إن بقاء التعدد هو الخليق بتنبيهه أبدا وانذاره بما عسى أن يحدث من انقلاب قبل ان تضيع فرصة تدارك الخطر . ذلك أن التعدد مع بقاء هذا التيار السياسى الأساسى هو بقاء ينشغل به الغلاة من كل فريق فيقف الغلو حافظا لقوى الاعتدال ويقف كعلامات الخطر المنذر عن بعد مناسب والغلو يقاس إما بعظم حجم التغيرات التى يطلبها الاتجاه المغالى أو بسرعة إيقاع سعيه لاجراء التغييرات المطلوبة أو بحدة أسلوبه فى التغيير عنفا أو سلما صخبا أو هدوءاً. والغلو إنما يرد من حركات الشباب او من حركات مثقفين يسعون للاهداف المثالية أو من حركات مثقفين يسعون للأهداف المثالية او من حركات وحدات انتماء فرعى ترى جدارة تبوئها ما يفوق الوضع الاجتماعى أو السياسى الذى يعترف لها به فى أطار الخريطة العامة . وكل هذه المناحى مطلوبة لتصويب حركة التيار الاساسى وتصحيح مساره وانذاره المبكر بما عسى أن يحدث من حيدة عن الجادة أو ظلم لبعض طوائف المجتمع أو فئاته كما تفيده فى كشف ما يظهر فى المجتمع من قوى جديدة لم تكن منظورة من قبل أو ما تتعدل به الأوزان النسبية للقوى القائمة .
طارق عبد الفتاح سليم البشري المفكر والمؤرخ والفيلسوف المصري، أحد ابرز القانونين المصريين المعاصرين،وُلِد في 1 نوفمبر 1933 في حي الحلمية في مدينة القاهرة في أسرة البشري التي ترجع إلى محلة بشر في مركز شبراخيت في محافظة البحيرة في مصر. عرف عن أسرته اشتغال رجالها بالعلم الديني وبالقانون، إذ تولى جده لأبيه سليم البشري، شيخ السادة المالكية في مصر - شياخة الأزهر، وكان والده المستشار عبد الفتاح البشري رئيس محكمة الاستئناف حتى وفاته سنة 1951م، كما أن عمه عبد العزيز البشري أديب.
تخرج طارق البشري من كلية الحقوق بجامعة القاهرة سنة 1953م التي درس فيها على كبار فقهاء القانون والشريعة مثل عبد الوهاب خلاف وعلي الخفيف ومحمد أبي زهرة، عين بعدها في مجلس الدولة واستمر في العمل به حتى تقاعده سنة 1998 من منصب نائب أول لمجلس الدولة ورئيسا للجمعية العمومية للفتوى والتشريع.
بدأ تحوله إلى الفكر الإسلامي بعد هزيمة 1967م وكانت مقالته "رحلة التجديد في التشريع الإسلامي" أول ما كتبه في هذا الاتجاه، وهو لا زال يكتب إلى يومنا هذا في القانون والتاريخ والفكر.
ترك البشري ذخيرة من الفتاوى والآراء الاستشارية التي تميزت بالعمق والتحليل والتأصيل القانوني الشديد، كما تميزت بإحكام الصياغة القانونية، ولا زالت تلك الفتاوى إلى الآن تعين كلا من الإدارة والقضاة والمشتغلين بالقانون بشكل عام على تفهم الموضوعات المعروضة عليهم.
وقد كان تم اختياره رئيسًا للجنة التعديلات الدستورية التى شكلها المجلس الأعلى للقوات المسلحة في أعقاب ثورة الخامس والعشرين من يناير في مصر، والتى قامت بتعديل بعض المواد الخاصة بالإنتخابات وغيرها لإستفتاء الشعب المصري عليها.
الكتاب من الأهمية بمكان يلزم كل مريد لإدراك البنا الأساسية والتشكلات التى لزمت لتكون الواقع المعاش الآن بكل تحدياته وظروفه. لجأ أساذنا البشرى -رحمه الله- فى منهجه إلى قوانين المقارنات وضرب الأمثلة والتعميم ليُكَون السرديات التى سلكها التاريخ السياسى بماضينا إلى حاضرنا. وكان أهم تلك القوانين: "تتباين المضامين بين المفاهيم برغم تماثل العناوين نتيجة السيرورة التاريخية". وراح يعرض الأحداث على هذا القانون بتجريد ليشمل أكبر قدر من الأمثلة. - وضح أهمية الوحدات الانتمائية الأصلية والفرعية والتعددية التى قامت عليها ومدى التشابك بين تلك الانتماءات وأهمية ذلك على الجماعة. -بيّن أهمية الوعى الجماعى المنبثق من الوعى الفردى. - قارن نشأة النظم فى الغرب والشرق وما تتضمنه من جماعات سياسية وأساليب حكم، خاصة النظام الديموقراطى الليبرالى بوصفه أهم منتج غربى وبين النظام الإسلامى الشرقى وخص بالذكر النظم التشريعية والتنفيذية والقضاء فيهما. -ثم استرسل فى نشوء الدولة القومية الحديثة خاصة تلك التى باتت تقليدية وأصبحت -بعد الاستقلال من الاستعمار- "حديثة" ذاكرًا مدى العلل التى عمت تلك البلدان والانتماءات الأصلية والفرعية، ومدى الانفصال الحادث فى هيكل المجتمع حاكم ومحكوم.
الكتاب برغم صغره النسبى إلا أنه مفصلى فى تكوين الوعى التاريخى.
انا اشتريت الكتاب ده لسببين ، الاول بحترم جدا كتابات طارق البشري ، و الثاني العنوان عن النظم السياسية المعاصرة لبلدان العالم الاسلامي !! كان عندي استفسار في العنوان و هو ايه اصلا سياسة بلدان العالم الاسلامي و هل لينا سياسة مستقلة مثلا مميزه عن باقي البلدان !! لأجد اجابة سؤالي هو اول ورقة فكرية في الكتاب :)
الكتاب مُجملة جميل جدا ، هو نظرة تجريدية و تحليلية لواقع نحياه ومُقارنات بين حال الدول الاسلامية الان و من قبل ، و توضيح لمعنى " الشريعة " في الحكم الاسلامي ، و مفهوم الديمقراطية و سلطات الدولة و الجماعات و الاحزاب و مقارنتها بين الدول :)
لكن لم يتعدى الكتاب تلك النظرة التجريدية لتوضيح الواقع و اسبابه اللي لم يختلف كثيرا من 2005 وقت اصدار الكتاب و 2013 وقت قرائتي له :) تنتهي كل ورقة فكرية بملخص و تطبيق على الواقع المصري كعرض للمشكلة بدون حلول !! تاركاً القارئ يتساءل : و بناءاً عليه !!!!
ينطلق البشري في تناوله للنظم السياسية العربية من واقع تلك النظم، ذلك أن النظر في مستقبل تلك النظم هو أمر يوجب التقيد بالوضع الراهن وتطبيقاته، ثم يمد البصر إلى ما عساه يتجه إليه هذا الواقع من خلال سياق تتابعه، أو من خلال نظر المعاصرين إلى ما يمكنهم به تعديل أوضاع هذا الواقع وفقًا لرؤيتهم له ووفقًا لما ينشدون منه. ويرى البشري أن هذا الموضوع بالغ السعة والشمول، بامتداده الماضي ووجوده الحاضر وإطلاله إلى المستقبل، وبمساحة جغرافية لا تخفى سعتها وتنوع بلادها واختلاف تجاربهم التاريخية المعاصرة، وتنوع هذه التجارب في كل بلد بسبب ما تعاني جميعًا من عدم الاستقرار والردد. وعلى هذا يتبع البشري منهجية قائمة على التعميم والتجريد لتناسب تلك السعة والشمول، ومن ناحية أخرى يعمد البشري إلى العودة إلى الماضي - ماضي التاريخ المعاصر- بالقدر الذي يراه مناسبًا لتصويب نظرتنا إلى المستقبل. أولًا: النظر في النظم السياسية الإسلامية: إذا نظرنا في الأصول التنظيمية القائمة الآن في النظم السياسية، واستطلعنا في ضوئها أسس الشكل التنظيمي والسياسي في التاريخ الإسلامي، نجد أن أسس النظام الإسلامي تختلف اختلافًا جذريًا عن أسس النظام السائد الآن. من حيث أن النظام الحديث نظام وضعي لا يعترف بشريعة أو شرعية للحكم منزلة من السماء، في حين أن النظام الإسلامي يبدأ من مقولة أساسية هى مصدرية السماء لتشريع الأرض. وبهذه المقولة الأساسية استقامت في الإسلام خريطة متميزة في توزيع السلطات. وإذا نظرنا إلى وظيفة الإمام وسلطته في النظام الإسلامي، نجد أن الوظيفة الأساسية للإمام هى "حراسة الدين وسياسة الدنيا" فالإمام هنا حارس وسائس وهى معان أقرب إلى العمل التنفيذي وإلى الواجبات التي تلقى على مسؤول التنفيذ بالمصطلح الذي يستعمل حاليًا لما يسمى "السلطة التنفيذية". وعند جمهور مجتهدي الأمة تنعقد الإمامة بالبيعة، والبيعة دائما تصدر للإمام على أساس أن يعمل بكتاب الله وسنة نبيه، فهى بيعة مشروطة دائمًا، وشرطها يعني أن سلطة الإمام سلطة مقيدة وأنها تجري في إطار نظام قانوني مضروب عليها من أحكام التشريع المنزلة. ويحدد أبو الحسن الماوردي؛ سلطات الإمام في عشرة أمور؛ أولها "حفظ الدين على أصوله المستقرة" وثانيها " تنفيذ الأحكام بين المتشاجرين فلا يتعدى الظالم"، ثم حماية الأمن وإقامة الحدود، وتحصين الثغور، وجهاد من عادى الإسلام، وجباية الفئ والصدقات، وتقدير العطايا، واستكفاء الأمناء وتقليد النصحاء( أى تعيينهم)، وأن يباشر بنفسه تصفح الأحوال والإشراف على الأمور " لينهض بسياسة الأمة وحراسة الملة". وهكذا يتضح أن هذه السلطات جميعها سلطات تنفيذية مما تقوم به في عرف النظم الحاضرة " السلطة التنفيذية". ثم ترد بعد سلطات الوزير، والماوردي يذكر نوعين من الوزارة: النوع الأول: وزارة التفويض ووزارة التنفيذ، ووزير التفويض هو يفوضه الإمام في تدبير الأمور حسب تقدير الوزير وحسب رأى الوزير، فهى وظيفة أقرب إلى نظام "مجلس الوزراء" في النظام البرلماني الحديث حيث تقوم الوزارة برسم السياسات. والنوع الثاني: هو "وزير التنفيذ" وهو ينفذ مشيئة الإمام ويبلغ قراراته ويشرف على نفاذها دون أن يكون هو راسم السياسة، وهى وظيفة أقرب إلى وظيفة الوزير في النظام الرئاسي الحديث كالنظام الأمريكي. وبالنظر إلى هذا التكوين نلحظ أن هذا الجهاز كله من الإمام إلى عماله، يدور في إطار محدد مما يطلق عليه بالمصطلح الدستوري والتنظيمي الديث "السلطة التنفيذية". ولم يفكر الفقهاء في تلك الوظائف التي تمارسها الآن ما نسميه "السلطة التشريعية" لذلك يثور السؤال في إطار خريطة توزيع السلطات في النظام الإسلامي، من ذا الذي يشرع لهذه الدولة؟ لم يفكر الفقهاء في التعرض لهذا الأمر لأنهم لم يكونوا يبحثون عن جهة تقوم بهذه الوظيفة، لأنها في نظرهم كانت قائمة فعلًا وهى تتمثل في القرآن والسنة، وهنا وجه تميز أساسي بين التنظيم السياسي المستمد من أسس الشرعية الإسلامية وبين التنظيم الذي ينبني على أسس النظم الوضعية. وهذا ما يمكن تسميته بالتشريع من الدرجة الأولى. ومن ناحية أخرى، استدعت تجربة الحكم الإسلامي والتنظيم الاجتماعي للجماعة الإسلامية توليد وظيفة أخرى لها وضع تشريعي يتعلق ببيان الحكم الشرعي في تلك الحالات التي لم يرد فيها حكم شرعي قطعى الدلالة، أو ليس ظاهر البيان. هذه المهمة التي نسميها اليوم مهمة تشريعية، كانت مجال نشاط المجتهدين وأهل الفتيا، ويقوم هؤلاء بالنظر في المسائل التي ليس فيها نص صريح، وذلك لبيان الحكم بشأنه بالقياس أو بالاستنباط أو بغيرهما من وسائل استخراج الدلالات الشرعية من الأحكام المنزلة بالقرآن والسنة. وهذا ما يمكن أن يسمى بالتشريع من الدرجة الثانية أو التشريع غير المبتدأ. وكان الإلزام في هذه التشريعات (الاجتهادات) كان مصدره الحجية وليس الولاية. ومع تطور الدولة الإسلامية وتطور رقعتها، كان الاجتهاد الفقهي/ التشريع يتطور مواكبًا لما يجد من مستجدات الأمور والمسائل الطارئة على حياة الجماعة، وظهرت في القرن الثالث مدونات صحاح الحديث كالبخاري ومسلم وغيرهم، كما ظهرت مدونات لمالك وأبي حنيفة وجعفر الصادق. وصارت هذه المدونات كلها بمثابة اجتهادات تشريعية مسنونة، وعلى ما بها من خلافات جزئية واجتهادات متباينة، فإنها تنطرح كلها على القاضي أو رجل الدولة أو من يستفتى من بعد ليعمل فيها نظره ويستخلص حكم الشريعة في الشأن المعروض. وهكذا نجد أن الهيكل التشريعي في النظر الإسلامي كان ينمو ويتطور ويعمل بعيدًا عن هيمنة السلطة التنفيذية. أما بالنسبة للقضاء فإن النظام الإسلامي يتصور الوظيفة القضائية جزءًا من الولاية العامة التي يمارسها "الإمام" ، بل أن الخلفاء الراشدون كانوا يقضون بأنفسهم فيما يتنازع فيه الناس من أمور. كما أن للإمام أن يعين القضاة وله أن يسمح للولاة والأمراء في الأقاليم أن يعينوا القضاء في الأقاليم التي يتولون عليها. وهنا يثور التساؤل والإشكال: هل بتبعية القضاء للوالي يصبح الحكم الإسلامي حكمًا شموليًا؟ نرجع في هذا إلى المقارنة بين النظام الوضعي العلماني، الذي يحدد استقلال السلطة التشريعية لارتباطها بالرأى العام وجماعاته في المجتمع، واستقلال السلطة التنفيذية بما تملكه من قوة مادية، سواء من حيث المال أو وسائل العنف. أم السلطة القضائية فتكتسب استقلالها من التوازن التي تقوم به بين سلطتى التشريع والتنفيذ. فالسلطة التشريعة تضع القوانين التي يطبقها القضاء، والتنفيذية تضمن تنفيذ ما يحكم به القضاء ويقره، وهى التي تعين القضاء وتصرف رواتبهم. لذلك فإنه في النظام الوضعي العلماني، إذا اندمجت الوظيفتان التشريعية والتنفيذية ( أو تحكمت الثانية في الأولى وأخضتعها) فإنه يكون قد أحيط بالوظيفة القضائية هى الأخرى، ويصير استقلال القضاء معلقًا بمشيئة من استوعب هاتين الوظيفتين الأخريين. أما في التصور الإسلامي فبموجب سابقة الإقرار بأن التشريع منزل من الله سبحانه وتعالى بالقرآن والسنة، وسلطة الحاكم مقيدة ليس فقط بموجب التوازنات بين المؤسسات المختلفة، إنما هو قيد يستمد من الأصل العام المعترف به في المجتمع وهو الخضوع للشريعة، وأن الحاكم لا يملك تغيير هذا القانون وأن ليس لأية مؤسسة من مؤسسات الدولة أن تعدله. والقاضي في هذا التصور وإن تولى وظائفه بالإنابة من الإمام أو من الوالي، فهو لا يخضع لمن عينه عندما ي��تقي أحكامه مباشرة من القرآن والسنة وباجتهاده من هذين المصدرين. ومن جهة ثانية فإن سلطات القاضي في التصور الفقهي الإسلامي أوسع كثيرًا من سلطات القاضي في النظم الوضعية، فقد كان من سلطات القاضي أن يقيم الدعاوى وينظرها فيما يتصل بالمصالح العامة وإقامة الحدود على مستحقيها. كما يدخل في سلطته كف الصدقات وصرفها إلى مستحقيها، ومن سلطته أيضًا تعيين نواب عنه في الأقاليم الخاضعة لاختصاصه. وهذا كله مما لا يعرفه القاضي في النظام الوضعي. وفوق ذلك فإن القاضي في هذا التصور له حريته في الاجتهاد في معرفة الأحكام الشرعية، والذي يعد الآن جزءا من صميم وظائه السلطة التشريعية. وأخيرًا تأتي الرقابة؛ وفيها نوعين هما اللذين عُرفا في تاريخ التنظيمات الإسلامية. أحدهما: يُشكل داخل الجهاز الحاكم ويشكل قمة الرقابة الذاتية لسلطة الدولة " ديوان المظالم". والثاني: له وجه اتصال بالحركة الشعبية مما يمكن أن يقوم بدور رقابة خارجية على جهاز الدولة وعلى حياة المجتمع كلها (وهو ونظام الحسبة). ثانيًا: النظم السياسية الحالية للدول الإسلامية: يظهر أن التكوينات السياسة التي ظهرت في العالم العربي الإسلامي والدول الإفريقية في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، لم تكن تتطابق مع تكوينات الجماعات السياسية حسب أى من معايير التصنيف التي تجمع هذه الجماعات (سواء كانت نسبية قبلية أو لغوية أو دينية عقيدية) وإنما عسكت أكثر ما عكست موازني القوى بين الدول الاستعمارية. وفي هذا الإطار تكونت النظم السياسية في عالمنا الإسلامي في ظل نظم سياسية آخذة جلها من النظم الغربية المعاصرة، ونعدل فيها ونغير في إطار مضروب من هيمنة الفكر السياسي الغربي ونظمه ومؤسساته. � الدولة والكيانات الاجتماعية: تشخص الدولة الجماعة السياسية والجماعة هى وحدة الانتماء العامة - كتلك التي كانت تربط المسلمين باسم الخلافة أو ما يربطهم الآن "القومية"- وبداخل هذه الجماعة العامة يوجد عدد كبير من الجماعات الفرعية التي ينتظم فيها أفراد المجتمع، وهى تتنوع من حيث معيار التصنيف فيكون أساسها الدين أو المذهب أو الطريقة الصوفية أو الملة أو المشرب الثقافي أو الطائفة، أو يكون أساسها اللغة أو اللهجة، أو يكون أساسها نوع التعليم أو المهنة أو الحرفة، أو يكون أساسها وحدة العمل الوظيفي لجيش أو جامعة أو شركة كبرى أو سط عمل معين، أو يكون أساسها الإقليم أو الحى أو القرية أو الحارة، أو يكون أساسها القبيلة أو العشيرة أو الأسرة أو غير ذلك مما لا يقع تحت حصر من حيث العدد أو من حيث النوع أو من حيث معيار التصنيف. والسمة في هذه الوحدات أنها وحدات جامعة ولكنها ليست بالضرورة وحدات مانعة، فالفرد الذي ينتمي لإحداها قد يمتنع عليه الانتماء لغيرها وفقًا لغيرها من جنسها وبذات معيار التصنيف، ولكن لا يمتنع عليها الانتماء لغيرها وفقًا لمعيار آخر للتنصيف. فالمنتمى لأهل السنة يمتنع عليه الامتناع للشيعة لكن لا يمتنع عليها الانتماء لقبيلة أو إقليم أو غير ذلك. كما أن هذه الوحدات ليس متداخلة فقط، ولكنها متحركة ومتغيرة بين بعضها البعض، فهى ليست ثابتة الحدود وفيها مايضمر وفيها ما يتسع وفيها ما تضعف قوته الجاذبة وفيها ما تقوى جاذبيته للأفراد. وهذه الوحدات تتآلف وتتنافر وفق الأحداث السياسية والاجتماعية ووفق وعى الناس بما يجد ويطرأ من أوضاع تستدعي التآلف والتنافر. من هذه الوحدات تظهر في كل مرحلة تاريخية وحدة الانتماء العامة التي تعتبر الحلقة الكبرى والأساسية التي يتشكل المجتمع وفقًا لما تفيده لما تفيده والتي تعتبر الحلقة الحاكمة لغيرها أو الوحدة الحاكمة لغيرها، وما بعدها يمكن الإشارة إليه بحسبانه وحدات الانتماء الفرعية. وإذا ما أصاب وحدة الانتماء العامة ما يجعلها تتفكك وتنهار ( كانهيار الخلافة الإسلامية) فإن أحد الوحدات الفرعية يتطور ليلعب الدور الذي كانت تلعبه الوحدة المتفككة، ومن ثم تنشأ له من الصفات ما تؤهله لمواجهة الأوضاع الاجتماعية والسياسية، ومن ثم يعمل على إعادة ترتيب وحدات الانتماء الأخرى على أساس أن تلتحق هذه الوحدات بها كوحدة حاكمة، وهذا ما حدث في مصر مثلا منذ 1919 عندما علت الجامعة المصرية على غيرها وألحقت بها غيرها. � الديمقراطية والتعددية: ويرى البشري أن الحديث عن الديمقراطية أو التعددية هو في عمومه حديث عن "المؤسسات" في المجتمع، أى الهيئات التي تنظم الجماعة في عمومها أو في تكويناتها الفرعية، والمقصود بالجماعة في عمومها الجماعة السياسية التي تتكون "الدولة" على أساسها، ويقصد بالتكوينات الفرعية الجماعات الثقافية أو المهنية أو الإقليمية أو العرفية أو الاقتصادية وتندرج في الوعاء العام للجماعة السياسية. وما يعنيه البشري بالتعددية هو تعدد في مؤسسات الدولة يتوزع عليها اتخاذ القرار العام والقيام بالعمل العام، ثم بعد ذلك تعدد التنظيمات الاجتماعية للجماعات الفرعية، وهذه الجماعات تمثل التكوينات الوسيطة بين الجماعة السياسية العامة التي تقوم الدولة على أساسها وبين الأفراد، وهى الكفيلة بجمع الإرادات الفردية وتنظيمها وإقامة وجه من وجوه الإدارة الذاتية لكل من الجماعات، وهى أيضًا الكفيلة بتنظيم القوى الشعبية المتنوعة وإقامة نوع من التوازن بين هذه القوى وبين السلطات المركزية، أى إقامة نوع من التوازن بين الجماعة السياسية الكلية المعبر عنها من الدولة، وبين هذه المكونات الفرعية في تكاثر ما تعبر كل منها عن ذاتها. وهكذا كان الخلل التنظيمي الذي تعاني منه مجتمعاتنا العربية والإسلامية والشرعية العامة في القرنين الماضيين، إنما نتج عن وهن تلك التنظيمات الخاصة بالجماعات الفرعية.
كتاب رائع يتحدث عن أن النظم السياسية الأوروبية الحديثة نشأت في ظروف وسياق خاص بها يختلف عن ظروف وسياق البلاد الإسلامية وبالتالي فإن استيراد وفرض هذه النظم باعتبارها حل هو شيء غير سليم نظرا لاختلاف السياق والظروف . كما يقارن بين تكوين النظم الأوروبية الحديثة من ثلاث سلطات تنفيذية وتشريعية وقضائية مقارنة مع تاريخ النظم في الدول الإسلامية قديما والموضح في كتبه الفقه والذي يركز على سلطة واحدة تنفيذية مع عدم إغفال ما يندرج تحتها من قضاء وحسبة ووجود غير رسمي خارج السلطة للفقهاء الذين يمارسون استكشاف الأحكام من الشريعة .
أضاف الي هذا البحث مقارنة موضوعية بين النظام السياسي الغربي وتبلور الديموقراطية في المجتمع الأوروبي وبي ما كان عليه النظام السياسي في الدولة الإسلامية ومدي تأثير الإحتلال الغربي للعالم اجمع من شرقه الي غربه سواء دول مسلمة او غير مسلمة وأسباب فشل الأحزاب السياسية في الوطن العربي لأنها بلا جذور مجتمعية تقوم عليها الفكرة الحزبية وتتبلور مثل ما يحدث في المجتمع الأوروبي بالأضافة الي ان الأحزاب في الوطن العربي قامت علي فكرة نزع الهوية مما عمق فشلها.
دراسه اجتماعيه سياسيه اكثر من رائغه , و ان كنت اعيب على الكاتب صغر حجمها بالمقارنه معا النتائج التى استخلصها من التحليل , اسلوب تحليلى رائع و وافى و منطقى الى حد كبير , و من اهم مميزات الدراسه هيا حسن اختيار نقطه البدايه فى التحليل و المنظور الواسع الذى اتبعه الكاتب , طارق البشرى يستحك لقب المعلم و الباحث , نفعنا المولى عز و جل بعلمه
يبحث المستشار طارق البشرى فى هذا الكتاب النظم السياسية المعاصرة لبلدان العالم الإسلامى ويعقد مقارنة سريعة بينها وبين النظم الغربية من حيث الخطوط العريضة والعامة ويقدم شرحا لما يجب أن ناخذه منهم وما لا يجب بغرض الإفادة والوصول للأفضل