في هذا الكتاب، يتناول الجابري بالدراسة مفهوم المثقف ويجد ان لا وجود لمرجعية لهذا المفهوم في الثقافة العربية: فيحاول بناء تلك المرجعية عن طريق التأصيل الثقافي للمفاهيم الحديثة. ويتطرق المؤلف الى مواضيع: المثقفين في القرون الوسطى الاوروبية، وسلطة العلم العربي في اوروبا، وظهور المثقفين في الاسلام واجيال المثقفين في الاسلام، ثم ينتهي إلى نتيجة وهي ضرورة اعادة كتابة التاريخ العربي
ويضم الكتاب كذلك دراسة لمحنتين تعرض لهما عالمان مسلمان هما ابن حبنل وابن رشد نتيجة تعارض ارائهما مع اراء السلطة. وما محاولة الجابري تفسير التاريخ الا لفهم حاضرنا وتعميق هذا الفهم، والوقوف على الصراع المستمر بين الدولة ورجال العلم
جاء الكتاب في ثلاثة فصول: (1) المثقفون في الحضارة العربية الاسلامية؛ (2) محنة ابن حنبل، و(3) نكبة ابن رشد
محمد عابد الجابري (1936 بفكيك، الجهة الشرقية - 3 مايو 2010 في الدار البيضاء)، مفكر وفيلسوف عربي من المغرب، له 30 مؤلفاً في قضايا الفكر المعاصر، أبرزها "نقد العقل العربي" الذي تمت ترجمته إلى عدة لغات أوروبية وشرقية. كرّمته اليونسكو لكونه “أح� أكبر المتخصصين في ابن رشد، إضافة إلى تميّزه بطريقة خاصة في الحوار�.
محاولة مهمّة تطبيقيّة لمنهج محمد عابد الجابر ي في قراءة التاريخ , هذا المنهج الذي يمكن تلخيصه بأنّها السعي لقراءة المسكوت عنه في الروايات و الحفر و التحليل لاكتشاف الأسباب الحقيقيّة الكامنة وراء الحوادث , و التي تمثّل له أسبابا أيديولوجيّة هنا . يضمّ الكتاب ثلاثة مباحث أولاها في تبيئة المصطلحات ... و هو مهمّ , و يمثّل منهجاً مهمّا , لقضيّة أساسيّة في الفكر العربي الحديث تتعلّق باستخدام المصطلحات في العلوم الإنسانيّة في الدراسات العربيّة . إنّه هنا يطرح آليّة لكيفيّة تبيئة المصطلح , يحاول تطبيقها في الصفحات اللاحقة للكتاب . المبحث الثاني و الرئيسي في الكتاب يتعلّق بمحنة خلق القرآن . ما يريد أن يثبته الجابري هنا باختصار أنّ قضيّة خلق القرآن كانت قضيّة سياسيّة بحتة , و لا ينبغي تحميل وزرها للمعتزلة , فالمأمون إنّما أراد كسر شوكة أعداء دولته المتمثّلين بأهل الحديث ليس لكونهم أهل حديث و إنّما لأنّهم كاناو يحملون تطلّعات ايديولوجيّة ضدّ الدولة ظهرت على شكل خطط للثورة على الحكم و على شكل التبشير بعودة السفياني الذي مثّل المهدي المنتظر لدى أهل الحديث كطريقة مقاومة معنويّة لهيمنة السلطة العباسية و قهرها . كما أنّه يؤكّد أنّ الثلاثة أو الأربعة الذين شاركوا المأمون في الفتنة من ممثّلي المعتزلة لم يكونوا يمثّلونها حقّا ( نتكلّم هنا عن ثمامة بن أشرس و القاضي أحمد بن أبي دؤاد ) و لا ينبغي الظنّ أنّ المعتزلة كانوا راضين بممارسة هذا القهر .. لأنّ التاريخ لم ينقل لنا استنكارهم فقط ؟؟ كما لا يفوت الجابري هنا التذكير بأنّ هناك مبالغات في رواية محنة ابن حنبل و الأذى الذي تعرّض له ,و إن كان لا ينفيه ... من الجدير بالذكر أنّ الجابري في كتابه " نحن و التراث " اعتبر محنة خلق القرآن " ثورة ثقافيّة " .... !!! الجزء الثالث المتعلّق بابن رشد , يدرس فيه الجابري علاقة ابن رشد بالدولة الموحّديّة و كيف انتقل هذا الحلف إلى نكبته و حرق كتبه .... مدار البحث هو في كتاب ابن رشد عن سياسة أفلاطون ... و في مقدّمته تحديداً إضافة إلى العبارات التي يشير فيها ابن رشد إلى الدولة ... الخلاصة كانت في أنّ المخاطب بإهداء ابن رشد في أوّل الكتاب كان أخا الملك ( هذا استنتاج الجابري و ليس مذكوراً في المقدّمة ) و أخو الملك هذا كان يعدّ لانشقاق عنه ... و قد قتله كذلك ____ الكتاب لطيف و يستحقّ القراءة حقّا , يحمل الكثير من الإشارات الذكيّة و الموحية , و لأنّه يفتح آفاقا أوسع لقراءة التاريخ ... حتى لو اختلفنا معه في بعض استنتاجاته أو في منهجه نفسه ..
عند قرآءة الفصل المعنون بـ (محنة ابن حنبل)، وكذلك الفصل الذي يروي (نكبة ابن رشد) ستدرك بشيء من الدهشة كيف تحولت مسألة سياسية لمسألة عقدية تمس ثوابت الإسلام. وكيف أن المثقفين وقتها لم يكونوا يختلفون كثيراً عن مثقفي أيامنا، فحين نُكّل بالرجلين اللذان اتخذهما الجابري نموذجاً، لم يتحرك منافسوهم على الساحة العلمية والفكرية للدفاع عنهم ورد الظلم عنهم، بل ربما أوغلوا صدر الأمراء عليهما، وفي المقابل، فعل الطرف الآخر الشيء نفسه عندما انقلبت دورة الأيام وتعرض المحرضون عليهم أو الصامتون عن إيذائهم وقمعهم، لم يحركوا ساكناً.. كم ييدو هذا شديد الشبه بوضع المثقفين في زماننا. أنصح بقرآءة هذه الكتاب لمن يودون إضاءات تفيدهم في دور المثقفين في الحضارة الإسلامة، ولمن ما زالوا يعتقدون بصحة ما درسناه في كتب العقيدة عن الفرق التي قيل لنا أنها ضالة ومنحرفة، فهي لم تكن في واقع الأمر سوى اتجاهات فكرية ومذاهب أتت كرد فعل مضاد تجاه الشطحات الأموية والعباسية وجنون الخوارج...الخ
هي المرة الأولى التي أقرأ فيها لكاتب مغربي كانت تجربة جيدة اكتشفت فيها مفكرا مميزا كما يظهر من كتابه بالنسبة لمحنة ابن حنبل المتعلقة بخلق القرآن فقد قرأت عنها من قبل ولكن هذه المرة الأولى التي أفهمها بشكل قريب من حقيقتها فعلى حين يعمل غالبية المؤرخين تناول المحنة مجردة من كل أسبابها السياسية معتمدين على السرد فقط عاملين على إبراز بطولة الإمام أحمد فقط , بينما عمد الجابري إلى شرح مستفيض لها وللظروف السياسية التي كانت قائمة يوم ذاك بطريقة تجعلك تستيقن أن المحنة كانت تتعلق بحماية ملك العباسيين أكثر من كونها حماية وغيرة على القرآن من طرف الخلفاء
أما النظرة المجملة للكتاب فهي أن الكاتب قد غرني بعنوان كتابه فرغم ما تناوله من معلومات كثيرة ومهمة إلا أنها لا تصب إلا القليل منها في العنوان الذي اختاره بمعنى لو أنني قرأت الكتاب دون قراءة العنوان لكنت قد أعجبت بالكتاب أكثر ولكن للأسف العنوان بعيد كثيرا عن محتوى الكتاب على كل هو كاتب مميز من الجميل أن أقرأ له مجددا :)
"الشرك في السياسة الذي يرفضه الحاكم ويحاكم عليه باسم الشرك في الألوهية" هكذا وصّف د. الجابري تعقيدات علاقة المثقف بالسلطة بعد أن قام بأسلوب منهجي بتعريف المثقف وتبيئة مفهوم الثقافة والمثقف عربياً وإسلامياً مستنداً إلى محنة الإمام أحمد بن حنبل ونكبة فيلسوف الأندلس ابن رشد كمثالين بارزين يرسمان تقاطعات هذه العلاقة الشائكة.
بالإضافة الى العمق الفكري الذي يلمسه القارئ في مؤلفات الدكتور الجابري ومنها هذا الكتاب، لا بد من الإشادة بالمنهجية الرصينة التي يتبعها الدكتور في تحليل التاريخ الإسلامي وحوادثه وترسباته
كتاب من النوع الذي وأنت تتنقل في صفحاته تشعر بأن فقاعات تنفجر في عقلك..مسارات جديدة تتفتح وأن رؤيتك اكتسبت مزيدًا من التوسع بحيث لاتعود تفكر كما كنت. محور الكتاب هو إيجاد تعريف للمثقف في حضاراتنا الإسلامية وكيف تمت محاربة المثقفين من قِبل السلطة في أحيانٍ وكيف تم التحالف معهم في أحيانٍ أخرى وذلك حسب ما تقتضيه مصلحة أولئك الذين يتقلدون السلطة، وفي كل مرة تمت محاربتهم بصفتهم معارضين تم تغليف الهجوم عليهم بغلاف ديني.. أنصح بقراءة هذا الكتاب على مهل
في المقدمة يتكلم الجابري عن غياب مفهوم المثقف في الفكر الإسلامي العربي وافتقاد هذه المفردة إلى أرضية من داخل تراثنا. فالمثقف العربي عندما يوصف بكلمة (مثقف) فهو لا يعرف أين موضعه بهذا الكلمة و هل يقبلها أو يرفضها, فتعاملنا مع الكلمة يكون أما بإرجاعها للمفهوم الأوروبي للمثقف أو إرجاعها لأصلها اللغوي (ثَقفَ) أو رفضها لأن لاوجود لها في تراثنا العربي.
بعدها يتكلم عن "تبيئة المفاهيم" وأن المفاهيم جميعها من الممكن تبيئتها إذا تم بناء مرجعية تمنحه المشروعية والسلطة, وعملية بناء المرجعية تتطلب تتطلب الإطلاع على مرجعيته في المفهوم المنقول منه وذلك بأستحضار تاريخ تشكل المفهوم وتطوره. وبذلك يمكننا أن نقيس نظير المفهوم مع الإحتفاظ دوماً بالفارق. والتأصيل الثقافي يجب أن يمر بمرحلة التجديد من الداخل وذلك بثلاث محاور: النقد الإيبستمولوجي لتراثنا, نقد الحداثة الأوروبية و المحور الثالث وهو التأصيل الثقافي للحداثة في فكرنا
المثقفون في الحضارة العربية الإسلامية (الفصل الأول), تحدث عن نوعين من المثقفين كما وصفهم غرامشي أما ان يكونوا أدوات للهيمنة على مستوى المجتمع المدني (الجدد) وأما أداة من أدوات السيطرة في المجتمع السياسي (التقليديين). وعندما تحدث عن الهدف من الكتاب (المثقف العربي:أين يكون) تحدث عن تحويل الكلمة من اللغة الفرنسية الى العربية, فنشاهد وجود الكلمة هناك وجذرها الفكر وهنا جذرها فلاحة الأرض أوالحذاقة
وعند التأصيل الثقافي, في القرن الأول كان العالم هو الأمير بحيث أنهم هم خاصة القوم وأهله. و بدأ بعدها علم الكلام مع بداية الدولة الأموية حين كثر الكلام عن الجبر (الأقدار جبرية) وبعدها أتى فريقين: فريق من يقول بهذه المسألة وهم القريبين من السلطان لتبرير أعمالهم حيث أن السلطان وديوانه كانوا يقولون بأن هذا مقدّر وأن الخليفة لن يدخل النار بما فعل "فعلياً كان فيه من الإستعباد وإستخفاف العقول الشيء المحزن" إلى أن أتسع الكلام إلى الجزئيات وظهرت الفرق وبدأت أمور الإختلاف التي تنشئ المثقفين
هذا الكتاب يتكون من دراستين, في الدراسة الأولى هي محنة ابن حنبل. ويحاول الجابري أخذها من منظورها التاريخي ويحيلها إلى عوامل سياسية بطّنت بمسألة دينية ومايدعّم كلامه الأعوام التي كانت قبل المحنة ودور المطوعة الذين تطوعوا للأمر بالمعروف و النهي عن المنكر في بغداد بعدما عمّ فيها الفساد بعد حرب الأمين والمأمون واستيلاء الحربيين على الأمر هناك من دون سلطة عليا فكان أن الجميع ألتّف مع الفقهاء و المطوّعة الذين وكما يرى الجابري كانوا يريدون القيام بثورة شعبية خصوصا بعدما عيّن المأمون أهل خراسان في الدولة بدأ بعدها العرب يستلطفون الأمويين العرب المضطهدين, وذلك ماجعل الخلفاء المأمون والمعتصم والواثق يطاردون من يقول بمسألة خلق القرآن و التي أنتهت مع خلافة المتوكل والذي بدوره غيّب المعتزلة وقرّب منه أهل السنة والجماعة لا بقصد الأنتصار لهم أكثر مماهو مطمع سياسيّ بإسترضاء العامّة. فعلاً, فعلى مدى التاريخ الإسلامي العربي كانت الصراعات الثقافية تخدم سلطة الدولة وهيمنتها ونرى الآن في الوضع الحالي في دولنا أكبر مثال, فالدولة تلتفت لتيّار وهذا التيار غالباً مايلتفت الى التيار الذي غضبت عليه الدولة بعد ماكان القريب منها (معتزلة\سنة) (أصوليين\حداثيين) الوضع لايختلف كثيرا
بع��ها إلى الدراسة الثانية, نكبة ابن رشد والتي تجاوز فيها الجابري عن أموراً كثيرة غير منطقية في إثبات أن نكبة ابن رشد ذات بعد سياسي. فجعل تاريخ كتاب كتبه من 576 الى عام 590 كي تتماشى مع نظريته, نظرية الجابري منطقية من حيث الحدث وهذا من السهل عمله لكن هناك ثغرات في رؤية الجابري لم يحلّها أو يحاول حلّها بل جعل التراتب المنطقي هو الدليل
فعلاً حال المثقف في الأنظمة الشمولية مربوط تماماً بالسياسة,أختم ردي بمقولتين في الكتاب
أن المثقف أذن هو في جوهره ناقد إجتماعي. إنه الشخص الذي همّه ان يحدد ويحلّل و يعمل, من خلال ذلك على المساهمة في تجاوز العوائق التي تقف أمام بلوغ نظام إجتماعي أفضل, نظام أكثر إنسانية وأكثر عقلانية. هو بذلك يصبح ضمير المجتمع و الناطق بإسم قوى التقدم التي لاتخلو منها اي مرحلة من مراحله التاريخية. ولامناص من أن ينعت بأنه شخص يثير العراقيل والفتن, من طرف الطبقة المسيرة التي تعمل على الحفاظ على الوضع القائم, ومن جانب "العمال" الفكريين خدّام تلك الطبقة, الذي يتهمونه بأنه خيالي طوباوي ويصفونه بأحسن الأحوال بأنه ميتافيزيقي وفي أسوأها بأنه متمرد. و بعبارة أخرى إن المثقفين وفقا لهذه التحديدات, هم أولئك الذين يعرفون ويتكلمون وبالخصوص ليقوموا بالقيادة والتوجيه في عصر صار فيه الحكم فناً في القول
إنه "الشرك" في السياسة الذي يرفضه الحاكم, ويحاكم عليه بإسم الشرك في الألوهية
( إنّه " الشِرك" في السياسة الّذي يرفضه الحاكم، ويُحاكم عليه باسم الشِرك في الألوهيّة ) ! هكذا يختتمُ المفكرّ الدكتور محمد عابد الجابري بحثه الموسوم بـ " المثقفون في الحضارة العربيّة ( من محنة بن حنبل إلى نكبة ابن رشد) " وهو يهدف من خلاله إلى تأسيس المرجعيةّ المفقودة - برأيه - لمفهوم "المثقف " محاولًا تَبْيٍئة هذا المفهوم و يفصّل ويُأصّل لعلاقة المثقف بالسلطة.
يحوي الكتاب على ثلاثة فصول:
الفصل الأول: المثقفون في الحضارة العربية الإسلاميّة. وهو الفصل الأهمّ والأمتع برأيي -على الأقلّ لأنّي وجت ضالّتي فيهم و - لأنّ الجابري انطلق فيه من تساؤل وإشكال معاصر : فمن بين شرائح: الكُتّاب، الفلاسفة، العلماء، الفقهاء، الشعراء، النّقاد ، الأصوليين ... تساءَل عن أيٍّ منهم يدخل في زمرة المثقفين؟ هذا السؤال يدفع بشكل مباشر إلى البحث أولًا عن مفهوم المثقّف، الذي لم يجد له الجابري مرجعيةً في الثقافة العربية كونه هو و مصطلح " الثقافة " دخيلان، الأمر الذي دفع بالجابري إلى نهج طريق إعادة بناء مفهوم المثقف عن طريق استخلاص المرجعية الثقافية لهذا المفهوم، وهو ما اصطلح عليه " بالتبيئة " والّتي يعني بها : "ربط المفهوم بالحقل المنقول إليه-(الدخيل عليه) - ربطًا عضويًا، وذلك ببناء مرجعيّة له فيه تمنحه المشروعية والسلطة، سلطة المفهوم" وذلك يتطلب اللإطلاع على المرجعية الأصلية = التأصيل الثقافي فانطلق من مناقشة دلالة كلمة " المثقف " اللّغوية في العربيّة و عرضَ تاريخ تكونّه في الحضارة الأوربية خاصّة في تاريخها الوسيطي ( أين يجد مرجعيته الأساسية) إلى أنْ وصل إلى معطياتٍ خوّلته لإيجاد نظائر و أمثلة في الثقافة العربية = وعليه بناء المرجعية العربية الإسلامية الأصيلة لمفهوم المثقف. ووصل إلى نتيجة مفادها أنّ " المثقفين في العصور الوسطى الأوروبية هم نتاج المثقفين في الحضارة العربية الإسلاميّة " ويصل إلى التعريف التالي: (المثقف يتحدد وضعه لا بنوع علاقته بالفكر والثقافة، ولا لكونه يكسب عيشه بالعملب فكره وليس بيده، بل يتحدد وضعه بالدور الذي يقوم به في المجتمع كمُشرّع ومعترض ومبشّر بمشورع أو على الأقل كصاحب رأي وقضية) وَ أن المثقف ين هم : ( أولئك الذين يعرفون ويتكلمون، يتكامون ليقولوا ما يعرفون، وبالخصوص ليقوموا بالقيادة والتوجيه ) إلى أن يستقرّ في حصر المثقفين في زمرة الفلاسفة والمتكلمين!
الفصل الثاني: محنة بن حنبل اعتبر الجابري قضية " خلق القرآن " قضية سياسية بالدرجة الأولى واعتبرها من الفروع لدى المعتزلة = ومنه نفي عقائدية المسألة ومحتواها الديني، ليكون المقصد منها سياسيًا= يبرره بخوف الحاكم العباسي من أهل الحديث - على رأسهم ابن حنبل - فيلجأ إلى امتحانهم و التصغير من مكانتهم وذلك يظهر جليًا في مع المُمتَحنين الذين لم يصبروا على الأذى وقالوا بأنّ: القرآن مخلوق.
الفصل الثالث: نكبة بن رشد علاقة ابن رشد بالدولة الموحدية، و تربّعه على مكانة مرموقة لدى الحاكم الموحّدي= الّذي انقلب في الأخير إلى " نكبة" تمثّلت في عزله و محاولة حرق كتبه وكتب الفلسفة جميعًا بدعوة أنّ ابن رشد يتبنى أفكارًا كُفرية وضلاليّة ( وهو كان شارحًا فقط لكتب أرسطو وأفلاطون بطلب من الحاكم نفسه ) لكن الأمر كان سياسيًا بغطاء فلسفي - مثلما اكتست قضية خلق القرآن الغطاء الديني في محنة بن حنبل. يظهر ذلك في الأراء التي ضمّنها ابن رشد في تأليفه لكتاب" جوامع سياسة أفلاطون " وتمثلت في نقده لأوضاع الحكم في الأندلس ( عن قصد أو دونه) __________________________ الكتاب يُؤسِس إلى دعوة " التأصيل الثقافي " لمفاهيم وقيم الحداثة المعاصرةوذلك بربطهابأشباهها ونظائرها في تراثنا= ومنه تأسيس مرجعية لها(التجديد من الداخل).
و عكس ما توقعته تمامًا من كتابات الجابري " صاحب مشروع نقد العقل العربي " : هذا الكتاب جاء سهلًا في عبارته و واضحًا في فكرته. وهو صغير الحجم وجدير بالقراءة.
-- { إنه الشرك في السياسة الذي يرفضه الحاكم، و يحاكم عليه باسم الشرك في الألوهية }.....! هذه الجملة التي وردت في ختام هذا الكتاب تلخص الفكرة الرئيسية التي قام عليها هذا البحث الماتع و المتمثل أساسا في إشكالية العلاقة بين المثقفين و الأنظمة السياسية في تاريخ الحضارة العربية الإسلامية. حيث عمد المفكر محمد عابد الجابري إلى تحليل تلك الإشكالية بتوظيف نموذجين من أشهر الشخصيات الثقافية العريقة في التراث الإسلامي و هما: إمام الفقه الإسلامي الشهير: أحمد بن حنبل و فيلسوف قرطبة الغني عن التعريف: ابن رشد. و قد تولى الجابري الحديث في أول الكتاب عن مدلول الثقافة و تعريف المثقفين بشكل مختصر، لينطلق بعد ذلك مباشرة إلى ظاهرة الصراع بين المثقف و السياسي في تاريخ الآراء السياسية للفرق الإسلامية و منظريها، و التي كانت هي النواة الرئيسية لحركة المعارضة باسم الدين كالمعتزلة و الشيعة و الخوارج الذين كانوا المسمار الذي تم دقه في نعش الدولة الأموية، و التي قامت بدورها باستغلال نفر من المثقفين من الأئمة و العلماء لنصرة نظرية الجبر التي كان تتبناها للإفلات من النقد و المعارضة و لكي تحافظ على ضمان بقاء خلفائها في السلطة. ثم ينتقل المؤلف للحديث عن قضية محنة الإمام أحمد و مسألة خلق القرآن و دور المتكلمين المعتزلة في كل ذلك، و هو يرى أن الدولة العباسية و الخليفة المأمون لم ينتصرا لقضية الإعتزال إيمانا منهما بهذا المذهب و نظرياته الدينية و إنما كان ذلك لأجل محاولة كبح جماح قادة العامة من أهل الحديث و الفقهاء السنة الذين كان بعضهم قد بدأ يعارض النظام السياسي العباسي آنذاك عن طريق إعادة الإعتبار لمعاوية ( من باب عقيدة عدالة الصحابة ) و الأمويين، و الرد على عقائد الجهمية و المعتزلة الذين كانوا هم الأنصار المخلصين للثورة العباسية في أوائل قيامها على دولة بني أمية. و فيما يخص قضية ابن رشد فقد جنح المؤلف كذلك إلى صبغها بالصبغة السياسية، حيث استبعد تماما كل الروايات و الآراء التي تقول بأن سبب نكبة فيلسوف قرطبة تعود إلى ما وجد في كتبه الفلسفية من بعض النظريات التي تتعارض مع بديهيات العقيدة الإسلامية، فقد رأى الجابري أن السبب الحقيقي لنفي ابن رشد و نكبته هو سياسي بامتياز و لا علاقة له بالفلسفة التي دفعت الثمن غاليا بسبب لعنة السياسة و تقلباتها. و سبب ذلك كله هو شرح ابن رشد لكتاب ( جوامع سياسة أفلاطون ) و الذي تحدث فيه عن السياسة و أنظمة الحكم و ضرب فيه بعض الأمثلة من الواقع السياسي الأندلسي، مما اعتبره خليفة الموحدين تعريضا به و بنظامه، فكان أن وجه له تهمة التعرض لجناب الدين حتى يشرعن عقابه لابن رشد تحت شعار الدفاع عن العقيدة.
-- و في الأخير فإن علاقة الحكام بالمثقفين تبدو كعلاقة قائمة على المصالح الصرفة، حيث أن السياسي كان ينظر دائما للمثقفين كأدوات يستعين بها لتثبيت ركائز حكمه حينا، حتى إذا انتهت صلاحية ذلك نكبهم أو تخلص منهم بأي طريقة، أو ضربهم بمثقفين آخرين ممن يعارضونهم في الأفكار و الإيديولوجيا، كما حدث ذلك زمن حكم بني العباس، عندما استعان الخليفة المأمون بالمعتزلة و أنصارهم و عين منهم الوزراء و القادة، ثم لما تولى الخليفة المتوكل العرش بعد ذلك قلب لهم ظهر المجن، و ضربهم بأعدائهم من الفقهاء الحنابلة و استعان بهم لقمع الفكر الإعتزالي و الذي كان إلى حين يمثل مذهب الدولة الرسمي.
-- الكتاب جيد و ممتع و هو يمثل في نظري قراءة مهمة للإشكالية المذكورة، وفيه كم من التحليلات الصائبة و الآراء المنطقية، و هذا عائد لمهارة الجابري في التحليل و الإستقراء، و لكونه يعتبر قارئا حاذقا للتاريخ و هو ما ظهر جليا في استدلاله بالوقائع و الأحداث التاريخية على ما كتبه هنا.
التعليق: يتكون الكتاب من ثلاثة فصول: الأول يتحدث فيه الجابري عن المثقفين في الحضارة العربية وأن لا وجود لمرجعية تحدد من هو المثقف العربي ويحاول الجابري في هذا الفصل ومن خلال تناول مفهوم المثقف في الحضارة الغربية أن يبني هذه المرجعية المفقودة في التراث العربي كما ويتناول الحديث عن أن العلوم في القرون الوسطى الأوربية هي نتيجة للعلوم الإسلامية وينتهي في أخر هذا الفصل إلى ضرورة إعادة تدوين التاريخ العربي الإسلامي بشكل كامل، أما في الفصل الثاني فيتكلم الجابري عن محنة ابن حنبل وما عاناه هذا العالم الجليل من آلام نتيجة تشبثه بفكرة عدم خلق القرآن وكيف أن السلطة الحاكمة هي التي تسيّر الدين وفق معتقداتها الفكرية، وينتهي الكتاب ليعرض مرة أخرى محنةً لمثقف من الأندلس ويسمى الفصل الثالث بنكبة ابن رشد وفكرته الأساسية من أن علم الكلام (العقل) لايتعارض مع الشريعة طالما أن غايتهما الوصول إلى الفضيلة. محمد عابد الجابري اسم لن أنساه ممتع إلى درجة الابهار عارض فذ للإفكار كتبه فيها من الدسم الفكري الشيء العسير على الهضم لكن منكهاته اللغوية تجعلك لا تشعر بذلك، هناك هدايا ينثرها لك الجابري عبر صفحات كتبه.
هوامش على الكتاب:
الشرك في السياسة يرفضه الحاكم, ويحاكم عليه باسم الشرك في الإلوهية --- الانقلاب السني في عهد المتوكل تجلى بعدة أمورك 1. إنزال جثة أحمد بن نصر الخزاعي بعد عدة سنوات من تعليقها في بغداد. 2. عزل أحمد بن أبي داؤد المعتزلي من جميع مناصبه وتقليدها ليحيى بن أكثم رجل السنة والجماعة. 3. محاربة البدع ومنها هدم ��بر الحسين بن على ومنع الناس من إتيانه والأمر بحراثة ما حوله وزرعه.... 4. إجبار النصارى على ارتداء زي يميزهم وتمييز منازلهم وعدم الاستعانه بهم في الدولة ولا يعلم أولادهم مسلم ولا يتعلمون في كتاتيب المسلمين. --- "في رأيي أن من أكبر مصائب المسلمين موت المعتزلة" أحمد أمين --- بيّن ابن رشد أن الدين بناء مستقل بنفسه له أصوله الخاصة, وأن الفلسفة كذلك بناء مستقل بنفسه لها هي الأخرى مقدماتها الخاصة, وأن التقاء البنائين وتآخيهما وتكاملهما أمور يجب أن تلتمس, لا في الأصول ولا في البناءين, بل في الغاية والهدف, من حيث أن كلاً منهما يرمي في نهاية المطاف إلى تحقيق الفضيلة.
كتاب مهم في دراسة لحالتين من المحن التي نزلت بالمثقف العربي في التاريخ أحداهما كانت محنة ابن حنبل والأخرى ابن رشد ،، الأولى كانت ضد تيار أهل الحديث والسنة والأخرى ضد تيار العقل والفلسفة ، الفاعل في كليهما واحد هو السلطة السياسة ،، الظاهر هو حماية العقيدة والدين والواقع كما يراه الجابري هو الكرسي ، فقد يقبل السلطان الشرك بالله لكنه لا يقبل الشرك به ،، كتاب قيم ومهم في تحليله الفكري والتاريخي
الجابري كعادته عظيم. يحتوي على بحثين رئيسيين: محنة ابن حنبل ونكبة ابن رشد. وبما أن الجابري يتعامل مع مثقَّفَين في الحضارة العربية فرأى أنه يحتاج إلى تقديم مطوّل عن مفهوم الثقافة وأصله كلفظ ودلالته في الحضارة الإسلامية ومن ثم دلالته في عصرنا الحاضر ويُفصل بعتب في هذه الجزئية وينقد نقدا شديداالمفهوم الساذج للمثقف الآن. كلى البحثين أُعطيا ما يستحقانه من إلمام وتفصيل واستخلاص دون إسهاب. ففي البحث الأول عن ابن حنبل تجاوز النظريات الدينية للأزمة إلى البعد السياسي الذي يرى أنه هو السبب الرئيسي فالخلفاء الثلاثة العباسيون الذي عاصروا الأزمة كان الاستبداد السياسي والقمع واستغلال الدين مظهرا واضحا لحكمهم. وفي البحث الثاني الذي كان على علاقة بدولة الموحدين فالسبب هنا مشابه تقريبا لما حدث مع ابن حنبل، فقد ترجم ابن رشد نصوصا لجمهورية أفلاطون مضيفا بعد الشروحات والتعليقات التي تقارن بين حديث أفلاطون عن الاستبداد وحكم الموحدين مع شبهة وجود ميول سياسي نحو منافِس الخليفة قد يكون له تأثير على تصعيد ابن رشد للهجته المعادية. في النهاية كان الجامع الاستبداد وحكم الطاغية وليس لخلق القرآن أو كتب الفلسفة تأثير ملموس على ما حدث سوى أنها شعارات استغلها الحكام الطغاة في تثبيت حكمهم. أنصح به وبشدة لفهم أعمق لأزمة خلق القرآن والمسائل المشابهة لها والبعد السياسي الدنيء لهذه المسائل بعيدا عن التنظير الديني الهامشي.
"إنه "الشرك" في السياسة الذي يرفضه الحاكم، ويحاكم عليه باسم الشرك في الألوهية" بهذه العبارة الرائعة يختتم كتابه هذا والذي تناول فيه العلاقة بين المثقفين والسلطة السياسية في الحضارة العربية مستشهداً بمثالين هما ابن حنبل وابن رشد. فبالرغم من أن ظاهرة الصدام بين هذين المثقفين والسلطة السياسي ديني إلا أن الخلفية الحقيقية له سياسية بحتة كما يستنتج الجابري. الكتاب جميل في ربطه بين الأحداث والتحليل ويترك مساحة واسعة لاستقراء خلافات أخرى بين المثقفين والسلطة السياسية في عصور أخرى، وإن كان لا يُغني عن تناول قراءات أخرى لذات الأحداث.
الكتاب بإختصار دون إستعراضات لغويه وقفزات فلسفيه وإبهارات منطقيه يقول أو يحاول القول أن حال المثقفين في الحضاره العربيه القديمه كحالهم في الحضاره العربيه الحديثه قهر وظلم وسجن ومصادره وحرق كتب وتعذيب ومنع وإقامه جبريه وتضيق ولا مبالاه وتعسف وفضائح نفسيه وجسديه وعائليه ومطارده وأخيرا ً أجباره الدخول في حظيره السلطان تحت أي مسمى فأما هذا وأما أتباع كل وسائل الدميقراطيه العربيه معه!!!!! كتاب جيد وممتع وسهل بالنسبه لكتابات الجابري العميقه والكثيفه والمتعبه
كل باحث يكون فضولي جدا في معرفة اي مسالة تهمه، لحد الان اعتبر اسلوب تحليل الجابري واستعراضه للامور من ارقى ما مر علي .. بالتاكيد لا يحتاج هذه الشهادة مني.. رحمه الله
سبب الاربع نجمات من خمسة سبب بسيط.. لو كنت قد قرأت الكتاب سنتين قبل الان لاعطيته نجمتان، والان اربعة نجوم.. وقد اعود واعطيه خمسة نجوم في يوم ما .. اذا هي مسالة فهمي للكتاب لا مادة الكتاب نفسه فهو متقن
للاسف صدمت بتوسع حول محنة ابن حنبل ونكبة ابن رشد على حساب التوسع في مضمون الثقافة واوجهها وعرض نماذج من مثقفون الحضارة الاوربية مثلا
المسألة اﻷه� التي يشير اليها الكتاب ويعمل عليها هو امران رئيسيان : اﻻو� : قراءته للتاريخ قراءة تحليلية وعميقة تبتعد عن السذاجة المعتادة في قرآئتنا له . الثاني : تبيان التداخل الحاد بين السياسي والديني في حضارتنا العربية فكم من صراع سياسي بحت قضى باسم الدين !
الحمد لله على قراءة الكتاب وجزى الله مؤلفه خير الجزاء
في هذا الكتاب يشرح الجابري مفهوم المثقف، وظهور المثقفين في أوروبا أولا ثم في الإسلام وكيف كان يتمتع الفكر العربي من سلطة على مثقفي أوروبا. أعجبني الفصلين الذين بحث فيهما عن أسباب محنة ابن حنبل وكذلك ابن رشد، ليجد أنها أسباب سياسية مغلفة بغطاء ديني. إنه كما قال الشرك في السياسة الذي يرفضه الحاكم ويحاكم عليه باسم الشرك في الألوهية.
بالرغم من كُرهي ومقتي لأولئك الذين يقومون بإسقاط المعاني السياسية والثقافيَّة والفلسفيَّة الحديثة إسقاطًا قاسيًّا يشجون فيه وجه التاريخ ونقائه إلا أنَّ هذا الكتاب من ضمن الكتب القليلة التي يمكنُ أن تقرأها والتي تعنى بهذا الأمر الفاشل الذي يحاول الترويج له فئة تحاولُ بندقة عراقة المفاهيم وأصالتها بموضة الحداثة وتفاهتها. كأن تقرأ كتابًا يتكلَّم عن إشتراكيَّة أبا ذرٍ الغفاري. أو المدنية في دولة الإسلام الأولى التي أسسها النبي صلى الله عليه وسلم. أو الاشتراكيَّة في الإسلام..... وما إلى يجري على نسق ذلك من تفاهات أصحاب العقول الحداثيَّة التي تبغي أن تدسَّ في التاريخ والدين ما ليس فيه. فالإسلامُ هو الإسلام لا علاقة لهُ بالاشتراكيَّة من قريبٍ أو بعيد وكذلك الاشتراكيَّة هي الاشتراكيَّة والإسلام بريءٌ منها.
أمَّا عن الكتاب ففي البداية يبدأ الدكتور بداية موفَّقة في الربط بين النهضة الفكرية الأوروبيَّة ونشوء الظاهرة الثقافية التي أدت بدورها إلى الثورة الفرنسيَّة وخلع نظام الكنيسة الثيوقراطي. ويوضح الكاتب بدء تبلور فكرة المثقف في الأوساط الأوروبيَّة ولكن فيما بعد لا يستطيع أن يتخلى عن ذلك الوصف الذي فيقوم بإسقاطه على علماء العصر العبَّاس كأحمد بن حنبل وغيره من زعامات الفكر المعتزلي. ولا ينفكُّ الجابري من خلال كتابه عن التخلي عن نظريَّة المؤامرة فيتحدّث وكأنَّ التاريخ مؤامرةٌ كبرى بل يصل فيه الأمرُ في النهاية إلى القول أن نجاة الإمام أحمد بن حنبل في محنة خلق القُرآن ليست تجسيدًا لموقف المثقف المستقل مع السُلطة وليبقى ذكر هذهِ المؤامرة التي سيقت عليه من قبل المفكِّرين المثقفين الليبراليين المعتزلة كما وصفهم الجابري.
أما الرسالة الأخرى التي يريد أن يرسلها الجابري وينتزعها انتزاعًا من رحم تاريخٍ عقيمٍ من مثل تلك الأفكار أنَّ مواقف الإمام أحمد رحمه الله المتشددة لا تقرأ إلا في سياق المحنة التي تعرَّض لها فتشدده وتمسكه بآرائه ليست لأنها الحق ولكن هي شبيهة لعناد الذي يتعرضُ للتعذيب في المعتقل ورفضه الإدلاء بالاعتراف. وقد استخدمت هذهِ الفكرة السفيهة مرارًا في التاريخ الإسلامي وفي كلِّ محنة مرَّ بها عالمٌ من علماء السنة كابن تيمية وابن الجبير وحتى نالت من أبي بكرٍ الصديق رضوان الله عليه عندما قالوا بأنَّ حروب الردّة التي أعلنها فور توليه الخلافة ليست إلا حربًا اقتصاديَّة. وبمجرَّد الإيمان بمثل تلك الأفكار سنندفعُ للبحث عن كُلِّ عالمٍ طورد وعذب وسجن لنفكِّر هل يمكننا أن نأخذ من علمه أمّ أنها مجرَّد عنادة ومكابرة في سبيل محاربة الزمرة الحاكمة في وقته! وللتأكد من أنَّ هذا الرجُل يريد تمرير مثل هذهِ الأفكار هو أنَّه يرى بأن فكر المعتزلة فكرٌ قد ظُلم تاريخيًّا وهو فكرٌ تنويريٌّ إسلامي حوربَ من أهل السنة العرب لأنَّه كان فكر الدولة في الخلافة العباسيَّة التي كانت تحارب الفكر الأموي القرشي العربي الخالص.
أخيرًا فيما ذكره عن ابن رشد لا أستطيع أن أتحدث كثيرًا فهي مجرَّد فرضيَّات من استقراء الجابري للتاريخ لقصة لحدثٍ فيه من مجولِ الأدلة أكثر من معلومها ولكن يبقى تفسيره للمحنة مقبولًا إذا ما قورن بتفسيره لمحنة ابن حنبل رحمه الله. وقراءتي له ستدفعني إ�� شاء الله لاحقًا للقراءة لابن رشد لأكون فكرتي الشخصية دون الاعتماد على فكرة صاحبِ الكتاب.
هدف الجابري في هذا الكتاب هو تأصيل، أو تبيئة على حد التعبير الذي اختاره، مفهوم المثقف ودوره في الحضارة العربية الإسلامية. في الفصل الأول من الكتاب، يعمل الجابري على هذا الهدف، فيتتبع نشأة مفهوم الثقافة في الحضارة الأوروبية، وتأثير ه��ه النشأة بالحضارة العربية، وصولًا إلى استقلال الثقافة الأوربية ونضوجها، ومن ثم يحاول أن يصيغ مفهومه الخاص للمثقف العربي، ليبدأ في تتبع هذا المفهوم عبر التاريخ الإسلامي، حيث يرصد مراحل تطور المثقف من المثقف المبدع للأفكار وصولًا للمثقفين المجترين للأفكار والذي يسميهم بالمتقابسين اعتمادًا على التسمية التي أطلقها عليهم التوحيدي. هذا الفصل وحده يمثل الكتاب ككل. الفصلين اللاحقين، والذي يضرب فيهما الجابري مثلين من التاريخ العربي، وهما حادثة محنة أحمد بن حنبل، وحادثة نكبة ابن رشد، يبدو وكأنها مقحمان، حيث يتحول الكتاب من دراسة فكرية، إلى دراسة في إعادة البناء التاريخي، وهي على الرغم أنها إعادة بناء شيقة إلا أنها لم تخدم هدف الكتاب. هناك عدد من المآخذ التي أخذتها على الكاتب. إذ يبدو في أجزاء كثير من الكتاب، يلوي الوقائع التاريخية ليثبت أن المتكلمين بالذات هم من استحقوا وصف المثقف، متجاوزًا الأصوليين والفقهاء والمحدثين واللغويين والمؤرخين وغيرهم، وهو في ذلك تحركه خلفياته العلمانية القديمة، فالعلمانية العربية تحب أن تجد نفسها دائمًا في المتكلمين، وكأن المتكلمين اسلافهم في التاريخ الإسلامي. لكن هذا الانحياز للمتكلمين يجعل الجابري في مشكلة، فالمثقف كما يراه الجابري هو شخص ينحاز للقيم العليا حتى ولو أدى به ذلك إلى صدام مع السلطة، وهو ما كان يقوم به طوال التاريخ الإسلامي الفقهاء والمحدثين، في حين كان المتكلمين دائمًا إلى جانب السلطة. كذلك من المآخذ أن الجابري ليس متبحرًا في التاريخ الإسلامي، ويعتمد دائمًا مصدرًا وحيدًا للروايات التاريخية التي يستخدمها، دون أن يخضع هذه الروايات إلى أي تقييم موضوعي منهجي، وهو ما يؤثر سلبًا على تلك النماذج التي وضعها لتفسير حادثتي المحنة والنكبة. ومع ذلك يبقى هذا الكتاب فريدًا في موضوعه في اللغة العربية، فإذا أستثنينا بعض كتابات إدوارد سعيد ومالك بن نبي وعلي شريعتي، فإن كتاب الجابري يكاد يكون الوحيد في العربية في موضوع المثقف، كما أن كتابات هؤلاء لم تكن بالعربية وإنما ترجمت إلى العربية.
أنهى الجابري كتابة بالحقيقة المستعصية على أفهام بعض المؤرخين والمنشغلين بتراجم الأعلام بدون التفكر في لعنة السياسة وخبثها، بل في تشبثها بالعرش والدفاع عنه باللسان والسن والرمح.. هو كما قال بنصه "إنه الشرك في السياسة الذي يرفضه الحاكم، ويحاكم عليه باسم الشرك في الألوهية"، هو أستخدام الدين في قمع المخالف سياسياً، بتكفيره وزندقته وحتى تصل إلى تصفيته جسدياً، وكله بأسم الدين !
لا يستطيع أن يبرر الحاكم سلوكه إلا بتقمص رداء حامي الدين وبتقريب المشرعين لسلوكه من علماء البلاط لإكساء فعله صبغة الشرعية والقداسة الدينية..
هو أكثر وضوحاً، ضحك على العوام بقلة فهمهم في الدين وتمرير هذا الأفعال الشنيعة، والتي لا تراعي حرمة قتل النفس بل تستحلها خبثاً ومكراً.. قاتل الله السياسة التي فتكت بالناس واستعبدتهم !
خص الجابري ابن حنبل وابن رشد كأعلام تعرضوا للمحنة لأرائهم السياسية بوصفهم من المثقفين -حسب تعريفه للمثقف والمتتبع لأصلها الفرنسي في بيان المثقفين عام ١٨٩٨م- فالأول بميوله الأموية وتمرير فكرة خلق القرآن كغطاء للتجريم، والآخر لتصريحه ودعمه ليحي أخي يعقوب المنصور، وهو ما يسمى في عصرنا الحاضر بالاستبداد السياسي ومنع الحراك المدني المناهض له.. وغيرهما كثر ممن تعرض للتعذيب والسجن بل والقتل كأبن المقفع.
كتاب يدعو للتفكر العميق والتأمل في مسألة السياسة والاستبداد عند قراءة التاريخ الإسلامي ودورها في الأرث أو الموروث الفقهي والسياسات الشرعية بالتحديد!
يُعيد الجابري قراءة المحنة بمجهر المعرفةِ والسُلطة. وغرضه إضفاء شيء من (المعقولية) على حادثة تُعد بحق من غرائب التراث؛ أعني لمَ يُسجن المرء ويُعذب ويُقتل شر قتلة، لدوافع لا معقولة أصلها خِلافات لفظية لا تُقدم ولا تؤخر شيئا على وجه التحقيق "أمخلوق القرآن أم غير مخلوق؟"سؤال افتعالي أشغلَ الأُمة على نحو عبثي. يخلص البحث إلى أن قضية خلق القرآن، وحتى مسألة القضاء والقدر، ماهي إلّا آراء سياسية معبر عنها بخطاب ديني. إن جاز لي أن أفتح قوسا هنا، في هذا الكتاب الماتع يظهر لك كيف ولماذا انتقلت روح السياسة عند العرب من الطراز العُمري: أطيعوني ما أطعتُ الله فيكم، فإذا عصيتُه فلا طاعة لي عليكم. إلى الطراز الأمَوي: جاء شيوخ للخليفة يحلفون بالله أن لا حساب عليه ولا عذاب.
كتاب جميل. أول مرة أقرأ لمحمد عابد الجابري ولن تكون الأخيرة. أحببت أسلوبه الذي يتبع "خير الكلام ما قل ودل" ومع ذلك غني بالمعلومات. يتحدث الكتاب في فصله الأول عن انفصال مفهوم المثقف عن اللغة العربية، ويعطي تعريفاً للمثقف حسب ما يراه مناسباً بعد النظر في مفهوم الكلمة التاريخي. بعد ذلك ينتقل ليتحدث عن محنة بن حنبل وابن رشد ليبين من خلالهما علاقة المثقف بالسلطة، وكيف تستغل السلطة الدين لتحارب بعض الشخصيات التي تشكل خطراً عليها.
قلما تجد فى عالمنا العربى مفكر وفيلسوف حقيقى "غير منتحل" بل على العكس يقوم بتبيئة المفاهيم الحداثيه حتى دون أن يشعرك ولو للحظه بالتكلف أو الاصطناع .. انه الأستاذ الفيلسوف العملاق "محمد عابد الجابرى" :)
إنّه "الشرك" في السياسة الذي يرفضه الحاكم، ويحاكم عليه باسم الشرك في الألوهيّة.
بهذه الجملة أنهى محمّد عابد الجابري كتابه هذا، وهي تلخّص ما توصّل إليه المؤلّف في بحثه عن الأسباب الحقيقيّة لمحنة ابن حنبل ونكبة ابن رشد، باعتبارهما نموذجين من "المثقّفين" في الحضارة العربيّة.
واجهت صعوبة في بداية الكتاب مع التحليلات الاجتماعيه والفلسفيه لكلمة "مثقف" ولكن بعد ذلك بدأت استمتع كثير بالكتاب ، عقلية د الجابري تحليلة منظمه وموضوعيه وكنت ابحث في هذه الفتره عن نظرة لمحنة الامام احمد بن حنبل في اطار جوانبها السياسه والاجتماعيه وهذا ماقدمه الكتاب بشكل وافي.
يحاول الجابري في هذا الكتاب الدفاع عن نظريته بأن الصراع الديني الفكري في تاريخ الإسلام ما هو إلا غطاء لصراع سياسي كان أطرافه يتحرجون المجاهرة به. أسلوب الجابي ممتع ولكنه يذهب بعيدا في بعض الأحيان.
#المثقفون_في_الحضارة_العربية محنة ابن حنبل و نكبة ابن رشد ، للمفكر #محمد_عابد_الجابري عدد صفحاته 156بخط صغير متراص لو يعاد طبعه بشكل آخر لكانت صفحاته ربما تجاوزت ال300 . يفتتح المفكر كتابه بتعريف مصطلح (مثقف) و علاقتها بتاريخ المصطلح عبر التاريخ الاسلامي محاولا ترييئه و التعرف على مرجعيته ، لكي يتوافق مع من يتلاءم معهم المصطلح ، فيأخذنا معه في رحلة الى بداية ظهور المصطلح في اوروبا و علاقته مع الارث الاسلامي ، فيخلص الى ربط المصطلح الاوروبي و ظهوره الى الفكر الاسلامي و ظهور علم الكلام و اصالة المصطلح الذي ظهر مفهومه عند العرب المسلمين ، كما يعرج بنا الى فضل المسلمين في تأسيس للفكر و الفلسفة الاوروبية و اصالتها و كيف انهم انتهلوا من فكر الكثير من العرب كابن رشد ، ثم ينتقل بنا الجابري الى كشف المستور و الغامض منا تعرض له ابن حنبل و محنته التي استمرت سنوات طوال بسبب صراع ظاهره ديني ، ذريعته قضية خلق القرآن ، حقيقته سياسي بين معارضة سنية لما كان عليه الخلفاء العباسيون من استبداد ، ثم ينتقل بنا لوجه آخر في الجاني الاخر من العالم الاسلامي و بالضبط الاندلس و ما حصل لعالمها ابن رشد من نكبة على يد الخليفة الموحدي المنصور الذي فعل به ما فعل بدعوى الخروج عن تعاليم الدين و التوحيد ، بينما حقيقة الامر كما يكشفها الجابري هو خلاف سياسي سببه فيما ظهر كتابات و افكار ابن رشد التي كانت تنتقد حكم المنصور في ثنايا شرحه كتاب الجمهورية لافلاطون في كتابه الجوامع ، و الذي يخلص فيه الى تاصيل انواع الحكم و اسقاطها على واقع دولتهم القائمة و التي فيما يبدو انه كان يميل الى اخو المنصور ، ابو يحي للكتاب فوائد عظيمة و كثيرة منها البحث و استقصاء الحقائق باعتماد كل ما توفر من مصادر و اعتماد العقل و التمحيص في ترتيب احداثها و حصر اكثرها اهمية للحادثة التاريخية ، كما يزيح الكتاب اللبس الحاصل حول ما تعرض له العالمين الجليلين ... و مما يجب الوقوف عنده مليا هو تفسيره السياسي القوي لمحنة ابن حنبل و التي كانت منطقية جدا ، لكنه للاسف يجعل فيها ابن حنبل رجل سياسة ، بل و يحاول ان يشككنا انه لم يكن متشددا في فتاويه و في مذهبه الفقهي الا لدواعي سياسية معاصرة جعلته يأخذ ذلك المأخذ المتشدد ، في حين ان الامام كان من اعلام الفقه و الحديث و الذي كرس حياته كلها لجمع الحديث و شرحه و استنباط احكام فقهية منه و من القرآن الك��يم فكان رحمه الله صاحب الذهب الرابع من مذاهب اهل السنة و الجماعة .
هذا أول كتاب أقرؤه للدكتور محمد الجابري, وصادف أني قرأت قبله كتاب "مآلات الخطاب المدني" لإبراهيم السكران الذي كان فيه يرد على أصحاب الخطاب المدني وفي مقدمتهم الجابري. لهذا السبب, بدأت هذا الكتاب وأنا متوجس منه ومن طريقة توظيفه للنصوص بحيث يخرجها على ما يريد.
المثقفون في الحضارة العربية: قسمه المؤلف ثلاثة أقسام: الأول: بحث في مفهوم الثقافة عموما ومفهومها في الحضارة العربية الإسلامية خصوصا. الثاني: بحث في محنة ابن حنبل. الثالث: بحث في نكبة ابن رشد.
لعل أفضل وصف للبحثين الأخيرين هي أنها محاولة لتفسير المحن التي واجهها المثقفون في حضارتنا من السلطة تفسيرا سياسيا, مفترضًا أن الأسباب الدينية إنما استعملتها السلطة للتغطية على الأسباب السياسية الحقيقية. تعتمد صحة هذا التفسير على صحة الروايات التي ينقلها, والتي أحيانًا لا يذكر مصادرها! إذ هو يعتمد في تفسيره هذا على ما بين السطور فيما تنقله كتب التاريخ. قد يكون وُفق فيما يخص نكبة ابن رشد, وهو أصلًا مختص بهذا الفيلسوف, ولكني أراه أبعد كثيرا في تفسيره محنة الإمام أحمد.
ما علاقة البحثين الأخيرين بالبحث الأول؟ هي علاقة المثقف بالسلطة. ولا أعلم هل هذا سبب كاف لكي يكون موضوع الكتاب عن المثقفين في الحضارة العربية؟ كنت أتوقع شيئًا عن حياة المثقفين وتاريخهم.
ختامًا, ما يميز هذا التفسير للمحن والنكبات هو أنه ينظر إليها من زاوية جديدة لم يُنظر من خلالها من قبل. قد يكون أخطأ أو أصاب, أو أخطأ وأصاب, لكن يبقى أنه فتح أعيننا على هذه الزاوية الجديدة.
الكتاب صعب بالنسبة لي لذا قرات الاجزاء التي اثارت اهتمامي فقط. تطرق الكاتب الى محنة ابن حنبل محنة خلق القران ايام المامون والمعتصم والواثق والتي كانت في حقيقة الامر عبارة عن توظيف الديني من اجل السياسي فعلاقة المثقفين بالسلطة بالامس (معتزلة واهل سنة) اشبه ما تكون بعلاقة المثقفين بالسلطة اليوم (سلفيين اصوليين وعصريين حداثيين) . فالصراع لم يكن دينيا بل سياسيا صراع بدا بين علي ومعاوية بواسطة مفاهيم دينية كالجبر والقدر وحكم مرتكب الكبيرة ومضمون الايمان...لم يكن في صالح المامون مواجهة اهل السنة والجماعة لا على مستوى مسالة مرتكبي الكبيرة ولا على مستوى القدر وحرية الارادة وتحمل مسؤولية الافعال ولا على مستوى الىعد والوعيد...لان ذلك كله كان سينقلب ضده فلم يبق الا القول بخلق القران. لقد شبه المامون العباسي معارضي القول بخلق القران بقول النصارى في ادعائهم ان عيسى ابن مريم ليس مخلوقا. ثم تطرق الكاتب الى نكبة ابن رشد التي كان سببها نصوص سياسية تعرض فيها ابن رشد بلهجة انتقادية للاوضاع في الاندلس اثناء شرحه لكتاب جمهورية افلاطون. "ذلك كان الامر مع ابن حنبل واصحابه الذين اتهمهم المامون العباسي باثبات الشريك مع الله لقولهم القران قديم غير مخلوق وذلك كان الامر نفسه مع ابن رشد واصحابه الذين نكبهم الخليفة المنصور الموحدي بسبب ما ادعاه عليهم من انه وقف لبعضهم على كتب مسطورة في الضلال...باطنها مصرح بالاعراض عن الله..." "انه الشرك في السياسة الذي يرفضه الحاكم ويحاكم عليه باسم الشرك في الالوهية."