هذا سراج الملوك والخلفاء ، ومنهاج الولاة والأمراء ، وتدبير الملك والدول ، مقتضب من كتاب الله تعالى العزيز ، وأخبار الأنبياء عليهم السلام ، وسياسات ملوك العرب والعجم والروم والفرس والهند والسند . هذا الكتاب صياغة نظرية سياسية ؛ متعلقة بمسألة السلطان والدولة السلطانية ، يرسم بعض ملامحها الأساسية والجوهرية . إنه يتضمن توثيقاً لمرحلة تاريخية حاسمة من مراحل تطور ذلك الفكر . إنه يقدم أنموذجاً فريداً من النماذج التي تكشف عن العلاقة الجدلية القائمة بين الوجود المجتمعي السياسي للفقيه ، وبين التنظير السياسي لذلك الوجود . في هذا الكتاب قراءة مستنيرة تكشف لنا عن طبيعة العلاقة الكامنة بين الفكر السياسي وبين الواقع المجتمعي الذي أطَّر ذلك الفكر . في هذا الكتاب ترى كيف تناول الطرطوشي هذه القضايا ، وكيف عالجها ؟! إن كتاب « سراج الملوك » يشتمل على مسائل السياسية الشرعية ، وقضايا الحكم في الإسلام ، وفلسفة الاجتماع البشري ، وتحديد شرائط السياسة ، ورسم هرم السلطة ، وأركان الدولة ، وسياسة الرئاسة ، وعلاقة الراعي بالرعية ، وعلاقة الدولة الإسلامية بغيرها من الأمم . إن الطرطوشي رحمه الله من الفقهاء السباقين إلى بحث وتبويب موضوعات القانون العام ، وعلى وجه الخصوص القواعد الدستورية للسلطة والسلطان . ففي هذا الكتاب قواعد ملزمة لتحديد السلطة وضبطها لكي تنهج تصرفاتها نهجاً دستورياً مسؤولاً ، وأنه كلما ابتعدت الدولة والرعية عن التمسك به والالتزام بمقتضياته كانت النتيجة تضعضع الدولة وسقوطها واختلال موازينها . هذا الكتاب فيه فكر سياسي يحكمه منطق الشرع ، وفكرة المقاصد ، وميزان الترجيح بين المصالح والمفاسد . وفي هذا الكتاب رد على من يدعي قصور الدين الإسلامي عن ترتيب أمور الحكم والراعي والرعية بما لم تصل إليه الحضارة الغربية بنظرياتها الخاوية ، والتي يمارس من خلال ديموقراطيتهم الكاذبة أقسى أنواع الظلم وأعتى ألوان الاضطهاد . وقد رتب المؤلف أبواب كتابه هذا ترتيباً حسناً ، ثم ختمه بباب مشتمل على حكم منثورة ، فجاء يزهو في أبهى حلة .
ألف الطرطوشي هذا الكتاب قبل 900 سنة في الأسكندرية قبل وفاته بأربع سنوات وأهداه للوزير المأمون البطائحي. وقال عن كتابه هذا : " يستغني الحكيم بدراسته عن مباحثة الحكماء، والملك عن مشاورة الوزراء".
الكتاب مليء بالقصص والعبر والحكم، ويتكلم فيه الطرطوشي عن الحكم والملك والرعية والناس والجند والحروب ويعطي أمثلة وأقوال وقصص من كل عصر وزمان ومن كل امة وملة. اتحفظ على بعض نظرياته كما في كيفية معاملة أهل الذمة وبعض الفصول القليلة. لكن في المجمل، الكتاب كنز لا يمل منه القارئ.
أذكر اقتباس واحد من عشرات الأقتباسات الرائعة التي تجدها في الكتاب : ( قالت الصحة: أنا لاحقة بأرض العرب، قال الجوع: أنا معك، قال الإيمان: أنا لا حق بأرض الحجاز، قال الصبر أنا معك، قال المُلك: أنا لاحق بأرض العراق، قال القتل: أنا معك)
"سراج الملوك" ليس مجرد كتاب نصائح، بل هو موسوعة أخلاقية وسياسية تنبض بالحكمة والعمق. يُوصى به لكل من يسعى إلى فهم أصول القيادة الراشدة والسلوك القويم، سواء على المستوى الفردي أو المجتمعي.