أكثر شعراء العرب من الحديث عن الحب، وعن الحسن وتنوعت مذاهبهم في وصف ما يشقى به المحب، وما ينعم به الحبيب، ويمكن رجع كلامهم في النسيب إلى أصلين اثنين: الأول: وصف ما يلاقي المحبوب من عنت الحب. ويدخل في ذلك كل ما يهيج الوجد، ويثير الدمع، كحديث الفراق، والعتاب، والذكرى، والحنين. الثاني: وصف ما يرى الشعراء في أحبابهم من روعة الحسن ويدخل في ذلك كل ما تتمتع به النفس، والعين، من جمال الأبدان والأرواح، كوصف العيون، والخدود، والثغر، والصدور... وكالحديث عن العطف، والرفق، والوفاء ولعفات. وقد رأى الأديب زكي مبارك تفصيل مذاهب النسيب في وصف ما يشقى به المحبون في كتابه الذي نقلب صفحاته "مدامع العشاق".
ولد زكي مبارك في قرية سنتريس بمحافظة المنوفية في عام 1892، التحق بالأزهر عام 1908 وحصل على شهادة الأهلية منه عام 1916، وليسانس الآداب من الجامعة المصرية عام 1921، الدكتوراه في الآداب من الجامعة ذاتها عام 1924 ثم دبلوم الدراسات العليا في الآداب من مدرسة اللغات الشرقية، في باريس عام 1931 ثم الدكتوراه في الآداب من جامعة السوربون عام1937" زكي مبارك مجموعة من الدكاترة اجتمعت في شخص واحد ... إنه كشكول حي مبعثر بل مسرحية مختلطة ، فيها مشاهد شتى ، من مأساة وملهاة ومهزلة ، أو لكأنه برج بابل ، ملتقى النظائر والأضداد ...فهو أديب عربي قح ، ومفكر عروبي محض ، يملكه الإيمان بالعربية والغيرة على العروبة ، على الرغم من تحليقه في أفاق أخرى من الثقافة والتفكير ... ولعل زكي مبارك يباين الذين انصرفوا إلى اللغات الأجنبية ودراساتها في أنه لم يطلب بها علما وأدبا وإن اكتسب ما تيسر له من مناهج البحث وطرق التدريس ، فكأنما كان مبعوثا إلى فرنسا لأداء مهمة والاضطلاع بخدمة ، هي التعبير عن اعتزازه بأدب العروبة وحضارتها، وإقناع المستشرقين بطول الباع والقدرة على التخريج والإبداع ... والبحوث التي توفر عليها زكي مبارك متوج أهمها بشهادة الأعلام الجامعيين في مصر وفي فرنسا أولئك الذين أناله اعترافهم أعلى الإجازات الجامعية قدرا ... وشعر زكي مبارك يتميز باثنتين : فصاحة ودماثة ، فهو لين اللفظ والأسلوب متين النسج والقافية ، وفي معانيه العاطفية طراوة وعذوبة ، وليس يعوزه الطابع الموسيقي على الإيقاع العربي المتوارث ... وأحاديث زكي مبارك تكشف عن موهبة فيه هي موهبة المسامرة والمناقلة ...فأنت متنقل في حديثه الذي تقرؤه له بين نقدات ومعابثات ونوادر ، في غضونها استدراك فلسفي أو استطراد عاطفي أو تعليق نحوي أو شكوى شخصية وكأنك تستمع إلى مذياع يتنقل مفتاحه من تلقاء نفسه بين محطات الإرسال في شرق وغرب ... وأما مشاجراته القلمية فقد كان فيها مطواعا لفطرته منساقا معه الشيمة البدوية أو الريفية في إيثار الصراحة العارية ، فهو إذا رأى شيئا ينكره انبرى ينقده ويشهر به غير آبه بما تواضع الناس عليه من الكياسة والحصافة والتزمت وتجنب الاحتكاك والهجوم ... ولا يعوز القارئ أن يلتمس صفاء نفس زكي مبارك في كثير مما كتب إذ يصادف في تعليقاته تحية لرجل كانت بينهما علاقة في درس أو مجلس وذكرى لراحل كان أستاذه أو كانت بينهما مشاركة في عمل ...ولعل أصدق وصف لزكي أنه طفل كبير ، احتفظ بما للطفولة من سرعة النسيان للإساءة ، وترك الاحتمال للحقد ، وخلوص الضمير من كوامن الضغن ، فإنك لترى الطفل غضوبا على رفيقه في شئ من الأشياء و لا تلبث أن تراه ملاعبا له ، ناسيا ما كان بينهما من مغاضبة وشحناء ، بل لعل ذلك كان منه سبيلا إلى توطيد صداقة وتمكين إخاء سلام على زكي مبارك .. كان مثلا للجد والدأب في التكوين والتحصيل وكان شعلة في التأليف والتدبيج ، وكان شخصية بارزة في مجتمعنا الأدبي ، أحس وجودها من هو لها ومن هو عليها ..والرجل العظيم لا تخلو حياته من صديق وخصيم .".
كلمة من طه حسين أخرجته من الجامعة إلى الشارع بلا وظيفة وبلا مرتب، بالرغم من حصوله علي الدكتوراة ثلاث مرات وتأليفه أكثر من أربعين كتابا، وقد أتيح له أن يعمل في الجامعة المصرية، وعمل في الجامعة الأمريكية وعين مفتشاً للمدارس الأجنبية في مصر ولكنه لم يستقر في هذه الوظيفة واخرج منها بعد أن جاء النقراشي وزيرا للمعارف والدكتور السنهوري وكيلا للوزارة.
وعمل في الصحافة أعواما طويلة ويحدثنا انه كتب لجريدة البلاغ وغيرها من الصحف نحو ألف مقال في موضوعات متنوعة. وانتدب في عام 1937م للعراق للعمل في دار المعلمين العالية، وقد سعد في العراق بمعرفة وصداقة كثير من أعلامه، وعلي الرغم مما لقي في العراق من تكريم إلا انه ظل يحس بالظلم في مصر وهو يعبر عن ظلمه اصدق تعبير بقوله " إن راتبي في وزارة المعارف ضئيل، وأنا أكمله بالمكافأة التي آخذها من البلاغ أجرا علي مقالات لا يكتب مثلها كاتب ولو غمس يديه في الحبر الأسود� إن بني آدم خائنون تؤلف خمسة وأربعين كتاباً منها اثنان بالفرنسية وتنشر ألف مقالة في البلاغ وتصير دكاترة ومع هذا تبقي مفتشاً بوزارة المعارف" وفات
في 22 يناير 1952 أغمي عليه في شارع عماد الدين وأصيب في رأسه فنقل إلى المستشفى حيث بقي غائبا عن الوعي حتى وافته المنية في 23 يناير 1952
بعد أن انهيت قراءة هذه المختارات من اجمل القصائد المُبوبة حسب فصول؛ تصف ما يعتريه العشاق من : " وجدٍ و حنين و شوق و لوعة"، و عدة مشاعر جياشة . صاغت بلغة صافية و صورة شعرية بليغة.
رحت افتش في ذاكرتي عن آخر مرة قرأت فيها الشعر بلغة عربية راقية و صافية مع صور شعرية رائعة،طال بيَ العهد حتى نسيت. هذه المختارات اجمل فاتحة لاعادة الوصال مع اللغة العربية و الشعر بعد سنين من الهجر...
*ماذا يريد السقام من قمر كل جمال لوجه نبع لو كان يبقى العداء قلت له ها انا دون الحبيب ياوجع و قاك الله كل اذى بنفسي و عجل يا ظلوم لنا شفاك.
* لقد عالجت قلبي جنان بهجرها وقد كان يكفي بذاك وعيد رأيت تداني الدار ليس بنافع اذا كان م بين القلوب بعيد
*ما كنت احسب إلا منذ عرفتكم إن المضاجع مما ينبت الابر
* يقولون طال الليل و الليل لم يطل و لكن من يبكي من شوق يسهر .
*و أنزه إسمك أن تمر حروفه من غيرتي لمسامع الجالسين فأقول بعض الناس عنك كناية خوف الوشاة و أنت كل الناس.
رياض مونقة من شعر الحب والعاطفة، تسرح بك في عالم انعدم نظيره، ولم يبق منه إلا أطلال وآثار، يتعايش الناس على ذكراها
وأيُّ الناس لا يطرب لحديث الحب، وأي فتىً من علة الحب يَسلمُ !
وخير الناس في التذوق والتشوق، هو الأديب المفتون بأفنان الجمال، الدكتور زكي مبارك رحمه الله .. فلم أر معاصراً مثله في حديث الصبابة والوجد، واستعذاب حلاوة اللقاء ومرارة الفقد
وهو بعد ذلك علّامة في بابه، سبر أغوار الشعر، واستخرج منه أعذبه وأصدقه، وصنّفه على أبواب من أطوار العشاق وأحوالهم، ونثر فيه ما بين ذلك نثراً ذا شجون، فكان هذا الكتاب الممتع
وكنت من قبل أُشجّع على قراءة مثل هذا الكتاب لجودته ورقته.. أما الآن فأرى أن سلامة القلب أغلى من ذلك
وقد أنقصتُ من تقييمه نجمة واحدة، لبعض ما فيه من آراء الدكتور رحمه الله، التي لا أرضاها تديناً، لكني أعذره، فكتابته كتابة عليل، أذهبت علّته بعض صوابه
وجبة شعرية تراثية فاخرة تستحق النجمات الخمس !! فصول تحكي حال العشاق بأبياتهم المبللة بدموعهم رتبها زكي مبارك وعلّق عليها وانتقى لنا من روائع الشعر الشيء الكثير الفصول تتحدث عن الحب والفراق والغزل ووشاية الدموع وطيف الخيال ومنازل الأحباب ونوح الحمام وغراب البين ومذاهب العشاق ونجواهم وحديث قلوبهم ولوعاتهم سأترك بعضا منهم يحكي بلسانه وسأحاول الاختصار الشديد وانتقاء أبيات غير مشهورة جدا :
وقائلة مابال دمعك أبيضا...فقلت لها يا عز هذا الذي بقي ألم تعلمي أن البكا طال عمره...فشابت دموعي مثل ما شاب مفرقي وعمّا قليل لا دموعي ولا دمي... ترين ولكن لوعتي وتحرقي
***
لأعذبن العين غير مفكر...فيما جرت بالدمع أو سالت دما ولأهجرن من الرقاد لذيذه...حتى يعود على الجفون محرما هي أوقعتني في حبائل فتنة...لو لم تكن نظرت لكنت مسلما سفكت دمي فلأسفحن دموعها...وهي التي بدأت فكانت أظلما
***
قلبي إلى ما ضرني داعي...يكثر أسقامي وأوجاعي كيف احتراسي من عدوي إذا...كان عدوي بين أضلاعي
***
أحبابنا كم تجرحون بهجركم...فؤادا يبيت الليل بالهم مكمدا إذا رمتم قتلي وأنتم أحبة...فما الذي أخشى إذا كنتم عدا سأضمر في الأحشاء منكم تحرقا...وأظهر للواشين عنكم تجلدا وأمنع عيني اليوم أن تكثر البكا...لتسلم لي حتى أراكم بها غدا
****
بنفسي التي ضنت علي بوصلها...ولو سألت قتلي وهبت لها قتلي وإن حكمت جارت عليّ بحكمها...ولكن ذاك الجور أحلى من العدل وأحببت فيها العذل حبا لذكرها...فلا شيء أحلى في فؤادي من العذل
***
وقد زعموا أن المحب إذا دنا...يمل وأن النأي يشفي من الوجدِ بكلٍ تداوينا فلم يشفَ ما بنا...على ذاك قرب الدار خير من البعد
***
قد صددناكم كما صددتم ... فهل ندمتم كما ندمنا ؟
***
أحنّ إلى سقمي لعلك عائدي...ومن كلف أني أحن إلى السقمِ وحتامُ استشفي من الداء ما به...سقامي واستروي من الدمع ما يظمي فراق أتي في أثر هجر وما أذىً...بأوجع من كلمٍ أصاب كلمِ
***
أساء فزادته الإساءة حظوة...حبيب على ما كان منه حبيب يعدّ عليّ العاذلون ذنوبه...ومن أين للوجه المليح ذنوب؟
***
وزارني طيف من أهوى على حذر...من الوشاة وداعي الصبح قد هتفا فكدت أوقظ من حولي به فرحا...وكاد يهتك ستر الحب بي شغفا ثم انتبهت وآمالي تكذبني...نيل المنى فاستحالت غبطتي أسفا
***
إذا ما دعوت الصبر بعدك والبكا...أجاب البكا طوعا ولم يجب الصبر
***
الكتاب خفيف والأبيات قصيرة وما يحتاج إلى شرح منها فإن مبارك يشرحه ويبينه وأراه بداية موفقة لمن أراد أن يتعرف على الشعر العربي الأصيل. هذا ورحم الله الأديب زكي مبارك وغفر للعشاق والشعراء
بدأ الكتاب بمقدمة المؤلف، والتي شرح فيها أنه حين كان يطرح فصول هذا الكتاب في جريدة الصباح -آنذاك- في مصر في عام 1922م، تعرّض للهجوم بسببها، إذ قِيل أنها مما يُفسد الشباب، وبطبيعة الحال رفض المؤلف هذا الهجوم، و وجهة نظره أن الحُسن خلقه الله سبحانه في هذه الدنيا ومن الطبيعي بل من الواجب -في نظره- دراسته ووصفه بالنثر والشعر.
ثم قال: " وبعد، فإنه لم يبقَ ما أسكن إليه في هذا الوجود غير حديث الحب، وبلايا المحبين، وقد رأيتُ أن أُساير شعراء العرب في أعذب ما جرى على ألسنتهم: وهو النسيب، وأن أبدأ ذلك بما انتهوا إليه، وهو الحديث عن الدموع، ومالها من سببٍ قريبٍ أو بعيد ".
ثم شرح المؤلف أنه في كتابه هذا سيُركّز على وصف ما يُلاقي المحبون من عَنَت الحب، مما يُهيّج الوجد، ويُثير الدمع، كحديث الفراق والعتاب والذكرى والحنين، والكتاب مُقسّم لعدة فصول و يُركّز في الأساس على الحب الحزين (مما يسميه المدامع)، كالدمع عند الفِراق، والدمع عند منازل الأحباب، وغيره.
وذكر المؤلف أن شِعر المرأة العربية في الغزل والحب للرجال قليل جداً، وهذا طبيعي لشدة غيرة الرجل العربي على نسائه.
ولا يكتفي المؤلف باستعراض الأبيات الشعرية، بل يعلّق عليها عارضاً رأيهُ الأدبي فيها، وهي عموماً تتفاوت في جودتها، ولكني لاحظت أنه أكثر من الشعراء العباسيين، وقلّلَ من الجاهليين.
شخصياً تمنيت أنه اختصر الكتاب قليلاً، إذ أنه طال بغير داعٍ، إلى جانب تكرار بعض الاستشهادات، لكنه بالمجمل جميل.
***
أبيات شعر أعجبتني من الكتاب:
1- فقلتُ من بعدِ كل وصفٍ لم تعرفِ الحب إذا وصفته !
ابن أسباط القيرواني
2- نصيبُكَ من قلبي كما قد عَلِمتَهُ وما لي بحمدِ اللّه منكَ نصيبُ وما أدَّعِي إلا اكتفائي بنظرةٍ إليك ودعوى العاشقينَ ضُروبُ وما بُحْتُ بالسِّرِ الذي كان بيننا ولكنما لحظُ المُحِبِّ مُريبُ وليلةِ وصلٍ قد قدرتُ فصدَّنِي حيائي أَلا إنَّ الحياءَ رقيبُ
الطغرائي
3- أنا من عرفتِ ومن جهلتِ ومن له لولا عيونكِ حجةٌ لا تُفحم هذا وحقّكِ بعضُ ما كابدتهُ من ناظريكِ وما كتمتكِ أعظمُ حتى إذا يئس الطبيبُ وجاءها أني تلفتُ تندّمَت وتندموا وأتت تعود مريضها لا بل أتت منّي تُشيّعُ راحلاً لو تعلمِ
حافظ إبراهيم
4- كيف احتراسي من عدوي إذا كان عدوي بين أضلاعي
العباس بن الأحنف
5- وما زال أحبابي يُسيئون عِشرتي ويجفونني حتى عذرتُ الأعاديا
الطغرائي
6-إذا لم يكن في الحب سخطٌ ولا رضاً فأين حلاواتِ الرسائلِ والكتب
كم عشقت هذا الكتاب ، وكم انا سعيدة انى عثرت عليه واستمتعت مع فى هذه النزهه الشعرية الجميلة فى بستان الشعر العربى الكتاب به مختارت شعرية جميلة حقا لكثير من الشعراء العرب ، قام ذكى مبارك بدور جميل فى تجميع تلك المختارت الشعرية وقام بتقسيمها حسب حالة العشاق من وجد وشوق ولهفة وغيرها وعمل مقارنات بين اجمل ما قاله الشعراء فى كل تلك الحالات ، من خلالهتعرفت على العديد من الشعراء لاول مره واستمتعت جدا بقراءة ابياتهم اسلوب الكاتب جميل جدا وممتع للغاية وقد قام بشرح بعض الابيات التى اوردها وسرد حكايات بعض تلك الابيات الا انى اتمنى ان يعاد طبعه وان يضاف معانى للكلمات الصعبه حتى يتثنى للقارئ العادى فهم وتذوق تلك الابيات .. اعجب�� بكثير من الابيات وضعتها فى اقتاباسات للكتاب ، الكتاب جميل انصح بقراءته بشده
تقسيم الكتاب وتصنيفه جميل. لكن ذائقة المؤلّف تدور في فلك شعراء أواخر العصر العبّاسي وأغلب كتابه اقتباسات من شعرهم.
ولا أدري كيف أغفل عن ذكر أبيات الجاهليين وخاصة في باب الوقوف على أطلال الحبيب فهم سادة هذا الفن وأوائله!
كما لا أفهم إغفاله للاستشهاد بشعر جرير في أبواب البكاء والشوق وطلب النوال؟! كيف يذكر الأبيوردي وأبي الشمقمق والأرجاني وغيرهم ويُغفل ذكر فحول الشعراء الأوائل؟!
الثلاث نجمات فقط لتقسيم أبواب الكتاب ومقدمته اللطيفة.
زكي مبارك تحفة، وأديب حيّ، حلو الكلام، عذب اللفظ، مرهف الحسّ، جياش بالعاطفة الجميلة الرائقة، وقد قال عن نفسه في كتابه وحي بغداد: “لامن� صديق فقال: ما قرأت لك كتابًا ولا مقالًا ولا قصيدة إلا رأيتك مشغولًا بالحب�! فوجدت في الكتاب متنفّسًا، ولمكامن الشعور مستفزًّا، ورحلة ماتعة في الأدب والشعر ما وددت انتهاءه.
إلى تلك النفس التي لا يعنيها من أمري شيء، والتي أخلفت ما أخلفت من الوعود، ونسيت ما نسيت من العهود، والتي شُغِلت بنعمة المال، والجمال، عما أقاسي من محنة وعذاب، والتي ما أحسبُني أطمع في أن تسكُن إلي، أو تعطف علي، إلى تلك النفس الظلوم.
قضي الأمر، واصبحت حياً كميت، وموجوداً كمعدوم ! فما ضرني لو أذعت هذا الحب، وما أبقى هواك مني أسمع به ملاماً أو أرى وجه عذول؟
** عجبت لهم أني رموني بحبها. ولا مهجتي رهن يديها ولا قلبي فيا رب صدق في هواها عواذلي فان عناء أن ألام بلا ذنب وإلا فلا تقطع على ملامهم فإن ملام المرء فاتحة الحب ** (صاحب البدائع)
أسفار الحب والشعراء
** ان الله ما خلقكم كالازهار في القفار تزهر ثم تذبل ولا يتمتع بشمها ولثمها وإنما خلقكم روحا لكل حي ونعيما لكل موجود فاجعلوا لنا منكم حظا ولا أقل من النظر فقد خفنا على ارواحنا ان تزهق ببخلكم وتموت بصدكم وما الله بغافل عما تعملون **
كبستاني محترف يقطف لنا زكي مبارك زهور عطرة ندية وعذبة من رياض تراث الشعر العربي... ذلك التراث الذي حين اهملناه فأهملنا.... احاول ان ارى الحب والحياة بشعراء العرب القدامى.. العشاق والهائمين والمعذبين بقلوبهم وانفسهم وشعرهم... ان زكي مبارك يحاول في ذلك الكتاب ان ينقل لنا اسفارا جديدة او دستور للبكاء والحب والهيام...
** يا ظبية البان ترعي في خمائله ليهنك اليوم ان القلب مرعاك الماء عندك مبذول لشاربه وليس يرويك الا مدمع الباكي وعد لعينيك عندي ما وفيت به ياقرب ما كذبت عيني عيناك انت النعيم لقلبي والعذاب له فما أمرك في قلبي وأحلاك عندي رسائل شوق لست اذكرها لولا الرقيب لو بلغتها فاك هامت بك العين لم تتبع سواك هوى من علم العين ان القلب يهواك ** (الشريف)
لم أجد أعذب من كلمات الشاعر الشريف الرضى لتكون فاتحة اقتباساتي لذلك الكتاب.... زكي مبارك الاستاذ في الأدب العربي يحاول هنا في ذلك الكتاب ان ينقل لنا صورة حية لاحوال الشعراء.... فصول تحكي حال العشاق بأبياتهم المبللة بدموعهم, رتبها زكي مبارك وعلّق عليها وانتقى لنا من روائع الشعر الشيء الكثير الفصول تتحدث عن الحب والفراق والغزل ووشاية الدموع وطيف الخيال ومنازل الأحباب ونوح الحمام وغراب البين ومذاهب العشاق ونجواهم وحديث قلوبهم ولوعاتهم...
** اشفقت ان يرد الزمان بغدره او أبتلى بعد الوصال بهجره
قمر قد استخرجته من دجنه لبليتي واثرته من خدره
فقتلته وله على كرامة فله الحشا وله الفؤاد بأسره
عهدي به ميتا كأحسن نائم والحزن يسفح مدمعي في نحره
لو كان يدري الميت ماذا بعده بالحي منه بكى له في قبره
غصص تكاد تفيض منها لنفسه ويكاد يخرج قلبه من صدره ** (عبد السلام بن رغبان)
كتاب سيمر عليك كنسيم الصباح العليل إذا كنت من محبي الشعر العربي ومن قارئيه... البحتري والشريف الرضى والمتنبي وصاحب البدائع واسماء اخري كثيرة قد اغفل عنها في مراجعتي للكتاب ولكنها ستظل علم من اعلام الأدب والشعر العربي
** أتري حبي لسعدي قاتلي وإذا ما افرط الحب قتل خطرت في النوم منها خطرة خطرة البدر بدا ثم اضمحل اي زور لك لو قصدا سرى وملم منك لو حقا فعل يتراءى والكرى في مقلتي فإذا فارقها النوم بطل ** (البحتري)
مدامع العشاق من اصدارات الهيئة العامة لقصور الثقافة سلسلة ذاكرة الكتابة على 248 صفحة وحوالى 67 باب في كل مايخص الحب وفى كل ماورد من شعر العرب فى العشق والهوى الاسلوب قوى واللغة رصينة مجهود خرافى من الأديب وعمل يستحق الشكر وجبة أدبية دسمة عمل ادبى من الطراز الرفيع تبقى بعض علامات الاستفهام عن موضوعات ورد ذكرها وتم المرور عليها بلا تاكيد او نفى على سبيل المثال أقتبس ( كان محمد بن مناذر يعشق عبد المجيد بن عبد الوهاب الثقفى وكان عبد المجيد هذا من اجمل الفتيان وآدبهم وأظرفهم وله مع ابن مناذر حديث طويل ذكره صاحب الأغانى ثم مات بعد المجيد بعد مرض قصير وهو فى سن العشريت فقال فيه ابن مناذر قصيدة طويلة )) لو مش بتحب الشعر مش هيعجبك الكتاب ولو عايز تحب الشعر إقرأه بصوت عالى مش فى سرك
.كتاب"مَدامعُ العُشّاق" كان بوابة دخول للقراءة في عالم الحُب وحال العشاق.
أول كتاب أطالعة للأديب "زكي مبارك"
فصول تتناول قضية الحب � ومختارات من أجمل قصائد الحب � و يصف الكاتب أحوال العاشق من أرق وسهر، وهُزال ونحول وشدة شوق، غيرة، صبابة، هُيام.
فصل موجبات الدموع~ باب ذكر فيه حديث الشعراء عن البكاء ..
وللدموع أسباب عامة فهي الحرق الدخيلة و الجوى الدفين، وما إلى ذلك من البث والحزن واللوعة والحسرة.
ومن الأسباب الخاصة لموجبات الدموع كثيرة،فمن العشاق من يبكي لتلمس الأخبار !
كما قال ابن هرم: واستخبر الآخبار من نحو أرضها** وأسال عنها الركب عهدهم عهدي. فإذن ذكرت فاضت العين عبرة**على لحيتي نثر الجمان من العقد.
ومن العشاق يبكي عند هبوب النسيم، ومنهم من يبكي لبكاء الحمائم ، وهو كثير في كلامهم .. ومما ابتدعه المتأخرون في موجب البكاء، ماجعله بعضهم عقاباً للعين، جزاءً بما اهدت نظراتها للقلب من شجى، وللجسم من نحول.
فصل الاكتفاء بالدموع~ هو نوع من القناعة في الحب يكون عند القنوط.. وشاية الدموع~ من العشاق من يؤثر الكتمان: فهو يخشى أن تفضحه الدموع! وأشهر الشعراء في إخفاء الحب العباس بن الأحنف.
ومن الشعراء من ييأس من كتم الهوى حين تنهمر الدموع، كما يقول البحتري: علاقة حب كنت اكتم بثها**إلى ان اذاعتها الدموع الهوامع.
شكوى الصبابة~
من الشعراء من يشكوى عالم السر والنجوى، ومن يقدر على تصريف الخواطر، وتقليب القلوب.
وهؤلاء أحسن الناس حباً وأصدقهم إيماناً، وسيدهم أبو صخر الهزلي حين يقول: بيد الذي شغف الفؤاد بكم **تفريج ما ألقى من الهم.
فانه جعل الهوى قدراً وجعل الامر في تيسير قلب من يهوى وتذليله للذي خلق الحب واودع الذل فيه.
الآمل والرجاء~ ليس في العشاق من لم يُرزق الأمل والرجاء، وليس فيهم من لم يُرزأ باليأس والقنوط.
سلطان الحب~ والذي أراه أن المحب مضطر غير مختار، أما الشعر في سلطان الحب فكثير. فمن الشعراء من يجعله سحراً.
منهم من قتل نفسه غير متعمد ، ومنهم يرى الحب يصب على القلب كالقضاء المحتوم لا مرد له، ومنهم يجعله قضاء من الله كقول عمر بن أبي ربيعة: قضى الله حب المالكية فاصطبر ** عليه فقد تجري الامور على قدر الذبول والنحول~ المتنبي: كفى بجسمي نحولاً أنني رجل * * لولا مخاطبتي إياك لم ترني :) .