أحد أبرز أساتذة الفلسفة العرب في القرن العشرين وأغزرهم إنتاجا، إذ شملت أعماله أكثر من 150 كتابا تتوزع ما بين تحقيق وترجمة وتأليف، ويعتبره بعض المهتمين بالفلسفة من العرب أول فيلسوف وجودي مصري، وذلك لشده تأثره ببعض الوجوديين الأوروبيين وعلى رأسهم الفيلسوف الألماني مارتن هايدجر. أنهى شهادته الابتدائية في 1929 من مدرسة فارسكور ثم شهادته في الكفاءة عام 1932 من المدرسة السعيدية في الجيزة. وفي عام 1934 أنهى دراسة البكالوريا (صورة شهادة البكالوريا)، حيث حصل على الترتيب الثاني على مستوى مصر، من مدرسة السعيدية، وهي مدرسة إشتهر بأنها لأبناء الأثرياء والوجهاء. إلتحق بعدها بجامعة القاهرة، كلية الآداب، قسم الفلسفة، سنة 1934، وتم إبتعاثه إلى ألمانيا والنمسا أثناء دراسته، وعاد عام 1937 إلى القاهرة، ليحصل في مايو 1938 على الليسانس الممتازة من قسم الفلسفة. بعد إنهائه الدراسة تم تعينه في الجامعة كمعيد ولينهي بعد ذلك دراسة الماجستير ثم الدكتوراه عام 1944 من جامعة القاهرة، والتي كانت تسمى جامعة الملك فؤاد في ذلك الوقت. عنوان رسالة الدكتوراة الخاصة به كان: "الزمن الوجودي" التي علق عليها طه حسين أثناء مناقشته لها في 29 مايو 1944 قائلا: "أشاهد فيلسوفا مصريا للمرة الأولى". وناقش بها بدوي مشكلة الموت في الفلسفة الوجودية والزمان الوجودي. [عدل] عمله الجامعي عين بعد حصوله على الدكتوراه مدرسا بقسم الفلسفة بكلية الاداب جامعة فؤاد في ابريل 1945 ثم صار أستاذا مساعدا في نفس القسم والكلية في يوليو سنة 1949. ترك جامعة القاهرة (فؤاد) في 19 سبتمبر 1950، ليقوم بإنشاء قسم الفلسفة في كلية الآداب في جامعة عين شمس، جامعة إبراهيم باشا سابقا، وفي يناير 1959 أصبح أستاذ كرسى. عمل مستشارا ثقافيا ومدير البعثة التعليمية في بيرن في سويسرا مارس 1956 - نوفمبر 1958 غادر إلى فرنسا 1962 بعد أن جردت ثورة 23 يوليو عائلته من أملاكها. وكان قد عمل كأستاذ زائر في العديد من الجامعات، (1947-1949) في الجامعات اللبنانية، (فبراير 1967 - مايو 1967) في معهد الدراسات الاسلامية في كلية الاداب، السوربون، بجامعة باريس، (1967 - 1973) في بالجامعة الليبية في بنغازى، ليبيا، (1973-1974) في كلية "الالهيات والعلوم الاسلامية" بجامعة طهران، طهران و(سبتمبر سنة 1974-1982) أستاذا للفلسفة المعاصرة والمنطق والاخلاق والتصوف في كلية الاداب، جامعة الكويت، الكويت. أستقر في نهاية الأمر في باريس
يقول أنيس منصور : إذا أردت فهم الفيلسوف فيجب أن يقدمك إليه شخص آخر قبل أن تحاوره مباشرة في كتبه وما أروع أن يكون هذا الشخص عبد الرحمن بدوي أحد أبرز أساتذة الفلسفة في القرن العشرين تجربتي الأولي معه كتاب نيتش وهو أول أعماله في الكتابة .. يقدم فيه تحليل متميز وسلس لأفكار الفيلسوف الألماني نيتش وبدأه بسرد قصة حياته والعوامل النفسية والإجتماعية التي أثرت في فكره هذا الكتاب هو مدخل ممتاز لفهم نيتش وفلسفته وسيكون بداية طريقي لقراءة كتبه فيما بعد
أنا كاللهيب النهم، احترق، وآكل نفسي هو فعلا شجاع، وصحيح أنه فاصل في تاريخ الفلسفة بين ما قبله وما بعده كما يرى نفسه. حياة غريبة شاذة ليس واردا أن يعيشها أحد، حياة حافلة بالمرض والألم وخيبات الأمل، حياة احتملها من أجل رسالته في عزلة ووحدة، حياة احتملها وطلب المزيد -ساخرا- كما قال زرادشت : أهذه هي الحياة؟! إذا هاتها مرة أخرى!
ظهور نيتش ليس شيئا غريبا، إن لم يكن ظهوره حتمي وفي متتالية معقولة كان لابد أن يظهر في الغرب فيلسوف مثله، وسط تخبط مشروع التنوير والحركة الرومانتيكية والفلاسفة الوضعيين، كان لابد من نيتش فعلا ليقضي على هذا التخبط "ويتفلسف بالمطرقة" لتحطيم أوثان الحداثة ويكون المرشد إلى الواقع المأساوي، إلى العدم
يقول مولانا المسيري: "فلسفة نيتش تعبر عن الرغبة الدفينة عند الإنسان فى أن يهرب من عبء الهوية ليدخل الرحم الكونى الأكبر. وبدلا من أن يتطلع إلى النجوم فإنه يغوص فى الوحل. ولهذا، فإننا نجد إنسانا بلا إنسانية، وأخلاقا بلا أخلاق"
أما عن عبد الرحمن بدوي، فهو حقا مُبدع، شعرت أني أقرأ رواية وليس عرضا لفلسفة
اسلوب عبد الرحمن بدوي سهل و جميل وهذا سيجعلك تستمتع بقراءة الكتاب. في البداية تحدث الكاتب عن حياة نيتش منذ ولادته حتى اصابته بالجنون. ورث نيتش عن والده تدينه شفقته على الاخرين و مثاليته وورث عن امه حسا مرهفا في شبابه تاثر بفلسفة شوبنهاور المتشائمة التي تقول ان الحياة شر مطلق وبموسيقى فنجر كان دائما يميل الى العزلة وكانت هذه الاخيرة بالاضافة الى كل الامراض التي عانى منها في حياته من اسباب عبقريته كما يقول هو . ثم انتقل الكاتب لعرض تطور الفكر الاروبي انطلاقا من عصر التنوير عصر العقل المنطق العلم الذي ظهرت فيه افكار ادم سميث النظام الراسمالي الفردية و الذاتية الى الرومانتيكية عصر الطبيعة التشبت بالماضي و القومية و الدين و ظهر هذا جليا في الادب الرومانتيكي و التاريخ لكن اثبت هذا التيار فشله في باقي المجالات و عصر الوضعية اي المادية و المدنية التشبت بكل ما هو واقعي و الابتعاد عن كل ما هو روحي ما وراء الطبيعة وسط كل هذا اصبح الانسان الحديث في ظل المدنية يشك في كل القيم الروح الانكارية وبدا الياس ينتشر وهذا كان الوقت المناسب لظهور افكار نيتش الذي جاء لينقد الانسان من كل هذا التخبط كل الاذان اصبحت مستعدة لسماع موسيقى نيتش موسيقى المستقبل . . اولا قام نيتش بتحطيم الاصنام اصنام الاخلاق وصنف الاخلاق الى اخلاق سادة و عبيد فالسيد يميز بين الجيد و الردئ اما العبد بين الخير و الشر و بسبب ضعف هذا الاخير يعتبر الضعف الخنوع الطاعة حب الاعداء فضيلة في حين ان الاول يعتبر الشجاعة نبلا وهكذا ظهرت قيم المسيحية التي هي صورة من صور اليهودية الشعب الذي عاش تاريخا طويلا من الاضطهاد وبهذا فان سبب كل الاضمحلال الذي عانته الانسانية على مر العصور هو سيادة قيم العبيد قيم الضعف مكان قيم القوة. ثانيا قام نيتش بتحطيم اصنام الفلسفة الذين قدسوا العقل كسقراط و الذين امنوا بوجود عالم اخر كافلاطون كنت و الديانة المسيحية . الخير بالنسبة لنيتش كل ما يعلو في الانسان بشعور القوة و الشر هو كل ما يصدر عن الضعف "الضعفاء يجب ان يفنوا" وعكس شوبنهاور الذي قال بان الارادة هي ارادة حياة وجوهر الوجود وهي التي تبث في الانسان رغبات متجددة لا يمكن اشباعها فلا يصبح للوجود غاية و النتيجة العملية تبقى هي الفناء يرى نيتش ان الارادة هي ارادة قوة اندفاع الى اثراء النفس و العلو بها و الغاية من الحياة هي الانتقال من الدرجة الواحدة الى الدرجة الاعلى . "انكم بقيمكم و اقوالكم في الخير و الشر تمارسون قوتكم انتم يا من تقومون القيم وهذا هو حبكم المتخفي و شعوركم الذي تفيض به نفوسكم" و اخيرا الانسان الاعلى يدعو نيتش الى قيم الفردية الكيف عوض الكم يجب ارجاع قيمة الفرد الى المساهمة التي يساهم بها في التطور و رقي الانسانية يجب خلق الانسان الممتاز الذي يتحرر من الاخرين و من القيم هو من يصنع قيم عصره و يعطي للحضارة صورتها
تزامُن قراءتي لهذا الكتاب مع كتاب نيتش ( هكذا تكلم زرادشت) جعلتني أقدر قيمة العمل الذي قام به عبد الرحمن بدوي. وما أعجبني في الكتاب تنزهه عن كل رأي مسبق ( عدا عندما تحدث عن المدنية والحضارة وعلاقتهما بالدين) ، وإعطاء صورة واضحة عن نيتش وأفكاره في ضوء سيرة حياته وتطوراتها ومرضه وعزلته والوضع السياسي لبلاده والفكر الفلسفي الشائع آنذاك ، دون أي يحكم على فكر نيتش أو يقيمه أو ينتقده أو حتى يبرره ، حتى لكآنني شعرت أن الكاتب إنما يتحدث عن فلسفته هو ، الموافقة لفلسفة نيتش.
هذا الكتاب مفيد جدا لمن يريد أن يقرأ ( هكذا تكلم زرادشت) دون أن تكون لديه فكرة مسبقة عن نيتش أو حتى الفلسفة بشكل عام .
"الضعفاء العجزة يجب أن يَفنَوا: هذا أول مبدأ من مبادئ حبنا للإنسانية" -نيتش
إذا كانت هذه الجملة تبدو متناقضة وغير مقبولة, فإذا عليك بقراءة الكتاب
عبد الرحمن بدوي يبدع في سرد هذا الكتاب ووفّق فيه أكثر من كتابه في دراسات الفلسفة الوجودية. الجزء الأول من الكتاب يتلخص في قصة حياة نيتش وآلامه ومعاناته الجسدية والفكرية. وكأي نبي أو رسول عرفته الإنسانية, ووجهت أفكاره بالرفض والمعاداة.
أمّا الجزء الثاني يتمثل في تلخيص لفلسفة نيتش من تحطيمه لأصنام الأخلاق والأديان والفلسفة إلى إرادة القوة والجهاد في سبيل الحياة كحياة في ذاتها. ومن ثم فلسفة الإنسان الأعلى. لن أكتب المزيد, كي لا أفسد على أحد متعة التصادم مع هذه الأفكار مباشرة. أتمنّى قراءة ممتعة لكم.
الكتاب فيه عرض ممتاز بأسلوب أدبي وشعري لحياة وفلسفة نيشه. الغريب إن عبد الرحمن بدوي كتب الكتاب ده وهو عنده 22 سنة وده شئ مثير للشك، بس ما علينا. أخيراً الكتاب ما شجعنيش أقرا لنيشته بقدر ما شجعني أقرا تاني لعبد الرحمن بدوي.
كثير من الناس يموتون فى وقت متأخر جدا ... وبعضهم يموتون فى وقت مبكرا جدا ... ولازال هذا القول " مت فى الوقت المناسب " يبدوا غريبا !!
ينبغى عليك ان تحدد هدفك فى الحياة وان تعرف لما انت هنا ... اناشدك دائما يا اخى ان تكون للأرض مخلص ... لأن الاسباب التى تؤدى إلى جعل الضعاف من الناس صغاراً حقراء هى عينها التى تدفع الأقوياء والنادرين إلى العظمة والعلاء .
مت فى الوقت المناسب هكذا يدعوك زارا ... حقا ان من لا يحيى فى الوقت المناسب كيف يتسنى له أن يموت فى الوقت المناسب ... فليته لم يولد .
هكذا انصح هذه الطفيليات التى لا فائدة منها .
الجميع ينظرون إلى الموت على انه شيئ مهم ولكن الموت لم يصبح عيدا بعد .. أجل !! لم يتعلم الناس بعد الإحتفال باجمل الأعياد الا وهى الموت .
أوصيكم بأن تموتوا موتىً احرار ... هذا الموت الحر المختار ذلك الذى يأتى اليك لانك تريده انت من تطلبه .
أحسنوا وفادة الموت لأنه هو من سيحرركم .
أختاروا ان تموتوا لأن من يعش كثيرا فهو كالجيفة الحية .
يبدأ الانسان العظيم عندما يدرك حجم مأساته ......في رحلتنا اللامنتهية نحو الذات , نصادق كثيرا من العظماء و ربما نتقم��هم أحيانا ولكن ستأتي لحظة الشقاق لا محالة , سيخرج هذا الإله المتفرد في كل منا ليخلق كونه و يصيغ مفرادته ,
كتاب موفق لعبد الرحمن بدوي مدخل تبسيطي لفلسفة نيتش يضفي عليها بدوي شعرية و لغوية مميزة
في البداية أحب أن أوضح بأن خمس نجمات من أجل أسلوب عبد الرحمن بدوي السلس و ممتع و المحايد و مصداقيته في طرحه فكرت نيتش كأنه يطرح فكرته هو بدون دس أرائه و أفكاره ... في الحقيقه أنا لست من محبين فكر و فلسفة نيتش و أجد نفسي إذا إتفقت مع فلسفته أو فكرته فأنا أختلف معه في المضمون لذلك رأيت من العدل أن أتطلع على سيرة حياته و سبب نشوء أفكارة التى أراها نرجسية و قاسية و أحيانا غير منطقية مثل العود الأبدي .. و الأن بالرغم أننى أنهيت الكتاب لازلت متحفظه على أفكاره و فلسفته لكن لا أستطيع أن أنكر أنه كان عظيم في دفاع و إبراز فلسفته بالرغم المعاناة و الإضطهاد الفكري الذي عناه بسبب إختلاف فكره و أسلوبه حيث هذا لم يردعه بل زاد في تحديه .. لذلك أنصح من يريد أن يقرأ لنيتش أن يطلع على الكتاب حتى يصل إليه مضمون أفكاره لأن أكثر ما أتعجب له و أستغرب عندما أقرأ أو أسمع تقيم لكتب نيتش و خصوصا هكذا تكلم زاردشت " الكتاب و الفلسفة رائعة و مدهشة بالرغم أننى لم أفهم الكتاب " في الحقيقه أستغرب كيف تحب و تعجب بكتاب و أنت لم تفهمه جيدا ..
لم أقرأ عن نيتشة الكثثير قبل هذا الكتاب لذا لا أعرف دقته وأمانته في عرض أفكار نيتشة لكن الكتاب مفيد يعرض فلسفة نيتشة بطريقة مقنعة -ظبط نفسي بعد قراءة الكتاب متلبس بتقبل أو التعاطف مع أفكار غريبة قاسية "نيتشوية" لم أتخيل إني قد أقترب من تقبلها يوماً حين قرأتها في البدء يعيب الكتاب الإطالة في ذكر تفاصيل مسلية ومثيرة للإهتمام لكن غير مهمة في فكر الفيلسوف كطفولته ومرضه والإفراط في الحديث عن علاقته بفاجنر وكأن المقدمة قد تمددت لتحتل نصف الكتاب .. لكنه في المجمل كتاب جيد
قراته اليومين الماضية كتاب رائع يتحدث عن نيتش الفيلسوف والارتبطات التي ااحاطته و تحولت الى ادوات استخرج منها فلسفته لكن الاختلاف انها جاءت بقلم البدوي باسلوبه الشامل فلن أشعر بالملل في قراءته لانه استخرج من التفاصيل اهم المواضيع غير مستطرد باستيفاء مشبع الكتاب ينفع ان يكون مقدمة لمن يحب ان يقرأ ل نيتش مستقبلا فجميل ان يتعرف عليه اولا ..
الكتاب يبتدء بنشأة الطفل والتأثيرات والصداقات التي كانت له تاثير لفكره دراسة وصداقة وعلاقة ومن ثم يلخص لبعض افكاره ..
الكتاب بحثت عنه كثيرا واخيرا وجدته في موقع الفور شيرد
اسلوب عبد الرحمن بدوي سهل و جميل وهذا سيجعلك تستمتع بقراءة الكتاب. في البداية تحدث الكاتب عن حياة نيتش منذ ولادته حتى اصابته بالجنون. ورث نيتش عن والده تدينه شفقته على الاخرين و مثاليته وورث عن امه حسا مرهفا في شبابه تاثر بفلسفة شوبنهاور المتشائمة التي تقول ان الحياة شر مطلق وبموسيقى فنجر كان دائما يميل الى العزلة وكانت هذه الاخيرة بالاضافة الى كل الامراض التي عانى منها في حياته من اسباب عبقريته كما يقول هو . ثم انتقل الكاتب لعرض تطور الفكر الاروبي انطلاقا من عصر التنوير عصر العقل المنطق العلم الذي ظهرت فيه افكار ادم سميث النظام الراسمالي الفردية و الذاتية الى الرومانتيكية عصر الطبيعة التشبت بالماضي و القومية و الدين و ظهر هذا جليا في الادب الرومانتيكي و التاريخ لكن اثبت هذا التيار فشله في باقي المجالات و عصر الوضعية اي المادية و المدنية التشبت بكل ما هو واقعي و الابتعاد عن كل ما هو روحي ما وراء الطبيعة وسط كل هذا اصبح الانسان الحديث في ظل المدنية يشك في كل القيم الروح الانكارية وبدا الياس ينتشر وهذا كان الوقت المناسب لظهور افكار نيتش الذي جاء لينقد الانسان من كل هذا التخبط كل الاذان اصبحت مستعدة لسماع موسيقى نيتش موسيقى المستقبل . . اولا قام نيتش بتحطيم الاصنام اصنام الاخلاق وصنف الاخلاق الى اخلاق سادة و عبيد فالسيد يميز بين الجيد و الردئ اما العبد بين الخير و الشر و بسبب ضعف هذا الاخير يعتبر الضعف الخنوع الطاعة حب الاعداء فضيلة في حين ان الاول يعتبر الشجاعة نبلا وهكذا ظهرت قيم المسيحية التي هي صورة من صور اليهودية الشعب الذي عاش تاريخا طويلا من الاضطهاد وبهذا فان سبب كل الاضمحلال الذي عانته الانسانية على مر العصور هو سيادة قيم العبيد قيم الضعف مكان قيم القوة. ثانيا قام نيتش بتحطيم اصنام الفلسفة الذين قدسوا العقل كسقراط و الذين امنوا بوجود عالم اخر كافلاطون كنت و الديانة المسيحية . الخير بالنسبة لنيتش كل ما يعلو في الانسان بشعور القوة و الشر هو كل ما يصدر عن الضعف "الضعفاء يجب ان يفنوا" وعكس شوبنهاور الذي قال بان الارادة هي ارادة حياة وجوهر الوجود وهي التي تبث في الانسان رغبات متجددة لا يمكن اشباعها فلا يصبح للوجود غاية و النتيجة العملية تبقى هي الفناء يرى نيتش ان الارادة هي ارادة قوة اندفاع الى اثراء النفس و العلو بها و الغاية من الحياة هي الانتقال من الدرجة الواحدة الى الدرجة الاعلى . "انكم بقيمكم و اقوالكم في الخير و الشر تمارسون قوتكم انتم يا من تقومون القيم وهذا هو حبكم المتخفي و شعوركم الذي تفيض به نفوسكم" و اخيرا الانسان الاعلى يدعو نيتش الى قيم الفردية الكيف عوض الكم يجب ارجاع قيمة الفرد الى المساهمة التي يساهم بها في التطور و رقي الانسانية يجب خلق الانسان الممتاز الذي يتحرر من الاخرين و من القيم هو من يصنع قيم عصره و يعطي للحضارة صورتها
إذا سألتني عما أضع من الكتب المؤلفة بالعربية عن نيتش في المقدمة لأجبتك على الفور كتاب بدوي هذا (1939) يليه كتاب فؤاد ذكريا (1956) ..فالكتاب ممتع خصوصاً في قسمه الأول الذي يتحدث عن شخصية نيتش.إلا أنني لا أستطيع تجاهل بعض الشكوك في أن لا يكون الكتاب مجهوداً خالصاً لبدوي..فقد كتبه بمجرد حصولة على الليسانس وهو في الثانية والعشرين من العمر.. والكتاب يخلو من الحواشي وقائمة المراجع..ثم أني أتذكر حواراً مع محمود أمين العالم قد تحدث فيه عن هذا الكتاب بوصفه كتاباً مترجماً!!..وقد لا يكون لهذا الشك أصلاً عندي سوى الحسد والغيرة!! لكن إن كان بالفعل هذا الكتاب من نتاج بدوي فسيكون شيئاً مدهشاً مثيراً للتأمل والمقارنة بين ذلك النوع من العبقرية التي تنضج سريعاُ وتكون كثيفة الإنتاج وتلك التي لا تعطي ثمارها إلا متأخراً.
بغض النظر عن الشرح المنتظم والتفصيلى والمبسط لفلسفة نيتش ، كان تحليل السيكولوجية القائمة وراء فلسفته من أفضل أجزاء الكتاب والذى يمر بمراحل حياته بدأً من النشأة والبيئة الأسرية والاعتقادات الأولى مرورا بمراحل الدراسة المختلفة والشعور المبكر بالتطور الذاتى للشخصية .وكذلك بداية وظروف مرضه وآثارها على فكرة . كما يبحث المؤلف فى صداقاته ورغباته وافاقه الاجتماعية . ويكشف عن أهمية العزلة الارادية والشعور بالتفوق والرغبة فى المعنى . كذلك نجح الدكتور عبد الرحمن ب��وى فى تحليل اثر التناقضات الفكرية والمادية فى تفاعلها المتبادل على حياة نيتشة وتطور افكاره كتجربته لظروف السلم والحرب والصحة والمرض . العقلانية ونوبات الجنون . الحياة الاجتماعية وحياة العزلة . حياة النشاط والدعة . اوقات البهجة والسرور واوقات الألم العميق .... وغيرها العديد مما عبر نيتش عن ادراكه لاثرها السيكولوجى والفكرى فيه ، مما ساهم فى بلورة فلسفته والتى قد تبدو - لغير الممسك بفكر نيتشة - فى حد ذاتها تفسيرا لتناقض بتناقض جديد او تلونا وعدم اتزان فى الشخصية او قد يبدو منها التمسك بنقيض ما اراد نيتش قوله وليس ذلك عيبا فى فهم نيتش بل انه اسلوبه المتخذ عمدا بحيث تكمن فلسفته السليمة والتى تخلو من التناقض والاشكال فى عمق النص . كما تفوق الكاتب على نفسه فى الفصل الخاص بشرح خلاصة روح القرن التاسع عشر فى اوروبا الذى عاصره نيتش بما فيه من أفكار حداثية وتنويرية مختلفة ولكنها لا تزال قاصرة عن الوصول بالانسان الى شاطئ الحياة المثالية التى يبحث عنها فى شتى الطرق ويبين الكاتب علاقة نيتش بروح هذا القرن المتشتت والمتوتر . ليس التحليل السيكولوجى تطفلا وانما كان نيتش بذاته يحلل ذاته فى كثير من المواضع فى كتبه بل انه يمثل لديه الموضوعية الشخصية للفرد . ولكنه لم يضع هذا التحليل فى اطار سيرة ذاتيه مكتملة وقد حاول د.عبد الرحمن بدوى وضع تخيل مترابط لتطور هذه السيرة بطريقة أدبية سيكولوجية فى غاية البساطة والامتاع والعقلانية المعتمدة على كتابات نيتش وتحليلاته النفسية لذاته فى شتى المواضع والمواضيع بحيث يكمل هو الفجوات بشكل منطقى ومترابط من خلال فهمه لفلسفته ليجعل من الكتاب وحدة متسقة ولكنها بالتأكيد لا تكتمل وتتكامل الا بالفهم الأقصى والأعمق لكتابات نيتشة والذى سيحظى القارئ بتجربة ممتعة لتبسيط هذه الفلسفة فى شتى جوانبها وفى اعمق اغوارها فى هذا الكتاب مما يجعل من قراءة كتابات نيتشة بعد ذلك اكثر وضوحا . اما بالنسبة للقراءة المسبقة لأعمال نيتشة فإن كتاب الدكتور بدوى يجعل فكر نيتشة اكثر إنتظاما ويؤكد على الفهم السليم او عدمه بتصحيح التأويلات متبعا مبدأ التجانس الفكرى الذى التزمه نيتش والتزامه بالمنطق الجدلى للفكر فى واقعيته اى كما تعبر عنه جوانب الحياة لا كما يتخيله العقل أو تصوره العواطف . ونهايةٌ فإن حياة نيتشة بالفعل وكما عبر عنها كاتبنا بشكل رائع كانت مأساة هائلة موضوعها كفاح العبقرية .
ربما يكون فريديك نيشته من اهم الفلاسفة واكثرهم اثارة للجدل ورغم انه كان ينتمي للقرن التاسع عشر ولكن افكاره لازالت محل تداول حتى اليوم وكتابه الشهير هكذا تكلم زرادتشت مازال محل بحث وجدل وقد كنت أريد أن أقرأ مؤلفاته ولكني خفت ألا استطيع أن أفهم فلسفته ولذلك استعنت أولا بقراءة هذا الكتاب له بقلم الدكتور عبد الرحمن بدوي وبصراحة اسلوب عبد الرحمن بدوي في سرد السيرة الذاتية لحياة نيتش وقدرته على تبسيط فلسفة نيشته وتقديمها بأسلوب سهل للقارىء ابهرني أكثر من نيتش نفسه واستطيع أن أقول من خلال قراءتي لتاريخ حياة نيتش اني اشفقت عليه بسبب مرضه المتوالي وانعزاله عن العالم وتجاهل الناس له أثناء حياته حتى انه اضطر أن يطبع مؤلفاته على نفقته ثم الجنون الذي أصابه قبل الموت ولكني في الوقت نفسه شعرت بالاستفزاز من فلسفته التي قامت بنقد كل القيم الدينية والفلسفية والاجتماعية التي جاءت قبله وبعد أن هدمها اعلن أن القوة هي القيمة الوحيدة التي يستحق أن يسعى ورائها الانسان وأن القيم السائد في زمنه هي قيم العبيد وأن العجزة والضعفاء لابد أن يتم نفيهم ولابد أن تكون القيمة الحقيقية هي القوة والسعي وراء السيطرة ثم إنشاء إنسان جديد سماه نيتش الانسان الاعلى وهو إنسان خارق قادر على السيطرة على الحياة افكار نيتش غريبة ويمكن استغلالها بسهولة لتبرير الظلم والاستبداد والحرب ولكني اريد أن أقرأ كتبه بنفسي حتى استطيع أن أتعرف على فلسفته بصورة اعمق
عبدالرحمن بدوي قدم نيتش بطريقة فيها نوع من الشجاعة، وهو أفضل من قدم نيتش للعالم العربي، لكن أعتقد انه في هذه المقدمة أخذ جانب هايدجر، على قد ما حاول نيتش انه يهرب من النسقية التي تحاول تفسر العالم بكل اشكاله، إلا ان هايدجر أسقطه في هذه النسقية.
نيتش أو كما عرّف هايدجر أرسطو، انه إنسان تعرّض لبعض المشاكل في حياته، نجح في حل بعضها وفشل في الباقي ورحل للرفيق الأعلى.
في الكتاب بدوي حاول يعطينا صورة عامة لأوروبا ما قبل نيتش ليضعنا في الصورة وأعتقد هذا يساعد بشكل هائل لفهم فلسفة الفيلسوف والمشاكل التي حاول أن يجيب عليها.
التحولات الثلاثة التي سببت إنقلاب نيتش على كل ما قبله هي: بداية ظهور تفسخف في فلسفة معلمه شوبنهاور والمهزلة التي حدثت في بايرويت وإنبثاق الأنا لدى نيتش، كل هذا سوف يسبب رجة للعالم أجمع.
أعتقد أن الأصالة في فلسفة نيتش هي تحطيمة للأصنام، أخلاقية كانت ام عقلية، حاول بمطرقته أن يهوي ويباغث كل الجمود والكسل في الفلسفة.
أصالة نيتش في تحليله للأخلاق نفسها وتحليله للمثل العليا -ميتافيزيقة- او أخلاقية- او سياسية- حاول فيها إزالة الأقنعة عنها وفضح الأوهام والأصنام التي خلفها، وإرجاع او وربط القيم او المثل بمصدرها الحيوي، او ارادة القوة او الجسد، وتحديد هل هذه القيم تؤدي بنا إلى الصحة أم المرض.
إرادة القوة كما قدمها لنا عبدالرحمن بدوي، هي مبدأ اول للحياة أو المحرك الأول، وهذه الإرادة هي إرادة للهيمنة والتسلط والاخضاع، بمعنى آخر هي قوة تريد أن تتجلى.
واعتقد ان إرادة القوة عند نيتش غامضة، لأن في كتبه في بعض الأحيان تفهم بمعنى أنها الحياة وفي بعض الأحيان تكون بمعنى الجسد وتارة آخرى تفهم بمعنى الغرائز.
وتحليله للأخلاق نيتش أكتشف مشكلة القيمة في الفلسفة، وكل الاختلاف الموجود بين الأخلاق، رده لحقيقته الوحيدة التي هي الانسان من يضع القيمة لا أكثر ولا أقل، فكل محاولة لإضفاء نوع من الموضوعية للأخلاق بائت بالفشل، ولكل هذا تفسير واحد وهو أن الانسان لإضفاء نوع من التعميم إحتاج لشيء يكون خارج الذهن لكي يقوِم القيم اذا صح التعبير، لكي لا يحدث تضارب بين الأهواء، فرأى المؤلهة ان هناك آلهه هي من تضع القيم والقيم مفارقة لنا ونحن فقط علينا أن نكتشفها، ورأى كانط والأمر المطلق لديه أن العقل لديه مبادي مطلقة وهذه المباديء تقربنا من عالم الشيء في ذاته، والتجريبيون بإختلاف مبادئهم بين المنفعة واللذة والعواقبية او كما قالو المعتزلة بمبدأ التحسين والتقبيح مبنى على المنفعة والضرر، لكل هؤلاء نيتش يقول لهم -إرادتكم، فإنكم لا تخدعون إلا نفسكم-، نيتش أرجعها لأصلها، لمنبعها وهو الإرادة، وهنا الإرادة بمفهومها الأوسع -الجسد، الحياة، الغرائز-.
فعندما حلل الأخلاق وجدتها تختلف بإختلاف -إرادات- اصحابها، فوجد نوعين من الأخلاق ما سماها هو أخلاق السادة وأخلاق العبيد وكل أخلاق تمتاز بنوع من الصفات وكل هذا يرجع لطبيعة كل نوع ولكل نوع من هذه الأخلاق له شروطه الخاصة، وهي الحياة بمعناها الواسع.
فمع السادة، تجدهم يسمون الأشياء بإسمها، ولأن السادة معتزين بأنفسهم محبين للقوة والمخاطرة والحياة، تجد أن أخلاقهم تمتاز بالوضوح والقوة والحرب والحركية ولأنهم عاشقين للحياة فإنهم يقولون نعم للحياة ولأنهم أقوياء فإنهم يظهرون قوتهم ويحاولون الفصل بينهم وبين من أدنى منهم لكي لا يدخل بينهم الكسل والخمول، ويهتمون بكل شؤون العائلة من تربية واهتمام ويقدسون أمثالهم وكل قيمهم قيم حرب وأينما حلو وأرتحلو اخضعو الآخرين وسيطرو عليهم وحاولو بكل قوتهم أن يبقو السلطة في ايديهم ولأنهم أقوياء فتفيض منهم الرحمة لا من باب الجبن بل من باب القوة، ويرد بكل قوة وبأضعاف ذلك اذا حاول أحد فعل شيء، ولأنه قوي فأنه لا ينتظر من أحد الشفقة او المساعدة بل يأخذ كل شيء لنفسه بنفسه وينتشي بالتعذيب والانصار، ويشمئز من الضعف والضعة، ولا يحفل بالحياة ونعمها ولا بالطمأنينة والسلام، إنما يجد النعيم في الإنتصار والقوة والتحطيم ويشعر بسرور عميق وهو يعذب الآخرين، وكل ما يأتي من هذه الطبقة جيد وما يأتي من طبقة المسودين سيء. -وهنا ربط نيتش بين قوة الجسد او الارادة او الغرائز مع الصفات الأخلاقية التي تأتي معها التي هي أخلاق لهو ورقص وقوة جسدية-.
لكن ولأن السادة يفعلو أفاعيلهم على وقع السوط مع الأشخاص الأدنى منهم، ترى أن هناك طبقة آخرى تنشأ، وهذه الطبقة هي طبقة من المرضى والمشوهين يحاولون أن يثورو وفي جعبتهم الضغينة والإنتقام، ولأنهم غير قادرين على رد الأوجاع لعجزهم وجبنهم في الحال ورد الصاع صاعين، فينشأ لديهم نوع من الضغينة وتكبر لديهم الذاكرة من كثر الإهانات والآلام التي لقوها، تنقص لديهم ملكة النسيان، يحيون حياة التربص، فيقلبون قيم السادة رأساً على عقب، فإذا كان أخلاق السادة تقدر الحرب وحب الحياة تجد عن هذه الطبقة تقدر الرجل المسالم الحمل الوديع المتواضع الذي لا طمع له ولا رغبة له في السيادة وفضيلته الضعف والتعاطف والرحمة والشفقة على الجار، واذا كان السادة مقبلين على الحياة تجد العبيد متشاؤمون من الحياة ويخافونها، ولأن السادة تفرق بين الجيد والسيء تجد هذه الطبقة تفرق بين الخير والشر، والشرير بالطبع هو الذي أخضعه وأهانه وأوجعه، ولأن السادة صريحون لقوتهم ترى العبيد قوتهم في خبثهم وكذبهم، لجبنهم لا يستطيعون أن يكون صرحاء فيلجؤون للخبث والمراوغة والنفاق، ولأنه لا يستطيع ان يسمي الأشياء بأسمها فيقوم بنوع من الخفة بتغير كل المعاني لكي تكون في صالحه وتدخل في نفسه نشوة القوة والانتصار، فيسمي العجز -احساناً وطيبوبة- وعدم القدرةعلى رد الفعل -صبراً- ويسمي حاجته للآخرين وعجزه عن الإعتماد على نفسه -رحمة- وكل المثل التي يضعها تدل فقط على عجزه وخنوعه، كالفرق بين طبيعة الدودة والحيوانات المفترسة.
لا يقف هنا، بل يبدأون في الشطح ويسمون انفسهم الأخيار، الفقراء والعاجزين هم وحدهم الذين باركتهم الآلهة وهم وحدهم من سيحظون بالنعيم، لكن أكيد النعيم ليس هذه الحياة، بل في عالم مفارق ينعم فيه كل المتألمين، اما انتم ايها السادة فلتنزل عليكم غضب الآلهة، ثم يأتي دور الإنتقام، الانتقام الذي لم يرد في وقته، وبفعل تقادمه، وثقله، يفعل أفاعيله به، ولأنه غير قادر على الرد بنفس القوة، فيأتي رده بطرق ملتوية، وحيلة ومكر، فإذا وجد منفذ خرج ينقض على غريمه وعلى كل ما بناه غريمه، وإذا إكتملت هذه الركائن بين الألم والعجز والجبن وثقل الذاكرة والحرمان، يبدأون بثورة لقلب القيم، فلا يجدون إلا انتقاماً مزيف، فبينما تنشأ كل قيم السادة بقول نعم للحياة وتأكيد ذاتها وكل ما يزيد من قوتها ويشعرها بالنشوة والإنتصار، فيكون ابداع هذه الطبقة من العبيد، بقول -لا- لكل ما هو -نعم- للسادة، فيكون هذا إبداعها الوحيد، فلا تنشأ إلا لرد فعل على كل ما تم انزاله بهم من ألم وتعب، هنا سأرفق كلام نيتش بالتحديد لأنه أبدع في الوصف " من مصنع الخبث والكذب جائتنا كل هذه المثل العليا المغرية جعلت من الضعف -فضيلة- ومن العجز الذي لا يقوى على الانتقام لنفسه -احسانا- ومن الوضاعة الجبانة -تواضعا- ومن الخضوع لمن يبغضهم المرء -طاعة- ... وقولهم -لا أستطيع الإنتقام لنفسي- يصبح -لا أريد الانتقام لنفسي- بل قد يصير -أنا اعفو عنهم" ..... المواجهة تصبح رذيلة والهروب تصبح فضيلة والسكوت عن الحق تصبح تواضعا، و-لا استطيع الانتقام لنفسي- يصبح -لا أريد الانتقام لنفسي-"
"وإنهم لبائسون من غير شك، كل هؤلاء الأفاكين المزورين، على الرغم من تساندهم وتجمعهم مع بعضهم البعض، ولكنهم يزعمون على الرغم من هذا كله أن بؤسهم علامة على أن الله ميزهم وأختارهم، أو لا يضرب الرجل كلابه التي يحبها؟ ولعل هذا الشقاء نفسه أن يكون اعدادا ومحنة وموعظة، ولعله أن يكون شيئا سيُدفع يوماً ما مضاعفاً بفائدة ضخمة، لا بالذهب، كلا وانما بالنعيم الأبدي، ويصبح التعويض ليس في هذا العالم بل في عالم آخر، هنا يقومون بخلق عالم يستطيعون ان ينعمون فيه بدل هذا العالم الذي كشفهم على حقيقتهم امام انفسهم، لكن هل يتوقفون هنا، بالطبع لا"
"الأن فحسب أفهم ما قالوه وكرروه مراراً منذ زمان طويل -نحن معشر الأخيار، نحن العادلون- فما يطلبونه ليس انتقاما، وانما -انتصار العدالة- ومايكرهونه ليس عدوهم، كلا، وإنما -الظلم والفسق- والذي يشيع في نفوسهم ليس هو الأمل في الانتقام، ونشوة الانتقام العذبة، وانما -نصر الله، الله العادل، على الفاسقين الفجار- وما بقى لهم على الارض ليحبوه ليس اخوانهم في الكراهية والحقد وانما -اخوانهم في الحب- وهم الاخيار العادلون في الأرض"
كل القيم نابعة من الانتقام على كل ما فعله بهم السادة، لكنهم لجبنهم وعجزهم عن الصدق امام انفسهم، يخفون وراء -الانتقام- مساحيق تجميل كثيرة لكي تظهر بطريقة عذبة، لكن نيتش يسقط القناع عنها، ويزيل عنها المساحيق لكي تظهر على حقيقتها ناصعة السواد، وخلفها قهقهات الشيطان وحب الإنتقام.
ولكي يبررو هذا العجز الذي هم فيه، ويؤكدو بنوع من الخبث ان القيم التي وضعوها كانت بكامل إختيراهم، غير مكرهين في ذلك، يقومون بإختراع مفهومين مزيفين لكي يبرر لهم ثورتهم في قلب القيم ولا تشككهم في أن كل قيمهم جائت من عجز وضعف، ويحيطوها بهالة من القداسة والسمو، بل لكي تشعرهم بنوع من القوة والتفوق، "أولاً يصطنعون وجود ذات وحقيقة منفصلة عن الجسم ولها كيانها الخاص ويسمونها -الروح- وثانياً القول بحرية الإرادة، وأن الانسان يستطيع أن يخرج من طبيعته وجوهره ويصبح عكسها تماما" وكل هذه الأحابيل، ليستطيعو أن يخدعوا أنفسهم، ثم غيرهم من بعد، فيدعوا أن الضعف بإرادتهم واختيارهم، وليس مفروضا عليهم، وليس دافعه العجز او عدم القدرة.
يفصلون بين العلة والمعلول والقوة واثارها، فهم لا يستطيعون أن يفعلو ما يفعله السادة، مَثَلَهُم في ذلك مَثَل الدودة التي لا تريد من الحياة إلا القليل من الفتات ورقعة جغرافية لا تتجاوز حجمها، ثم تصطنع لنفسها قوة أنها بكامل إرادتها أرادت ذلك وأنها حرة في ذلك تستطيع أن تطير لكنها لا تريد وإن احتاجت لخلق حتى أن لها -روح او عقل- هو شيء محايد، وهو يستطيع الإختيار بين أن يكون قوي أو لا يكون، لكن الدودة لكرمها ولطيبوبتها لا يريد بكل إرادتها.
فإذا نجحت هذه الثورة وحققت -إنتقامها وقلبت القيم-، تنشأ عن ذلك مجموعة من الحداق لا رغبة لديهم إلا قيادة هؤلاء الرعية والحفاظ على مكتسبات هذه الثورة، ولديهم من الحيلة والمكيدة ما يكفيهم لفعل ذلك، يحرسون القيم التي وضعوها لحمايتهم ويسهرون على ذلك، فهم أعداء شريسين لكل صحة، وهم بارعين في السيطرة على هؤلاء المرضى المتألمين، ويظهرون للرعية مظهر الأطباء الذين سيشفيهم من أمراضهم، ويقدم لها البلسم لجراحهم والدواء لأمراضهم، لكنهم محتاجين الى أن يجرحو قبل أن يشفو وأن يطعنون قبل أن يحاولون الابراء، فيتقدمون إلى الجرح بما يسكن الألم الناشيء عنه، ولكنه يحقنه بالسم في نفس الوقت...فيلجؤون من أجل هذا الى عدة وسائل ليس من شأنها ان تشفي المرضى، وانما تسكين الألم مؤقتاً فهو طبيب خبيث لا يود لمريضه البراء، وذلك كي يستمرون في عيادته والا، فإذا شفي هؤلاء، فقد ضاعت القيم والثورة...
والوسائل التي يستخدمونها: أولا خنق كل العواطف الحيوية، وتنويم كل رغبة في الحياة، وكل مايشعر بالحياة وقوتها وفيضها فينزل بعاطفة الحياة إلى أقل درجات حرارتها إنخفاضاً. وثانياً شغل هؤلاء المرضى بالعمل الآلى القائم على مزاولة حركات راتبة تتكرر بإنتظام ودقة مما يفقد مزاولها الشعور... حركات مثل هذه من شأنها أن تحتكر انتباهه وتحيله الى شيء آلى، وتصرفه عن التفكير في سلوكه، مما قد ينبهه إلى ما هو فيه من خداع- وثالثاً: ايجاد نوع من السرور والغبطة بسيط، خصوصاً هذا الذي ينشأ عن -حب الجار، البحث عن السعادة أو الوهم- وتنظيم الرعية واثارة عاطفة القوة في افرادها، وخنق الاشمئزاز الفردي وتحويله إلى رغبة في إسعاد الطائفة، والوسيلة الرابعة هي اثارة أكبر كمية ممكنة من العاطفة المتأججة والحماسة النارية، والانفعالات الحادة المشتعلة. فالحالة المتولدة عن هذه الأحوال النفسية العنيفة تبتلع، وتجرف في تيارها بحيث لا بتين، كل الآلام الصغيرة الناشئة عن الاشمئزاز واليأس والقلق...
هكذا تكتمل الثورة وقلب القيم، وهكذا قام نيتش بتوضيح الدور المهم للجسد في تحديد كل القيم والمثل العليا التي تم وضع عليها هالة من القداسة -جسد قوي او متعب يؤدي به ذلك لخلق مفاهيم او تصورات او مثل عليا-، لكن نيتش بوصفه طبيباً للحضارة وبقدرته على التشخيص، رأى كيف يمكن لهؤلاء ان يحولو من كل ما له معنى ايجابي في الحياة، لشيء سلبي، فمثلاً سأعطي مثالاً عن "الألم" الذي هو -ألذ من العسل- ومعناه الإيجابي هو اظهار ضعفك لتتغلب عليه، او لتسمو عليه، لتقوي نفسك، يتم تحويله لنوع من الإبتلاء، ونحن مقدرين على ذلك، وأن الله -إذا احب شخص إبتلاه- ويكون الصبر فضيلة ولأجل هذا الصبر سوف تحصل على جِنان وسعها السموات والأرض، بدل أن يتم سد هذا الضعف وتجاوزه، تجدهم يسممون كل شيء، ويقومون بتغيير الأبيض إلا أسود، والحياة تصبح دار ابتلاء وإمتحان، وعلى أساس ان الله خلقهم على صورته، من الواضح أن للجسد دور حتى في خلق الله نفسه وهم يخلقون إلاههم على صورتهم، وهنا نيتش يرى في هذه القيم هي نوع من الإشارات او أعراض تخفي خلفها إنحطاط وانحلال وتفسخ لجسد وحضارة، نيتش بذلك يقوم بإسقاط ورقة التوت على عوراتهم، ليظهر حقيقة -إرادتهم، جسدهم، غريزتهم- كما قال نيتش على لسان زرادشت "لكم ضحكت من الضعفاء يظنون أنفسهم خيرين لأن ايديهم واهنة مشلولة".
---- مثال على ذلك، من مدة قليلة كنت أتجاذب اطراف الحديث مع صديق، كان يحدثني على الإعجاز العلمي في القرآن، وأكتشف العلماء، وهذه الكلمة تعني كذا ولماذا لا تأتي بمعنى آخر، فكيف يمكن لشخص من زمن بعيد أن يعرف ذلك، وكل هذا الهراء، الممتليء دونية وكذب على الذقون وذر الرماد في الأعين، أليس هذا هو نوع من هذا التشخيص النيتشوي، أليس إذا أردت ان تبدع شيء فالقناة الأصلية إلى ذلك هي أن تبدع شيئاً، لكن هؤلاء هل يستطيعو ان يقفو وقفة حق مع انفسهم وأن يعترفو بالضعف وبالفشل والعجز، ويحاولو ان يسمو بأنفسهم بأن يقوون -قوة- أنفسهم ويبتدعو شيئاً لأنفسهم وللعالم، لأ، لا يفعلو إلا خلق إنتصارات مزيفة من هذا الهراء، وهذا يشعرهم بنوع من القوة والغبطة، أليس هذا هو عينه ذلك التبرير الذي يدعي أن له حرية في الإرادة وبهذا أنهم يستطيعون ابتداع شيء لكنهم لا يريدون، بدل الاعتراف بالعجز، و أليس أنهم أختلقو بذلك -ذات منفصلة- يسمونها ما شاءو وهي محايدة، وهذه -الذات- طبعا منفصلة عن -إرادتهم- وهي بمنأ عن فشلهم ولأنها محايدة، في "ما وراء الإرادة او الجسد" فهي تستطيع أن تبدع لكنها لا تريد، لأن الحياة دار إبتلاء كما تعلمون يا إخوان، سوف ننعم في عالم آخر ونبتدع ما نريد، أليس هذا يعطي نوع من التفوق والقوة اللذة المزيفة....... ----
وهكذا اظهر لنا نيتش كيف ان كل المثل العليا ليست نابعة من عقل مجرد كما حدثنا عنه كانط وليست التجربة كما حدثنا عنها ستيوارت مل وليس عالم مفارق، الله واوامره ونواهيه، إنما هي الطبيعة الانسانية بما فيه من غرائز وقوة وجسد وحياة، وليس هناك افعال أخلاقية في ذاتها، بل هناك سياق وشروط فلا يجب نزع السياق منها، إنما هناك تفسير للأفعال الانسانية وتقويم لها، حسب طبيعة الفاعل المقوم، وما تطمح إليه هذه من حب للسيطرة وارادة للقوة، فمع القوي تظهر قوتها بشكل مباشر لكنها مع العجزة تظهر بطريقة خبيثه ملتوية.
فالأخلاق نوع من التعبير عن الحياة فإذا ضعفت الحياة لدى مجموعة من الناس كانت ارادتهم تبين لنا ان قيمهم على شاكلتهم، لكن اذا قوَة وشعرت بالفيض فتكون مُثُلهم او قِيمهم على شاكلتهم ايضا، فالاخلاق والمثل العليا هي نوع من الاشارات او اعراض إما لصحة ام لمرض متجدر حاول نيتش علاجه أو حاول إظهاره على حقيقته.
نحن إلى الأن لم نرى إلا وجهة نظر المتألمين من الحياة المنكرين لها، الراغبين في مغادرتها في أقرب فرصة، وجاء نيتش وأراد أن يرجع للحياة حيويتها وقوتها وخصوبتها وصحتها والرقص معها، ويقدم وجهة نظر ثانية إندثرت ولم نعد نسمع عنها شيئاً، ألم يقل لنا في زرادشته -أسمعو لصوت هذ الجسد الصحيح-، وأرجع للجسد قدرته على خلق كل المفاهيم والتصورات.
-أتعذب، لكن أي عذاب لا أذوق طوعاً من أجلك- ---------------------
صنم الفلاسفة -العقل- -تاريخ الفلسفة هو سوء فهم للجسد- نقد نيتش للعقل هو نقد جذري ومهم في فلسفته، لأنه وجد فيه من الجمود والركون والخداع ما فيه، وهو الأداة التي استخدمها الفلاسفة للحط من الحياة والجسد فأنهال عليه بطرقات المطرقة محاولاً زعزعته بكل قوته.
لكن نقد نيتش للعقل لا يوجد به أصالة، لأن من يعرف فلسفة شوبنهاور فإنه نفس النقد الذي قدمه شوبنهاور للعقل وهو أسبقية الإرادة -الجسد- على العقل، ومثال شوبنهاور الشهير الذي من وراءه اراد اضفاء عبثية على الحياة، فشوبنهاور يمثل العقل بمثل رجل كسيح لا يستطيع المشي على أقدامه لكنه لديه أعين قوية ويرى، والإرادة التي هي رجل مشدود العظلات ورشيق القوام لكن هذه الإرادة عمياء فإنها لا ترى، ولكي يستطيع العقل أن يفعل اي شيء هو محتاج للإرادة، لذلك يطلب من الإرادة أن تصعده على أكتافها، لذلك العقل يرى لكنه مشلول أمام قدرة الإرادة، فالعقل يرى ان من الصواب عدم الذهاب وراء ال��رائز مثلا لكن الإرادة لا تهتم وتفعل بنا كل هذه الأفاعيل لأنها عمياء ولا تهتم بالعقل، وهكذا يصبح العقل وزير خارجية الإرادة، فالإرادة تريد شيء أو ترغب في شيء، فيأتي العقل ليبرر لها أفعالها أو يقدم لها من الحجج ويبرر لها كل افاعيلها، وللتشبيه فقط فكما لو ان الإرادة -الجسد- رأت إمرأة رشيقة وجميلة فترغبها، فيأتي العقل ليقدم لها الأشعار ويقدم لنا الحجج لكي نغازلها، وهكذا العقل، تابع دوما للإرادة لا العكس، لذلك شوبنهاور رأى أن للعقل له دور واحد هو تبرير رغبات الإرادة بمعناها الواسع.
لكن نيتش ولأنه جاء بعد ثورة داروين وعرف قيمة الحياة وأنها قيمة القيم وهنا تكمن أصالة نقد نيتش بإرجاعه العقل للحياة نفسها بمفهومها الواسع وهذه المشكلة في ان مفهوم -الإرادة- لدى نيتش غير واضحة المعالم، في بعض الأحيان يقصد به الحياة وفي بعض الأحيان الجسد، وفي بعض الأحيان كمبدأ أول للحياة.
على أية حال، حمل نيتش على العقل حملة شعواء لتلاثة أسباب، أولاً أن هذا العقل بمباديء العقل -الجوهر والعلية والغائية- وقوانين الفكر -مبدأ الذاتية وعدم التناقض والثالث المرفوع- ما هي إلا أوهام ضرورية نافعة للحياة يخترعها العقل ليكوِن بها معارف يستطيع بها أن يبقى على قيد الحياة، وأن كل هذا شرط للتفكير لا شرط للوجود، بمعنى أن العالم كما هو هناك ليس شرط من وجوده الجمود والسكون وعدم الحركة، بل كل هذا هو شرط للعقل ليستطيع تشييد معرفة ولإمكان المعرفة والإستنتاج، وهنا تقريبا نفس نقد امانويل كانط للعلية -وسيلة للمعرفة وليست موضوع للمعرفة- بمعنى أن العلية هي شيء قبلي موجود في العقل لا في الخارج، يقوم العقل بتنظيمه بأدواته، لذلك نيتش يقوم بهذا النقد لكي يقول ان الحياة -غريزة الحياة- أنجبت العقل ليبرر وجودها فقط، لا لكي يفهم العالم كما هو أو الشيء في ذاته كما قال كانط، أو كما قال دوكينز العقل لم يتطور ليدرك العالم بل ليتعامل مع محيطه فقط، فهو شرط رئيسي للحياة.
المشكلة الثانية للعقل بحسب نيتش، أن العقل في بعض الأحيان يكون خطر علينا، لأنه يدعي معرفة كل شيء وادراك كل شيء أو كما يقول نيتش -عدم معقولية شيء من الاشياء ليست حجة ضد وجوده، بل بالأحرى أنها شرط لوجود هذا الشيء- او -ان الذي يمكن تصوره عقلياً، لا بد أن يكون وهماً لا حقيقة له- لذلك العقل بنوع من الخداع يحاول أن يصور لنا العالم بطريقة مزيفة وفي بعض الأحيان وبطرق ملتوية يقوم بالحمل على الإرادة او الجسد.
المشكلة الثالثة للعقل هي انسياقه وراء أوهامه بإدعائه أن وراء الكون عقل يسود العالم، فتصبح الظواهر كلها وأحداثه معقولة، فما العقل إلا حالة إستثنائية في الوجود وكل ما في العالم يسير بدون عقل، لذلك نيتش حمل على شطحات العقل التي تدعي أن هناك عقل مطلق يسود العالم وهذا العقل أهدى لنا العقل لكي نفهم العالم، وأعتقد أن افضل تلخيص لنيتش هنا هي -أوثان العقل عند فرانسيس بيكون- -اوهام الكهف والقبيلة والسوق والمسرح-.
ولهذه الاسباب حمل نيتش على الفلسفة والعقل، وهكذا نيتش أرجع العقل مرة أخرى مثلما فعل مع الأخلاق إلى شروط ظهورها في الوجود، أزال الأقنعة عن كل المباديء والقوانين العقلية ثم أرجعها لمصدرها الحيوي وتحديد القيمة الحيوية للحياة وأسبقيتها.
في هذه الشذرة تلخيص لنقد نيشه للعقل. " في ركن بعيد من الكون، حيث تترامى ملايين النجوم والمجرات. جاءت على أحد الكواكب حيوانات ذكية اخترعت المعرفة، وكانت لحظة اﻹخترا� هذه هي أكبر ما شهده التاريخ الكوني من زيف وتبجح. غير أنها ليست سوى لحظة، إذ يكفي أن تتنهد الطبيعة حتى يفنى الكوكب، وتموت الحيوانات الذكية "
وبهذا نيتش رد للجسم والحياة إعتبارها وأسبقيتها وحيويتها وحركيتها.
وشكراً لعبدالرحمن بدوي لأنه قدم نيتش في نوع من الشجاعة الفكرية والصوابية، بدون محاولة تزييف او تغيير وأخذ الوصاية على عقولنا، أو إظهار نيتش بملائكيته، وأعتقد ان لعبدالرحمن بدوي شغف بنيتش لذلك قدمه بهذا الشكل الصريح.
كتاب رائع وقيّم تعاد قرائته مرّات عدة لمن أراد التعرف على فكر وفلسفة العظيم فريدريك نيتش الذي كان هو على على حد تعبيرة نقطة تحوّل في الفلسفة وفاصلا ما بين فلسفة قبل نيتش وما بعده ..أسلوب الكاتب جميل جدا بعيد عن التعقيد مع المحافظة على القيمة الفلسفية والابداعية لأفكار الفيلسوف . بعد هذا الكتاب قررت ان اضيف مؤلفات عبد الرحمن بدوي الى قائمة الكتب التي سأقرئها .
أن تعيش مع نيتشة من خلال سطور بدوي هو خلاصة الصعوبة السلسة
فكلمات بدوي وطريقته واحاطته لنيتشة وحياة نيتشة هي من أهم ميزات الكتاب إلى جانب التعرف على الألماني الفذ
ستعيش في سطور الكتاب نشأة نيتشة وتطوره وما اثر فيه فرفعه إلى السحاب وما كسره فرفعه إلى ما فوق السحاب لأن نيتشة لم يعرف السقوط وإن سقط فإنه سريعاً ما ينهض بقوة ،، وحتى بعد جنونه وموته في حياته،، موت المفكر نيتشي،، فقد عاد وارتقى من جديد باكتشاف نتاجه الذي رفضه أصدقاءه ورفضته دور النشر والإقبال عليه مجددا ليصبح من نجوم القرن
نيتشة الصديق الذي خسر صداقته،، الصحيح الذي اوجعته العلل،، البصير الذي اضعفه بصره وأحياناً قواه
القسم الثاني من الكتاب جاء فيه بدوي أيضا بطريقة لا تقل إبداعا فذكر أهم أفكار القرن ال 19 وورثة القرن ال 18 الثقيلة وكيف تصدا نيتشي لكثير من مواضيعها مبينا بطريقة سهلة مبادئ نيتشة ويصح أن يكون قسم الكتاب الثاني مقدمة لكل مبتدئ فهو سهل البيان ومختصر ويتناول أهم القضايا الأساسية
بكل تأكيد أفضل كاتب عربي جسد بعض المداخيل اللازمه للبدء بدخول عالم الفيلسوف الأغرب في التاريخ والأكثر تعقيدا ومن وجهة نظري من أعظم الفلاسفه في التاريخ وقد يقرأون الكثير فلسفته ويعتقدون أنهم علموها ولكنهم لم يعلم سوى جزء صغير جدا من أجزاء عملاقه لا تسمح للعقل العادي الاقتراب من أعمدتها اساسا ! هذا وأكثر بكثير ستراه بهذا الفيلسوف الذي قتله ذكائه وجعله يعيش 11 سنه دون عقل ويموت مجنونا ! فيلسوف مظلوم عربيا لعدم فهم الكتاب له ولعدم اتقان تجسيد افكاره لنا باللغه العربية .. افضل طريقة لفهم هذا العبقري هو قراءة كتبه باللغة الفرنسيه او الالمانيه الاصليه .
توليفة عجنت فيلسوف ساخر .. لوهلة أشتقت للمرض علّي أفوز بصفاء الذهن وحضور المخيلة الخصبة كما فاز بها نيتش ! لا عجب ببلوغي هذا الحد من التأثر بمواجعه الجسدية والروحية .. فمثله لن يترك بالأعماق مساحة إلا وبصمة من كفاحه ستقلق تبريرات الضعف بنا ..
اللافت أن الكتاب أدبي اللغة يدفع بتفاصيله بين عواطفك .. يحتلك ويلهبك لتتفكر به بلا ملل ..