«مَثَلُ الباحثِ في تاريخ الحضارة المصرية القديمة، كَمَثَلِ السائح الذي يجتاز مَفَازَةً مترامية الأطرافِ، يتخللها بعض وديان ذات عيون تتفجر المياه من خلالها، وتلك الوديان تقع على مسافات في أرجاء تلك المفازة الشاسعة، ومن عيونها المتفجرة يطفئ ذلك السائح غلته ويتفيأ في ظلال واديها؛ فهو يقطع الميل تلو الميل عدة أيام، ولا يصادف في طريقة إلا الرمال القاحلة والصحاري المالحة، على أنه قد يعترضه الفينة بعد الفينة بعض الكلأ الذي تخلف عن جود السماء بمائها في فترات متباعدة، هكذا يسير هذا السائح ولا زاد معه ولا ماء إلا ما حمله من آخر عين غادرها، إلى أن يستقر به المطاف في وادٍ خصيبٍ آخر، وهناك ينعم مرة أخرى بالماء والزاد، وهذه هي حالة المؤرخ نفسه الذي يؤلف تاريخ الحضارة المصرية القديمة، فالمصادر الأصلية لديه ضئيلة سقيمة جدًّا لا تتصل حلقات حوادثها بعضها ببعض، فإذا أتيح له أن يعرف شيئًا عن ناحية من عصر معين من مجاهل ذلك التاريخ؛ فإن النواحي الأخرى لذلك العصر نفسه قد تستعصي عليه، وقد تكون أبوابها موصدة في وجهه؛ لأن أخبار تلك النواحي قد اختفت للأبد، أو لأن أسرارها ما تزال دفينة تحت تربة مصر لم يكشف عنها بعد.»
د/سليم حسن عالم أثار مصرى ولد بقرية ميت ناجي التابعة لمركز ميت غمر محافظة الدقهلية بمصر"1887-1961" درس اللغه المصريه القديمه وعدة لغات أخري بالسوربون عُين أميناً للمتحف المصري له عدة أكتشافات أثريه في العام 1929م بدأ سليم حسن أعمال التنقيب الأثرية في منطقة الهرم لحساب جامعة القاهرة لتكون المرة الأولى التي تقوم فيها هيئة علمية منظمة أعمال التنقيب بأيد مصرية، وكان من أهم الأكتشافات التي نتجت عن أعمال التنقيب مقبرة (رع ور) وهى مقبرة كبيرة وضخمة وجد بها العديد من الآثار. أشهر مؤلفاته : مصر القديمه في16 مجلد
موسوعة مصر القديمة_ 10 تاريخ السودان المقار إلي أوائل عهد بيعنخي سليم حسن ..................... لمصر تاريخ طويل وعلاقات بعيدة في الزمن بجيرانها، ولمصر في جيرتها سياسات تعتمد علي الاحتفاظ بسيادة تحفظ لها حقوقها الأمنية بالدرجة الأولي ثم حقوقها التجارية مع هذه البلاد التي تحيط بحدودها من جميع الجهات، وتحتفظ الوثائق التي يرجع عمرها لألاف السنين بدلائل قوية علي علاقات اختلفت طبيعتها بحسب الحالة التي كانت تمر بها مصر من قوة أو ضعف عبر الزمن، فتارة تكون العلاقة سيادة مصرية شاملة وقبول بالأمر الواقع عن رضا وقناعة من الطرف الآخر بسيادة مصر، وتارة تكون هذه العلاقة علاقة جوار وسلام إذا قويت البلاد المجاورة وضمنت استقلال قراها وضمنت مصر تجارة وسلام علي جدودها، وفي أحيان أخري تضعف مصر متغير عليها الدول المجاورة لها وأحيانا يتسرب إليها العنصر الأجنبي عنها فيصل إلي الحكم. ولمصر منذ القدم علاقة وطيدة ببلاد النوبة، وليست النوبة المقصودة هنا هي النوبة التي نعرفها كجزء من مصر الآن، لكن النوبة المقصودة هي مملكة كاملة تقع علي الحدود الجنوبية لمصر وكانت تسمي مملكة "كوش"، وقد حرص قدماء ملوك مصر منذ بداية تأسيس الدولة المصرية علي إقامة علاقة قوية معها أو السيطرة عليها وجعلها جزء من الأراضي التي تخضع للسيادة المصرية، لأهمية تأمين الحدود الجنوبية للبلاد، وتعتبر الحدود الجنوبية ذات أهمية خاصة لأن النيل يأتي منها. قدم المؤلف الكثير من الإشارات والدلالات التي تؤكد علي هذه العلاقة، وهذه الدلائل كلها تنتمي لأثار أجيال متتابعة من الحكام، وتختلف هذه الأثار في نوعيتها وأهميتها وموقعها، فمن هذه الأثار بقايا معابد قديمة أنشأها ملوك مصر علي الحدود للتأكيد علي سيادة آلهة مصر علي هذه البلاد، كما توجد كذلك مقابر لبعض القادة والملوك والأمراء وأفراد عائلاتهم بالطبع، كذلك وجدت الكثير من الآثار الصغيرة كالجعارين والأواني التي تحمل أسماء هؤلاء الملوك الذين وصلت قواتهم ونفوذهم إلي هناك. تمتعت العلاقة بين ملوك مصر وبلاج النوبة بطابع خاص في زمن الهكسوس، إذ هاجرت الأسرة الحاكمة إلي أقصي الجنوب بعيدا عن نفوذ الهكسوس، وبدأ من هناك عصر جديد افتتح بحرب التحرير التي قادها ملوك الأسرة السابعة عشرة وأسفرت عن تأسيس أحمس الأول للأسرة الثامنة عشرة وبداية عصر نهضة جديد. يعتبر هذا الجزء من الأجزاء المملة بالموسوعة لأنه ارتكز بصورة أساسية علي سرد الكثير من المعلومات لتي ترتكز علي الآثار لمكتشفة واهتم الكاتب بكل الآثار المكتشفة مهما كانت صغيرة، حتي ولو كانت مجرد جعران أو قطعة من تمثال قديم. مما جعل الحديث عن الآثار يستحوذ علي جزء كبير من الكتاب وهي تهم المتخصصين بالدرجة الأولي.