What do you think?
Rate this book
414 pages, Paperback
First published January 1, 2003
"أعرف كيف أمسح هذه الضحكة عن وجهك"
مهدى حيدر.. بهذا الاسم - المستعار- العراقى بامتياز، يرسم هذا الروائى المبدع -المجهول- عالماً روائياً بديعاً بلغةٍ وسرد عظيمين..عالم صدام حسين، عالم متشابك الأحداث والأماكن والشخصيات، عالم روائى خيالى يتماس مع الواقع أحياناً كثيرة ويتداخل به أحياناً ويحيد عنه أحيانا أكثر.
هذا النوع الأدبى- " أدب الديكتاتور"- جديد على عالم الرواية العربية، اذ يتخذ من سيرة حياة رئيس عربى شهير، بداية من مولده وصباه حتى وصوله لقمة العرش المأمول " كرسى الحكم" لأحد أهم بلاد العرب، هذا ليس أمرا سهلا ولا معتادا. كون الرواية التى بأيدينا خالية من الترميز فهى ليست عملا خياليا بحت، يستتر داخلها المؤلف عبر اسماء وهمية وقصص خيالية فقط ولا كتابا تاريخيا يسرد الوقائع السياسية بدقة، لكن رواية تسرد عالماً متخيلاً لواقع صريح لبطلها " صدام حسين".
انتقى راوينا المجهول اسلوبا سرديا متميزا عن كثير من الاعمال العربية، الحدث يبدأ من لحظة قص الحكاية من حاضر الرواية نفسه- حرب الخليج الثانية ١٩٩١-وينطلق بك الى الماضى والمستقبل عبر ومضات من سرد محكم. بصوت الراوى العليم الذى يحكى بصوت محايد كل احداث وصراعات ونفسيات الشخصيات. ستجد نفسك محاطا بهذا العالم المشيد ببراعة، هذا العالم الخاص بصدام من طفولته وشبابه.كل هذا بلغة عظيمة قد خدمت النص بشدة، اذ جاءت منسجمة مع اسلوب الرواية المقصود، غموض الشخصيات وتربص الاعداء وحب السلطة ، الثورة والانقلابات، الشعب والجيش، المعتقلات والسجن والتعذيب. أحلام وواقع، واطياف خيالات يمررها الروائى عبر أدمغة أبطال عالم صدام حسين.
كان وصف صدام فى فترة شبابه وصفاً مميزاً ومقارباً لما رأيته من صور ولقاءات له فى هذه المرحلة، كان لا يبتسم مطلقا، على عكس مرحلة تمكنه من سلطة العراق فى الثمانينات او التسعينات.
"هذا الرجل الصخرى الوجه الجليدى النبرة"
" لم يستطع حردان التكريتى فى تلك اللحظة المحتشدة بالأحاسيس المتناقضة أن يخلع كلمة واحدة على صدام حسين، كلمة قادرة على اختصاره"
"صدام حسين هذا رجل مريض ومجنون. مهووس سلطة لن يشبع أبداً. تخلص من حردان، تخلص من عماش، حاول أن يتخلص مني، وسيتخلص من البكر "
كان فى حواراته المتخيلة صوت قوي عميق متسلط ، أجاد الكاتب وصفه لنا عبر حوارات مقتضبة بسيطة:
《ك� رجلاً رفيق، البعث حزب رجال�
العراق الملتهب بالاحداث والصراعات والانقلابات، كان من الطبيعى أيضاً أن تجد زخماً وقدراً كبيراً جدا من إحساس أدب السجون، التعذيب كان حاضرا فى الرواية، وكان فعالاً فى إكمال وهيمنة الصورة المتخيلة على الذهن أثناء القراءة، والتى وبالتأكيد تقترن بالواقع.
"هذا رجل ذاق التعذيب مراراً وقضى في السجن عشر سنوات. لكن أساليب التعذيب تطورت، وهؤلاء الأقدمون - رجال نوري سعيد - ما كانوا يوما أصحاب مخيلة، وأصحاب موهبة. عقد ناظم كزار یدیه وراء ظهره وانتظر كلمات عزیز الحاج المتحدية . كلهم هكذا في البداية، أقوياء أشاوس لا يضعفون . لكن بعد ذلك، بعد إطفاء السجائر في العيون، بعد لسعة الكهرباء على الأظافر، بعد المطرقة على أصابع القدمين، بعد ذلك يختلف الوضع."
"في قبوٍ آخر أثقلوه بالسلاسل ونقعوا ذراعه اليسرى في حوض ماء. كانت الذراع مقيدة بالحديد وبدا له كل ذلك مضحكاً ومنعشاً في طقس الصيف الحار . ثم اكتشف بمرور الساعات والأيام أن ذراعه تنفك عن جسمه، أن الطحالب تنمو على شعره، وأن حشرات صغيرة تشبه الديدان أخذت تسعی بین أصابعه."
الصراعات الدموية والتنافس المهلك، من بعد اعلان الجمهورية وسقوط الملكية، عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف، حزب البعث والحزب الشيوعى، الاكراد ومصطفى البارزانى، ايران، صدام حسين وناظم كزار والعقيد البكر ، عزيز الحاج وعبد الكريم الشيخلى، وعبد الخالق السامرائى. الشخصيات الحقيقية وحتى التخيلية كان بينها تنافساً مهلكاً.
"رفيقى القديم؟ كل هذه السنوات معاً وأنتَهي خارج العراق!"
كانت هناك عناية تامة بالشخصيات، مرسومة بدقة، موجودة فى أماكنها، تخرج متشعبة وتلتف حول صدام حسين، حتى لتجد الشخصيات الخيالية وكأنها حقيقية قد عاشت يوما ما او وجدت على أرض الواقع.
عالم صدام حسين هو اسم الرواية ولم يكن المقصود حكاية حال صدام وتاريخه فقط، بل أراد الروائي أن يصنع هذا العالم المتكامل من شخصيات واصوات متعددة أعاد إحياء تاريخها من الواقع وأحيانا اختلق واقعا روائيا او بالاحرى خيالاً روائيا ليغير مآل هذه الشخصيات، هذه الشخصيات التى تشاركت مع صدام من صباه عندما كان يتيماً وبعد ذهابه لخاله خير الله طلفاح وتلقيه مبادئ حزب البعث العربى الاشتراكى، وحتى وصوله لسدة الحكم، قد كان يعيش طفلا عاديا مع عدنان طلفاح ابن خاله وساجدة طلفاح ابنة خاله والتى أصبحت زوجته. كان بالفعل عالماً وصدام كان جزءاً من هذا العالم المتشابك.
كادت الرواية ان تأخذ تقييما بخمس نجوم منى ولكن ما اضاع هذه النجمة، هو سرد تاريخ جانبى لبعض الشخصيات- لا يسمن ولا يغنى من جوع- بل لو حذفته لكان افضل، وكان احيانا يضر بزخم وتسارع وتيرة الاحداث، صحيح ان الكاتب صنع شخصيات خيالية تماما ليست موجودة فى الواقع وحقيقة انه صنعها باحكام ومعلومات خيالية ستقنعك ان هذه الشخصيات كما قلت قد وُجدت يوما بل وستبحث عنها لتتأكد من فرط قوة الحبكة وبناء الشخصية، لكن ما كان ضرورياً أن تفرد صفحات متتالية وهذا - كان فى آخر صفحات الرواية- لتاريخ جانبى لزوجات أو عشيقات او اقارب هذه الشخصيات والتى لم يكن لها تأثير مطلقا على الحبكة.
انتهت الرواية عند عام ١٩٧٣ قد بدأ صدام نسج خيوطه العنكبوتية على العراق فاصبح صدام حسين رئيس العراق مهيب الركن رئيس مجلس قيادة الثورة رئيس حزب البعث القائد الاعلى للقوات المسلحة ، بعد ان تقرأ الرواية يمكنك تخيل ما وقع من هذه الشخصية اذا كانت بهذه الضراوة قبل الوصول للحكم، ماذا قد حدث بعد بسط النفوذ والهيمنة. لكن هذه رواية اخرى.