" في المساء علم النور أن ذيل حصان نبت له فوق مؤخرته, كان ذيلا أسود ناعما رقراقا كالحرير,رآه فورا عندما خلع سرواله ليجلس على مقعد الحمام الأفرنجي, وما أصاب شعوره بعد ذلك من الفزع والمفجأة لا يوصف, ولم تعاوده رصانته إلا بعد يوم ونصف من محاولة التجلّد, وعندئذ بدأ يحاول التكيف مع وضعه الجديد "
كاتب و روائي سعودي من مواليد الرياض عام 1978 تخصص أصول الدين و هو مشرف على صفحة الرأي بجريدة الحياة له مشاركات قصصية وشعرية ونقدية في عدة صحف ومجلات محلية وخليجية وعربية.0 شارك في عدة فعاليات ثقافية اجتماعية وتلفزيونية ضيفا ومضيفا عضو في جماعة السرد بالنادي الأدبي بالرياض كما يكتب في صحف سعودية وخليجيّة له مجموعة قصصية بعنوان (الأسطح والسراديب ) وتتكون من أربعة نصوص طويلة بعناوين الأسطح والسراديب ساطور لأحلام خميس المتقلب في منامه يومان في جبل ورواية بعنوان أسبوع الموت صادرة عن دار المفردات عام 2006 ومضمومة قصصية صادرة عن دار وجوه بعنوان (بكارة) 2007 ورواية بعنوان (كيف تصنع يدا) عن دار وجوه 2009 و رواية ممالك تحت الأرض عن دار الانتشار العربي و رواية بعنوان (السطر المطلق) 2010 عن دار الانتشار العربي
عندما طالعت عنوان قصة " بكارة " لعبدالواحد الأنصاري تذكرت مقطعا لصلاح عبدالصبور في قصيدته الجميلة " احلام الفارس القديم "
" أعطيك ما أعطتني الدنيا من التجريب والمهارة لقاء يوم واحد من البكارة "
لم يكن صلاح عبدالصبور وقتها شيخا يحن إلى أيام الشباب والصبا , لكن اختياره لكلمة بكارة كان دقيقا وموحيا فهي ترمز إلى النقاء والطهارة قبل أن تتلوث المبادئ وتتلوث معها أحلام الفارس القديم وهذا ما يؤكده المقطع الآخر
" يا من يعيدني إلى الضحكة القديمة يا من يعيدني إلى الدمعة القديمة لك السلام ...لك السلام "
- هل يعني عبدالواحد بعنوان قصته بكارة ذات المعنى ؟ هل يعيدنا إلى ذات الرمز ؟ في قصة بكارة نحن أمام امرأة اسمها " شريفة " تعمل بغيا , لكنها تكتشف أنها تعود بكرا كلما أنتصف الشهر .. لنلاحظ دلالة الاسم " شريفة " ولنلاحظ توقيت العودة إلى البكارة - منتصف الشهر حيث يعود القمر إلى حقيقته واكتماله. هذا الاكتشاف يقودها إلى التوقف عن تعاطي البغاء ما أن يحل اليوم الثاني عشر من كل شهر حتى اليوم السادس عشر منه.
- هل العودة إلى البكارة هنا ترمز إلى وجود النقاء خلف ستار التشوه.. وإلى مقاومة بذرة الخير والجمال حتى في أوج سطوع الشر والقبح ؟
هكذا لا تعود البكارة فقط إلى شريفة ..بل تعود شريفة إلى نفسها فتطالع الكتب الرومانسية في اجازتها الاضطرارية ..حتى تتفاجأ زميلاتها بها وهي تصلي ..فتعلق القوادة على هذا الاكتشاف قائلة " اصبحنا نؤوي في مبغانا امرأة صالحة " .
" وفي صبيحة الليلة الثالثة عشر من الشهر السادس في السنة الثانية من اكتشاف شريفة لبكارتها غادرت دار البغاء"
- أقول ..لسنا هنا أمام قصة وعظية من أي نوع ..كما أننا لسنا أمام قصة اعتذارية تسقط اللوم على المجتمع والطبقية وتحملهما مصير المومس أو اختيارتها كما راج في الشعر الحديث ولعلنا لا ننسى قصيدة المومس العمياء لبدر شاكر السياب ..
"ذهب الشباب!! فشيعيه مع السنين الأربعين ومع الرجال العابرين حيال بابك هازئين. وأتي المشيب يلف روحك بالكآبة والضباب، فاستقبليه على الرصيف بلا طعام أو ثياب، يا ليتك المصباح يخفق ضوءه القلق الحزين في ليل مخدعك الطويل، وليت أنك تحرقين دما يجف فتشترين سواه كالمصباح والزيت الذي تستأجرين".
في قصة بكارة هنالك ملمح انساني تسامحي مهم ..بعيدا عن كل وعظية أو اعتذارية..ملمح يؤكد لنا أن في الانسان عموما بذرة تصالح مع كونه انسان بعيدا عن كل تشوه وتزييف يمكنهما أن ينالا منه ..
- أخيرا , قصة بكارة هي واحدة من عدة قصص ضمها كتاب " بكارة" والمجموعة عموما تستحق قراءة أعمق وأكثر دربة ودراية ..فيما لو كان لدينا نقادا يتابعون الجديد والجميل ويحتفون به.
هذه هي المعالم التي تصف هذه المضمومة القصصية جاعلة منها عملًا مختلفًا بكل ما تعنيه الكلمة لا تعتبروا هذا حرقًا، وإنما قبس من تلك المخيلة السوداوية البديعة للكاتب، والتي وبكل امتياز تستحق منا خوض غمارها
المقطع من قصة باسم: تغلغل رأت شاحنة خلاط الاسمنت تقف أمام عمارة العظم المجاورة، فتحلّب ريقها لمذاق الاسمنت المتخيل، ولدوران الخلاطة الذي يشبه ما تراه في التلفزيون في الملاهي، تركت الباب مفتوحًا وتوجهت بقوة مستحيلة نحو الشاحنة، قفزت في خلاطها، وشقت ضحكتها النشوى سكون المعدن، وارتدت عن جدرانه المصمتة، وبقيت هي تسبح وتتخبط إلى أن قضت نحبها اختناقًا
المجموعة ذات لغة عربية أصيلة و فاخرة جدا، من النادر أن تقرأ لكاتب معاصر لديه هذه القدرة على قبض اللغة و الإبانه بها، و يكفي للتمثيل على لغته استخدامه لكلمة مضمومة و توظيفها بشكل جديد، بدل كلمة مجموعة المستهلكة القصص في المضمومة تجمع ما بين الخيالي الغرائبي و الأسطوري و الفلسفي و الصور الملتقطة من الواقع... و أكثر ما أعجبني هي قصة (سلسلة)... إذ يظهر فيها نفـَس عبد الواحد الفلسفي بوضوح... حيث يبتدئ القصة بـ ما كان يصر عليه أفلاطون من أن التاريخ لا يكرر نفسه إلا بطريقة هزلية ثم ينتقل بنا عبر التاريخ بلقطات سريعة و عميقة من هناك حتى يصل إلى هنا... و نفس الهزلية السوداء تكر أمامنا... لتتوقف القصة عند نقطة من الواقع القريب و تبقى السلسة مستمرة
بيد أن قصصه واقعية مرهقة و متعبة فيها الكثير من الشقاء و قسوة الواقع... و خشونة بيئة الصحراء ستخدشك و أنا لا أميل للقراءة عن الواقع بشكله الثقيل عادة و لذلك أعطيتها ثلاث نجمات