ليس أحب إلى قلوب القراء عامةً من مسيرة الأدباء والعظماء. وليس أحب إلى قلب القارئ العربي، خصوصاً، من سيرة كتابه المشهورين، وأدبائه النابهين، وأعلام تاريخه البارزين. وأكثر ما تكون السيرة جذابة خالدة، حين تروي حياة عظيم من العظماء، وحين يكون هذا القلم قلم كاتب فنان، ومفكر فلسفي رائد، يختصر في تجاربه تاريخ عصر، ومعاناة أمة، واتجاه حضارة، ويختصر في أسلوبه أروع أشكال البث ومناهج التعبير. وسبعون ميخائيل نعيمه، في أجزائها الثلاثة، هي ما يطمح إلى مطالعته كل قارئ، فهي سجل حافل لحياة صاحبها المديدة، وتجاربه الإنسانية والكونية، فضلاً عن أنها بريشته ذات البهاء، والإبداع، والاقتداء الفني المتميز. إنه كتاب كتب نعيمه، وكتاب من كتب السيرة الرائعة في الخزانة العربية
Mikha'il Na'ima (also spelled Mikhail Naimy; Arabic: ميخائيل نعيمة) (b.1889 in Mount Sannine in modern day Lebanon, d. 1988) was a Lebanese author and poet of the New York Pen League.
He wrote 99 books, including drama, essays, poetry, criticism, short stories and biography.
Among his best known books is the Book of Mirdad, a mystical text first published in Lebanon in 1948, which was translated into English and published in London in 1962.
The mystic Osho had this to say about The Book of Mirdad. He said, "There are millions of books in the world, but 'The Book of Mirdad' stands out far above any book in existence."
Mr. Naimy was a biographer and longtime associate of Khalil Gibran, the Lebanese writer, artist, poet, and philosopher and he penned the first Biography about him (first published in Arabic) in 1934. The biography was later translated into English and reprinted in 1950.
He was fluent in three languages: English, Russian and Arabic.
ميخائيل نعيمة 1889 - 1988 مفكر عربي كبير وهو واحد من ذلك الجيل الذي قاد النهضة الفكرية والثقافية وأحدث اليقظة وقاد إلى التجديد واقتسمت له المكتبة العربية مكاناً كبيراً لما كتبه وما كتب حوله. فهو شاعر وقاص ومسرحي وناقد متفهم وكاتب مقال متبصر ومتفلسف في الحياة والنفس الانسانية وقد أهدى إلينا آثاره بالعربية والانجليزية والروسية وهي كتابات تشهد له بالامتياز وتحفظ له المنزلة السامية.
ميخائيل نعيمة ولد في بسكنتا في جبل صنّين في لبنان في شهر تشرين الأول من عام 1889 وأنهى دراسته المدرسية في مدرسة الجمعية الفلسطينية فيها، تبعها بخمس سنوات جامعية في بولتافيا الأوكرانية بين عامي 1905 و 1911 حيث تسنى له الاضطلاع على مؤلفات الأدب الروسي، ثم اكمل دراسة الحقوق في الولايات المتحدة الأمريكية (منذ كانون الأول عام 1911) وحصل على الجنسية الأمريكية. انضم إلى الرابطة القلمية التي أسسها أدباء عرب في المهجر وكان نائبا لجبران خليل جبران فيها.
عاد إلى بسكنتا عام 1932 واتسع نشاطه الأدبي . لقب بناسك الشخروب، توفي عام 1988 عن عمر يناهز المئة سنة. وتعود جذور ميخائل نعيمه إلى بلدة النعيمة في محافظة اربد في المملكة الاردنية الهاشميه وهذا ما ذكره ميخائيل النعيمه في حوار مع الكاتب الاردني والمؤرخ روكس بن زائد العزيزي.
سبعون هي حكاية عمر لميخائيل نعيمة ورحلة عمر لن تنتسى للقارئ. بعد قرائتي لكتابه دروب بدأت في سيرته الذاتية التي وجدتها في اتساق مع كل ما ذكره في دروب. نعيمة كاتب حكيم تمتاز كتاباته بالبساطة والعمق في آن معًا. عندما كنت أقرأ له كان يلازمني شعور بالارتياح وانبساط النفس وتفسيري لذلك هو أن الكاتب نفسه نقي جدًا وواضح فتجده يُشعِر القارئ بالراحة وهو يأخذه معه في رحلة عمره المميزة هذه. كلماته بسيطة ومباشرة تكسوها الرقة والحس المرهف الذي يتأثر بكل ما حوله حيث يأخذنا من طفولته في الشخروب ويذكر مواقف لطيفة ومضحكة كذلك. فكره لامع ومتزن، هادئ ولا يفرض شيئًا على القارئ بل يأخذه في رحلة تحليلية فكرية لكل ما يجول في خاطره فتجد في كلامه كل الاقناع. نجد في طفولته اللعب والهزل والدراسة والجد والعائلة والبيت البسيط. بعد ذلك ينتقل بنا إلى روسيا حيث أكمل دراسته هناك. في روسيا يرى العجب ويبدأ رحلة جديدة أبطالها جدد. تستوقفني صراحته مع القارئ ومكاشفته لنفسه، كيف كان يتعامل مع الفتيات ويميل لهن وكيف يملن له هن كذلك، فيعيش في جهاد فكري مستمر ويذكر نفسه بكل ما يملك من مبادئ وأخلاق، شيء غاية في النبل. كما يذكر لنا صداقته بجبران خليل جبران و تأسيسه للرابطة الأدبية. ومن ثم عودته للوطن بعد عشرات الأعوام. كان يقف كثيرًا ليذكر لنا تأملاته في هذه الحياة ويشاركنا محطاته. يملك فلسفة فاتنة في مفهومه الخاص حول العائلة والصداقة والأخوة والحب والدين والوطن والأخلاق. شخصية مؤمنة متدينة بحق، تحلل المشكلات وتجد لها حلًّ. شخصية تريحك وأنت تقرأ لها. يكثر من التأمل في خلق الله وينثر الكثير من النصائح والتوجيهات بأسلوب سلس غير مباشر يخلو من الوعظ والتنظير. كانت رحلة غنية بحق، تمنيت أن لا تنتهي فقد تعلمت منه الكثير. سيرة ذاتية سيرة ذاتية من أثمن ما قرأت وتعلمت
هنا ... كانت ولادتي ... و من هنا كان حبّي و عشقي للأدب ... ميخائيل نعيمع ... الأب الرّوحي الأدبي ... هذا أقلّ ما يقال ... أمّا البقيّة فيحكيه الصّمت و الهمس .... <3
بدأته الصباح وأنهيته عند المغرب وهذا ما لم أتوقعه، لكن الكتاب كان سلسلا وفيه عدة صفحات مخصصة للصور، والكتاب بعمومه لم يعجبني كثيرا وتسلسله الزمني فيه من التفاوت الكثير لكن مسألة الانتقال من القرية الصغيرة إلى العاصمة والذهول الذي يكتنف المؤلف لا زالت تبهرني وتعجبني في كل مرة أقرأها لأي مؤلف في سيرته مثل طه حسين وعبدالوهاب المسيري وسيد قطب وفدوى طوقان وإحسان عباس وغيرهم، هذا الانبهار بالحياة الواسعة وأشكال أهل المدينة المختلفة وإن كان اختلافا طفيفا في الواقع لكنه أمام دهشة القروي الذي يشاهدهم لأول مرة هو اختلاف كبير وأمر يدعو للعجب، وهي مسألة أحب القراءة عنها وستكون مسألة مفقودة في سير الكتاب المعاصرين الذين عاشوا في العواصم وحتى لو كانوا من أهل القرى فالتلفزيون سابقا والإنترنت حاليا قتل هذه الدهشة وأصبح العالم قرية صغيرة لا اختلاف فيها. أسلوب ميخائيل نعيمه كان بسيطا جميلا خاليا من التقعر اللغوي وكنت أظن العكس حيث لم يسبق لي القراءة له، وهذه السيرة هي الأولى التي أقرأها ويسافر صاحبها إلى روسيا للتعلم بدلا عن فرنسا وإنجلترا والتي كانت أساسا في سير بقية الكتاب الذين تعلموا في خارج العالم العربي وهذا ما جعل منها مختلفة قليلا، وأتمنى من المرحلة الثانية أن تكون أجمل من الأولى.
هذه السيرة من أجمل السير التي قرأتها فهي تنبيك بلمحة من تاريخ لبنان ولمحة من حياة الهجرة التي عاشها اللبنانيون في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين والأهم أنها سيرة أديب من أعظم أدباء العرب في القرن الماضي
ميخائيل شخصية مُشعَّة بالصدق، مخلصة لأبعد مدى، أحببتُ علاقته مع جبران فوجدته خيرَ صديق، وألطفُ مرافق. وفي هذه السيرة التي يسرد فيها ميخائيل عن مرتع طفولته وملامح حياته ودقائق مشاعره باللغة الساحرة، لكم أنت وهّاجٌ يا ميخائيل؛ شخصية رائعة وفريدة وفيها من البراعة التي مهدته على اكتشاف أعماق ذاته وتقويمها.
عشت أيام جميلة بين بسكتنا ووادي الشخروب.. لفتت انتباهي الأسطورة التي تحكي عن هجرة اللبنانيين عن لبنان، فقد كنت أتساءل دائماً عن هجرة اللبنانيين عن بلدهم الجميل وانتشارهم حول العالم(قبل الحرب الأهلية)وإذ بالأسطورة تقول على لسان ميخائيل "فقد كان القدامى يروون لنا حكاية مجنون يحمل قصبة ويطوف أحياء البلدة في كل يوم مناديا بأعلى صوته رجالكم! نسوانكم! أولادكم! دجاجكم! ع البحور! ع البحور! "
هناك الكثير من الذكريات التي استوقفتني، كالأغنية التي ذكّرت ميخائيل بوالده وبالشخروب وهو في المهجر، وعن لحظة التقاء أخيه أديب بوالديه بعد سنوات، وعن الرجل الذي ساعده وهو في حيفا "يفوتني الآن الكثير من ذكريات تلك الرحلة ما بين بيروت وحيفا، ومن أحاسيسها وصورها وانطباعاتها. ولكن أمراً واحداً لا أنساه ولن أنساه ماحييت. وها أنا أرويه عبرة وذكرى، وبوّدي لو يكون الإنسان الذي أرويه عنه حياً حتى اليوم، ولو أنه يقرأ ما أروي.."
أثناء القراءة في المرحلة الأولى من السبعون، استوقفتني بعض الملاحظات على شخصية ميخائيل نعيمه: - يحمل هذ الرجل نفساً متوثبة توّاقة للصدارة، مما يخلق له أزمات عند بداية أي تحدٍ يواجهه، فهو لا يرضى أن يكون في الساقة . - ميخائيل نعيمه أرثوذكسي معتدٌ بنصرانيته . - يقف صامداً ثابتاً أمام عواصف الشهوة الجنسية العاتية . - له أسلوب رائق رائع متسلسل مترسل، لا يملكه إلا عاشق قلم كهو . - كان ميخائيل نعيمه يأنس كثيراً إلى العزلة والصمت الطويل، وقد أثّرت فيه إيجاباً كما يقول عن نفسه . - يحمل ميخائيل نعيمه في نفسه أسئلة تحيّره، فيما يتعلق بالله والخلق، وأخرى فيما يتعلق بعقيدته المسيحية الأرثوذكسية، وتسألات عن مشكلة الشر والموت عنده .
اكملت المرحلة الاولى بعد ان قرأت الثانية و وجدت لها نفس انطباعي عن سابقتها. الصدق في الكلام و العدوبة في التعبير عن المشاعر و الأسئلة التي تدور في خيال الصبي الذي يبلغ المراهقة ثم يصير رجلا هو ما يجذبني في هذه السيرة.
بعد قراءة هذا الكتاب صرت أنظر للبنانيين بنظرك مختلفة نظرة احترام واعجاب وتقدير لشعب تفرق في كل قارات العالم ومنذ وقت مبكر بحثا عن لقمة العيش بعرق جبينه
قضيت ساعات اليوم أُبحر في ما تبقى من صفحات الكتاب، وكانت تلك اللحظات أشبه برحلة في عوالم الفكر والروح. وجدت في أفكار ميخائيل نعيمة وتأملاته شيئًا يعكس تساؤلاتي الخاصة، وكأن كلماته تنطق بما يجول في خاطري. ما زاد هذه التجربة جمالًا هو عشقي للسير الذاتية؛ فحين أقرأها، أشعر وكأني أعيش مع الكاتب كل مراحله، أرافقه في رحلاته الفكرية والعاطفية. كان لأسلوب نعيمة أثر ساحر في مخيلتي، فقد نجح في أن يجعلني أرى العالم من خلال عينيه. وحين أغلقت الكتاب، أدركت أنني قد انتهيت فقط من الفصل الأول! زاد ذلك من شوقي للمرحلتين القادمتين، فأنا على أعتاب مغامرة فكرية أعمق وأغنى.
" ففي هذه الفترة التي انقطعت فيها عن الكلام نبتت لخيالي قوادم ولفكري عين غير العينين في وجهي.ومن بعدها أخذت أشعر أنني- وإن انسجمت في الظاهر مع بيئة أنا فيها- ففي داخلي ما يجعلني أبدا غريبا عنها.وهذا الشعور بالغربة ما انفك ينشط ويزداد على مر السنين. حتى بت أعيش في عالمين: عالم خلقته من نفسي لنفسي. وعالم خلقه الناس للناس. والعالمان يتجاوران في حياتي . و لكنهما لا يتزاوجان "
" لقد كان من ذلك كله أنني بنيت لنفسي عالما من نفسي وفي نفسي.بنيته ملجأ لي من غبار العالم ودخانه.فما لبثت أن وجدته أرحب من العالم بكثير، أجول وأجول فيه فلا انتهي إلى حد. و أعود من كل جولة وبي دهشة مما ألاقيه فيه من مدى، ومن كنوز ومن مجاهل يتيه فيها فكري ولكنه لا يرتد عنها قانطا. بل على العكس. يرتد وفيه عناد و إصرار على العودة إليها الكرة بعد الكرة ، وشوق لافح على اكتشاف ما فيها من غوامض و أسرار. "
مع السيرة الذاتية (سبعون) لميخائيل نعيمه في قريتة بسكنتا في لبنان سنة ۱۸۸۹ - ۱۹۱۱ ميلادي ... لغتة في الكتابة ساحرة عبقة بلذعة شعرية حلوة مرات أتقمص شخصياتها وحوارتها الدينية والشعرية ذو الحلاوة الفكرية والادبية وأستوقفتني تلك الحضارات العريقة والمجيدة في مناورتها السياسية ! قراءة نيرة وممتعة
المرحلة الأولى من سبعون نعيمة . . من الطفولة إلى نهاية دراسته في روسيا وفكرة الهجرة مرة أخرى إلى فرنسا ثم تنتهي فكرة الهجرة إلى بدء هجرة جديدة إلى الولايات المتحدة الأمريكية. لطيفة وسلسه وممتعه ، فيها من التاريخ العثماني في لبنان وهجرة اللبنانيين في هذه الفترة للبحث عن العمل ، التي عاش تجربتها نعيمة. الغربة للدراسة على فترتين الأولى في فلسطين والأخيرة في روسيا وخلال هذه الفترة محاولة نعيمة الأولى لكتابة اليوميات والمذكرات وأرفق عدد منها ، وحبه للعربية وآدابها. وقراءته في الأدب الروسي . . ومن هنا تكشف سر براعة نعيمة الكتابية . ومن الأشياء الجميلة فيها أن نعيمة يحرص على إبراز عالمه الداخلي وفهم مشاعره وأحاسيسه . " فالمهم أن يقرأ قلبه لا (بلاغته) عندما أدار ظهره لصنّين ووجهه لأرض غير أرضه، وقوم غير قومه، وهو لا يزال دون العشرين" . بالرغم من أنه يحب الصمت والعزلة "لقد كان من ذلك كلّه أنّني بنيت لنفسي عالمًا من نفسي وفي نفسي ، بنيته ملجأ لي من غبار العالم ودخانه" ويقدسها حتى أنه يحن إليها "لقد عاودني الحنين إلى الصمت وما فيه من العزلة" وهو كثير التأمل فيها ومن قرأ كتابه مذكرات الأرقش يعرف هذا.
هنا لم أجد سيرة ذاتية بقدر ما وجدت مذكرات هيّجت ذاكرة الكاتب, فشرع يحكي عن الأمور التي غيّرت في حياته, وركز على مبادئه وأفكاره التي وجّهت أفعاله في كل مراحل حياته . في المرحلة الأولى في هذا الكتاب أشركني الكاتب بأسلوب أخّاذ رقيق في أجواء قريته � بسكنتا � الرابضة شرق بيروت يجثم أمامها جبل صنّين الذي يعتبره الكاتب ملهمه الأول والأساسي, وقد حظي بولائه وعاطفته طوال حياته . اقتصر حديثه هنا ما بين عاميّ 1889 � 1911, متطرقاً إلى طفولته وأسرته وطبيعة الحياة في تلك الفترة حتى أشعرتني دقته في الوصف وكأنني عاصرته, ثم دراسته في المدرسة الروسية في الناصرة بفلسطين, وابتعاثه إلى روسيا وتفاصيل غربته ومحاولاته على التكيف, وفي أثناء سرده لمذكراته لم يغفل مناسبة إلا وذكّر القارئ فيها بخلفيته وانتمائه الديني لمذهب الأرثوذكس النصراني, والذي ساهم روحياً بالسيطرة على أفكاره وتوجيه أفعاله .
قرأت هذا الكتاب ذا الأجزء الثلاثة قبل سنوات، ثم أعدت الآن قراءته من الجزء الثالث ووجدت أن قدراً غير يسير منه عبارة عن تضمين لمقالات سبق للمؤلف نشرها في كتب، ولا أدري أأجزاؤه الأولى على هذا النحو أم أن هذا النقل مقتصر على الجزء الثالث منه؟!
ـ ليست كل سيرة ميخائيل على هذا النحو من السرد الذاتي عن الأحداث التي عاشها بل تطغى على هذه السيرة الحشو بحشد مقالات كتبها من قبل، ووجهات نظر ضمنها في كتب سابقة، وهكذا تبدو لك هذا السيرة ليست بذلك الطول الذي توهم به عدد صفحاتها التي تجاوزت الألف وأجزاؤها الثلاثة.
ـ يحاول ميخائيل الإيحاء لك بأنه لا يؤمن بالديانات لكنه يعترف بأن ثمة قوة تسير العالم، ويأتي في بعض المواضع فيعترف بأنه أتى ببعض العبادات الدينية، وعليه فإنه كان يتظاهر بالإلحاد ويستبطن الإيمان.
ـ يؤمن ميخائيل نعيمة بالغيبات وهو أمر غريب على رجل مثله كان يعيش في عصر الكفر بالأديان والإيمان بالمادة، هل ساهم الانهيار المالي في الثلاثينات ونشوب الحرب العالمية الثانية في أن يؤوب المؤلف إلى ما نشأ عليه من تدين؟
ـ ميخائيل سقطة عند بيته فانكسرت ترقوته وبقي في الجبس أربعين يوماً فصبر على ما أصابه ولم يشك لحظة في أن ما وقع له إنما كان بسبب ذنوبه! وهذا الاعتراف يدل على إيمان ميخائيل نعيمة، ليت ناشئة الأدب يتعلموا هذه المآلات لكثير من كتابنا الذين آبوا إلى الإيمان بعد أن أضاعتهم الأفكار لا التفكير.
ـ تشبيه رائع للأم من ميخائيل نعيمة: يقول إن الأم كشجرة التين الهندي ما أن يلامس أحد أغصانها الأرض حتى يستقل بجذور له فيها، وهو مع ذلك مرتبط بها لا ينفك عنها.
ـ كان اللبنانيون يخجلون من أسمائهم ذات التبعية التركية، ومن حروف أسمائهم العربية التي لا مثيل لها في لغة الانكلو ـ سكسون وتفادياً للسخرية وللتقرب منهم غيروا أسماءهم وعاداتهم فبعضهم ترجم اسمه إلى الانجليزية وآخرون اختاروا ما يقترب من حروفها ومن ذلك: هيكل أصبح هنري، منصور حداد فكتور سميث و لولو أسمر بيرل برون وملحم وليم و دعيبس دايفيد.
ـ شعر ميخائيل نعيمة متواضع جداً، ولعل احتفاله به رغم أنه ناقد بصير هو ثقته بأنه يحمل أفكار ومعان أصيلة، وعواطف صادقة وشفافة، لكن ليس هذا هو الشعر، فالشعر هو الذي يهزك بجمال مبناه ومعناه.
ـ سيرة ميخائل تكشف لنا أن المهاجرين العرب في أمريكا الشمالية لم يكونوا يعيشون في بحبوحة من الرزق وإنما كانوا يكدحون لتأمين حياتهم، ولا يترددون في أداء أي عمل يجلب لهم المال على النحو الذي كان يفعله ميخائيل نعيمة.
ـ لا يبدو لي الكتاب مشوقاً كما كنت أجده من قبل، وهو ينقل نصوصاً سبق له نشرها في كتب أخرى، وهذا الحشو الزائد والنقل الزائف يقلل من قيمة كتابه ذائع الشهرة.
"إنك خادع ومخدوع كلما حاولت أن تحكي لنفسك أو للناس حكاية ساعة واحدة من ساعات عمرك. لأنك لن تحكي منها إلا بعض بعضها. فكيف بك تروي حكاية سبعين سنة؟"
هكذا بدأ المؤلف سيرته الذاتية.
المؤلف معروف بأسلوبه الأدبي السهل العذب، وكم أعجبتني المواقف التي أدرجها في قسم "الطفولة" استمرت البسمة على وجهي لجمال وبراءة تلك المواقف :)
سأقتبس بعض العبارات اللطيفة من الكتاب:
1- "ما إن تنتهي أمي من الصلاة الربّانية حتى تمضي في دعاء طويل: (قل معي يا ابني: يارب وفّق أبي في أميركا. إذا أمسك التراب فلينقلب في يده ذهباً.)"
2- "كنت أسمع من أفواه الكبار كلمات كثيرة لا أفقه لها معنى منها البذيء و��نها البريء ومنها ماكان بين بين. وكنت كلما التقطت كلمة جديدة أروح أتحين الفرصة لاستعمالها لأدلل على غزارة قاموسي وعلى أنّ في استطاعتي أن أتكلّم كما يتكلّم الكبار"
3- "عند عودة والدي من المهجر كان الجميع يسأله عن نسيبٍ له في المهجر فوالدة تسأل عن ولدها الذي في الاكوادور و زوج عن زوجته في الأرجنتين غير آبهين بالمسافات التي تفصل كاليفورنيا -حيث كان والدي- عن تلك البلاد، فقد كان القوم -إلا القليل- منهم لا يميزون بين مهجر ومهجر ، فالمهاجر كلها عندهم (ماركا) وإذا ميزوا قالوا (نايرك) وهم يعنون بها الولايات المتحدة، و (البرازيل) ويعنون بها أميركا الجنوبية بأسرها، ثم يخيل إليهم أن لا بد لمن في (نايرك) أن يعرف جميع المهاجرين في الولايات المتحدة :)"
4- "لولا طموح أمي ولجاجتها وحسن تدبيرها لما تعلّم أي منا أكثر مما تعلم والدنا، ولولا صبر والدي الطويل على العمل المضني وشظف العيش لما بقيت عائلتنا متماسكة تماسك الذرّات في الفولاذ."
5- "من بين دروسي كانت اللغة العربية أحبها إلي، واتفق أن وقعت في مكتبة خالي على نسخة من (مجمع البحرين) واتفق أن توفي أحد أنسبائنا في البرازيل، فأقاموا جنازاً في الكنيسة ووجدتها فرصة مؤاتية لإظهار براعتي اللغوية، وألقيت تأبيناً حشوته بالكثير من الكلمات التي نهبتها من (مجمع البحرين) ولأنني كنت بين الـ 11 و الـ 12 ولأن السامعين كانوا يجهلون العربية الفصحى فقد كان وقع التأبين عليهم بالغاً حد الدهشة وكان اعتزازي ببلاغتي فوق كل حد!."
6- "فالأرض ليست أرضي إلا بمقدار، ولا أستطيع التنقل فيها إلا بمقدار، ولن أفلت أبداً من اسمي، ومن مسقط رأسي، ومن تاريخ ولادتي، ومن أبويّ، ومن رعويتي لدولة من الدول."
7- "لقد عرفت المرأة بلحمها ودمها وولجت قلبها، والرجل الذي لا يعرف قلب المرأة لا يعرف قلبه"
على الرغم من أن النسخة التي عندي هي أيضاً من طباعة نوفل الا ان عدد الصفحات في نسختي يتجاوز 370 صفحة، لعله حجم الخط كان اكبر فبالتالي قد زاد في عدد الصفحات أما المحتوى فهو بالتأكيد نفسه.
سبعون ، المرحلة الأولى استطيع ان اختصرها بأنها حكاية الزمان والمكان
في اول كتاب من هذه السلسلة التي اختصها نعيمه لتوثيق سيرة حياته، يحكي فيها حكايات طفولته ومراهقته وشبابه
نشأته في جبال الشخروب وبسكنتا، تأملاته ومغامراته وتعلقه بالوادي والسهل ابتعاثه للدراسة في روسيا ، رحلة العلم والمعرفة التي رافقتها سنين النضج والتحول من الطفولة الي الشباب بجموحه وعواطفه
وانهاها بعودته الى لبنان وقراره بالهجرة الى أمريكا رفقة اخيه ديب
يحوي الكتاب وصفاً حقيقياً للأماكن حتى لتشعر وكأنك ترى الشخروب بعينيك وتسمع زقزقة عصافيره وهدير مياهه، كما تحس بالبرد يتوسد اضلاعك وانت تقرأ وصف صقيع روسيا وقُراها وشوارعها الباردة
يتخلل الكتاب حكايات قصيرة من هنا وهناك، مواقف ، احداث ومصادفات جميعها مؤطرة بسوانح ميخائيل وتأملاته حول كل شي بدءاً من الدين والسياسة وحتى الحب والأدب والعائلة
أيضاً كان الكاتب قد اضاف فصلاً يحوي مقتطفات من مذكراته التي عكف على تدوينها خلال فترة دراسته في السيمنار
هذه السيرة ليست كغيرها من السير، حيث أنها مغلفة بإطار تأملي وفكري عميق قد لايناسب القارىء الذي يبحث عن الحكاية فقط دون ما وراءها.
انهيتها وانا في قمة استمتاعي واتطلع بشوق لقراءة الكتاب الثاني من السيرة.ّ
لم يُعجبني الكتاب ما خلا بعض الأفكار والاقتباسات وشيء من خاتمته. نجح نعيمة في تصوير السمات العامة لمرحلة طفولته، ووصف أحوالها، وأرسل في نفسي بعض مشاعر الشوق إلى تلك الحقبة.. دأبت على قراءة الكتاب كمدخل إلى أدب ميخائيل نعيمة. ولا أفهم حتى الآن كل هذا التبجيل والإعلاء من شأن الكاتب إذ لم أر أنه -من خلال كتابته المرحلة الأولى من سيرته الذّاتيّة- كاتب مبدع أو عبقري. هو كاتب عادي أو جيد ليس أكثر. ويعد رأيي هذا توقع أكثر منه حكما على الكاتب حيث أن المسيرة طويلة حتى ختام آخر كتب السلسلة والاطلاع على بعض الأعمال الأدبية للكاتب حيث أني لا أجد لا متعة ولا ضرورة للاطلاع عليها جميعا. ولم تزدني هذه التجربة إلا يقينا بأني لا أفضل أدب المهجر اللبناني. كان نعيمة مملا جدا حينا، ومبالغا جدا في التعبير عن الكثير من الأمور إلى حدّ أنك تشعر بالرغبة في الضحك.