعرفة هي مجرد وسائل، إن لم تتطور بتطور العلم والمعرفة، ولم ترق إلى مستوى تطور الموضوع التي هي وسيلة إليه، فإنها تصبح قيوداً تجمد المعرفة وتكرّس التقليد وتقتل روح الاجتهاد. قاعدتين أصوليتين على سبيل المثال: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، الأحكام تدور مع عللها وليس مع حكمها. هذه القواعد هي من وضع الفقهاء والأصوليين، لا نطعن فيهما جملة وتفصيلاً، ولكن نريد أن نعتبرهما كما هما في حقيقتهما، بوصفهما تنتميان إلى المنهج الذي يضعه المجتهد لنفسه، وأنهما ليستا جزء من الدين، والمنهج طريقة يختارها الباحث أو المجتهد، وهناك مجتهدين ممن اختروا منهجاً في إنتاج المعرفة الفقهية لا يعترفون بهاتين القاعدتين، والصحابة لم يتقيدوا بأية قواعد من هذا النوع، لأن هذه المصطلحات وهذه المفاهيم ليست معروفة في عصرهم، فمفهوم الخصوص والعموم والتمييز بين العلة والحكمة مفاهيم وتصورات منطقية لم تعرفها الثقافة العربية الإسلامية إلا انطلاقاً من عصر التدوين، العصر العباسي الأول، بل إن المبدأ الوحيد الذي كانوا يراعونه دوماً هو المصلحة، ولا شيء غيرها.
إننا نقصد بـ"عمل الصحابة"، مجموع ممارساتهم السياسية والتشريعية، العملية منها والقولية. يتعلق الأمر إذن بتجربة تاريخية كانت مؤطرة -كغيرها من التجارب- بالمعطيات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي كانت تشكل قوام التاريخ والمجتمع في عصرهم. المعطيات أو الحقائق التاريخية الاجتماعية: الحقيقة الأولى: أن العرب حين البعثة المحمدية لم يكن لهم ملك ولا دولة، بل كان نظاماً جماعياً قبلياً لا يرقى إلى مستوى الدولة (حدود معلومة، جماعة من الناس، سلطة مركزية تنوب عنهم في تدبير شؤونهم). الحقيقة الثانية: مع البعثة المحمدية بدأ المسلمون يمارسون الدين، ليس كموقف فردي فحسب، بل كسلوك جماعي منظم، الذي أخذ يزداد ويتسع مع تطور الدعوة المحمدية إلى أن بلغ ذروته بعد الهجرة إلى المدينة. ومع أن الرسول عليه السلام كان رئيس الجماعة وقائدها ومرشدها، فلقد رفض رفضاً تاماً أن يسمى ملكاً أو أن يعتبر رئيس دولة، لقد كان يعتبر نفسه، ويعتبره المسلمون، نبياً رسولاً كما وصفه القرآن، وقد خاص حروباً وقاد حملات ونظم شؤون الجماعة وسهر على وحدتها وبعث بعوثاً إلخ، لكنه فعل ذلك كله لا بوصفه زعيماً سياسياً، أو قائداً عسكرياً، بل بوصفه صاحب دعوة وناشر دين جديد. الفرق بين الوضعيتين، أن الزعيم السياسي والفاتح العسكري يقصران اهتماماتهما على شؤون الدنيا وحدها، شؤون الحكم والسياسة وما يرتبط بها من أمور اقتصادية واجتماعية وثقافية يؤول أمرها كلها إلى الوجود البشري في هذا العالم. أما النبي الرسول فهو يركز اهتمامه ودعوته على المصير بعد الدنيا، على شؤون الآخرة. وما عدا ذلك، أي ما يفرضه تطور الدعوة من تنظيم شؤون الدنيا فجميعه غير مقصود لذاته، بل هو كله من أجل الدين ونشره والدفاع عنه. الحقيقة الثالثة: أن ما فرضه تطور الدعوة بلغ من الاتساع والإحكام ما جعل الصحابة وأقرب الناس إليه يشعرون أن غياب الرسول سيترك فراغاً مؤسساتياً، فالدعوة قد انتهت إلى ما يشبه الدولة، فإذا كان الدين هو وحي من الله لا يمكن أن يرثه أحد من الرسول، ولا أن يخلفه فيه، فإن التنظيم السياسي الاقتصادي الاجتماعي يحتاج إلى من يرعاه يسهر على حسن تدبيره بعد وفاة الرسول، ولم يكن التنظيم السياسي يحمل اسماً سياسياً، ولم يكن هناك في قاموس اللغة العربية مصطلح آخر غير مصطلح الملك، وهو مصطلح رفضه الإسلام وشجبه باعتبار أن الملك الوحيد هو الله. من أجل ذلك أطلق الصحابة على معنى الملك لفظاً عاماً وهو (الأمر)، وهكذا صارت عبارة (من سيتولى الأمر)، تدل على ما تدل عليه عبارتنا المعاصرة (من سيرأس الدولة). كما أن عبارة ليس له في الأمر شيء، تعنى في هذا السياق، لا حق له في الملك أو الرئاسة. وهذا التسمية مرتبطة بوظيفة رئيس الدولة وهي اصدار الأوامر. الحقيقة الرابعة: أن القرآن تحدث تكراراً وبوضوح عن الأمة، (كنت خير أمة أخرجت للناس)، وبنفس الوقت تجنب الحديث عن النظام السياسي الاجتماعي الاقتصادي الذي بات يجسد تلك الأمة في دولة. لقد قرر القرآن تشريعاً وحدوداً، حلل وحرم، وفرض فرائض، منها ما يقوم به المرء لنفسه، ومنها ماهو عمل جماعي، ومنها ما يحتاج في تنفيذه إلى من يتولى (الأمر) فيه. وقد دعى القرآن بصريح العبارة المسلمين إلى إطاعة ولي الأمر في الآية الكريمة (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم). وكما ندد القرآن بالاستبداد والاستكبار وأثنى على الشورى والإحسان والعدل، لكن لم ينص لا على أمة يجب أن يتطابق مهخا ملك الإسلام، أو دولة الإسلام"، ولا على من يخلف الرسول في تدبير شؤون الأمة، ولا حتى على ضرورة أن يكون هناك من يخلفه، بل ترك المسألة للمسلمين وكأنها داخلة في قوله عليه السلام: أنتم أدرى بشؤون دنياكم. تحدث الجابري بعدها عن خلافة الرسول عليه السلام، وماجرى في سقيفة بنى ساعدة وأنه كان سياسياً محضاً حسمه ميزان القوى السياسي/الاجتماعي (القبيلة)، والخلاف الذي حدث بين الصحابة. وذكر ثلاث مواقف من الإمامة، أن تكون واجبة وفرض من فروض الدين كما يراها الشيعة، أو غير واجبة، أو تكون واجبة واختيارية لتنصيب الإمام، والجدل يطول في هذا الموضوع. والخلاصة أن العلاقة بين الدين والدولة، لم تكن من المفكر فيه، لا في زمن الرسول عليه والسلام ولا زمن الخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم.
هناك حقيقة لا يمكن أن تكون موضع جدال، وهي أن الإسلام عقيدة وشريعة، فإذا كانت العقيدة تخص الايمان بالله وملائكة وكتبه ورسله واليوم الآخر، مما يمكن حصره في علاقة الإنسان بربه، فإن الشريعة تتضمن أحكاماً ذات طبيعة اجتماعية تنظم علاقات الناس بعضهم ببعض، مما لا بد فيه من سلطة تنفذ تلك الأحكام، كالحدود والعقوبات، ولعل أول ما يجب الانطلاق منه في هذه المسألة، هو أن الشريعة الإسلامية لم تنزل على النبي مرة واحدة، بل بالتدريج والتدرج، فالتدريج لمسايرة تطور الجماعة الإسلامية ومراعاة الأحوال العامة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، والتدرج لمسايرة تغلغل العقيدة في النفوس ومدى تشبع الناس بها وإدراكهم لمقاصدها ووجه المصلحة فيها. ومن هنا الناسخ والمنسوخ، فالكثير من الأحكام قررها القرآن في آيات نسخت بأحكام أخرى في آيات لاحقة، بل إن مجمل الأحكام الشرعية الواردة في القرآن إنما نزلت بمناسبة حوادث أو نوازل، حدثت لأفراد أو جواباً على أسئلة طرحوها. ومن هنا ارتبطت الأحكام بما يعتبر عن بـ(أسباب النزول). وكانت الأحكام الشرعية ينتظمها مبدأ واحد، هو المصلحة العامة، فهي إما لجلب مصلحة أو دفع مضرة، والمصلحة هي مقصد الشرع. فإذن، الأحكام الشرعية ينتظمها ثلاثة أركان: النسخ، أسباب النزول، والمقاصد.
كثيرة هي النوازل والحوادث التي كانت تعرض على النبي صلى الله عليه وسلم، دون أن يكون قد جاءه الوحي الذي يجيب عنها، فيستشير الصحابة، فيفتون بناءاً على خبرتهم بالأمور وعلى معرفتهم بوجه المصلحة، ويستحسن النبي ما أفتوا به ويصبح ذلك تشريعاً. وقد يأتي الوحي فيما بعد أو في الحين، لتقرير ما أفتى به الصحابة.
وقد اشتهر سيدنا عمر في هذا الشأن، فكانت فتاواه في الغالب موافقة لما يأتي به الوحي، مما عبر عنه بعضهم ب"موافقات عمر" حتى أن ابن عمر روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه)، وما روي عن ابن عمر نفسه أنه قال "ما نزل بالناس أمر قط فقالوا وقال، إلا نزل على نحو ما قال عمر"، وعن مجاهد أنه قال "كانت عمر يرى الرأي فينزل به القرآن". ويروى في هذا الصدد أن عمراً كان يعي بذلك ويعتز به، وأنه قال "وافقت ربي في ثلاث: قلت يا رسول الله لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى، فنزلت الآية (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى)، وقلت يارسول الله إن نساءك يدخل عليهن البر والفاجر فلو أمرتهن أن تحتجبن، فنزلت آية الحجاب واجتمع على رسول الله صلى الله عليه وسلم نساؤه في الغيره فقلت لهن ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجاً خير منكن، فنزلت الآية كذلك. ويضع هنا محمد عابد الجابري مرجعاً للسيوطي كتاب بعنوان الاتقان في علوم القرآن، يذكر أن السيوطي كتب عن مانزل من القرآن على لسان عمر. إن موافقات عمر، إن دلت فهي تدل على أن الشريعة كانت تنزل وفق ما يقتضيه الوضع الاجتماعي القائم، وجه المصلحة فيه، فلم يكن الوحي ينزل على عمر، وإنما خبرته الاجتماعية وحسه القانوني وحرصه على توخي المصلحة في نظرته للأمور هي التي جعلت اتجاه تفكيره في الشأن الاجتماعي يلتقي مع مقاصد الشريعة التي تلتقي عند مقصد أساسي واحد، وهو المصلحة العامة. ومن هنا كان الاجتهاد مصدراً للتشريع في الإسلام. وهذا طبعاً لا يعني أن الشريعة تتغير بتغير المصالح، الشريعة ثابتة ومطلقة لأنها إلهية. ولكن بما ان قصد الشارع هو جلب المنافع ودرء المضار، وبما أن المنافع والمضار أمور نسبية تتغير بتغير الظروف والأحوال، فإن (التطبيق) وحده هو الذي يجب أن يتغير بتغير المصالح، فالأمر لا يعني تعطيل النص، بل تأجيله بالتماس وجه آخر في فهمه وتأويله. سبعة أمثلة ذكرت للتوضيح منها قتال مانعي الزكاة في عهد أبو بكر، وقطع يد السارق في عهد عمر، وشارب الخمر، وسأذكر هنا المثال الثالث حول المؤلفة فلوبهم من مستحقي الزكاة. من العلوم أن القرآن ذكر المؤلفة قلوبهم من بين مستحي الزكاة، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يعطي بعض كبار قريش ممن أسلموا حديثاً وحتى ممن كانوا لم يعتنقوا الإسلام بعد وذلك لاستمالتهم، حيث قال: أني لأن أعطي الرجل وغيره أحب إلي تأليفاً لقلبه. وحين تولى أبو بكر سار على نفس الأمر حتى جاءه رجلين من المؤلفة قلوبهم يسألونه أن يقتطع أرض لهما، فاعترض عمر، وقال أن الرسول عليه السلام كان يتألفكما والإسلام يومئذ قليل، وأن الله أغنى الإسلام، اذهبا فاجهدا جهدكما، لا يرعى الله عليكما إن رعيتما. وهنا واضح أن أبو بكر سار في تطبيق الشريعة على هذه النازلة وفق ما ينص عليه القرآن وكما يفعل النبي، لكن عمر رأى أن المصلحة التي كانت في إعطاء المؤلفة قلوبهم لم تعد قائمة إذ أن الإسلام صار قوياً في غير حاجة إلى تأليف قلب أحد، لا وينبغي أن يفهم أن عمر قد عطل النص، بل يجب النظر أنه رجع إلى اعتبار ما يمكن وصفه بالمصلحة الأصل من الزكاة وهي التخفيف من حاجة الفقراء والمساكين وأهمل المصلحة الفرع وهي استمالة المؤلفة قلوبهم وهي مصلحة مؤقتة لم تعد قائمة حينئذ. المثال السابع الذي ذكره الجابري، يتعلم بالزواج من أهل الكتاب، من اليهود والنصارى، وهو أمر أجازه القرآن، لكن عمر بن الخطاب منعه، فقد ذكر أن حذيفة بن اليمان قد تزوج يهودية، فلما علم أرسل إليه يطلب منه أن يخلي سبيلها، فكتب إليه: إن كان حراما خليت سبيلها، فكتب إليه: «إني لا أزعم أنها حرام، ولكني أخاف أن تواقعوا المومسات منهن»، وفي رواية أخرى أنه قال (إني أخاف أن يقتدي بك المسلمون فيختاروا نساء أهل الذمة لجمالهن، وكفى بذلك فتنة لنساء المسلمين).
يقول الجويني إمام الحرمين:" إن سُبِر أحوال الصحابة رضي الله عنهم، وهو القوة والأسوة في النظر، لم ير لواحد منهم في مجالس الاستشارة، تمهيد لأصل أو استثارة معنى، ثم بناء الواقعة عليه (أي كما يفعل الفقهاء في قياساتهم)، ولكن يخوضون فيه وجوه الرأي من غير التفات إلى الأصول، كانت أو لم تكن". ويقصد بالأصول التي وضعها الفقهاء لمذاهبهم الفقهية. يقول أيضاً: "إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ماكانوا يجرون على مراسم الجدليين من نظار الزمان، في تعيين أصل والاعتناء بالاستنباط به، وتكلف تحرير على الرسم المعروف المألوف في قبيله وإنما كانوا يرسلون الأحكام ويعلقونها في مجالس الاستشارة بالمصالح الكلية." المصالح الكلية، هي الأصل الوحيد الذي كان الصحابة يعتمدونه في تطبيقهم لأحكام الشرع، وعندما تطور الفقه وأصبح نظرياً، يتجاوز ما هو واقع وحاصل من حوادث إلى ما هو ممكن واحتمالي، أي إلى مجال وضع الافتراضات، وما يمكن أن يُتخيل من حالات، عمد الفقهاء إلى وضع أصول تحكم النظر الفقهي وتنتظم حولها الفروع، أي الجزئيات، الواقعية منها والمتخيلة، ثم تطور الأمر إلى أن أصبحت بعض الفروع أصولاً لفروع أخرى وهكذا، وكان هذا كله، الواقع والمتخيل، محكوماً بالظروف والأحوال السائدة في ذلك الوقت. أما اليوم، وقد تطورت الأحوال الاجتماعية والاقتصادية تطوراً هائلاً جعل الحياة المعاصرة واقعاً يختلف نوعياً عن الحياة الماضية، فإن تطبيق الشريعة يتطلب إعادة تأصيل الأصول على أساس اعتبار المصالح الكلية كما كان يفعل الصحابة. إن تطبيق الشريعة، التطبيق الذي يناسب العصر وأحواله وتطوراته، يتطلب إعادة بناء مرجعية للتطبيق، والمرجعية الوحيدة الذي يجب أن تعلو على جميع المرجعيات الأخرى هي عمل الصحابة. إنها المرجعية الوحيدة التي يمكن أن تجمع المسلمين على رأي واحد، لأنها سابقة على قيام المذاهب وظهور الخلاف، وهي الصالحة لكل زمان ومكان لأنها مبنية على اعتبار المصالح الكلية.
الجابري .. الدين والدولة وتطبيق الشريعة : عن الجابري : أثناء مرورك على الكتاب يتضح لك تأثير التحليل الفلسفي على شخصية الكاتب عند الجابري ومن أهمها الإهتمام بالمصطلح والأنثروبيولوجيا .. كمؤرخ الأفكار منطقية والنتائج معقولة إلا أن التقييم مني لن يكون عادلا بناءا على معرفتي الضعيفة .. لكن حقيق بنا أن نطلق علينا عليه لقب المفكر عن الكتاب : لنجعلها قومية ترتكز على التراث .. السياسي بالطبع لكن ما هي الرؤية التراثية التي سيبني عليها .. المنطلق الأول في الكتاب هو نقض فكرة وجود دولة إسلامية بمعنى دولة في عهد النبي عليه الصلاة والسلام وهو الذي يقول : ( أنتم أدرى بشؤون دنياكم) حتى نقول هل الإسلام دين أم دولة .. .. وبدايات الدولة السياسية ظهرت في سقيفة بني ساعدة .. وتحليلا لبناء الدولة في ذلك العهد والإمامة وعبرها الفتنة إحتوت الجزء اللاحق من هذا الفصل .. وهو إذ يبني الفعل فعلى فهم الصحابة لكن بتجاوز الثغرات الدستوية التي مر عليها
بعدها منطلق الدولة في المرجعية النهضوية والتي ذكر عن تكوين جزئي لها أبرز فيه أن الإختلاف في المرجعية هو سبب إختلاف التيارات الحالية وعلى العموم فإن مسألة الدين والدولة وغيرها هي في الأصل قطرية وليست قومية عربية ومن هنا ينبغي معالجة المسألة بصورة قطرية أولا فردية بناء على حالة القطر والمشكلة التي تستحق الحل هي وجود الطائفية والتي تختلف رؤاها من بلد لأخرى فالحال في السودان ليس كما هو في مصر ولبنان وسوريا ( بلاد ا��طائفية ) .. ممهدا بذلك لفكره القومي و حلم الوحدة العربية مستبدلا مصطلح العلمانية (إشكال في فهم المصطلح ) بالديمقراطية والعقلانية في دولة يمثل الإسلام روحها وينكر على من يوظفون الدين في السياسة ( كما هو حالنا في السودان ) لتمرير مصالح شخصية فالدين يوحد الأمة والسياسة تفريقية ( المارونيين في لبنان ) لكن إذا أردنا توظيفه فينبغي أن يكون معاصرا يواكب حدود الديمقراطية لا يكون مغيبا في الإستبداد كما هو ملحوظ .. هنا يأتي التساؤل عن ماهية العقلانية التي دعا إليها .. إنها صورة للإجتهاد الذي يتمثل في عقل منفتح على العصر لكن يستمد إرتكازه من التراث صورة نقدية : التيار الإسلامي لا يعي ما يعبر عنه .. فيحملون شعارا فارغ من المعنى .. السلفية مرحلة كانت لها ثمارها لكنها غير صالحة لعصرنا وهي منشأ التطرف الحالي نتيجة لفشل المشروع التجديدي ( التجديد مصطلح أفضل من الصحوة) رؤية : تطبيق الشريعة صورة لم تكتمل تماما في أي عصر من العصور والآن نحن بحاجة لبناء الأصول فما قام عليه الفقه في زمن تمثل في إطار حضاري مرحلي خاص وتغير هذا الإطار يستلزم رؤية بنائية للأصول ( هنا حسب رأيي ربما تضخم النظرية الصورة لكن تفشل البنائية فماذا يعني حق المواطن وحريته في التعبير في الشريعة - إنها صورة للدولة القومية بما فيها الوجود الغير مسلم سيقول القائل � لكن لدينا نظام إسلامي يقيد ذلك � على العموم أعتبر أن هذه المصطلحات تخص السياسة أكثر من الدين وهنا لا فائدة من قوله اذا عن سلبية دخول السياسة في الدين )
كتاب قيم وقراءات أخرى للجابري
مقتطفات :
كان فقه السياسة في حقيقته وجوهره تشريعا لماضي الحكم في الإسلام وبالخصوص فترة الخلفاء الراشدين ولم يكن تشريعا لحاضره ولا مستقبله
إن الواقعة السياسية الرئيسية في التاريخ العربي الإسلامي هو إنقلاب : الخلافة إلى الملك
عندما يغيب القانون تكون للسيف الكلمة
إن هناك شعارا يرفعه من يصنفون ضمن ما يسمى بالإتجاه الإسلامي شعار : الإسلام هو الحل . مع أن هذا الشعار يطرح قضية غير ذات موضوع عندما يرفع في وجه مسلمين
إن من أهم عوائق التواصل والتفاهم بين تيارات الفكر العربي المعاصر إنغلاق كل منها داخل مرجعيته الخاصة وإنشداده المطلق إليها ونفي ما عداها إما بجهله أو تجاهله
ثنائية الدين والدولة في الفكر العربي المعاصر مشكلة مزيفة لأنها تغطي مشاكل الحاضر وتقفز عليها وتطرح بدلا منها مشاكل أخرى تجعل حلها شرطا للنهضة وضرورة مستقبلية
إن مشكلة العلاقة بين الدين والدولة في الوطن العربي , ليست مشكلة قومية بل هي مشكلة قطرية .. فيجب أن نعالجها معالجة تخدم القومية
المشكل العام الذي يعاني منه الواقع العربي ككل من الخليج إلى المحيط هو مشكل الديموقراطية ببعديها السياسي والإجتماعي
في رأيي أنه من الواجب إستبعاد شعار العلمانية من قاموس الفكر القومي العربي وتعويضه بشعاري الديموقراطية والعقلانية فهما اللذان يعبران تعبيرا مطابقا عن حاجات المجتمع العربي
مسألة العلمانية في العالم العربي مسألة مزيفة بمعنى أنها تعبر عن حاجات بمضامين غير متطابقة مع تلك الحاجات
حذار من أن تحول السياسة الدين إلى عامل تفريق بدل أن يكون كما هو في جوهره عنصر جمع وتوحيد
السياسة تحركها المصالح الشخصية أو الفئوية أما الدين فيجب أن ينزه عن ذلك وإلا فقد جوهره و روحه
الإختلاف في الدين إذا كان اصله سياسيا يؤدي ضرورة إلى الطائفية ومن ثم الحرب الأهلية
الصحوة إنفعال لا فعل
إن التحديات التي تواجه العالم العربي والعالم الإسلامي تتطلب ليس فقط رد الفعل بل الفعل والفعل في العصر الحاضر هو أولا وأخيرا فعل العقل
غير أن كثير من فقهاء عصر الجمود والإنحطاط قد غالوا مغالاة لا يسمح بها الإسلام إطلاقا في تطبيق مفهوم البدعة بمعناها الذي يفيد الذم
المسألة المطروحة والتي يجب طرحها دائما هي مسألة ما إذا كان المسلمين صالحين لزمانهم
التاريخ تصنعه القوى المتصارعة في الوسط غالبا
التطرف في الإسلام كان دائما نوع من التعبير عن موقف سياسي معين
السياسة تمارس اليوم في الدين على مستوى الشريعة لا على مستوى العقيدة
إن المطلوب اليوم هو تجديد ينطلق , لا من مجرد إستئناف الإجتهاد في الفروع بل من إعادة تأصيل الأصول , من إعادة بنائها
قراءتي للكتاب كانت بترشيح من صديق عزيز مسّاه الله بالخير، وأشكره بالفعل لما وجدت من نفع في هذا الكتاب. قراءتي الأولى للمفكر المغربي محمد عابد الجابري. الكتاب كما يبين في عنوانه ينقسم لقسمين كبيرين: الأول لمناقشة مسألة العلاقة بين الدين والدولة (تراثياً ثم على النطاق المحلّي والعربي)، والثاني لمناقشة مسألة تطبيق الشريعة نفسها. بداية فأسلوب الكاتب أدبياً أنيق جداً، ويتضح أن عقليته منظّمة وهادئة ويحاول أن يكون متجرّداً منصفاً ما استطاع، وقد أصاب أحياناً ولم يصب في أخرى. يحاول أن يناقش القضية المطروحة بعيداً عن الأسلوب السجالي المعتاد في الحقبة الأخيرة فيما يتعلق بأي مناقشات دينية في العموم، باختصار: هو حاول أن يقدّم جديداً وأن يصل لقلب موضوع بحثه مباشرة.
يرى المؤلف أن مسألة (الدين والدولة) في حد ذاتها مسألة جدلية بحتة لا نفع منها، لأن الإسلام لا فصل فيه أصلاً بين هذين ولم يكن. إلا أنه لحسم هذا الموضوع بعيداً عن الهوى فقد قرر درس معطيات القضية منذ عصر النبوّة ثم عصر الخلافة الراشدة، وهو درس ناجح فيما أرى ومرتّب وخالٍ تقريباً من العصبيّات. يرى المؤلف كذلك أن الإسلام لم يفرض شكلاً معيناً للهيئة الحاكمة للمجتمع الإسلامي فالنبي لم يعيّن نفسه حاكماً أو ملكاً ولم ينصّب حاكماً من بعده، وذكر وجهة النظر السالفة القائلة بأنه حتى لا ضرورة قوية لنصب حاكم طالما استطاع المجتمع الإسلامي تدبير أمره (وهي فيما أرى الآن ضرورة لأسباب كثيرة لا مجال لها). وأكّد على أن الدين مرتبط بما يسمّى (الأمة الإسلامية) لا بهيكل ثابت يسمّى الدولة، فالأمة ثابتة لا تتغيّر لكن الدولة قابلة للتغيّر والتبدل بحسب الأزمان والظروف. يثبت هذا بدراسة الوقائع التاريخية بحرص وهدوء. ويؤكد المؤلف بشدة أن كثرة طرح الأسئلة "المزيفة" يوقع في التيه والضلال أكثر منه أمراً مفيداً.
يحوي الكتاب أفكاراً عديدة لا يمكن سردها هنا كلها، لكنها كلها أفكار من الضروري أخذها بعين الاعتبار والتفكّر فيها. أهمّها إعادة بناء الأصول جميعها بشكل ما، والاعتماد في التشريع الإسلامي على المصلحة العامة والدوران معها. لست بفقيه ولا دارس لأناقش في القضية كثيراً لكني مهتم بفكرة الكتاب بالفعل، وأنصح به.
شان الجماعات المتطرفة على اختلاف مواقعها شان لخوارج فهي وان ككانت تخرج او تثور في الغالب ضد تساهل او اعتدال الجهة التي تنتمى اليها ازاء الجهة المقابلة الخصم فان النتيجة الاغلب الأعم تكون ضربة للجهة التي خرج منها التطرف ولفائدة الطرف الاخر وهذا يؤدى في النهاية الى انعزال الجماعات المتطرفة يمينا ويسارا فتبقى على الهامش تكرر التجربة ذاتها مع نفسها تجربة التطرف وتنقسم الى جماعات تخاصم بعضه ا لبعض وتكفر بعضها بعض كما حدث في صفوف الخوارج ويكون الخصم الاول دائما هو الجار الاقرب وهكذا تنتهى الجماعات المتطرفة الى التفتت والذوبان ومما يجب تأكيده هنا انه لم يحصل قط وما اظنه سيحصل ان جماعة متطرفة في هذه الجهة او تلك غيرت الوضع او صنعت التاريخ. التاريخ تصنعه القوى المتصارعة في الوسط غالبا والثورات تنتهى حتى لو ساهم فيها المتطرفون الى نتيجة واحدة هي ان السلطة يتسلمها المعتدلون الذين يقعوا فى الوسط او قريبا منه وهذه حقيقة يعرفها المتطرفون ولذلك تجد شعارهم في الغالب ليس استلام السلطة بل الاستشهاد من اجل القضية اما نوع هذه القضية اما امكانية تحقيقها اما وسائل خدمتها بصورة عملية تاريخية فهذا ما لا يفكر فيه المتطرف ولا يستطيع ان يفعل ان التطرف في مثل هذا الحال يصبح نوعا من النظرة السحرية الى العالم يكتسى بطابع الهروب الى الامام
لقد عشت هذه الأيام مع هذا الكتاب، كتاب الدين والدولة وتطبيق الشريعة، للجابري وكعادة أسلوب الجابري فهو يدعوك لشرب شاي بينما يناقشك فكرة فكرة أو يدعوك لدرس في تشريح الأفكار فكرة فكرة بطريقة تعليمية خالية من الصراخ والسجالات كيف لا وهو الذي يحدد معك منذ البداية خارطة الطريق التي ستتعاقد معه في قراءة كتابه هذا الذي أعده من الكتب التي ينبغي لأبناء الحركة الإسلامية ومعتدلي الشباب العلماني أن يعتنوا به قراءة ومناقشة وتعقيبا وتساؤلا. أما عن موضوع الكتاب أو بالأحرى مواضيعه فهي متشعبة وإن كان يجمعها عنوان الكتاب نفسه أي الدين والدولة ومسألة تطبيق الشريعة. سأقتصر في هذه القراءة على أمهات الأفكار والإشكالات التي طرحها الجابري والذي بالمناسبة يغني القارئ بتقرير أفكاره وتساؤلاته بخط أسود غليظ في بداية الفصل أو آخره أو ثناياه. قبل ذلك يتعاقد معك الجابري عن المنهج الذي سيتحكم في موضوعه أي منطلق بحثه. وأول ما ينبغي العمل عليه لمعالجة هذا الموضوع هو المرجعية فأي مرجعية إذن ستكون منطلق الجابري؟ يقول الجابري بصريح العبارة إن المرجع الموضوعي لفهم هذا الموضوع أو الإشكال أو المسألة هو عصر الصحابة أي عصر الخلفاء الراشدين إلى مقتل عثمان رضي الله عنه لأن هذه المرجعية تسبق الإيديولوجيا التي جاءت بعدهم. تجربة الصحابة التاريخية هي محدد أساس لفهم طبيعة هذا الإشكال: إشكال علاقة الدين بالدولة وليس النص الديني أي القرآن والسنة. ذلك أن أول مشكل طرح أمام الصحابة هو من يخلف رسول الله عليه السلام وكان الحل سياسيا لا دينيا أي أن القبيلة، رمزية قريش، والواقعية السياسية هي التي كانت المخرج السياسي وقتها لتلك الأزمة التي عرفتها سقيفة بني ساعدة. بعد هذا يفاجئك الجابري بأن ثنائية الدين والدولة من الأسئلة المزيفة وحسب الجابري فإن للأسئلة المزيفة أجوبة مزيفة بالضرورة. فكيف يا ترى يعد سؤال علاقة الدين والدولة سؤالا مزيفا حسب الجابري؟ هنا يدعوك الجابري للتعالي عن السجال والعودة إلى الأصل طارحا ذلك من خلال تفكيك منطق مدرستين. المدرستان هما المدرسة التراثية والمدرسة النهضوية في الفكر العربي. و قبل الخوض في المدرستين يتحدث عن بعض الحقائق التي ينبغي التذكير بها ومنها حقيقة أن الذين يقولون إن الإسلام دين ودولة أو أن ليس في الإسلام دولة متكافئان نوعا ما. المدرسة الثانية تؤكد على أن القرآن الكريم وسنة رسوله لم يحددا شكل هذه الدولة. لكن الجابري يذكر أن أصحاب المدرسة الأولى صادقون حينما نعلم أن الإسلام عقيدة وشريعة وإذا كانت العقيدة علاقة بين العبد وربه فالشريعة مجموعة أحكام ذات طبيعة تنظم العلاقات بين الناس مما لابد فيه من سلطة تنفذ تلك الأحكام أي وجوب قيام دولة. يخلص الجابري إلى أن الدولة نشأت وتوطدت في عهد الخلفاء الراشدين. بالنسبة للمدرسة التراثية ومن يفكر داخل أنموذجها فسؤال الدين والدولة غير ذي بال لذلك لا يفهم كثير من المفكرين داخل هذه المدرسة هذه الثنائية أصلا بل ترتبط نهضة العرب والمسلمين بالدين وهذه حقيقة تاريخية لا يمكن القفز عليها وعليه ستبقى النهضة مرتبطة لدى التراثيين بالدين ولذلك ترتفع شعارات من قبيل الإسلام هو الحل وتطبيق الشريعة. أما المدرسة النهضوية العربية فهي مرتبطة بمرجعية تختلف كليا عن المرجعية التراثية الإسلامية وهذه المرجعية هي المرجعية الأوروبية لذلك حسب الجابري لم يستغرب أن أول دعاة العلمانية وفصل الدين عن الدولة كانوا عربا مسيحيين منهم بطرس البستاني في مقالته سنة 1860 على إثر أحداث الفتنة الطائفية بين الدروز والمسيحيين في سوريا. هذه المرجعية تسقط التجربة الأوروبية على التجربة العربية وهذه المدرسة تربط النهضة بالفصل بين الدين والدولة وهي حقيقة تاريخية لا جدال فيها أيضا. حسب الجابري هاتان المدرستان لن تلتقيا ولن يفهم بعضهما البض لأن المرجعيتين مختلفتان اختلافا كبيرا. لهذا السبب يعد الجابري ثنائية الدين والدولة من الأسئلة المزيفة لأن كل مدرسة تنظر إلى النهضة نظرة جامدة جاهزة سحرية تتجلى إما في العودة إلى الدين أو فصله عن الدولة في قفز تام على التاريخ وأحداثه وتعقدات النهضة بما هي نهضة. يعود الجابري إلى تفكيك خطاب المقولات التراثية أو الإسلامية ويدخل معها في نقاش طويل سيلتهم غالب ما تبقى من الكتاب من خلال تفكيك هذا الخطاب عن طريق أسئلة محرجة للمشتغلين بالفكر الإسلامي أو حاملي مشروع الإسلام السياسي. لقد فكك الجابري بذكاء نظرية السنة في الحكم قائلا إن الفقهاء حصروا المشكلة كلها في من يخلف النبي عليه السلام بينما تغافلت النظرية السنية في الخلافة/الحكم الدولة كمؤسسة واختزلتها فقط بالشخص الذي سيبايع. نتج عن هذا عدم وضع شروط تخص المؤسسات التي سيمارس من خلالها هذا الخليفة خلافته وهذا أمر عاد حسب الجابري لأن الخليفة أو الأمير كان يفهم على أنه خليفة حرب أو أمير حرب وأمير الحرب غالبا ما تكون ولايته غير محددة مادامت الحرب قائمة ولا يمكن مساءلته مادامت الحرب قائمة تجنبا للشقاق وذهاب ريح القوم. ثم يطرح الجابري السؤال القنبلة : لماذا لم تعالج الأزمة السياسية التي حدثت في عهد عثمان رضي الله عنه الأخير معالجة سياسية؟ يجيب الجابري بكل وضوح أنها كانت أزمة تنتظر الانفجار فقط بسبب تركيز المسلمين على من يخلف النبي عوض وضع شروط وحدود واختصاص هذا الخليفة الذي تمتع دائما ،ولا يزال، بالسلطة المطلقة. إنه الفراغ الدستوري بتعبير الجابري هو الذي أدى إلى الأزمة. هذا الفراغ الدستوري ،والذي حسب الجابري لازلنا نعاني منه، يتجلى في ثلاثة أشياء 1عدم إقرار طريقة واحدة مقننة لتعيين الخليفة،2 عدم تحديد مدة ولاية الخليفة،3 عدم تحديد اختصاصات الخليفة. بعد مقتل عثمان رضي الله عنه ستدخل الأمة منعطفا آخر هو انقلاب الخلافة إلى ملك. سيتبنى الأمويون إيديولوجيا القضاء والقدر لإعطاء شرعية لحكمهم ، لقد فصل الجابري في رباعيته عن سبب الخلاف الحقيقي بين المتكلمين والمعتزلة في هذه المسألة، وسيتحول الخليفة مع العباسيين إلى شبيه بالإله أو حاكم باسم الله بعد أن كان الخليفة خليفة لرسول الله لا الله سبحانه بسبب دخول الأحكام السلطانية عن طريق التأثير الفارسي على يد مثقفين كبار من كتاب السلاطين مثل ابن المقفع. يفترض الجابري بل يؤكد على أن الأزمة السياسية ومشكل الإسلام السياسي وشعار الإسلام هو الحل شعار يغطي المشكل الحقيقي التي تعاني منه الأمة إنه مشكل غياب الديموقراطية ببعديها السياسي والاجتماعي أما الطائفية ومشكلة العلاقة بين الدين والدولة فهي نتائج لهذا الغياب. يرجع الجابري ليفكك منطق العلمانية والتي لا يحبذ مصطلحها لأن العلمانية بمعنى فصل الدين عن الدولة " شعار لا يستقيم، لا يطابق الواقع ولا يؤدي وظيفة إيجابية إلا حيث تكون هناك مؤسسة تمثل الدين وتتكلم باسمه وفي نفس الوقت تنازع الدولة في سلطتها كدولة والنتيجة تكون دولة داخل دولة في مجتمع واحد والحل هو الفصل بين المؤسستين بتحديد اختصاصهما". ويقول بدلا عن فصل الدين عن الدولة يدعو الجابري لفصل الدين عن السياسة لأن الاختلاف في الدين إذا كان أصله سياسيا يؤدي ضرورة إلى الطائفية أي الحرب الأهلية ويضرب لذلك مثال لبنان الذي انتقد الجابري فيه ديموقراطيته الطائفية التي ترعاها أكبر الطوائف اللبنانية قوة سياسية واقتصادية أي الطائفة المارونية المسيحية التي لم تطور الديموقراطية فكان من العادي ان تبز الطائفية لعوامل ذاتية وموضوعية فصلها الجابري في كتابه. يتجه الجابري مرة أخرى إلى الإسلام السياسي قائلا: " لا يمكن أن ينجح الإسلام السياسي في تحقيق أهدافه التاريخية التي تمنحه الوجود ومبررات هذا الوجود إلا إذا ارتفع بنفسه إلى مستوى هذه الأهداف، إلا إذا طرح مسألة الاستبداد والظلم وما يرتبط بهما أو يترتب عنهما من مسائل سياسية واجتماعية واقتصادية طرحا سياسيا واضحا وبخطاب سياسي صريح". أي إتيان السياسة من بابها الواسع. مرة أخرى يسائل الجابري مصطلح الصحوة ويعده مصطلحا لا يؤتي أكله لأن الصحوة انفعال والأمة اليوم في حاجة ماسة للفعل والعقلانية والتبصر وفهم العصر بمقتضياته. وعوض الصحوة يقترح الجابري مصطلح التجديد لأن التجديد أعمق من الصحوة حيث يصيب بنيات وأسس الفكر عوض ما تقتضيه الصحوة من صدام وسجال فارغ لا يتجاوز السطح. إن عصرنا هو عصر خلف لا عصر سلف بتعبير الجابري لأننا في هذا العصر تابعون ولسنا متبوعين. لذلك فمنطق العصر يقتضي أمرين : العقلانية والنظرة النقدية للتاريخ والفكر. هنا يدخل الجابري في حوار طويل مع الإسلاميين والمفكرين الإسلاميين في مسألة التجديد وإحيائه. يقول الجابري : " إن المطلوب اليوم هو تجديد ينطلق لا من مجرد استئناف الاجتهاد في الفروع بل من إعادة تأصيل الأصول، من إعادة بنائها". إن الجابري هنا يدعو إلى تدشين عصر تدوين جديد في ميدان الاجتهاد بما يقتضيه العصر وهذا ما فعل المجتهدون في عصرهم أي اجتهدوا بمقتضيات عصرهم والتي حسب الجابري لا تلزمنا لأنها مهما كانت فهي لا تعدو أن تكون اجتهادا منهم في مقاربتهم للنص الكريم وسنة نبيه. بهذا المعنى يكون التجديد تجديدا وبهذا المعنى تكون الشريعة صالحة لكل زمان ومكان. يدخل بعدها الجابري في ضرب أمثلة كثيرة عن اجتهاد الصاحبة وجعلهم المصلحة فوق كل اعتبار لكن الفقهاء سيضيقون من الاجتهاد حتى يغلقونه ليفتحه من جديد فقهاء من أمثال الشاطبي الذي لا يخفي الجابري إعجابه به. وينتصر الجابري للطريقة الثانية في الفقه في فهمه للأحكام. أما الأولى فهي تعتمد القياس والتعليل واستثمار الألفاظ وأما الثانية فتدعو إلى اعتبار المقاصد أساسا ومنطلقا. وعليه فالاتجاه الإسلامي، يقول الجابري، مطالب باتخاذ المقاصد طريقا إذا ما هو أراد أن يتجاوز الشعارات العامة من قبيل " الإسلام هو الحل" لإيجاد حلول عملية للمشاكل التي تطرحها الحياة المعاصرة، فتكون بذلك الحلول إسلامية لكن معاصرة أيضا. لكن كيف يكون الاجتهاد أو بالأحرى ما مواصفات المجتهد المعاصر؟ يجيب الجابري بقوله إن على المجتهد ألا يكتفي بالعلوم التقليدية من دراسة حديث وعلوم لغة وما قرره الفقهاء بل ينبغي أن يكون منفتحا على العلوم الإنسانية وما يجري في العلوم الحقة لأنها أصبحت واقعا يمس الفرد والمجتمع المسلم على حد سواء. ختاما لازال كتاب الجابري هذا يحتفظ براهنيته لأنه طرح إشكالات لازال العقل الإسلامي المعاصر يتخبط فيها ولما يجد الطريق وأيضا العقل العلماني. لذلك قراءة الكتاب ومحاورته ضرورة تمليها الظروف الراهنة. يبقى ثمة سؤال لم يجب عنه الجابري أو لم يقنعني كثيرا وهو سؤال فصل الدين عن السياسة في حين قال الجابري إن الدين والدولة في المجتمع العربي تطورا ومورسا معا منذ نشأة الإسلام إلى يومنا هذا. أخيرا، استمتعت بقراءة الكتاب كثيرا والأسئلة التي طرحها كانت من نوع تلك التي جعلتني أضع خدي على وسادتي وأسبح في تأملها كثيرا قبل أن يأخذني النوم. شهية طيبة لقراء هذا الكتاب.
This entire review has been hidden because of spoilers.
بداية يوضح الجابري أن الحياة المعاصرة أصبحت أكثر تركيبا من أن تحتويها وتنظمها القواعد الأصولية التي وضعها الفقهاء، وأنه لا بد، إذا ما أردنا تطبيق الشريعة، من إعادة تأصيل الأصول بناءً على اعتبار المصلحة الكلية كما كان يفعل الصحابة، وفق قوله. إذ أنها، حسبما يقول، المرجعية الوحيدة التي من الممكن أن تجمع المسلمين على رأي واحد، لأنها سابقة على قيام المذاهب وظهور الخلاف، وهي أيضا صالحة لكل زمان ومكان.
في القسم الأول من الكتاب يعالج الجابري مسألة الدين والدولة، كعادته، انطلاقا من المرجعيتين، التراثية من جهة، والنهضوية من الجهة الأخرى. وانطلاقا من المرجعية التراثية فإنه يتطرق إلى أربعة قضايا، أولاً، "مسألة تنفيذ الأحكام"، وهنا يوضح الجابري أن لا معنى في الإسلام للسؤال: "هل الإسلام دين ودولة"، إذ لم يعرف التاريخ الإسلامي هذه التفرقة، ولا بد إذن من إعادة صياغة السؤال ليكون مناسبا للسياق الذين ندور في فلكه، بحيث يكون سؤالنها هو ما إذا كان الإسلام أحكام وسلطة؟ ومن هنا لا بد من البدء بالتمييز بين الهيئة الاجتماعية المسماة: الدولة، وبين السلطة المنفذة للأحكام الشرعية. ثانيا، "الخلافة.. وميزان القوى"، إذ أن مسألة الخلافة يرجع أمرها، بعد وفاة النبي، إلى اجتهاد المسلمين، وهو أمرٌ سيختلف حتماً باختلاف العصور وتغيّر الظروف، والشيء الوحيد الثابت شرعاً هو أنّ هناك أحكاما شرعية يتطلب تنفيذها وجود "ولي الأمر". أما الدولة الإسلامية فقد كان المسلمون، منذ حادثة سقيفة بني ساعدة، يقررون بشأنها بحسب ما يملي عليهم ميزان القوى المعنوية والمادية. وبما أنهم كانوا جميعا مسلمين، أو على الأقل يتصرفون بكونهم كذلك، فإن علاقة الدين بالدولة لم تكن مطروحة ولا كان يمكن أن تُطرح. ثالثا، "الخلافة ثغرات دستورية"، يمكن القول، بأثر رجعي، أن أحداث الفتنة الكبرى كانت تعبيرا عن ثغرات دستورية في "مؤسسة" الخلافة وهي: أولاً، عدم إقرار طريقة واحدة لتعيين الخليفة، ثانياً، عدم تحديد مدة ولاية الخليفة، وأخيراً، عدم تحديد اختصاصات الخليفة. رابعاً، "الأيديلوجيا السلطانية.. والخلقية الإسلامية"، لقد التمس الأمويون، منذ معاوية، الشرعية لحكمهم من "القضاء والقدر" من جهة، والعمل على استرضاء الناس بالتلويح لهم بالعمل على إشراكهم في ثمار الحكم من جهة أخرى. أما العباسيون فقد عملوا على التماس الشرعية لحكمهم من "إرادة الله ومشيئته"، فقالوا إن الله هو الذي شاء أن يحكموا. أما "فقه السياسة" فلم يظهر إلا في فترة متأخرة مع الماوردي، ولم يكن أكثر من وصف لأمر واقع، ومحاولة إضفاء الشرعية الفقهية عليه. وقد تطور هذا الفقه، بعد الماوردي، عبر سلسلة من التنازلات والتخلي عن الشروط، حتى انتهى به الأمر إلى الاعتراف بأنّ الحكم إنّما يتم بالشوكة والغلبة، ثم انتهى الأمر بالفقهاء إلى صياغة مبدأ كلي يقول: من اشتدت وطأته وجبت طاعته. لكن، يقول الجابري، التجربة التاريخية للأمة ليست السياسة المطبقة وحدها، إنما يجب استلهام مجموعة من عناصر، ما يسميه، "الخلقية الإسلامية" والتي يجب التماسها في عهد النبوة، وهي التالية: الشورى، المسئولية وقاعدة "أنتم أدرى بشؤون دنياكم".
وانطلاقا من المرجعية النهضوية فإنّه يتطرق إلى ثلاث قضايا. أولاً، "ضرورة تجنب تعميم المشاكل القطرية"، فلا بد من تجنب جعل الدعوة إلى الوحدة العربية دعوة لنقل المشاكل من الإطار الخاص إلى الإطار العام. فمثلا، وجود مشكلة طائفية في بلد معيّن لا يستوجب منا علاجه تعميمه بصفته مشكلة لكل أقطار الوطن العربي. ثانياً، "الطائفية والديموقراطية"، إنّ ثنائية الدين والدولة في الفكر العربي المعاصر هي ثنائية مزيفة لأنها تخفي مشكلة أخرى حقيقية نسبيا في بعض الأقطار العربية، وهي مشكلة الطائفية، والتي بدورها يراد منها أن تنوب عن حقيقة كلية وهي غياب الديموقراطية، السياسية والاجتماعية، في الوطن العربي من المحيط إلى الخليج. ثالثاً، "الديموقراطية والعقلانية بدلا من العلمانية"، يقول الجابري أنّ الفكر العربي مطالب بمراجعة مفاهيمه، وجعلها تتناسب مع الحاجات الموضوعية للسياق العربي، فالديموقراطية والتي تعني حفظ حقوق الأفراد والجماعات، والعقلانية التي تعني الصدور في الممارسة السياسية عن العقل ومعاييره المنطقية والأخلاقية وليس عن الهوى والتعصب وتقلبات المزاج، هما اللذان يعبران تعبيرا مطابقاً عن حاجات المجتمع العربي. كما أنهما لا تعنيان بصورة من الصور استبعاد الإسلام.
ويختتم الجابري القسم الأول من الكتاب والمعنون ب"مسألة الدين والدولة" بفصل بعنوان "الدين والسياسة.. والحرب الأهلية"، ويوضح فيه بأنّ توظيف الدين في السياسة إنما يلجأ إليه "العقل السياسي" للجماعة حين لا يكون من مصلحتها التعبير عن قضيتها الاجتماعية/الاقتصادية تعبيرا صريحا، لأنّ ذلك يفضح الطابع المادي الإستغلالي لتلك القضيّة، أو عندما لا تستطيع تلك الجماعة طرح قضيتها بسبب ضعف وعيها، ويضرب الجابري مثالا بالمارونيين في لبنان كتجسيد للوضعية الأولى، والشيعة والدروز والسنة كمثال للوضعية الثانية. ويوضح بأن ما جرى في لبنان ليس سوى نموذج مرشح لأن يجري في أي بلد آخر يكون فيه توظيف الدين في السياسة حاجة سياسية.
أما القسم الثاني من الكتاب والمعنون ب "مسألة تطبيق الشريعة" يتطرق الجابري إلى عشرة نقاط، نوجزها بالتالي: أولاً، "الصحوة.. والتجديد"، إنّ ما يدعو إليه الجابري هو حدوث تجديد وليس مجرد صحوة، فالأول يحيل إلى عمل بعيد الأغوار ينزل بكل ثقله على المستقبل، في حين أن الثاني يحيل إلى بعد سطحي وظرفي. ثانياً، "السلفية.. أم التجربة التاريخية للأمّة"، يقول الجابري بأنّ منطق الحضارة المعاصرة يتلخص في مبدأين: العقلانية والنظرة النقدية. في حين أنّ منطق "سيرة السلف الصالح"، كان منطقاً يقوم على مبدأ: الدنيا مجرد قنطرة للآخرة. وقد أدى هذا المنطق وظيفته، وفق ما يقول الجابري، حين كان العصر عصر إيمان فقط، وليس عصر علم وتقنية وأيديولوجيات. ثالثاً، "التطرف.. يميناً ويساراً"، التاريخ تصنعه غالبا القوى التي تتصارع في الوسط، والتطرف في الغالب إنّما يكون نتيجة لغياب الحرية كما انعدام التجديد الفكري. رابعاً، "التطرف بين العقيدة والشريعة"، يبدو للجابري أنّ التيارات الإسلامية المتطرفة ستنسحب من الساحة عندما يقوم وسط الاتجاه السلفي المعاصر رجال يقومون بإعادة بناء علم الشريعة بتوظيف المناهج والمفاهيم المعاصرة. وبعبارة أخرى المطلوب هو تجديد ينطلق، لا من مجرد استئناف التجديد في الفروع، بل من إعادة تأصيل الأصول. خامساً، "من أجل اجتهاد مواكب"، إنّ التغيُّر الهائل الذي حصل مع الحضارة الصناعية ومع الثورة العلمية، يجعل الانفتاح على علومها ضرورة من ضرورات الحصول على كفاءة الاجتهاد. سادساً، "معقولية الأحكام الشرعية"، يدعو الجابري إلى اعتبار المصلحة في استنباط الأحكام الشرعية، بدلا من البحث عن علة الأحكام والقياس عليها، وهذا يزيل الظن من الأحكام ويضفي عليها معقولية تجعل الاجتهاد في تطبيقها وتنويع التطبيق باختلاف الأحوال وتغيّر الأوضاع أمراً ميسوراً. سابعاً، "الأحكام.. والدوران"، يدعو الجابري لأن تدور الأحكام مع المصلحة بدلا من دورانها مع عللها، ويقول بأن هذا ما كان يصدر عنه الخليفة عمر في التشريع. فقواعد الأصول التي ينبني عليها الفقه الإسلامي ترجع إلى عصر التدوين، العصر العباسي الأول، وهي بُنيت بما يُلائم ذلك العصر، ولا بد من إعادة تأصيل الأصول بما يوافق عصرنا. ثامناً، "ولكل عصر ضرورياته الخاصّة"، اذ يقول الجابري بأنّ مصالح العباد لم تعد مقصورة على ما حدده الفقهاء من الضروريات الخمس، حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال، وأصبحت هناك حاجة لإدراج ضروريات أخرى مثل حرية التعبير والانتماء السياسي وانتخاب الحاكمين وغيرها، وكذلك الأمر بالنسبة للحاجيات والتكميليات، فلكل عصر ضرورياته وحاجياته وتكميلياته. تاسعاً، "ادرأوا الحدود بالشبهات"، إنّ تطبيق الشريعة لا يعني فقط إقامة الحدود، كحد السرقة مثلاً، بل إنّ هناك مبادئ وأحكام أخرى يجب أن تُطبق، مثل مبدأ الشورى في الحياة السياسية، ومبدأ "كاد الفقر أن يكون كفرا"في الحياة الاجتماعية وغيرها. وتطبيق بعض هذه المبادئ يجب أن يسبق تطبيق الحدود من أجل انتفاء الشروط الموضوعية لحدوث المخالفة. بل إنّ تنفيذ الحدود يجب أن ينظمه حديث "ادرأوا الحدود بالشبهات"، وهناك حديث أوضح وأقوى، نصه: "ادرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم، فإن وجدتم للمسلم مخرجا فخلوا سبيله، فإنّ الإمام لأن يُخطئ في العفو خيرٌ من أن يُخطئ بالعقوبة". عاشراً، "حول التطبيق الكامل للشريعة"، إنّ الكمال في تطبيق الشرائع كما في أي مجال آخر، هو كمال نسبي، سواء ما تعلق بالأنبياء أو من جاء بعدهم.
بأمانة أستطيع أن أقول أن الجابري كان مُنصفًا إلى حد ليس ببسيط في جُلّ طرحه هذا، كان للعِلمانية محورًا وللشريعة محورًا آخر مقابل، ووضحَ الخلل أو المشكل الذي يحيط حديث أصحاب الاتجاهين على حدٍ سواء.
أعجبني القسمُ الأول من الكِتاب والذي يحتوي على ثنائية الدين والدولة وإشكالية العلمانية والخِطاب الديني الجامد، أما القسم الثاني وهو تطبيق الشريعة، لم تعجبني الأوراق البحثية التي قدمها الجابري في هذا القسم كثيرًا، لأنه أعاد صياغة معضلة "التجديد" و"باب الاجتهاد" في صيغٍ لم يفلح صراحةً بالتفصيل فيها، وربط الحضارة القائمة والتغير الحداثي القائم كعِلةٍ لضرورة تجديد الخطاب الديني وفتح باب الاجتهاد بطبيعة الحال، وهذا ما لا يجوز ! لا يجوز أن تحابي الشريعة الواقع بدلاً من محاباة الواقع للشريعة، ففي النهاية لو كانت الحضارة الغربية بقوتها تغزو العالم أجمع ! فهذا لا يعني أن نجاريها فيما لديها، لكن الشريعة مُلزمة في أن يجتهد علماؤها في دفع مضار مستجدات هذ الواقع. وهذا ما لم يحسنوه ! حتى لو طرحوه فعلاً، ودَرَّسوه، وألفوا عشرات الكُتب في هذا الباب ! فرواسب الحضارة الغالبة اليوم تتسلل رويدًا رويدًا وتخلقُ حالةً من التشرذم والتفكك والانحلال. والجهد العلمي في سدة الفقهاء إن كان كبيرًا وفي توسعٍ إلا إنه لا يركز في منطقة واحدة وهذا ما لا يجعله يتصدى لهجمات الحداثة ونتاج العولمة. لكن الجابري طرح أمرًا مهمًا فيما يخص المصلحة العامة سواء بجلب المنافع أو درء المضار ! فهذا ما لم يحسنوا المسلمين فعله (بصورةٍ واضحة النتائج) على مدار سنين عجاف، واكتفى العلماء والفقهاء والمشايخ بما لديهم من أدوات دون طرحٍ منهجي وأدواتي متممٍ للإرث الإسلامي الكبير، وأيضًا دون حاجةٍ –طبعً�- لترك التراث جانبًا كما يدعي أدعياء العلمانية.(
كتاب رائع يناقش بمنطقية أحد أكثر المواضيع جدلية في التاريخ الإسلامي لايغفل الكتاب الخلفية التاريخية الإسلامية وعمق تأثيرها على واقعنا المعاصر، كما يطرح العديد من التساؤلات الجوهرية في علاقة الدين بالدولة وتعريف الشريعة وعناصرها والمرجعية التاريخية لها
عنوان الكتاب : الدين والدولة وتطبيق الشريعة المؤلف : د. محمد عابد الجابري مركز دراسات الوحدة العربية
كتاب ممتاز في سبك الفكره ، هذا الكتاب الأول الذي أقرأه للجابري ، أكثر ما لفتني هو القدرةُ الفائقة لديه في سبكِ الفكره المعقده بـ لغةٍ مفهومه. في السطور التاليه سأنقل بعض العبارات التي استوقفتني في الكتاب.
ص٣٥ -" كان الأمراءُ قبلَ هذا اليوم وفي صدر الإسلام هم العلماء والرعيّه هم الجند ، فاطردَ النظام وكان العوام القواد فريقاً والأمراء آخر ثم فصل الله الأمر بحكمته البالغه وقضائه السابق فصار العلماء فريقاً والأمراء آخر ، وصارت الرعيّه صنفاً وصار الجند آخر فتعارضت الأمور ولم ينتظم حال الجمهور ، وطرح الناس عن الطريق ثم أرادوا الاستقامة بزعمهم فلم يجدوها ولن يجدوا أبداً فإنه من المحال أن يبلغ القصد من حادَ عنه. "
ص٤٤ - عمر بن الخطاب الفقيه المجتهد المفكِّر الأول في الإسلام.
ص٧٢
- ثغرات الخلافة الدستورية من بَعْدِ عهدِ عمر بن الخطاب ١. عدم إقرار طريقة تقنين موحده لتعيين الخليفة ٢. عدم تحديد مدة ولاية الخليفة ٣. عدم تحديد اختصاصات الخليفة
بالعموم الكتاب ثريّ من جلدته الى جلدته وحريّ بالقراءة والتفكر فيه.
شعرت أثناء قراءتي لهذا الكتاب بثقل ما، عزوته إلى أنني أقرأ في هذا المجال ﻷو� مرة كما أن نص الكتاب يشير إلى أنه بحث من اﻷبحا� والذي غالبا ما يكون متعلقا بالمختصين
إلا أنني لم أندم أبدا على قراءته، فقد فتح لي أول أبواب هذا المجال.
قراءتي له كانت ضمن حملة مع زملائي في الجامعة بعد اختياره بطريقة ديمقراطية بالتصويت ومن ثم كان مقررا مراجعته ونقده سويا.
كانت هناك العديد من الفقرات التي لم أهضمها كاملة من أول مرة فعمدت إلى قراءتها مرارا حتى أحسست بفهمها.
أعجبني تدعيم الكاتب لحديثه ببعض اﻷمثلة� ولكنه في بعض اﻷحيا� كان يسترسل كثيرا .
المجهود اللي عمله زلمتنا يستحق علامة النجاح، لكن ليس التفوق، هناك ثغرات، وأيضا تعثرات، وفي ذات الوقت فالجابري - وهو يتسق مع نفسه وكتاباته السابقة واللاحقة في ذلك - يحاول التأسيس لمجتمع محكوم بسلطة "تشريعية" ذات مرجعية دينية شرعية فقهية "متجددة" حسب ما يقول، والعبد لله عنده عقدة ربانية من المؤسسات خيرها وشرها .. في ذات الوقت، كان الجابري يبدو كمن يحاول أن يقنع نفسه بكلامه اولا قبل أن يقنع قارئه، وكأنه كان يدرك أن ما يقوم بصنعه في هذا الكتاب هو "حل وسط" يفترض أنه سيرضي جميع الأطراف
بمجرد انتهاءك من الكتاب تتبخر لديك كثير من الثوابت الأثرية عن مفهوم الشرائع والتطبيق والدولة و..الخ - الكتاب يحمل عن النص الشرعي أعباء المعنى الحرفي الذي طالما تكلفه لقرون خلت - التعريج على الواقع السياسي والاختلاف المذهبي في الوطن العربي أثرى الفكرة - مقارابات الكاتب في القياس والاجماع وتوسيع أفق المصلحة و " تأصيل الأصول " على غير المعتاد كانت موفقة - النجمة الرابعة أضعها لجهد الكاتب في التحري وفهمه الجزئيات بشكل يغيب عن الكثيرين
يثور الجابري هنا على مدرسة الأصول التقليدية القائمة على القياس، و يدعو إلى مدرسة الشاطبي القائمة على المصلحة، و يرى أن الشريعة لا بد أن تطبق على هذه الخلفية، لكنه يتخذ المصلحة ذريعة لجواز تعطيل الكثير من الأحكام إذا لم توافق المصلحة أو خرجت عن سياقها التاريخي المربوط بأسباب نزولها: على سبيل المثال: حد السرقة. وجهة نظر تستحق النظر و التأمل، و كتاب جدير بالمطالعة في بابه
أول كتاب أقرؤه لولد العم المغربي. لكني لم أنتهي منه، لأن السفرة التي خصصتها لهذا الكتاب انتهت و لم أستطع إنهاء الكتاب معه. أتذكره بين يدي و أنا في مطار الكويت !
مميز في تحليلاته و ذكي في استنتاجاته. و يحاول أن يطرح طرحا مقاصديا و علويا للقضية، أكثر منه طرح تفصيلي فقهي.