هاميس محمود wants to read عن العشق والسفر: حائط الذكريات

هاميس محمود is on page 15 of 82 of أيام القراءة: تصبح كتب الماضي، إن كنَّا ما نزال نتصفَّحها اليوم، وكأنَّها التَّقاويم الوحيدة التي احتفظنا بها من الأيَّام الغابرة ...♥️

"**** ما أجمل أن تجد كاتبًا يصبح لك صديقًا، تلوذ به كلما أثقلت عليك الكتب الجادة وأرهقتك القراءات الثقيلة... كاتبًا تلجأ إليه حين تصاب بسدة القراءة، فتجد في كلماته الدواء وفي حكاياته الاستراحة. ومن غير العراب الطبيب "أحمد خالد توفيق"... الذي كان دوماً ملاذي، ودوائي، ورفيقي في عوالم الأدب؟

**** ""الآن نفتح الصندوق" الجزء الأول...ثامن لقاءاتي مع العراب "أحمد خالد توفيق" ذاك الطبيب الذي لطالما وجدت بين سطوره ملاذًا حين ضاقت بي الدنيا.. أفتح صندوقه هذه المرة، محمّلًا بذكريات قديمة...حيث أذكر كيف سكنتني رهبة الغرفة في "غرفة 207"، وكيف ألهبتني مرارة الواقع في "يوتوبيا"، وكيف داعبتني الأساطير في "أسطورة الأساطير".... وأذكر أيضًا كيف ابتسمت بأسى مع "ضحكات كئيبة"، وتأملت طويلاً مع "اللغز وراء السطور"، وارتشفت المرارة الساخرة في "قهوة باليورانيوم"، وهربت معه قليلًا من رتابة الأيام في "لا مكان للملل".....واليوم أفتح صندوقًا جديدًا، لا أعرف ماذا ينتظرني بداخله، لكنني واثق أنني سأجد فيه شيئًا يشبهني.

**** منذ اللحظة الأولى، يأخذك الكاتب في رحلة عبثية مدهشة، تمزج بين رهبة المجهول وخفة الظل المحببة التي لا تخطئها عين قارئه.... تقلب الصفحات فتشعر وكأنك تتسلل خلسةً إلى صناديق محظورة، لا تعرف ما ينتظرك بداخلها:
- هل ستبتسم من غرابة الحكاية؟ أم ترتجف من لمسة الرعب الخفيف الذي يجيده العراب ببراعة؟ لا تتعجب إنها تلك الخلطة الخاصة، التي لا يجيدها سواه: أن يخيفك... ويضحكك... ويأسر قلبك في آنٍ واحد.

*** بالرغم من تشابه الفكرة العامة بين سلسلة "الآن نفتح الصندوق" والسلسلة الأشهر للعراب "ما وراء الطبيعة"، إلا أن هناك ما يميز هذه السلسلة الجديدة ويجعلها - في رأيي - الأفضل والأكثر نضجًا:

١- التحرر من عباءة "رفعت إسماعيل":

حاول العراب هنا بوضوح أن يفك ارتباطه الأبدي بشخصية "د.رفعت إسماعيل" عبر تقديم بطل مختلف "د.محفوظ" أستاذ الأدب وعلم النفس والباحث في الظواهر الماورائية.... شخصية جديدة تمنح السرد نكهة مغايرة بعيدًا عن تلك الظلال الثقيلة التي التصقت بـ"ما وراء الطبيعة".

٢- فرصة ثانية لمن فاته القطار:

نجاح "ما وراء الطبيعة" ارتبط بذكريات الطفولة والمراهقة لجيل تابعَ السلسلة عددًا بعد عدد، ليشكل بها جزءًا من وجدانه. أما من لم يعاصر تلك البدايات_ مثلي_ فقد يجد في "الآن نفتح الصندوق" فرصة ثمينة لالتقاط ما فاته، عبر قصص مكثفة وسريعة لا تفقد سحرها.

٣- مزيج المقالة والقصة "الحقال":

استفاد العراب من خبرته الكبيرة في كتابة المقال، خاصةً في موضوعات الظواهر الخارقة، كما استفاد من جمهوره العريض المتيم بقصصه ، ليخلق هذه الصيغة الهجينة التي أطلق عليها بنفسه "الحقال" �� حيث تمتزج القصة بالمقالة بسلاسة ذكية.

٤- تركيز وتكثيف بلا ملل:

رغم تكرار بعض التيمات الكلاسيكية (مصاصي الدماء، الجاثوم، الزومبي...الخ) إلا أن التركيز المكثف لكل قصة في عدد محدود من الصفحات منعَ الإطالة وأبعدَ القارئ عن الشعور بالملل، مما جعل كل قصة تشبه طلقة سريعة تصيب هدفها مباشرة.


**** التصنيف :
- لطالما كنت أرى العراب كاتبًا مقاليًا أكثر منه روائيًا، لكن في هذا العمل صنع الكاتب مزيجًا استثنائيًا لا يبرع فيه إلا قلة من رواد الكتابة الحديثة.
-مزيج ساحر من مقالات تتخفى داخل إطار قصصي حكاواتي، أو إن شئت الدقة، مجموعة قصصية قصيرة تنبض بروح المقال.
-مزيج لا يخلو من بصمته الخاصة حيث خفة الظل، التأملات العابرة، والدهشة التي تتسلل إليك دون أن تشعر.


**** اللغة :
- تتسم لغة "الآن نفتح الصندوق" بالسهولة والعفوية، دون أن تقع في فخ التبسيط المخل. فالكاتب يمتلك تلك القدرة النادرة على أن يكتب بلغة يومية مألوفة، لكنها مشحونة بظلال خفية من التوتر والغموض مثل "انها تأتي ليلاً ".
- لم يلجأ إلى الزخرفة اللفظية أو الاستعراض البلاغي، بل اعتمد على جمل قصيرة واضحة، تنقل الإحساس والمشهد بأقل قدر من الكلمات، مما ساهم في إبقاء القارئ مشدودًا إلى النص.
-برغم هذا الاقتصاد اللفظي، لم تخلُ اللغة من لمحات أدبية رقيقة، تظهر في اختيارات دقيقة للتوصيفات، وفي رسم الأجواء المشبعة بالرهبة كما في "اوتوستوب "أو المفارقة الطريفة كما في "أسرة لطيفة "حسب مقتضى كل قصة.

**** الأسلوب السردي :
- اتسم أسلوب أحمد خالد توفيق في "الآن نفتح الصندوق" بالبساطة الظاهرة والعمق الخفي. جاءت اللغة قريبة من القارئ، سهلة دون تسطيح، مع قدرة لافتة على خلق أجواء غامضة بأقل عدد من الكلمات.
- اعتمد الكاتب على السرد السريع، والجمل القصيرة المكثفة، دون غوص طويل في الوصف أو التفاصيل، مما خدم الإيقاع السردي، وإن كان غالباً على حساب بناء الشخصيات أو تعميق الخلفيات.
- يظهر التأثر الواضح بخبرته الطويلة في كتابة المقال، حيث تمزج بعض الفقرات بين السرد القصصي والأسلوب التحليلي شبه المقالي، وهو ما منح العمل طابعًا فريدًا بين السلاسل المشابهة.


**** نظرة عامة على الكتاب:
-من خلال مجموعة قصصية مكونة من خمس وعشرين حكاية قصيرة، يتناول العراب طيفًا واسعًا من الظواهر الميتافيزيقية والغموض، معززًا ذلك بكثير من الإثارة والتشويق. تتنوع القصص في قوتها السردية، وتنتهي بعض القصص بنهايات مفاجئة، في حين تترك البعض الآخر مجالًا للتساؤل والتفسير الشخصي. فيما يلي تحليل موجز لأبرز القصص في المجموعة:

1. تأثير الفراشة:
- تعد هذه القصة مثالًا حيًا على مثل "معظم النار من مستصغر الشرر". تأخذنا الحكاية في رحلة بسيطة تتحول فيها رائحة الكباب إلى حدث مأساوي يغير مسار حياة "د. محفوظ".
- اختار الكاتب أن يربط بين الظواهر اليومية والنتائج الكارثية المحتملة، مما يعكس تفاعلات الحياة الصغيرة مع النتائج غير المتوقعة.

2. أسرة لطيفة:
- تتكرر هذه الفكرة في العديد من القصص، حيث يبدأ الموقف بشكل مرعب ليتحول إلى دعابة. في هذه القصة،
-يُظهر "توفيق" براعة في تحويل الطقوس الغربية، مثل "الهالوين"، إلى سياق سردي محلي بأسلوب ساخر، مما يضيف عنصر الفكاهة إلى الرعب.
3. دقات:
- القصة تعالج ظاهرة ميتافيزيقية تتعلق بالأخوات "سكوت" ومن جديد، يعود توفيق ليُظهر مهارته في بناء حبكة تشد الانتباه، قبل أن ينقلب كل شيء إلى اكتشاف خدعة.
-استخدام الخدع السردية يبقي القارئ على أطراف أصابعه حتى اللحظات الأخيرة.

4. إنها تأتي ليلاً:
- واحدة من أقوى القصص في الكتاب، حيث يُظهر الكاتب براعة في توظيف التوتر النفسي والتشويق ببراعة.
-القصة تجسد بشكل متقن لقاء "د. محفوظ" مع "ميادة" في قطار سيدي جابر، حيث يُبنى التوتر تدريجيًا حتى يصل إلى ذروته.

5. سأبكي كثيرًا:
- رغم قصر القصة، إلا أن الكاتب نجح في بناء شخصيات واقعية ترتبط بها مشاعر القارئ، مما يجعل ظاهرة "بايروكينيزيس" (إشعال النار بالعقل) أكثر تأثيرًا.

6. المكحلة:
- تبدأ القصة بعنصر غموض مثير، حيث الرسائل الغامضة والمكحلة، وتترك النهاية مفتوحة، مما يساهم في زيادة الإثارة والغموض.

7. هدية الأرواح:
- تُستعرض هنا ظاهرة تحضير الأرواح، ولكن مع تحول السرد إلى كشف خداع دنيء حول هذه الممارسات، مما يثبت قدرة العراب على مزج الرعب بالحيلة.

8. العشاء:
- القصة تتناول فكرة إيحاءات الأكل الغريب والمروع، حيث يُفاجأ بطلنا بفكرة "أكل لحوم البشر".
-يحول توفيق هذه الفكرة إلى مقال فكري عن الجوانب النفسية وراء مثل هذه الممارسات.

9. حكايات الظلال:
- تركز هذه القصة على فكرة تعبير الكاتب عن شخصياته الأدبية، حيث يتم التلميح إلى أنها قد تلبس الكاتب ذاته. - ربما تُعد هذه القصة أضعف من الناحية السردية مقارنةً ببقية القصص في المجموعة.

10. أوتوستوب:
-من أبرز القصص في المجموعة، حيث تتقاطع الحبكة مع الرعب والغموض، ويستعرض "توفيق" هنا كيفية توجيه القارئ نحو كشف سر الجثة المدفونة من خلال سرد ماهر ومبهر.

11. الشمعة والقناع:
-يتم تناول ظاهرة المستذئبين، محاكيًا الموروث الشعبي بأدوات سردية أكثر حداثة، لكن لم تكن القصة بنفس المستوى في البناء الروائي كما البعض الآخر.

12. كتاب ديزان:
-هذه القصة تمثل جانبًا ساخرًا، حيث يتم تسليط الضوء على الفكرة العبثية وراء الكتاب السحري واحتفاظ أحد الأشخاص به لعقود دون جدوى، ليكشف في النهاية عن عبثيته.

13. الموتى لا ينهضون:
-دمج بين الزومبي التقليدي والرمزية الثقافية الشرقية، حيث يتم عرض فكرة لقاء الموتى بنكهة جديدة مدمجة بين الموروثين الغربي والشرقي.

14. الجاثوم:
-القصة تتناول ظاهرة الجاثوم التقليدية، لكن معالجة العراب هنا لم تكن بالقدر الذي يعكس عمق التشويق المتوقع.

15. استبصار:
-القصة تعكس بذكاء موضوع التنبؤات عبر لمس الأشياء، وهي واحدة من القصص التي تُظهر مهارة "توفيق" في فك رموز الظواهر النفسية والميتافيزيقية.

16. لماذا فعل ذلك؟
-هذه الحكاية تتعامل مع فكرة قراءة الجماجم، حيث تكشف عن أحداث مرعبة قادت أحد الشخصيات إلى الانتحار، مما يعكس قدرة العراب على خلق التوتر النفسي في النهاية.

17. فتيش:
-القصة تتناول السحر بأشكاله المختلفة حيث سحر المحاكاة و الاقتران.

18. صرخات في الظلام:
-هذه القصة، على غرار باقي القصص، تتعامل مع صراع بين الميتافيزيقي والتفسيرات العلمية، ولكن لم يكن لها نفس التأثير المرعب مثل بعض القصص الأخرى.

19. ماذا يحدث في شقتنا؟
-القصة تختتم بتفاصيل مفتوحة، مما يثير الاستفزاز حول النهاية الغامضة التي تم تركها مبتورة، وهو أمر قد يترك القارئ في حيرة.

20. الرقص بين الأحجار:
- تصف القصة طقوسًا شيطانية مثيرة في مكان مليء بالأحجار.
-تنجح القصة في رسم جو من الرعب الشديد، رغم أنها قد تكون معقدة في بعض التفاصيل.

21. ساحر الماء:
- عن استخدام عصا السحر لاكتشاف المياه والكنوز، إلا أن النهاية جاءت باهتة بعض الشيء مقارنةً ببقية القصص ذات الحبكة الأكثر إثارة.

22. غير المدعو:
-القصة تلامس ظاهرة مصاصي الدماء، حيث يعيد العراب تقديم هذه الظاهرة بشكل مختلف، لكنه يفشل في دمجها بعمق في سياق الموروث الثقافي الشرقي.

23. مسمرة:
- تفتقر القصة إلى العمق، مما يجعلها واحدة من أضعف القصص في المجموعة.

24. حكايات لا يربطها شيء:
- تجربة سردية ممتعة تعتمد على ربط حكايات منفصلة في النهاية، وقد أظهر العراب قدرة على الربط بين أفكار متنوعة في سياق سردي جديد.

25. ت. د. م:
- القصة تتناول تجربة دنو الموت، وهي مستوحاة من حادثة حقيقية، مما يضيف لمسة إنسانية وعميقة، تميز هذا الفصل في الكتاب.

**** إجمالاً "الآن نفتح الصندوق" هو عمل أدبي يمزج بين السرد القصصي البسيط والعميق في الوقت ذاته. تنوع الأفكار والموضوعات، إلى جانب قدرة توفيق على استخدام خيوط الإثارة والغموض، تجعل من هذا الكتاب تجربة ممتعة للمحبين لهذا النوع من الأدب، رغم بعض الهنات السردية التي قد تحد من تأثير بعض القصص.
-لكن في المجمل، تبقى مجموعة القصص هذه دليلاً آخر على قدرة أحمد خالد توفيق في تقديم الأدب الميتافيزيقي بأسلوب مميز وأسلوب سردي يجعل القارئ متشوقًا للمزيد.
-في هذا العمل، ينتقل الكاتب من مرحلة الاعتماد على الشخصيات الأيقونية إلى محاولة بناء عوالم جديدة مستقلة، معتمدًا على خبرته الطويلة في كتابة المقالات والقصص القصيرة معًا."