ولدي سر ليس يمكن ذكره/ يخفي على البصراء وهو نهار ------------------------------- بني زمني هل تعلمون سرائرا/ علمت ولكني بها غير بائح كثيرا ما يؤكد المعري على هذا النحو أنه يخفي جزءا مما يعلم، و أن لديه سرا لا يود أو لا يستطيع إفشاءه. إلى جانب ما يصرح به ويعلنه، هناك ما يسكب عنه ويكتمه. تشتمل مؤلفاته إذن على مكونين لا انفصام لهما: من جهة ما دونه، أي ما يمكن قراءته؛ ومن جهة أخرى ما لم يدونه، وما لا يمكن بالتالي الإطلاع عليه. الكتابة بالنسبة إلى المعري تعني إذن في آن الإمساك عن الكتابة، أو على الأقل التضحية بقسم منها لا يظهر على صفحات الكتاب، وإن ظل مسطرا في ذهن المؤلف، يستدعي قراءات متعددة ويحشر القارئ في متاهات متشعبة.
Abdelfattah Kilito is a well known Moroccan writer. He was born in Rabat in 1945. He is the author of several books in Arabic and in French. He has also written articles for magazines like Poétique and Studia Islamica. Some of the awards Kilito has won are the Great Moroccan Award (1989), the Atlas Award (1996), the French Academy Award (le prix du Rayonnement de la langue française) (1996) and Sultan Al Owais Prize for Criticism and Literature Studies (2006).
وتتكرر قصة الخزي مرة أخرى, وككل القصص التي تروى عن أحد العرب أو المسلمين من العصور الوسطى, تبدأ القصة بشخصيات لم يعرهم أقرانهم أو أسلافهم أي اهتمام. وعندما يمدح فيه أحد الغربيين يسارع العرب بوضعه رمزا لعروبتهم وحضارتهم الإسلامية وبلا بلا بلا بلا!
فلعل أشهر كتاب للمعري, بالنسبة لنا اليوم, هو رسالة الغفران. أقول بالنسبة لنا, لأن معاصري أبو العلاء ومن جاء بعدهم, إلى بداية القرن السابق لم يعيروه كبير اهتمام فهم يذكروه بصفة عابرة ضمن قائمة مؤلفاته, دون أن يتعرضوا لموضوعه أو يتطرقوا إلى جانب من جوانبه, وإجمالا لم تكن "رسالة الغفران" في نظرهم تتميز عن باقي رسائل المعري ومنذ مطلع القرن العشرين, أصبح كتاب المعري الأكثر رواجا وانتشارا !!
إن السر يكمن في كلمة واحدة: دانتي
لولا دانتي لما اهتم أحد برسالة الغفران. لقد صارت محط عناية ورعاية منذ أن نظر إليها كرافد من الروافد التي غذت الكوميديا الإلهية, فقد سبقه المعري بثلاثة قرون, دون ان يكون بينهما أي اتصال أو معرفة
و كان ذكرها الأشهر عندما عقد "أسين بلاسيوس" بين العملين . رغم أنه من المستعبد أن يكون دانتي قد اتصل بأدب المعري
*** أبو العلاء المعري, هو شخصية ذكية متقلبة درس على يديه العديد مثل شمس الدين التبريزي, ألهم الكثيرين من بعده كـعمر الخيام وغيره
لم يكن يقبل الهدية وكان يكره أن يدين له أحد أو يستدين من أحد
اعتزم بعدم تكرار خطيئة النسل التي قام بها والده وحواء وآدم من قبل
"هذا جناه أبي عليّ وما جنيت على أحد"
وكان مغرم بالمتنبي حد التعصب له,
*** التقييم العالي في المقام الأول للكتاب وليس تقييما لشخص المعرّي, وإن كانت حياته الخصبة هي التي غذّت هذا الكتاب البسيط والممتع أكتر من حلقات الإنمي.
كيف يستطيع كيليطو، بمثل هذه السلاسة والجمال والحلاوة، أن يضعك طرفًا - أن يورطك - داخل نص ما، على ما به من عادية ولا جاذبية؟ مثل كيليطو كمثل الأخ جورج مقدسي، فرق فقط أن ذلك يدرس الفكر وهذا يدرس الأدب - وإن كان بعض منه فكرًا كذلك دراسة صغيرة قصيرة جميلة لذيذة عن حياة المعري وتواضعه وعبقريته وفذاذته وفلسفته فكرًا ومعيشًا جميل كيليطو، ويجمع - على صعوبة هذه المهمة - بين الأدب والفكر وبين المتعة والخفة.
مع كل كتاب أقرأه لكيليطو، أزداد يقينا أنه كاتب لا شبيه له، مفكر متفرّد، ناقد مختلف، يرى النصوص بعين ثالثة، ثاقبة. كيف يحوّل كل ما يريد قوله إلى حكايات جميلة، عميقة وبليغة؟ في هذا الكتاب صال كيليطو وجال في سيرة المعري وفطنته وتشاؤمه ونصوصه وأشعاره وتفكيره وتكفير الآخرين له ودفاعه عن نفسه. من لا يعرف المعري جيدا، ويريد أن يعرف عنه، فليقرأ هذا الكتاب. ومن يظن أنه يعرف المعري جيدا، أنصحه أيضا بقراءة هذا الكتاب، كي يرى إن كان يعرفه حقا أم لا! أنصح بهذا الكتاب وبقوة.
في كلَ مرَة أقرأ لكيليطو أشعر بالأميَة تجاه الأدب العربيَ القديم ... و إن كان أبو العلاء المعري مشهورا عندنا برسالته التي تؤرق مضجع تلاميذ الباكالوريا في شعبة الآداب، فقد غابت عني سيرة الرَجل و أعماله. و بإستثناء ما رواه عنه أستاذ عربية ممن درسوني حول زيارته لقبره و البيت الشهير المكتوب عليه، لا أذكر أن مرَ عليَ خلال الدراسة ما يرتبط به. كيليطو هنا يجمع النقد بالطرافة و الإمتاع فيتناول سيرة رجل حيَرت كلماته معاصريه، و أورثوا هذا اللَغز لمن أتى بعدهم. يغوص كاتبنا بذكائه و منهجيَته - الذين سبقا و أذهلاني في كتاب لن تتكلم لغتي- في متاهات أقوال المعرَي، و أحسب أنَه كفَى و أوفى. فكانت النتيجة زهاء الثمانين صفحة من المتعة الفكريَة الخالصة. تمت 18/10/2022
كيليطو ثاقب النظر كالعادة فيما يقدّمه من أفكار رغم صغر الكتاب إلا أنه يجمع شتات نفس أبي العلاء ومفاتيح رئيسة لفهم شخصيته الشائكة أحببت أبا العلاء كثيرا من كتاب طه حسين عنه وازدادت محبتي له مع كيليطو وأنتظر آخرين أقرا لهم يحببونني في أبي العلاء.
قيل: "الرجل العظيم هو من يترك الآخرين في حيرة بعد وفاته" وقد ترك أبو العلاء في نفوس من بعده حيرة ربما لا تكاد تضاهيها حيرة في كل من اختلف في أمرهم الناس. المعري، اللإنجابي، النباتي، الناقم على الحياة، الانعزالي، المتفرد بنفسه، مالك ناصية اللغة من يعرف للكلب سبعين اسما.. يا لها من حيرة! حيرة لم تخب حتى الزمن القريب، الرجل كثير الخصوم قليل الأحلاف لم ينبر للدفاع عنه سوى قليلين جداً، ولم يطعن فيه بعمق وفهم إلا الأقل والأقل، والباقون كلامهم لا يعدو الأباطيل والأسمار! الكل يعرف المعري من بيته الشهير أنا وإن كنت الأخير زمانه.. لآت بما لم يأت به الأوائل، ولكن حقاً لا يكاد يعرفه أحد الآن، إلا من يشمر ساعديه وينغمر في "التراث".. التراث الذي يدعو الجميع لتنقيحه ولا يجرؤ أحد على الخوض فيه إلا بالأباطيل والأسمار.
كيف يمكن الكتابة بغرض التحري والتقصي والفهم لمن يقول عن نفسه: ولدي سر ليس يمكن ذكره... يخفى على البصراء وهو نهار وأيضًا: بني زمني هل تعلمون سرائرًا.. علمت ولكني بها غير بائح من يدرب نفسه الصمت ويجبرها عليه: واصمت فإن كلام المرء يهلكه... وإن نطقت فإفصاح وإيجاز بيد أن فتنة الكلام تنازعه فتنة الصمت: أوجز الدهر في المقال إلى أن... جعل الصمت غاية الإيجاز فما لي لا أقول ولا لسان... وقد نطق الزمان بلا لسان فيقول بشيء من الاسف: لو قبل النصح لساني ما نبس! وهو إن تكلم تضيع بين مجازه وحقيقته وبين إفصاحه وإنكاره: إذا قلت المحال رفعت صوتي... وإن قلت اليقين أطلت همسي ومن تأمل أقوالي رأي جملًا... يظل فيهمن سر الناس مشرحًا إنها مهمة شاقة ومطلب صعب، فلا عجب أن اختلف الناس فيه وتفرقوا وما اجتمع على رأي فيه قطبان، فتارة يصدح بالكفر وينكر الآخرة والمآب وتارة لا تجده إلا مؤمنًا مُخبِتًا يخشى الله ويخاف عذابه. وكأني بقوله: وليس على الحقائق كل قولي... ولكن فيه أصناف المجاز. أذكر قول نيتشة "الرجال الذين سيولدون بعد الممات -أنا على سبيل المثال- سيسوء فهمهم أكثر من المطابقين لعصرهم، ولكنهم سُيسمع إليهم بصفة أفضل ولنقلها بأكثر صرامة لن يكتب لنا أن نُفهم البتة، ومن هنا تكون سلطتنا"
فكيف اضطلع بهذه المهمة عبد الفتاح كيليطو في كتاب قوامه مائة صفحة؟ الكتاب على رغم قصره الشديد مفيد جدًا وممتع لأقصى حد، وإن كان افتقد ما ضمنه طه حسين في ليلته مع أبي العلاء في سجنه من تعليقات ذكية تارة وثقيلة أخرى، فقد استعاض عنها بشهادة أهل عصره عليه وأقوالهم فيه وتحقيقهم ما قال وما فعل وتناول جوانب أخرى من حياته بطريقة أكثر منهجية. لا أستطيع أن أجد اسم أبي العلاء على عنوان كتاب إلا والتهمته، وما أشد ما يحز في نفسي عجزي عنه وعن لغته، وحتى يشاء الحظ فك الأسير فمرحبًا بالوسطاء!
من هو هذا الرجل الذي تتناقل الأجيال عنه بيت الشعر القائل : هذا ما جناه أبي علي و ما جنيت على احد ؟ من هو أبو العلاء المعري ؟ كتاب كتاب متاهات القول للكاتب عبد الفتاح كيليطو بأقل من 100 صفحة ينقلك بآلة زمنية إلى ردهة منزل أبو العلاء و يعطيك كل التفاصيل المحدودة التي يجب ان تعرفها عن هذا الرجل لكي تعرف قصته و مواقفه الفريدة وكيف أثر فقدان البصر على غنى بصيرته , وما هي آراءه وافكاره الدينية والفلسفية ولماذا كان حانقاً تماما على الإنجاب لدرجة انه كان يشجبه في كل فرصة سنحت له , و هل كان محقاً مقنعاً في ��أيه ام انه مجرد اعتراض على فقدان البصر , الكتاب فيه الكثير من المواقف المسلية الممتعة كما ان فيه تحليلاً ملائما للقارىء الفضولي الذي تستهويه هذه الوقفات السريعة عند الأعلام , تقيمي للكتاب 3/5 وانصح به بعد قراءة كتاب علمي طويل او رواية طويلة جداً لمحطة استراحة .
مقتطفات من كتاب متاهات القول للكاتب عبد الفتاح كيليطو ---------------------------- الهدية التي تتضمن عيب , هي هدية لاغية ولا قيمة لها , وبالتالي لا تستدعي تعويضا من الجانب الآخر ------------ حفظ أبي العلاء كل ما في الكتب , فكان الناس يلجأون إليه عندما يتعذر عليهم الحصول على نسخة من كتاب مفقود , او عندما يكون الكتاب مبتوراً , بل ان ذاكرته العجيبة كانت تسمح له , بحفظ حسابات معقدة وخطابات بالفارسية والأذربية ------------ كان يعلم أنه سيظل مدينا لوالديه , وان رد الدين ان ينجب بدوره , ولكنه صمم من جانب واحد على وضع حد لهذا الفجور الذي ظل قائما عبر العصور والاحقاب , لن يتزوج وبالتالي لن ينجب , لن يخلف ولداً يدين له بالحياة و نظن قائلاً : هذا جناه أبي علي , وما جنيت على أحد ----------- لا نجد عن المعري على الاطلاق حنينا الى فترة ماضية , كما لا نجد عنده توقا إلى تطور محتمل , ولهذا ليس لديه ادنى شعور بانحطاط ما , الانحطاط يستلزم وضعا سابقا يكون مزدهرا متألفا ثم يفسد و يتعفن , لكن المعري يعتقد ان الاصل خبيث , وان ما تلاه دناءة ونذالة , في البدء كان الانحطاط او الفساد , و ما تلاه فساد يتمدد ويطول لا اكثر ----------- الفساد كان دوما سائداً , بدءا بآدم وحواء , وعليه فان الزمن الذي كان كل شيء فيه على ما يرام هو الذي سبق خلق الأولين ------------ السيرة لا تنتهي بموت الشخص , وإنما تمتد إلى ما بعد الموت , لا تشكل الوفاة نقطة النهاية في هذا النوع م نالتراجم , فلا يكتمل السرد إلا عندما يتحدد المصير في العالم الآخر ------------ إذا كان اشخاص ألف ليلة وليلة ينقذون حياتهم برواية حكاية من الحكايات , فان اشخاص الغفران , ومعظمهم شعراء , ينالون المغفرة بفضل بيت من الشعر او ابيات قلائل انشؤوها تعظيما للدين او حثا على عمل الخير ------------ الاعتراف بالكذب لا يدل ضرورة على الصدق , ومن يكذب على استاذه قادر ان يكذب على باقي الناس ----------- التعارض بين نمط العيش والقول الشعري هو مظهر من مظاهر الكذب الا انه كذب متعارف عليه ---------- توخي الصدق يؤدي حتما الى القصور لان مجاله ضيق , ينحصر في الوعظ وما يدور في فلكه من معاني , وهو ما حرص المعري على اعلانه , مبرزا ما ضحى به من افانين القول التي يتيحها الكذب ومشهدا القارىء على الثمن الذي اداه من اجل هذه الغاية ------------- قد يحدث تعارض بين ظاهر الكلام وباطنه , بين ما يفوه به المرء وما يجول في صدره , تناقض بين ما ينطق به اللسان وما يدور في الخلد , وعلى هذا الاساس , لا يمكن دائما اعتبار القول مرآة الاعتقاد , فهو قد يخالفه ويؤدي عكسه تماماً -------------- كل ما اذكره من الألوان في شعري و نثري , انما هو تقليد الغير واستعارة منه --------------
كُتُبُ عبدالفتاح كيليطو من الكتبِ التي تنورُ العقلَ هنا وفي فصولٍ صغيرةٍ يلفت الانتباهَ إلى بعضً تفاصيلِ سيكولوجيةِ المعري المتمثلة في عزلتِه، رغبتِه في عدمِ انتظارِ رد معروفه وإحسانِه (ذم فستق معرة النعمان مثلا) ومن ذلك تلك الضغينة على والديه خصوصا والده، وإن تألم لموتهما ورثاهما هذا جناه أبي علي وما جنيت على أحد ، كذلك تعصبه للمتنبي، شئٌ من أسبابِ شهرةِ رسالةِ الغفرانِ التي تم الاحتفاءُ بها في وقت متأخرٍ إثر ظهورِ دانتي وكوميديائته. ينصب عبدالفتاح نفسَه محاميا محاطا بالنقاش حول التهمِ التي ألصقت بأبي العلاء المعري (الشك والكفر، معارضته للقرآن في كتابه الفصول والغايات مثلا) ويسعى لدحضها، تحليلها، تفكيكها، يرجعُ إلى مؤلفاتِه ودواينه ويرجعُ إلى بعضِ معاصريه ومن تكلمَ عنه كابن الجوزي مثلا. الكتابُ ماتعٌ، ويخرجُ قارئه بوجبةٍ لغويةٍ فكريةٍ دسمة وبأسلوب لطيف.
الأقوال المنحولة، أحاديث المنامات، الشِعر الكذوبُ، الخفيُّ و البيّن من المعاني، السرُّ و العلن. كلها متاهات للقول في حقّ علم من أعلام التراث أبو العلاء المعري الشاعر و الأديب و الفيلسوف.
يبرع عبد الفتاح كيليطو في استنطاق كتب التراث العربي و ينجح في ربط التعليقات بالتذييلات فتأتي كتبه كشراب مزاجه أدب.
أعجبني فصل الكلبية و إنْ استفحشت أن يُرمى شيخ المعرة ب: لقب الكلب الأعمى.
قبل مدة، نويت -وبعض النوايا يطول لها أن تصبح أفعالًا- أن أبدأ بجدية في قراءة الأدب، بشكل عام، شعرًا ونثرًا وأن أطالع قواعد اللغة. وبالصدفة كان هذا الكتاب هو الأول، لم أكن أعرف عن أبي المعري سوى بيت أو بيتين فقط، لكني الآن أعلم، أو أعتقد بأنني أعلم.
الكتاب صغير لا يشبع ولا يغني من جوع، ولكن ربما لذلك كان البداية بالنسبة لي.
من أمتع ما كتب حول المعري وسيرته، لا يتناول كيليطو الحكايات المعروفة و المعتادة، إنما يغوص في بحر كتب التراث ويستخرج ما كتب عن المعري، يحلله، يعيد بناءه، يفهمه، يشتبك معه، لو كنت من محبي المعري فحتما ستجد هنا الكثير حوله لم تعرفه، كيليطو يكتب بعمق وذكاء وحب كبير، ليس أمامك سوى أن تنبهر بما كتب وتعيده مرات لا حصر لها. هذا ما افعله عن نفسي مع الكتب التي أحبها، قراءة واحدة لن تكفي أبدا.
"أملى أبو العلاء وهو طريح الفراش كتابا لا نعرف عنه شيئا سوى أن ما جاء فيه مناف للصواب ، فرأى بنو عمه أن من واجبهم إتلافه أصلا. في الوقت الذي استرخی فيه وحل عقدة الرقابة الشديدة التي مارسها طيلة حياته على هواجسه ووساوسه ، حيث كانت الكتابة عنده صراعا عنيفا مع ما لا تجوز کتابته وما لا ينبغي قوله. ومجهودا شاقا متواصلا لصد ما يتعارض مع الصواب وإقامة سد منيع دونه ، إذا بذويه يقومون بكبت أقواله الأخيرة وطمسها ، معتبرين إياها هذيانا لا يجوز بحال من الأحوال صيانته ونشره بين الناس. والملفت أن رقابتهم تتزامن مع الموت ، وأنها بدورها تخنق وتبيد. ترى لو أملی المعري كتابه لغير الأقرباء ، لو أملاه للتبريزي أو لأبي الفتح اللذين تحدثنا عنهما سابقا ، أكانا أقدما على إتلافه ؟" ______ *أبو العلاء المعري ، شاعر ومفكر ونحوي وأديب من عصر الدولة العباسية، ولد وتوفي في معرة النعمان في محافظة إدلب وإليها يُنسب. لُقب بـرهين المحبسين أي محبس العمى ومحبس البيت وذلك لأنه قد اعتزل الناس بعد عودته من بغداد حتى وفاته.
*فقد بصره في الرابعة من العمر نتيجة لمرض الجدري. بدأ يقرأ الشّعرَ في سن مبكرة حوالي الحادية عشرة أو الثانية عشرة من عمره *عاش المعري بعد اعتزاله زاهداً في الدنيا، معرضاً عن لذاتها، لا يأكل لحم الحيوان حتى قيل أنه لم يأكل اللحم 45 سنة، ولا ما ينتجه من سمن ولبن أو بيض وعسل، ولا يلبس من الثياب إلا الخشن. حتى توفي عن عمر يناهز 86 عاماً، ودفن في منزله بمعرة النعمان. ____ هناك رأي يقول بأن المعري من المشككين في معتقداته، وندد بالخرافات في الأديان. وبالتالي فقد وصف بأنه مفكر متشائم، وقد يكون أفضل وصف له هو كونه يؤمن بالربوبية. حيث كان يؤمن بأن الدين ”خراف� ابتدعها القدماء� لا قيمة لها إلا لأولئك الذين يستغلون السذج من الجماهير. وخلال حياة المعري ظهر الكثير من الخلفاء في مصر وبغداد وحلب الذين كانوا يستغلون الدين كأداة لتبرير وتدعيم سلطتهم.
يرى بعض الباحثين أن المعري قد انتقد العديد من عقائد الإسلام، مثل الحج، الذي وصفه بأنه ”رحل� الوثني�. كما ينقل أن المعري قد أعرب عن اعتقاده بأن طقوس تقبيل الحجر الأسود في مكة المكرمة من خرافات الأديان.
كما يزعم بعض المستشرقين أن المعري رفض مزاعم "الوحي الإلهي". عقيدته كانت عقيدة الفيلسوف والزاهد، الذي يتخذ العقل دليلاً أخلاقياً له، والفضيلة هي مكافأته الوحيدة.
وذهب في فلسفته التشاؤمية إلى الحد الذي وصى فيه بعدم إنجاب الأطفال كي نجنبهم آلام الحياة. وفي مرثاة ألفها عقب فقده لقريب له جمع حزنه على قريبه مع تأملاته عن سرعة الزوال، قال:
« خفف الوطء ماأظن أديم الأرض إلا من هذه الأجساد.»
ويقول الدكتور طه حسين إن: «أبا العلاء قد هداه عقله إلى أن لهذا العالم خالقاً، وإلى أن هذا الخالق حكيم. لا يشك في ذلك، أو على الأقل لا يظهر فيه شكاً... وهو إذا تحدث عن هذا الخالق الحكيم تحدث عنه في لهجة صادق يظهر فيها الإخلاص واضحاً جلياً. ولكنه عاجز عن فهم هذه الحكمة التي يمتاز بها هذا الخالق الحكيم. وعجزه عن فهم هذه الحكمة هو الذي يضنيه ويعنِّيه ويعذبه في نفسه أشد العذاب. خالق حكيم، خلق هذا العالم ورتبه على هذا النحو الذي رتبه عليه. ولكن لماذا، وما بال هذا الخالق الحكيم الذي منحنا ه��ا العقل وهدانا إلى التفكير لم يكشف لنا القناع كله أو بعضه عن وجه هذه الحكمة التي لا نشك فيها ولا نرتاب؟»
يقول المعرّي في إحدى قصائده: وإني وإن كنتُ الأخيرَ زمانُه لآتٍ بما لم تستطعه الأوائلُ وأغدو ولو أن الصباح صوارمُ وأسري ولو أن الظلام جحافلُ وإني جَواد لم يُحَلَّ لِجامُه ونصلٌ يمانٍ أغفلته الصياقلُ فإن كان في لُبْس الفتى شرفٌ له فما السيف إلا غمده والحمائلُ ولي منطق لم يَرض لي كُنه منزلي على أنني بين السِّماكين نازلُ لدى موطنٍ يشتاقه كلُّ سيدٍ ويَقصُر عن إدراكه المتناولُ ولما رأيت الجهل في الناس فاشيًا تجاهلتُ حتى ظُنَّ أني جاهلُ فوا عجبًا كم يَدَّعي الفضل ناقصٌ ووا أسفًا كم يُظهر النقص فاضلُ! وكيف تنام الطير في وُكُناتها وقد نُصِبت للفرقدين الحبائلُ؟
من خلال ما قدمه لنا الكاتب والناقد المغربي عبد الفتّاح كليطو،فإنه بذلك يجعلنا نطرح سؤالاً بريئا،وذلك من خلال ما قاله المعري في بيت شعري إذ يقول: هذا جناه أبي عليّ و ما جنيت على أحد هنا بالذات من خلال هذا البيت الشعري الذي أراد المعري أن يكتب على قبره بعد مماته،إذ كان يعتبر نفسه جناية ارتكبها أبوه ،وظل هو يتحملها طيلة حياته،بدون أن يرتكب ما ارتكبه والده ،ومن خلال هذا الكتاب نجد أنه يرد الاعتبار للمعري،ويكشف المستور من خلال المرويات التي تناقلت حديثا عن المعري،خاصة دانتي ألغييري الذي قد ساهم في ذلك بشكل كبيرِ جدا من خلال الكوميديا الالهية... ومن دون الخوض في إعادة التفاصيل،فإن المعري كان ذكيا لدرجة البذخ،وهذه حقيقة لا يتناطح عنها عنزان،ولاينكرها إلا جاحد،يبحث عن الباطل،ويغتسل من درنه،ويحسب أنه ارتقى به... والسؤال الذي أرجأته يتلخص في: هل عبد الفتّاح كليطوا من خلال هذا الكتيب الذي حاول فيه إبراز ملامح وجه المعري الحقيقية، يمكن اعتباره إبنا للمعري ؟ وبالتالي تكتمل تراجيديا هذا ما جناه عليّ أبي؟ وبالتالي يبقى السؤال معلقا على إجابة الكاتب نفسه،وما علينا إلا أن نعترف بأن قراءته هذه،تحيلنا على تعلم كيف نقرأ ونحلل ،ونسبر أغوار الأفكار،وأن لا نكتفي بظاهرها، لكي لا نجني على أنفسنا تبعات الجهل المدقع،ونسبح فيه كما تسبح الضفادع في المستنقعات...
قراءة رائعة في شعر و فكر و سيرة رهين المحبسين ابو علاء المعري الشاعر الذي أتى بما لا تأتي به الأوائلُ . الدراسة تناولت ميل المعري للتقشف و الحياة البسيطة و عدم تقبله الهدايا و الهبات ، و احدى صفاته الابرز و هي الشك ، و نبذ الحياة الدنيا و تحميل خطيئة الحياة على الوالدين ، و انعزاله و انطوائه بعد سماع خبر وفات والدته . فقد المعري بصره اثر مرض الجدري الذي اصابه مبكراً عن عمر ناهز اربع سنوات مما جعله يعرف لون واحد طيله حياته هو اللون الأحمر . اصدر المعري انتاج ادبي ضخم جاوز الخمسون كتاب ، لكن إنتاجه الأدبي الغزير لم يصلنا منه سوى القليل ، و احد كتبه رسالة الغفران لم تلفت انتباه احد من الأدباء و المفكرين لغاية القرن العشرين عند مقارنتها مع الكوميديا الإلهية لدانتي على أيدي المستشرقين و العالم الغربي .
من الكتّاب القلائل الذين قررت أن أقرأ أعمالهم الكاملة الشكر للأخت "سلمى الهلالى" التى نبّهتنى إليه أول مرّة عن طريق تعليقها على كتابه "لن تتكلم لغتى" ومن وقتها وأنا أقرأ عنه لست بالمتحمس أو بالمهمل له ولكنى كنت أرجئه لوقت..حتى عملت مجلة الدوحة ملف خاص عنه فى عدد من اعدادها فحفزّتنى أكثر لقرائته
ولن أنسى تعليق سلمى بأن كل رحلة فى كتاب من كتبه "ألذّ من بسكوتة" وهو كذلك فعلا.
الكتاب جميل جدًا مكنتش متوقع هخلصه بالسرعة دي (قاعدة واحدة). ودي أول مرة أنهي حاجة خاص بالمعري بعد الكثير من المشاكسات الفاشلة، وكان السبب الأول للفشل هو حاجز اللغة. الكتاب بيتكلم عن نقاط متعددة تخص المعري، ومعظمها مما يتم تداوله على نطاق واسع، زي أزمة الفصول والغايات وهل قلد القرآن ولا لاء، وعن رسالة الغفران وهل ألهمت دانتي؟ وهل الرسالة كانت بالأهمية دي أساسًا وقت كتابتها؟ عن المعري، وفلسفته وشكوكه، عن رهين المحبسين النباتي، والفيلسوف السابق لعصره، واللي لسه بيتفهم بصعوبة وحوليه الكثير من القول زي ما كان بيحصل وقت حياته. الكتاب حمسني أبدأ في (أبي العلاء في سجنه)، وده لأني عايز أعرف أكتر عن المعري، وعشان طه حسين هو اللي كاتب الكتاب، وعارف إنه بيحب المعري، وأنا بحب طه حسين بشكل خاص جدًا، فأعتقد هتبقى تجربة جيدة. وكمان لغة الكتاب كويسة جدًا، بعض الأجزاء منها كان ممتع. المهم الكتاب جميل اللي عنده فرصة يطلع عليه ميتأخرش.
أوصى المعري أهله ، أن يكتب على شاهد قبره هذا البيت:
"هذا جناه أبي عليّ = و ما جنيت على أحد"
يقصد أن أبيه تسبب في حياته . و هو الذي لم يسعى لذلك الوجود من الأساس. __________________________
وجد على هذه البسيطة من خلق ليبدع و يفني ذاته من أجل شئ يستحق .. المعري، بتشاؤمه و سخريته و موهبته، واحد منهم. الكتاب ثري و بسيط و ممتع. يلخص، بطريقة جذابة، حياة الرجل الذي تمنى لو لم يولد! ___________________________
أستطيع الآن أن أتفهم اعجاب طه حسين الشديد به.. و أرى تماثلا في حياتيهما.
"القلم، بمعنى ما، عصا تتوكأ عليها الذاكرة" أول اتصال لي بكيليطو، الكتاب ممتع وأسلوبه قريب ومتفجر بالحياة، لا تجد فيه أثرا من وعثاء البحث والنظر، رغم الجهد البحثي العظيم والإحالات المهمة التي زخر بها الكتاب لطيف الحجم والأسلوب، مما يجعله رائعا في ذاته وقيّما بوصفه عتبة لما بعده، على الرغم من "إبعاد النجعة" في بعض المواضع والتعسف في التأويل اللذين ارتكبهما كيليطو وكان يستدركهما على الأقدمين الذين تناولوا المعري.
وبشكل مجمل الكتاب كبسولة مكثفة من الأدب والأخبار والتأملات والاستطرادات اللذيذة.
ثاني كتاب اقرأه لكيليطو وفي كل مرة يزداد انبهاري بالرجل الراجل يملك قدرة غريبة علي خلق حياة كامله من النصوص يصور المشاهد ويعيد خلق الخلفية والملابسات والانفعالات وراء النص هذا الكتاب هو ابحار في متاهات ابي العلاء في ارائه وافكاره وما اخفاه وما اظهره ومحاولة لكشف الغوامض في رحلة الرجل وتصوير الذات التي اثارت حولها الجدل الذي لم ينتهي حتي في ثنايا هذا الكتاب
ما اجمل اللغة العربيةومااحلاها ومااجمل وأعذب كيليطو هذا الدرويش المفتون بعربيته وما اروع ما يسرد في لغة سلسة عن واحد من عشاق العربية وواحد من مريديها ومخلصيها عن صاحب المعرة رهين اامحبسين ابو العلاء المعري ...
هذا أول كتاب أقرأه للأستاذ عبد الفتاح كيليطو ومن محاسن الصدف وعظيم الحظ أن يكون ابحارا في متاهات شيخ المعرة، ذلك العالم اللغوي العظيم و الشاعر النحرير الذي شغف فؤادي بحبه من الصغر و لازمني الامتثال بشعره والنظر في كتبه منذ وعيت، وقد وجدت الأستاذ عبد الفتاح أديبا متبصرا، ومفكرا متبحرا ،و كاتبا طريفا... يجول في متاهات المعري واثقا و يتناول في فصوله بالتحليل تارة والتفكيك أخرى محطات متفرقة في حياة شيخ المعرة الثرية، ويغوص فيها بعين الناقد ويجول في جنباتها ببصيرة الباحث و يستلهم أرواح معاصريه ودخائل مبغضيه ومحبيه على السواء.. بينما يتهيب المعري نفسه... لشد ما شدني قلم الكاتب السيال ولغته الجميلة مترجمة كانت أم أصيلة وقد ألزمت نفسي تبعا لذلك لازمتان : أولهما أن أطلع على نتاج ��لكاتب كله لا أترك منه شاردة ولا واردة إلا أتيت عليها ، أما الثانية فأن أتخلص من معرة المعري التي نذرت قديما التخلص منها ثم أخذتني تصاريف الحياة فنسيتها...