تكتسي الدراسات الابيستيمولوجية-التي تتناول قضايا المعرفة عامة والفكر العلمي خاصة-أهمية بالغة في الوقت الحاضر. بل يمكن القول أنها الميدان الرئيسي الذي يستقطب الأبحاث الفلسفية في القرن العشرين. يأتي الكتاب في هذا الإطار ليفتح نافذة على الفكر العلمي المعاصر، وعلى جوانب من نظرية المعرفة العلمية، وهدف المؤلف تشجيع الطلاب على ارتياد هذا النوع من الدراسات والأبحاث، والمساهمة في نشر المعرفة العلمية وأساليب التفكير العلمي في أوساطنا الثقافية.
واشتمل الكتاب على جزأين: عالج المؤلف في الجزء الأول منه مفهوم الايبستيمولوجيا وعلاقتها بالدراسات المعرفية الأخرى، القديمة والحديثة، متبعاً نظرة الفلاسفة والعلماء إلى مشكلة المعرفة، مركزاً على الاتجاهات المعاصرة، سالكاً المنهج التاريخي النقدي. أما الجزء الثاني فقد خصصه للمنهاج التجريبي وتطور الفكر العلمي في ميدان الفيزياء، منذ بيكون وغاليلو إلى الفيزياء الذرية، مركزاً على الجانب المعرفي، غير مغفلاً الإشارة إلى بعض الكشوف العلمية التي تلقي الضوء على القضايا الايبستيمولوجية المطروحة وتجعل القارئ غير المختص يدرك منابعها وإطارها العلمي والتاريخي.
وأخيراً ختم المؤلف هذا الجزء بنصوص تتناول أهم القضايا الايبستيمولوجية الحديثة والمعاصرة في موضوع الفيزياء، بأقلام كبار العلماء المختصين.
محمد عابد الجابري (1936 بفكيك، الجهة الشرقية - 3 مايو 2010 في الدار البيضاء)، مفكر وفيلسوف عربي من المغرب، له 30 مؤلفاً في قضايا الفكر المعاصر، أبرزها "نقد العقل العربي" الذي تمت ترجمته إلى عدة لغات أوروبية وشرقية. كرّمته اليونسكو لكونه “أح� أكبر المتخصصين في ابن رشد، إضافة إلى تميّزه بطريقة خاصة في الحوار�.
كتاب متخصص جدا ومهم يتطرق لماهو مرتبط بفلسفات العلوم (رياضيات وفيزياء،...) والنماذج الفكرية والتحليلية ومراحل تطورها على مر العصور. أعتقد أنني بحاجة لإعادة قراءته على الأقل ٣ مرات لاستيعاب محتواه بشكل متقدم.. أنصح به لمن يهتم بمعرفة الاسس العلمية الفلسفية لهذه العلوم. تعريف فلسفة العلوم بحسب ويكيبيديا: فلسفة العلوم أحد فروع الفلسفة الذي يهتم بدراسة الأسس الفلسفية والافتراضات والمضامين الموجودة ضمن العلوم المختلفة، بما فيها العلوم الطبيعية مثل الفيزياء والرياضيات والبيولوجيا، والاجتماعية مثل علم النفس وعلم الاجتماع والعلوم السياسية. بهذا المفهوم تكون فلسفة العلوم وثيقة الصلة بالابستمولوجيا والانتولوجيا فهي تبحث عن أشياء مثل : طبيعة وصحة المقولات العلمية، طريقة إنتاج العلوم والنظريات العلمية، طرق التأكد والتوثيق من النتائج والنظريات العلمية، صياغة وطرق استعمال الطرق العلمية المختلفة أو ما يدعى بالمنهج العلمي، طرق الاستنتاج والاستدلال التي تستخدم في فروع العلم كافة، وأخيرا تضمينات هذه المقولات والطرق والمناهج العلمية على المجتمع بأكمله وعلى المجتمع العلمي خاصة.
لقد اقتنعت هذا الكتاب منذ ما يزيد عن اربع سنوات و كلما أردت قراءته اجد نفسي اتوقف بعد عدة صفحات و ذلك لأسلوب الكاتب غير المتخصص في هذه العلوم و رغبته في طرح فلسفة كاملة للعلم المعاصر و عجزه عن عرض الأفكار و تبسيطها للفهم و التحليل ،، و قد اعتذر عن ذلك المؤلف في مقدمة كتابه ، و لكن به اقتباسات مهمة لأباء علمي الفيزياء و الرياضيات تصلح كشهادة للطفرة المعرفية التي أحدثوها في تلك العلوم
هذا الكتاب وبخلاف كتب الجابري الأخرى، هو أكثر كتبه ثقلاً، حتى أنك لا تحتمل قراءة بعض الفصول من شدة الملل والتفصيل الذي برأيي الشخصي لا داعي له في مجال كمجال الرياضيات!
وهو سابق لكتابه نحن والتراث ولسلسلة نقد العقل العربي
والمهم في هذا الكتاب هو التعرف على الفلسفة المفتوحة ونظرياتها والعقلانية الجديدة التي اُعجب بها الجابري وصاغت عقليته النقدية، والتي استعان بها في سلسلة نقد العربي فيما بعد.
ولا يخلو الكتاب من فصول شيقة خصوصاً في الفيزياء وثورة العلم الحديث منذ غاليليو إلى النسبية والكم.
قرأت الكتاب من فترة بعيدة اللي حسيته ان الكتاب اقرب الى ان يكون تاريخي اكثر من انه فلسفي اهتم بتاريخ العلوم (الفيزياء والرياضيات ) اكثر من المنهج العلمي لكن الشخص المهتم بالتسلسل التاريخي اللي تطورت فيه الافكار راح يستفيد منه
هذا الكتاب مهم جدًا في بابه، وهو كتاب علمي ثقيل، كسائر كتب الجابري. قبل أن أبدأ عرض الكتاب لابد من تحرير بعض المصطلحات: الإبستمولوجيا، نظرية المعرفة، وفلسفة العلوم. هناك اتجاهان رئيسان؛ اتجاه فرنسي، وآخر إنجلو-أمريكي، فالابستمولوجيا حسب الفسلفة الفرنسية تعني فلسفة العلوم، وقد جاء في معجم لالاند الفلسفي تحت مادة إبستمولوجيا: كانت تدل ولا تزال عند بعض الكتّاب على فلسفة العلوم، ولكن بمعنى أكثر تحديدًا: هي ليست دراسة المناهج العلمية التي هي موضوع الميتودولوجيا، وليست أيضًا تأليفًا أو استباقًا اقتراحيًا للقوانين العلمية، بل هي في جوهرها دراسة نقدية للمبادئ والفروض والنتائج وقيمتها ومدى موضوعيتها. والابستمولوجيا عند الفلاسفة الإنجلو-أمريكيين، تعني نظرية المعرفة، تقول الموسوعة البريطانية في تعريف المصطلح: إن هذا المصطلح يفهم على أنه دراسة الطبيعة، ودراسة صحة المعرفة، وأن الإبستمولوجيين يمتحنون درجات اليقين والاحتمال والاختلاف بين المعرفة والاعتقاد .. إلى آخره. إذن الابستمولوجيا في اصطلاح الفرنسيين: تعني فلسفة العلوم، وتعني نظرية المعرفة عند الإنجلو- أمريكيين. يتألف الكتاب من ثلاثة أجزاء، عرض الجابري في الجزء الأول لمشكل المصطلح وحرره، واختار المذهب الفرنسي بطبيعة الحال. وفي الجزء الثاني تحدث عن الفكر الرياضي وتطوره، وقد قسّمه إلى خمسة فصول، عرض في القسم الأول التطور التاريخي للرياضيات الكلاسيكية عند المصريين والبابليين مرورًا باليونان وجهودهم في تحويل الرياضيات إلى علم نظري صرف. ثم عرّج على أهم إسهامات العرب في تطوير الفكر الرياضي، وأخيرًا انتهاء إلى الرياضيات في العصر الحديث ( حتى القرن التاسع عشر ). في القسم الثاني تطرق الحابري للهندسات الإقليدية، والهندسات اللاإقليدية - هندسة لوبوتشوفسكي، أو ريمان على سبيل المثال- عرض خلاله لبعض المشاكل بعد أن حلل بعض المشكلات، كمشل التوازي. ثم في بقية القسم شرح الأكسيوماتيك، شروط البناء الأكسيومي وخصائصه، وضرب مثالًا بنموذجين: إكسيومتك العدد وإكسيومتك الهندسة. وأخيرًا وضّح القيمة العلمية للمنهج الإكسيومي. أما الفصل الثالث فكله عن نظرية المجموعات ونقائضها، والصراع الشهير حولها في مطلع القرن المنصرم، وحلول كلًا من المنطقيين بزعامة راسل، والحدسيين بقيادة العبقري الفرنسي بوانكاريه، وأخيرًا الأكسيوميين الجدد. تعرض بعد هذا لنظرية المعرفة، والنزاع المعروف بين العقليين من جهة والتحربيين من جهة أخرى. فالعقليين - كما تعرفون - يرون أن في العقل مبادئ قبلية سابقة على التجربة بواسطتها نستطيع اكتساب معرفة العالم الخارجي. والتجريبيون يرون أن العقل صفحة بيضاء وكل معارفنا مستقاة من الحس والتجربة. ثم جاء بآرائهم وحلولهم المقترحة، إضافة إلى محاولة كانت النقدية التوفيقة. ومحاولة كانت هذه تعرضت للكثير من الانتقادات، يكفي أن تعرف أنها لا تنطبق على الهندسات اللاإقليدية. أهم ما في الفصل في رأيي ووجهة نظر جديرة بالتأمل والاحترام مذهب بياجي ونظرية المعرفة التي صاغها وسأعرضها عرضًا مستقلًا في وقت لاحق إن شاءالله، لكن لا مانع من الإشارة إليها. يرد بياجي الأفكار الفطرية التي نسبها العقليون إلى العقل، موحدين بينها وبين قوانين الطبيعة باعتبار أن مصدرهما واحد، هو الله، والقضايا التركيبية القبلية التي كانت على قوالب عقلية فارغة تنتظم فيها التجربة، والقضايا الرياضية والمنطقية التي جعل منه التجريبيون الوضعيون مجرد تحصيل حاصل، كل ذلك رده بياجي إلى الإنسان باعتباره كائنًا فاعلًا. ولبياجي هذا كتاب مشهور في نظرية المعرفة بعنوان، الابستمولوجيا التكوينية، وللأسف لم أقف عليه. هذا عرض مقتضب للجزءين الأول والثاني من الكتاب وإن شاءالله سأعرض الجزء الأخير المختص بالفيزياء قريبًا لضيق المساحة الآن. ملحق في كلا القسمين، نصوص علمية مهمة لأبرز علماء الفيزياء والرياضيات. الكتاب يقع في زهاء ٤٥٠ صفحة، مكتوب بأسلوب علمي رصين، وقيمته المعرفية عالية.