ولد في مرمريتا عام 1946. تلقى تعليمه في مرمريتا، وعمل في التعليم، كما عمل محرراً وموظفاً.
مؤلفات: 1- الوجه الذي لا يغيب- شعر- حمص 1967. 2- عن الخوف والتماثيل- شعر- دمشق 1970. 3- حوارية الموت والنخيل- شعر - دمشق 1971. 4- وشاح من العشب لأمهات القتلى- شعر- بيروت 1975. 5- أيها الزمن الضيق- أيتها الأرض الواسعة- شعر- دمشق 1978. 6- الله قريب من قلبي - شعر- بيروت 1980. 7- تعالو نعرّف هذا اليأس- كتابات- بيروت 1980. 8- بين هلاكين - كتابات وشعر- دمشق 1982. 9- هكذا أتيت ، هكذا أمضي، شعر- بيروت- 1989. 10- ماليس شيئاً- شعر- قبرص- 1992. 11- مايشبه كلاماً أخيراً - شعر- دمشق - 1997.
" الآن ... وقد كبرتُ، وضجرتُ، وتأملتُ، وعرفتُ، وخُذلتُ.. وشابت لحيتي ودموعي وأفكاري، مازلتُ، بينَ الحين والآخر، أتطلّع إلى فوق.. كمن يتطلّع إلى سقف ضريحٍ أزرق. أجلسُ كاليتيم على حافّة حقلي الذي تحوّل إلى رماد .. وأبكي.
أبكي.. لأنني أعرفُ أن السماء ماعادت صالحة للفلاحة ..
أبكي.. لأنني لا أعرف أبكي لأنني لا أعرف ما يمكن أن أفعله بحياتي! وحقاً.. ما الذي يمكن أن أفعله بحياتي!؟ وأبكي.. لأنني صرتُ أعرف الآن أن عملاقاً سماوياً ما.. لن يأتي في صحنٍ طائر ليخطفني بذراعيه المجنحين، ويحملني إلى بلاد أخرى كل مافيها، وكل من فيها، يقول لي وهو يبتسم : " مرحباً بكَ أيها الصديق الإنسان .. " فأبكي ! .....
التقطتهُ أغبراً أشعثاً من دهاليز المتنبيّ، لأنّهُ "أبو عفش" أولاً، ولأنَّ يداً خطّت ذهولها تحتَ كلِّ ما وجدتهُ متمشكلاً مع الإلهِ في "التابوت.. ثانياً. لا أدري إذا ما كانت تلك الخطوط "المتحفّظة" على ما وردَ في النصوص تعودُ لقاريءٍ لم يهضِم حقنَ الوجعِ وَالصوفيّة العربيدة فأعادهُ ليُباعَ مستعملاً، أم أنَّ الكتاب/الشعرَ نفدَ بجلدهِ من محرقةِ الرقابةِ سالماً من الطمْسِ لا الخَمش.
موجعٌ.. مرةً أخرى. لا أستطيع إلا أن أقرأه عالياً عالياً.. فالصمتُ وحدهُ لا يحملُ المعنى!
قصائد الموت التي لا تمتدحه، ولا ترى فيه صديقًا. وإنما تجيء مخاطبةً أصحابه، تجيء لهم تارةً، وعلى لسانهم تارة، لتُغني للحياة، برمزية أقل ما يقال عنها أنها مُدهشة! .. ريثما كان نزيه أبو عفش يٓعُدّ وحشته كنت أعُد القصائد التي أعجبتني، ولكنها كانت المعظم.
كيف لي أن أعرف أين هو وطني أنا الذي أضيع في شبر من التراب وأحلم أن أبني ضريحي علي قارة؟!
كيف لي أن أعرف أين هي سمائي أنا الذي أعرف كيف تنفست تتسع رئتي حتي تغدو أرحب من السماوات وحيثما أطلقت أغنيتي ترن كنغنغة جنين في رحم أم فلاحة وكيفما مددت يدي تتعثر أصابعي بفاكهة الأحلام وتعود مبللة بلعاب الأغاني!
كيف لي أن أعرف؟! أنا الذي حين كنت كجميع الحالمين أصرخ: يا وطن.. يا وطن.. ما كنت أعرف أن بلاد الله ضيقة الي هذا الحد وأن الشعراء ليس لهم وطن غير القبور والمحابر!!
"وها أنا الآنَ، هنا، كأنني سوايَ: ندمي عالٍ ويأسي مالحٌ، وليس لي من فطنةِ الأموات غيرُ أنني أحرثُ في حديقةِ الأمواتِ"
"أحياء في كل شيءٍ، سوى.. أننا ميّتون"
"هكذا، دونما سبب واضح، أشعر الآن أني حزينٌ وأني على وشَك الموت.. والأرضُ قبري، وأن رفاقي جميعاً رحلوا.. تاركين زوابع أنفاسم في كؤوس النبيذ المريرة هكذا، دونما سبب، أشعر الآن أني مريض من الحزن. والأرض تكمل دورتها في سديم التعاسةِ.. زرقاءَ... سوداءَ..
هكذا، دونما سبب، أشعر الآن أني حزينٌ.. وأني دونما أسفٍ سوف أقطع هذا المجاز الذي يوصل الغرباء إلى تربة الغرباء : أعدُّ خطاي على ورق الذكرياتِ.. وأمضي ساهماً في طريقي أتلفت حولي كمن يتوقع أن يجد الذئبَ مختبئاً تحت أنفاس فأفكر أني.. لم يعد لي مكانٌ على هذه الأرض أبني ضريحي عليه."
نتدحرج إلى حيث تقودنا الأوهامُ .. ونبكي: من الضجر أحياناً.. ومن الحنين أحيانًا، أحيانًا من آلامِ الشعر وأحياناً لأننا نعرفُ أنّ العالمَ كلّه على خطأ! نبكي لأننا نَرى أعراس البشاعة ونشهد احتضارَ الجمالْ.
كم هي مدهشة هذه التنبؤات عن الموت، وأحوال الموتى، وعن الموت في الحياة!
استوقفني كثيرٌ من تشبيهاته وتخيلاته، أذكر منها:
لم يَعُد لي مكان على الأرض أبنيّ ضريحي عليه. * لا أملك من أدوات النور سوى روحي أُطلِقُها عاريةً تبحثُ عن مغزاها في قفص النور فترتدُ إلى حيّرتها الأولى ..! * رحلوا .. تاركين زوابع أنفسهم في كؤوس النبيذ المريرة. *
الإنسان الذي لا يبكي يختنق بغصته * حين تعصف بي وحدة اليتامى أتسلل إلى محطات مترو الأنفاق أعزف على عودي وأغني حتى أجعل الحيطان ترتعش والمقاعد تئن والهواء يبكي والبشر السعداء يكفكفون غصاتهم ويشهقون:
((من أي بلاد موجعة يهب هذا الغناء الدامي؟!)) *
هكذا، دونما سبب، أشعر الآن أني مريضٌ من الحزن. * يا ألله يكفي ألماً. تعبتُ. بل تعبتُ. بل تعبتُ. بل تعبتُ مما تتعبُ الوحوشُ منه. تعبتُ مخالبي، ناريّ، حديدي، شهوتي. تعبتُ من طيش رماحي .. وتعبتُ منك. * هذا أول لقاء لي مع نزيه أبو عفش ولن يكون الأخير.
نزيه لا يتوقف عن طرق رؤوس الموتى لا يتوقف عن وضع يده على أحلامهم التي توجعهم لا يتوقف عن تفكيك عناصر الحياة وإعادة التكوين من جديد للتراب وللفراشات والظلام فقط إنها كدهشة طفل يسمع لأول مرة في نهار الأح�� أجراس الكنيسةِ وصلوات الحياة .
الثيمة هنا الموت و الفقد و الدموع،و هي ثيمة مقربة إلى نفسي. عندما أقرأ شعراً فإني أبحث عن الدهشة و عن إيصال العواطف،في حالة العواطف فقد وصلني الظلام الذي رسمه نزيه أبو عفش بكامل ضيائه،أما في حالة الدهشة،فأحسست بالتكرار في كثير من طرق التعبير عن الأفكار،الموت و الظلام و اللون الأزرق،و الدموع التي ينبغي ألا تحبس،كثير من الصور لم ألمس فيها اللا اعتيادية،و لكن كثيراً من الصور حلقت بي إلى الأعلى البعيد،سأذكر بعضاً من جمالها هنا: "السعادة..حزن..أخضر" "أهل الحبر الضعفاء تلك هدايا الحبر إليهم: ليل أبيض و نجوم سوداء" "في حلمي سألني الرجل المكلف بتدقيق ملفات اللاجئين: لماذا جئت أيها الغريب؟ " "و لماذا تبكي؟ -لا لشيء..العالم مقفر و عقيم..كإنسان بلا دموع" "نقضم الهواء من الضجر..و نبحث تحت المقاصل عن براهين إضافية للسعادة" "الخوف عطر القصيدة و الموت شكل الزمن" "بعد وقت قليل،وقت أطول من دهر..أفاق الموتى" "و يربون إناث النحل في أفواههم لكي يلطفوا مذاق نومهم" قراءتي الأولى لنزيه،و حتماً ليست الأخيرة..