في فضاء واسع كالصحراء، و في أمكنتها البؤرية (الصخرة، الهاوية) أمكنة متفرّقة عدة، لا ينمو إلاّ الإحساس بالعزلة و الفردية... ففي الرواية الكثير من الدلائل التي تشير إلى أنّ الشخصيات تحاول، من خلال وجودها الفرديّ و عزلتها في الصحراء، أن ترتبط بالأرض ارتباطا رحميّا أشبه ما يكون الارتباط بالعودة إلى كهفية زمنيةـ مكانية، أي إن الشخصيات انفصلت عن الأم الأولى، ثم حاولت، من خلال السرد، العودة إلى ذلك الرحم، أعني الطبيعة، و هذه العودة بالضرورة عودة سيكولوجية
الناقد العراقي ياسين نُصير من دراسته حول : نزيف الحجر دراما الصحراء الذاتية
See also the English version of this profile ولـد بغدامس ليبيا عـام1948 .أنهـى دراستـه الإبتدائية بغدامس، والإعدادية بسبها، والثانوية بموســكو، حـصل على الليسانس ثم الماجستير فـى العلوم الأدبيّة والنقدية من معهـد غوركى لــلأدب العــالمـي بموسكـو.1977 يجيد تسع لغات وكتب ستين كتاب حتى الآن، يقوم عمله الادبي الروائي على عدد من العناصر المحدودة، على عالم الصحراء بما فيه من ندرة وامتداد وقسوة وانفتاح على جوهر الكون والوجود. وتدور معظم رواياته على جوهر العلاقة التي تربط الإنسان بالطبيعة الصحراوية وموجوداتها وعالمها المحكوم بالحتمية والقدر الذي لا يُردّ.
بعض المناصب التي تقلدها - عمل بوزارة الشئون الإجتماعية بسبها ثم وزارة الإعلام والثقافة - مراسل لوكالة الأنباء الليبية بموسكو 1975 - مندوب جمعية الصداقة الليبية البولندية بوارسو 1978. - رئيس تحرير مجلة الصداقة البولندية 1981.- مستشار بالسفارة الليبية بوارسو 1978. - مستشار إعلامي بالمكتب الشعبي الليبي (السفارة الليبية) بموسكو 1987. - مستشار إعلامي بالمكتب الشعبي الليبي(السفارة الليبية) بسويسرا 1982.
الجوائز التي حصل عليها - جائزة الدولة السويسرية، على رواية" نزيف الحجر" 1995م. - جائزة الدولة في ليبيا، على مجمل الأعمال 1996م. - جائزة اللجنة اليابانية للترجمة، على رواية " التبر" 1997م. - جائزة التضامن الفرنسية مع الشعوب الأجنبية، على رواية" واو الصغرى" 2002م. - جائزة الدولة السويسرية الاستثنائية الكبرى، على مجمل الأعمال المترجمة إلى الألمانية، 2005م. - جائزة الرواية العربية( المغرب)، 2005م. - جائزة رواية الصحراء( جامعة سبها � ليبيا) 2005م. - وسام الفروسية الفرنسي للفنون والآداب 2006م.
لقاء الجزيرة مع الأستاذ إبراهيم الكوني - برنامج لقاء خاص
الكتاب الثاني الذي اقراه لابراهيم الكوني هو كاتب من طراز خاص هو روائي الصحراء و الاساطير . الروايه لها ابعاد اسطوريه و قيم ومعاني روحية كثيرة حفل بها النص كانت لها القدرة علي الإستجابة لتأدية فعل الأسطرة المطلوب منه مثل الأيماء ، الحزن ، الهذيان ، اللحن ، الفضاء ، الخلاء ، الخفاء ، إني أعتقد أن إبراهيم الكوني روائي يتحرك من خلال أيدلوجية يؤمن بها وأفكار وقيم يتحرك من خلالها فالرواية بالنسبة له كما يقول " هي اللعنة والأثم والجنة المفقودة التي أفدناها بالخروج من الجنة ، واذا كانت الخطيئة هي قدر المبدع فإن الحرية لن تكون غنيمة تراجيدية
يبحث الإنسان عن الاستقرار.يبحث عن أرض صلبة يقف عليها و سقف متين يحتمي به . في الصحراء لا الأرض صلبة و لا السقف متين. في الصحراء الركون إلى الأرض موت و الحركة حياة. هكذا دأب أهل الصحراء على الترحال و تغيير الوطن بتغيّر الفصول. يقودهم في ذلك خبرة الأقدمين و الناموس. الرحيل هو الاستقرار. كأنهم يهربون من الموت بهروبهم من الأرض. هذه المرة سيختلف الحال..سيموت الزعيم الذي ما أراد يوما أن يكون زعيما..سيموت الزعيم الذي أراد أن يكون شاعرا..فقط. و سيبدأ بموته طقس ال تغيير. من سيخلف الزعيم و لا ولد له و لا ابن أخت( ابن الأخت إذا وجد هو المرشّح الأول للخلافة في ناموس قبائل الصحراء)؟؟ تحاور الكبار كثيرا و احتكموا في النهاية إلى رأي العراف. "اسئلوا الزعيم". نحرت القرابين و نامت العذراء عند ضريح الزعيم ليلة كاملة دهماء وحيدة. و عند الفجر بزغت النبوءات "امتلكتموني حيا .و سأمتلككم ميتا" . "تتركون ترابا و تهاجرون إلى تراب فلم المسير؟". هجعت القيبلة حيث أمرت النبوّة و بدأت فصلا جديدا يدعى فصل الاستقرار. و بدا البحث عن الماء..لكن الأرض تحتاج قربانا آخر ..تحتاج أن ترتوي لتُرويَ.. و حفر البئربدماء الحفار..و فزّ الماء دون توقّف..و نبتت الحياة على جنباته وامتدت و توسّعت..و أصبحت الحياة رطبة..و نديّة..و بنيت البيوت و الأسوار..و سميّ الوطن الجديد"واو الصغرى". يكتب ابراهيم الكوني الصحراء ..بعمقها و روحانياتها و ناموسها. لاسهل و لا بسيط في حياة الصحراء.و لا في لغة ابراهيم الكوني. يكتب فتغوص بعين خيالك في الامتداد الأصفر للصحراء..و تمتلأ بسحرها و عمقها . نصوص الكوني من القراءات التي تضيف إليك جدا..
تبدأ رواية واو الصغرى بوصول أسراب من الطيور المهاجرة للصحراء من أوطان الشمال واهل الصحراء يتفاءلون بقدومها ويخرجوا وراءها مسافات ايضاً عند هجرتها يبدأ احتفاء القبيلة بحلول الطير تغنى الشاعرات ويطلقن الزغاريد ابتهاجاً بهذا الحدث لكن تصاب القبيلة بالمسّ ويترنح النجع كله وتصيب حناجر الشاعرات بحة ويسكت الغناء
هذه المرة يكون قدوم الطائر يجلب النحس لانه طائر عجوز (( انطلق الطائر مسافة نحو وادي الرتم ، ارتفع إلى أعلى أشباراً وقطع إلى الأمام مسافة أشبار ، قبل أن يسقط أرضاً سقط سقطة مهينة فاندس منقاره النبيل في التراب )) وموت الطائر فأل سوء فهو يسبق موت زعيم القبيلة ، الذي بموته تحدث تغيرات جذرية وهامة في القبيلة
يتفق أكابر وحكماء القبيلة على بناء ضريح للزعيم و يعهد للعرافة مهمة صلة الوصل بينهم وبين الزعيم فيرفعوا لها السؤال الذي يحيرهم فتتوسد العرافة حجارة الضريح الليل كله لتأتيهم بوصية الزعيم في الصباح ضريح الزعيم يشدّ اهل القبيلة كوتد ويربطهم بالمكان .. فيتم العمل على حفر بئر للحصول على الماء وانعاش الزراعة والمحاصيل ، وبناء البيوت ، و تأتيهم القوافل والغرباء الذين يختاروا ديار الواحة للبقاء والإقامة فيها مقابل إتاوة موسمية ، وسنتّ شرائع تنظيم علاقتهم بالسكان الاصليين وتشهد تقاليدهم تحولات كبيرة منها التعامل بالمعدن المشئوم وهو العملات الذهبية وتطال التغيرات ايضاً النباتات الصحرواية والحيوانات والطيور المهاجرة التى تشبه حياتها حياة البشر الذين يهاجرون ويتطلعون للبحث عن موطن وأمل بحياة أفضل
حتى يأتي ذلك اليوم الذي يتجادل فيه اكابر القبيلة حول اسم الواحة ونيتهم في اطلاق اسم - واو الصغرى - عليها لكن أمّامّا المعمر يحذرهم بأن هذا الاسم يسلط عليكم سيف الزوال والفناء لوطنكم الجديد ويستلهم للواحة اسماً من المجهول هو - أرض الزعيم - فالزعيم هو أب الواحة ، الزعيم كان لميلادها سبباً ، هو صاحب الواحة لا يخفي الاكابر بهجتهم بالاسم ، لكن الاسم الذي تنقله القوافل للأوطان البعيدة هو اسم واو الصغرى :
الرواية ساحرة ، بلغتها ، وفلسفتها ، و الاجواء الصحراوية والاسطورية شخوصها : الزعيم و العراف ، أمّامّا و أغوللي ، المعمر و الحفار العاشق ، العرافة ، رائعة أخرى من روائع الكوني هذه الرواية خاصة لمن يحب أدب الكوني
This book is a treasure. The writing is so poetic that it took several sections before I realized (to my pleasant surprise) that there was a narrative story running through it. It felt great to be immersed in the world of New Waw--the nomads' society and their customs and beliefs. There's some anthropological interest here in that I knew nothing about the Tuaregs, but the portrait we're given is filtered through their mythology and to some extent (I expect) the authors' own fancy. I partly dove into Waw because its short length and short sections keep it from seeming daunting, but by the end I wished there was more (I believe another book by the author continues the story chronologically). Reading this makes me want to read more by Ibrahim al-Koni. More of his books should be translated and made available in English and more Anglophone readers should read him.
استرسل الكاتب في حديث شيق عن "طائر الغرنوق"، ذلك الطائر الذي يرى أهل الصحراء في عبوره علامة سماوية. كانت الأسراب تُحلق في فضاء أهل الخلاء بخفه، ثم يزداد تحليقها جاذبية، الى أن يتحول إلى هياج وجنون قبل أن تهبط على الأرض � فيتساءل إبراهيم الكوني بتساؤل يفوق جمال ذلك الطير حين قال: " هل التنازل عن مملكة السماء، واستبدالها بأحاضيضُ الأرض قاسٍ إلى هذا الحدّ؟ ".
طائر الغرنوق كان بمثابة محاكاة لأهل الصحراء في هذه الرواية .. وكأنه انعكاساً لهم. حيث الطائر لا يكف عن الهجرة، وأهل الصحراء لا يكفون عن البحث. اعتادوا على البحث المُضني عن شيء بعيد وغير ظاهر .. شيء حجبته الخلاء عنهم، فتاقوا لنيله طويلاً.
كما استرسل بالحديث عن السيل حين هجم كالمارد على الصحراء، وضرب بقوة وكأنه يأخذ القرابين منهم .. فهجرت القبائل منازلها وفرّت إلى الجبال. صمتوا طويلاً من هول السيل، ليتكلم هو بالنيابة عنهم طوال أيام مُتعاقبه.
رواية تعالى فيها الضجيج والصمت معاً، تنقّل الكاتب بين الشخوص بخفة الريح، وقصّ لنا حكاياتهم في العشق والصبر والخوف والانتظار الطويل. شخوص تمتهن قراءة النبوءات، وتقديم القرابين، ونحر الأضاحي، وبناء الأضرحة، وتعليق التمائم � والأكثر من هذا، إنهم يحسنون الجلوس طويلاً مأخوذين بصوت طائر الغرنوق الشجي وهو يغني .. تاركين خلفهم أغنامهم وليمة للذئاب، وإبلهم هاربه لأرض أخرى، وبيوتهم تلتهمها الريح.
المرة الأولى التي أقرأ فيها للكوني والثانية التي أقرأ فيها لأدباء ليبيين ، ولأنني من الصحراء وولائي لها ، فإن الفيض الفلسفي في واو الصغرى أخذني لأعيش وسط الصحراء الكبرى ، التسلسل المهيب من ورود الطيور التي سستبشر بها أهل الصحراء حتى تأسيس تان آمغار ، البحث عن الخصب في الخلاء بين السماء والأرض اللتين تجودان بهما ، معتقدات أهل الصحراء ونواميس الحياة الصحراوية الشيقة ، كل هذا أثار في نفسي هويتي الصحراوية .
تان آمغار لأن الترحال قدر أهل العبور، فإن الاستقرار في الأرض عنوان المعاناة وددت لو تواصلت الرواية أكثر، حتى يبين الكاتب سر تحذير الناموس من الالتصاق بالأرض...
تقوم أعمال "ابراهيم الكوني" بترجمة العوالم الميثولوجية ، و الفضاء الكوني بكل أبعاده المتجذرة بالطبيعه و الانسان و الحيوان . حيث تقوم النباتات و الظلال و الحيوانات بدور الكائنات الاجتماعية في حركة الوجود التي لم تتمخض عنها الحضارة بعد ، في بكارتها الأولى . "الكوني" يرفع الواقع الى مستوى الاسطورة فتغدو البلد الواقعية بلدا من خرافة . كما يستند الى لغة الكتب المقدسة و الملاحم الاسطورية العالمية . فتختلط و تتمازج الابعاد الارضية ، و الواقعية ، و السماوية ، الرمزية و الخرافية ... لغة ذات مستويات متعددة يتراكب فيها الوجودي و الصوفي و الإيمائي .
- بعض ما كتب في ("الحياة" اللندنية) عن "ابراهيم الكوني" .