تناولنا في الجزء الأول من هذا الكتاب بعض أساطير البشر. أما الجزء الثاني فإنه يتناول أساطير بعض الآلهة الصغرى. والآلهة الصغرى هي مجموعة من الشخصيات المقدسة. إنها ليست من أفراد البشر. بل هي آلهة خالدة لا تموت لكنها لا تحتل مكاناً دائماً بين أعضاء مملكة أولومبوس. فلقد تخيل الاغريق أن مقر مملكة الآلهة العظمى فوق جبل أولومبوس. هناك يجلس كبير الآلهة زيوس وحوله أحد عشر مقعداً حيث تجلس بقية الآلهة العظمى. من هذه الساحة الإلهية المقدسة المعظمة تصدر الأوامر إلي كل من الآلهة الصغرى والأبطال وأفراد البشر. مجموعة الآلهة الصغرى تضم أعداداً لا حصر لها من الشخصيات المقدسة الخالدة مثل سيلينى وهيليوس وبان وغيرهم.
لذا فإن هذا الجزء من الكتاب يتناول أربع أساطير بالغة الأهمية وهي: أسطورة الخلق، أسطورة طيبة، أسطورة أرجوناوتيكا، وأسطورة طروادة. هذه الأساطير الأربع تتناول من خلال أحداثها المتعددة أغلب آلهة الاغريق الصغرى والعظمى كما تتناول أيضاً قصص الأبطال من أفراد البشر، لكن ذلك يحدث بطريقة غير مباشرة. إنها تتناول في بعض تفاصيلها بعض شخصيات أسطورية سبق تناولها في الجزء الأول من الكتاب بالتفصيل مثل أوديب وأنتيجوني وأجاممنون وغيرهم. لذا فقد رؤى من الأفضل عدم تناولها بالتفصيل بل مجرد الإشارة إلي أماكن تناولها في الجزء الأول. أما الجزء الثالث من الكتاب فإنه يتناول الآلهة الأولومبية الاثنى عشر.
Dr.Abdelmoatyولد الأستاذ الدكتور عبد المعطي شعراوي في الحادي عشر من شهر نوفمبر عام 1932 ؛ وحصل على درجة الليسانس في الآداب من قسم الدراسات اليونانية واللاتينية بكلية الآداب - جامعة القاهرة عام 1956 بتقدير عام جيد جداً، كما حصل على درجة الماجستير في الآداب من قسم الدراسات اليونانية واللاتينية بكلية الآداب - جامعة القاهرة عام 1962 بتقدير عام ممتاز، ودرس في جامعة أثينا باليونان في الفترة من 1961 إلى 1964 ، ثم سافر إلى بريطانيا حيث استكمل دراسته وحصل على درجة الدكتوراه في الفلسفة من جامعة بريستول بانجلترا عام 1967.
تقلد الأستاذ الدكتور عبد المعطي شعراوي العديد من المناصب منها رئاسة مجلس قسم الدراسات اليونانية واللاتينية ، كما رأس وشارك في عضوية العديد من المجالس والهيئات ، وكذلك فقد عمل الأستاذ الدكتور عبد المعطي شعراوي وكيلاً لوزارة الثقافة ورئيساً لقطاع الثقافة الجماهيرية فى الفترة من يونيو 1985 حتى أكتوبر 1987.
عمل الأستاذ الدكتور عبد المعطي شعراوي أستاذاً زائرا في قسم الآثار والدراسات اليونانية � جامعة قاريونس � بنغازى � الجماهيرية العربية الليبية فى الفترة من عام 1976 حتى عام 1978 ؛ وأستاذا زائرا فى معهد الدراسات الكلاسيكية � جامعة لندن فى العام الدراسى 1980 - 1981 ؛ وأستاذا زائرا فى كلية الآداب � جامعة القاهرة فرع الخرطوم فى العام الجامعى 1982 � 1983 ، وأستاذا زائرا بالمعهد العالى للفنون المسرحية بالكويت فى الفترة من سبتمبر 1988 حتى يونيو 1990.
وللأستاذ الدكتور عبد المعطي شعراوي العديد من الترجمات من اللغتين اليونانية واللاتينية منها : ملحمة الإنيادة لفيرجيليوس بالاشتراك مع آخرين ، ومسرحيات عابدات باخوس � إيون- هيبوليتوس ليوريبيديس ، الفرس لأيسخولوس ؛ سنيكا � ميديا , فايدرا , أجاممنون (ترجمة ودراسة وتقديم)؛ كمـا قدم العديد من المؤلفات الأدبية منها " حسن الزير" ، " شمهورش الكدّاب "، وهما من النصوص المسرحية المعاصرة.
ومن مؤلفاته العلمية : المأساة اليونانية ؛ ترجمة كتاب " يوريبيديس وعصره " تأليف جلبرت مورى؛ هوميروس � شاعر الإلياذة والأويسيا ؛ أساطير إغريقية (ثلاثة أجزاء) ؛ المسرح المصرى المعاصر � أصله وبداياته ؛ النقد الأدبى عند الإغريق والرومان.
وفي عام 1973 حصل الأستاذ الدكتور عبد المعطي شعراوي على جائزة الدولة التشجيعية فى الترجمة؛ كما حصل على جائزة كفافيس في الترجمة ، عام 2003.
أمد الله لنا في عمر أستاذنا الجليل وأفادنا بوافر علمه وأدبه.
وأنهيت الجزء الثاني وكم تمنيت لو طال. استمتعت كثيرا بوجود العديد من الاسماء التي فهمت حكاياتها اخيرا بعد ان كانت مجرد ومضة ولغزا وتلميحا في بعض الكتب.. حان وقت الانطلاق للكتاب الثالث والأخير من هذه السلسلة.. كل الشكر لكاتبها على جمال وبساطة أسلوبه..
لماذا أحب قراءة الأساطير عامة؟ لعدة أسباب، في مقدمتها: 1- أنني أحب أدب الفانتازيا، وكما نلاحظ، تعد الأساطير هي الجد الأكبر للفانتازيا. 2- لم أقرأ كتابًا يستعرض أساطير أي شعب من الشعوب، إلا ووجدته في قمة الإمتاع، سواء فرعونية أو إغريقية أو نوردية أو.. أو..، وهذا يناسب ذائقة شخص مثلي يقرأ معظم الوقت بغرض التسلية. 3- تعطيني الأساطير فكرة واضحة عن طريقة تفكير البشر في العصور القديمة، وكيف ينعكس ذلك على أحفادهم المعاصرين. على سبيل المثال، لطالما قدمت الأساطير العربية القديمة صراعات بين الإنسان والمخلوقات الخرافية مثل الجان والغيلان و.. و..، لكن تظل السماء أمرًا لا يمس، على خلاف الأساطير الإغريقية القديمة الذي تصبغ على آلهتهم طباع أقرب إلى البشر، يمكرون ويحقدون ويتتقمون ويبطشون، بل يوجد في تراثه قصص لإغريقيين سعوا إلى تحدي أقدارهم وآلهتهم ذاتها.
لماذا يجب أن نقرأ عن الأساطير الإغريقية؟ لست سعيدًا بالإجابة التي سأقولها، لكن الغرب هو المصدر الأبرز للعلم في القرون الأخيرة، والغرب يقدم نفسه بأنها امتداد وسليل للإغريق والرومان. عندما ذهبنا إلى المدرسة الابتدائية، تعلمنا في حصة العلوم أسماء كواكب المجموعة الشمسية، ومع ذلك لم ألحظ إلا مؤخرًا أن الكواكب القريبة من الأرض لها أسماء مألوفة مشتقة من لغتنا (المريخ، الزهرة، المشترى)، أخمن أن السبب يعود إلى أن العرب القدامى عرفوا تلك الكواكب. بعد أن انتقلت راية العلم إلى الحضارة الغربية، واكتشف علماؤهم بقية الكواكب، كان بدهيًا أن يعطوها أسماء مستوحاة من ثقافاتهم: أورانوس، نبتون، بلوتو، شارون، إلخ. عندما بحث مؤسس علم النفس سيجموند فرويد عن استعارات تعبر عن الإعجاب المَرَضي بالذات، وعقدة تعلق الابن بالأم، والابنة بالأب، كان طبيعيًا أن يبحث في تراثه، فظهرت إلى الوجود مصطلحات: عقدة نرسيس، عقدة أوديب، عقدة أليكترا. عندما قرأت عن أحد مشروعات البحث عن حضارة ذكية خارج الأرض، تعتمد على إنشاء العديد من مراصد الإشارات الراديوية حول العالم، لاحظت أنهم أطلقوا عليها اسم (مشروع أرجوس). هل سأل أحدنا من قبل: لماذا يوضع إكليل من الغار فوق رأس الفائز بميدالية أوليمبية؟ من أين جاءت كلمة أطلس التي تطلق على كتب ومجموعات الخرائط، وفي نفس الوقت على جبال أطلس الواقعة في شمال إفريقيا؟ من هو سيزيف الذي يضرب به المثل في العبثية والجهد بلا طائل؟ لدرجة أن الفرنسي ألبير كامو عندما نشر ملامح من فلسفته عن عبثية الحياة، اختار لها عنوان (أسطورة سيزيف). إجابة كل تلك الأسئلة موجودة في الأساطير الإغريقية. بناء على ما سبق، تأتي خصوصية ضرورة الاطلاع عليها، لأن معرفتك بأصل الأسطورة سيثري ذلك فهمك لمعنى الاسم أو المصطلح الذي استلهم منها. لماذا ثلاثية (الأساطير الإغريقية) التي كتبها عبد المعطي شعراوي؟ لأنني قرأت العديد من الكتب عن الأساطير الإغريقية، لكنني لم أجد من بينها ما ينافس تلك الثلاثية في دسامتها وإمتاعها وشمولها. يمكن لأي شخص غير متخصص أن يجمع معلومات من الإنترنت عن الأساطير الإغريقية، ويعيد صياغتها وتقديمها في كتاب أو سلسلة مقاطع يوتيوب، أما كتاب (الأساطير الإغريقية) فخمنت مباشرة أنه بقلم باحث أكاديمي متخصص، قضى سنوات طويلة في دراسة التفاصيل التي يتحدث عنها. صحيح أن كتابات الأكاديميين ترتبط في الأذهان بالألفاظ الجافة والمصطلحات المعقدة، لكنني وجدت عبد المعطي شعراوي بعيد تمامًا عن تلك المشكلات. أعجبني جدًا لغة ثلاثية (الأساطير الإغريقية) لدرجة أنني تعلمت منها، أعجبني بالتحديد عباراتها القصيرة والبعيدة عن أي استعارات وكنايات غير ضرورية، تعطي الثلاثية درسًا لكيفية الكتابة بلغة تعبر عن المعنى من أقصر طريق ممكن. يغلب على الثلاثية طابع الحكي السلس المسلي، ربما باستثناء مقدمتي الجزءين الأول والثالث. تناقش مقدمة الثالث العلاقة بين الأساطير وممارسة الشعائر الدينية عند الإغريقي القديم، قبل أن يستصحبنا المؤلف إلى رحلة إلى جبال الأوليمب وسهل أولومبيا، من ناحية الجغرافيا والتاريخ والميثولوجيا. أما مقدمة الجزء الأول، فتعد دراسة أكاديمية قيمة في حد ذاتها، إذ تجيب على سؤال لم يخطر ببالي قبلًا: - من أين أتت التفاصيل التي نعرفها عن الأساطير الإغريقية؟ يستعرض لنا المؤلف أبرز المصادر المختلفة، بعضها تعود إلى أسماء سمعت عنها قبلًا مثل: هوميروس وهيرودوت وأفلاطون، إلى جانب شعراء تراجيديين مثل: إيسخولوس وسوفوكليس ويوريبيديس، وغيرهم. في الفصل الثاني من المقدمة، يقدم المؤلف نبذة عن أبرز المدارس المختلفة في تفسير الأساطير الإغريقية، من منظور لغويين وأنثروبولوجيين وعلماء نفس واجتماع و.. و.. إذا كنت -عزيزي القارئ- تستهدف التسلية وحسب، يمكنك أن تقفز على مقدمة الجزء الأول وتدخل إلى عوالم القصص مباشرة. صدر ذلك الجزء تحت عنوان (الأساطير الإغريقية: أساطير البشر)، ورأى النور عام 1982م، في حين تأخر نشر الثاني (الأساطير الإغريقية: الآلهة الصغرى) إلى عام 1995م، والثالث (الأساطير الإغريقية: الآلهة الكبرى) في عام 2005م. يسهل أن نخرج من الفقرة السابقة بعدة ملاحظات: 1- انتظر قارئ الجزء الأول أكثر من عقد كامل قبل أن يصدر الثاني، ومثلها قبل صدور الثالث. 2- بمجرد أن قرأت عناوين الثلاثية، شعرت بأن قراءتها وفقًا لترتيب الصدور سيكون مربكًا بعض الشيء، فالترتيب الطبيعي المريح لأحداث قصة يبدأ بالجذور قبل الفروع، ومن الماضي إلى المستقبل، لذلك قررت أن استهل الثلاثية من الجزء الثالث، فالثاني، فالأول. ولم أندم إطلاقًا على ذلك الحدس. 3- اختار المؤلف تقسيم الشخصيات الإغريقية إلى تلك الفئات الثلاث (آلهة الأوليمب الاثنا عشر، الآلهة الصغرى، البشر)، خصص لكل واحدة منهن فصلًا مستقلًا، ويحكي عن جذورها والأدوار التي نسبت إليها وعلاقاتها بمن حولها. كسر المؤلف ذلك النمط في الجزء الثاني فقط، عندما خصص أكثر من نصفه تقريبًا لثلاثة أساطير: (طيبة) –الإغريقي� وليس الفرعونية- (أرجوناوتيكا) و(طروادة)، كانت فيها الملاحم والأماكن هي البطل، وليس الشخصيات. حسن، فكرة جيدة، لكنها تؤدى إلى ظهور تحد صعب: - اشترك في حرب طروادة مثلًا حشدًا ضخمًا من البشر والآلهة الكبرى والصغرى، فكيف سيتعامل المؤلف مع تكرار ذكر نفس الأحداث في الفصول الخاصة بكل واحد منهم؟ إلى جانب القسم الخاص بحرب طروادة نفسها. نجح المؤلف إلى حد بعيد في حل تلك المعضلة؛ فكلما ظننت أنني على وشك قراءة قصة سبق أن قرأت تفاصيلها في فصل سابق، أجد المؤلف يختزل الأجزاء المكررة في سطور قليلة جدًا، قبل أن يفاجئني بالاستفاضة في تفاصيل مختلفة وزوايا أخرى من نفس القصة. بقت معضلة أخرى لا تقل صعوبة: - بعض تفاصيل الأساطير لها أكثر من رواية، فكيف يقدمها المؤلف؟ إذا طرحها كلها أولًا بأول، سيؤدي إلى تشتيت القارئ وبتر حالة استغراقه مع النص. استطاع عبد المعطي شعراوي العثور على حل ذكي لتلك الأزمة، إذ يحكي النسخة الأكثر شيوعًا للأسطورة، ثم يختار التوقيت المناسب للتطرق إلى النسخ الأقل شهرة، ولا ينسى أن يملأ صفحات الثلاثية بحواشي وإشارات إلى مصدر كل تفصيلة أو معلومة. هذه هي الطريقة التي جعلتني أخمن أن عبد المعطي الشعراوي يستحيل أن يكون مجرد هاو، بل أكاديمي متخصص. ولد شعراوى فى الحادى عشر من نوفمبر عام 1932م. نال عام 1956 درجة الليسانس فى الآداب من قسم الدراسات اليونانية واللاتينية بكلية الآداب، جامعة القاهرة، بتقدير عام جيد جدًا، قبل أن يحصل منها عام 1962 على الماجستير بتقدير عام ممتاز. درس في جامعة أثينا باليونان في الفترة من 1961م إلى 1964م، ثم انتقل إلى جامعة بريستول البريطانية ليحصل منها على درجة الدكتوراه في الفلسفة من عام 1967م. شغل شعراوي عددًا من المناصب الأكاديمية في أكثر من جامعة، كما أثرى المكتبة العربية بترجمة عدد من أبرز الكلاسيكيات اليونانية واللاتينية، إذ اشترك مع آخرين في ترجمة ملحمة (الإنيادة) لفيرجيليوس، كما أنفرد بترجمة مسرحيات: (عابدات باخوس)، (إيون)، (هيبوليتوس)، (الفرس)، (سنيكا)، (ميديا)، (فايدرا)، (أجاممنون). نشر العديد من النصوص المسرحية المعاصرة الخاصة به، مثل: (حسن الزير)، و( شمهورش الكدَّاب). إلى جانب كتب: (هوميروس: شاعر الإلياذة والأويسيا)، (المسرح المصرى المعاصر، أصله وبداياته)، (النقد الأدبى عند الإغريق والرومان)، وغيرها. حصل شعراوي على جائزة الدولة التشجيعية عام 1973م، لم يلبث أن احتفى أحفاد الإغريق بمجهوداته في ترجمة ودراسة تراثهم، فتسلم وسام الجمهورية اليونانية عام 2013م من رئيسها كارلوس بابولياس، ومن قبلها حصل على جائزة كفافيس عام 2003م، في عام 2017م، رحل شعراوي عن عالمنا، عن عمر يناهز خمس وثمانين عامًا.
كتاب جيد إلا أنه يفتقد حس جمالي في أسلوب السرد مما أصابني ببعض الملل أثناء قراءته، قراءتي أفرزت سؤالا ملحا جدا: كيف أفرزت الحضارة اليونانية ما أفرزته من علوم وفلسفات وعقول فذة في حين كانوا يؤمنون بهذه الخرافات التي لو حكيت لطفل صغير لضحك منها؟؟