عبدالإله بلقزيز باحث مغربي في الفلسفة وفي شؤون الفكر العربي والفكر السياسي. حاصل على دكتوراه الدولة في الفلسفة من جامعة محمد الخامس في الرباط، المغرب. أستاذ الفلسفة والفكر العربي الإسلامي في كلية الآداب والعلوم الإنسانية في جامعة الحسن الثاني، الدار البيضاء. هو الأمين العام لـ"المنتدى المغربي العربي"، الرباط
Abdelilah Belkeziz
Morocco Writer, Holder of the State’s Doctorate Degree in Philosophy from Mohammad V University in Rabat, Belkeziz is the Secretary General of the Moroccan Arab Forum in Rabat. He has previously worked as head of the Studies Department at the Beirut-based Arab Unity Studies Centre. Belkeziz has published hundreds of articles in Arabic newspapers such as Al-Khaleej, Al-Hayat, Al-Safeer and Al-Nahar. In addition to articles, he has published around 43 monographs.
صدر عن مركز دراسات الوحدة العربية بعد مرور عام من ذكرى وفاته
منذ استهلال الكتاب برثاء خاص من مارسيل خليفة يجعلك في حالة لا تستطيع وصفها ولاتنتبه إلا وأنت في نهايته
� كنت وحدي ,ثم وحدي , اه ياوحدي� هل تذكرها يامحمود ؟
“كن� أنيقاً كعصفور طليق , وحيداً كغيمة شاردة, غزيراً كنهر هادر لاينضب, صاخب كموجة لاتتعب من حراكها الأبدي أتساءل من أين أتيت ؟ ولكن لا أحد في إمكانه أن يسأل الموجة من أين أتيت.
� لم تكتهل القصيدة العربية حين بدأ محمود درويش ,يكتبُ شعراً وينشره في فجر الستينيات من القرن الماضي. كان مايزال لديها ماتُفشيه من أسرار الجمال الذي تختزنه اللغة والذاكرة والقرائح المصقولة �
� تاريخ قصيدة محمود , هو من وجه اخر ,تاريخ أمكنتها .وُلِدت القصيدة في مكان ,ونمت في مكان , وأينعت في أمكنة�
� برحيل حفيد المتنبي ,تدخل القصيدة العربية فترة من الحداد , ليس يُعلم متى تنتهي ,فالرجل ماكان شاعراً كبيراً فحسب ,كان الشاعر الذي زوج المستحيل بالممكن في الشعر ,فأنجب لغة شعرية ممكنة ,لكنها تقارب المستحيل�
بين ديوانه الأول عصافير بلا أجنحة الذي حذفه لاحقاً من أعماله ,وديوانه الأخير الذي لم يكتمل ,مسافة زمنية قابلة للتعيين ,تزيد على أربعين عاماً ,ومسافة جمالية غير قابلة للتعيين أبداً . يأخذ محمود عن الصوفية الشطح في قصيدته ويأخذ من تاريخ الشعرية الفلسفية الرمز الديناميكي الرؤيوي وينتقل بقصيدته من المرحلة التعبيرية المألوفة إلى المرحلة الرؤيوية .
الجميل في درويش أن قارئه يستطيع التواصل معه مهما اختلفت درجة ثقافته , وأبرز عذاباته كانت مع هذا الجمهور الذي أراد أن يختطفه لنفسه , ولذوقه ,وفصيلته ,أو حدود مداركه وهمومه الصغيرة .
أما نثر درويش فله مذاقه الخاص وقديماً قال أبو حيان التوحيدي :� أحسن الكلام ماقامت صورته بين نظم كأنه نثر ,ونثر كأنه نظم� وحديثاً قال درويش : “النث� جار الشعر ونزهة الشاعر - والشاعر هو الحائر بين الشعر والنثر�
- أيها الموت انتظرني خارج الأرض انتظرني في بلادك ,ريثما أنهي حديثاً عابراً مع ماتبقى من حياتي
-أيها اليأس كن رحمة ,أيها الموت كن نعمة للغريب الذي يبصر الغيب من واقع لم يعد واقعاً
- أرتديك ,وأخلع الأيام لاتاريخ قبل يديك ,لا تاريخ بعد يديك
- وكل نبضٍ فيك يوجعني ويرجعني إلى زمن خرافي ويوجعني في دمي
- من راني قد رأى وجهك ورداً في الرماد
- إذا كنتِ اخر ماقاله الله لي ,فليكن نزولك نون ال”أن� � في المثنى وطوبى لنا
- هل كان الموت جميلاً ومريحاً إلى هذا الحد؟ لا ,ليس هذا موتاً ,إنه حياة من نوع اخر ,إنه نوم معافى ,نوم كلي الهناءة ,وأدركت مالم تدرك من قبل : أدركت أن الموت لايوجع الموتى ,بل يوجع الأحياء
-“ه� أنت حي ؟� سؤال تردده هي ثم تسأله :”ه� أصابتك الشياطين بسوء ؟� ,يقول :� لا أعرف ولكن في الوقت متسعاً للموت�
-أقول الحياة التي لاتعرف إلا بضد الموت ..ليست حياة!
- ورائحةُ البن جغرافيا ورائحة البن يد ورائحة البن صوت ينادي ..ويأخذ ورائحة البن صوت ومئذنة (ذات يوم تعود) ورائحة البن ناي تزغرد فيه مياه المزاريب ينكمش الماء ويبقى الصدى
وفي نص نثري يقول :فكيف تكتب يدٌ لاتبدع القهوة ؟
- قلبي ليس لي ..ولا لأحد لقد استقلّ عني , دون أن يصبح حجراً
- من سوء حظي أني نجوت مراراً من الموت حباً ومن حسن حظي أني مازلت هشاً لأدخل في التجربة يقول المحب المجرب في سره: هو الحب كذبتنا الصادقة فتسمعه العاشقة وتقول : هو الحب يأتي ويذهب كالبرق والصاعقة
- عاطفيون بلا قصد غنائيون عن قصد ولكنّا نسينا كلمات الأغاني العاطفية
- إلى أين أذهب ؟ إن الجداول باقية في عروقي وإن السنابل تنضج في عروقي وإن المنازل مهجورة في تجاعيد كفي وإن السلاسل تلف حولي وليس الأمام أمامي كأن يديك المكان الوحيد كأن يديك بلد اهٍ من وطن في جسد
- إذا انقطع القمح والماء عنكم كلوا حبنا واشربوا دمعنا
- وتحنُ إلى مطرٍ في الجنوب , إلى مطر يذيب هذا الحبر الكوني الهائل
- الحروف أمامك فخذها من حيادها وألعب بها كالفاتح في هذيان الكون .الحروف قلقة ,جائعة إلى صورة ,والصورة عطشى إلى معنى .الحروف أواني فخار فارغة فاملأها بسهر الغزو الأول . والحروف نداءٌ أخرس في حصى متناثرة على قارعة المعنى . حُكَ حرفاً بحرف تولد نجمة .قرِب حرفاً من حرف تسمع صوت المطر ,ضع حرفاً على حرف تجد اسمك مرسوماً كسلم قليل الدرج
- ويستهويك حرف النون المستقل كصحن من نحاس يتسع لاستضافة قمر كامل التكوين ,يرنُ ويحنُ إلى أي امتلاء ولايمتلئ ,ولايكف عن الرنين مهما ابتعد ومهما ابتعدت . سيكبر فيك وتكبر فيه ,ويحييك ويقصيك عن نفسك كحب ملحاح ,ويدنيك من الاخرين ..نون النسوة والجماعة وقلب “الأنا”وجناحا”نحن� الطليقان
ويا محمود ,”عل� هذه الأرض مايستحق الحياة�:أن نقرأ شعرك