مدن الملح هي رواية عربية للروائي السعودي عبد الرحمن المنيف ، تعد واحدة من أشهر الروايات العربية وتتألف هذه الرواية من خمسة أجزاء.
الرواية تتكلم وتصور الحياة مع بداية اكتشاف النفط والتحولات المتسارعة التي حلت بمدن وقرى الجزيرة العربية بسبب أكتشاف النفط.
أجزاء الرواية 1-التي: يتناول الجزء الأول بوادر ظهور النفط في الجزيرة العربية من خلال سكانها وتظهر شخصية متعب الهذال الرافضة كتعبير عن الموقف العفوي لأصحاب الأرض مما اجبر السلطة أن تستعمل العنف. يصف هذا الجزء بالتفصيل بناء المدن الجديدة (حران كانت النموذج) والتغيرات القاسية والعاصفة على المستوى المكاني وخاصة الإنساني. 2-الأخدود: في الجزء الثاني ينتقل منيف إلى تصوير اهل السلطة والسياسة في الصحراء التي تتحول إلى حقل بترولي. نقطة البداية كانت انتقال الحكم من السلطان خربيط إلى ابنه خزعل الذي يمنح كل التسهيلات إلى الأمريكان لتحقيق مخططاتهم. الشخصية الرئيسية في هذا الجزء هو مستشار السلطان الجديد صبحي المحملجي الملقب بالحكيم وهو من أصل لبناني جاء إلى حران أولا كطبيب ثم ينتقل إلى العاصمة موران بحس مغامر ليرتقي إلى أكبر المناصب ويبسط نفوذه. في هذا الجزء تزداد وتيرة التحولات حدة وسرعة بحيث لا يستطيع أحد أن يتنبأ بما ستؤول اليه الأمور. ينتهي هذا الجزء في لحظة انقلاب فنر على اخيه حين كان خارج موران. 3-تقاسيم الليل والنهار: يعود الجزء الثالث إلى جذور العائلة الحاكمة إلى سنوات التصارع القبائلي التي تتوج خربيط كأهم حاكم في المنطقة في اللحظة التي يقتحم فيها الغرب الصحراء فيجد في تحالفه مع خربيط وسيلة لامتلاك الثروة التي كان يبحث عنها ويستغل السلطان ذلك الظرف للهيمنة على كل ما يمكن أن تطاله يده ويعود هذا الجزء إلى نشأة كل من خزعل وفنر. 4-المنبت: الجزء الرابع هو عبارة عن سيرة خزعل في المنفى حتى وفاته مع رصد للتغييرات الانقلابية التي فرضها فنر ومحاولته أن يحول مسار الصحراء من جديد متخلصا من بقايا سياسات أبيه وأخيه والنفوذ الأامريكي ويبدأ في تأسيس دولة بأجهزة موالية له ذات ملامح قاسية كالصحراء. 5- بادية الظلمات: بعد أن يستقر الأمر بلا منازع لفنر يعود منيف لرصد حالة الناس في ظل هذه المتغيرات حيث لا تبقى العادات هي نفسها ولا حتى الأمكنة ويتغير حتى شكل الانتماء والهوية. في هذا الجزء الأخير يصبح اسم الأرض بالدولة الهديبية ويصبح فنر شخصية أسطورية لكنه ينتهي بالاغتيال من خاصته.
تعتبر من الروايات الممنوعة في المملكة العربية السعودية، تمثل نقلة نوعية في السرد التاريخي والتأريخ الشخصي لحقبة يجد الكثير من الجيل الجديد صورة غير كاملة يضيعها وصف ما بعد تلك المرحلة أو الحاضر بصورة وردية ولكن أيضا غير كاملة(60% من سكان السعودية حول ودون 21 سنة 2004-2007) مدن الملح هي وثيقة مهمة تتحدث وتؤرخ عما هب على الحياة البدوية من رياح حضارية أثرت بلا شك بحياة البداوة الكاتب رصد بدقة الحياة البدوية وعبر عن ما يجيش في نفوس الكثير من البدو وتحول حالهم إلى الغنى المفاجئ والاثار الناتجة عن ذلك.
ولد عبد الرحمن منيف في عام 1933 في عمان، لأب من نجد وأم عراقية. قضى المراحل الاولى مع العائلة المتنقلة بين دمشق وعمان وبعض المدن السعودية. أنهى دراسته الثانوية في العاصمة الاردنية مع بدء نشاطه السياسي وانتمائه لصفوف حزب البعث اذي كان يتشكل حديثاً . التحق بكلية الحقوق في بغداد عام 1952. وبعد توقيع " حلف بغداد" في عام1955 طُرد منيف مع عدد كبير من الطلاب العرب الى جمهورية مصر. تابع دراسته في جامعة القاهرة ليحصل على الليسانس في الحقوق . في عام 1958 اكمل دراسته العليا في جامعة بلغراد ، يوغسلافيا ، حيث حاز على درجة الدكتوراه في العلوم الاقتصادية، اختصاص اقتصاديات النفط عام 1961. عاد الى بيروت حيث انتخب عضواً في القيادة القومية لفترة اشهر قليلة . في عام 1962 انتهت علاقته السياسية التنظيمية في حزب البعث بعد مؤتمر حمص وما لابسه من اختلافات في الممارسة والرؤيا . في العام 1963 تم سحب جواز سفره السعودي من قبل السفارة السعودية في دمشق تذرعاً بانتماءاته السياسية ولم يعاد له حتى وفاته في 2004. عام 1964 عاد الى دمشق ليعمل في مجال اختصاصه في الشركة السورية للنفط ،" شركة توزيع المحروقات" وفي مرحلة لاحقة عمل مديراً لتسويق النفط الخام السوري . عام 1973 استقر في بيروت حيث عمل في الصحافة " مجلةالبلاغ " لبضعة سنوات . غادر بيروت عام 1975 ليستقر في بغداد، حيث عمل كخبير اقتصادي ومن ثم تولى اصدار مجلة تعنى باقتصاديات النفط وهي " النفط والتنمية" التي كان لها صدى كبير. استمر حتى العام 1981 حيث اندلاع الحرب العراقية الايرانية . انتقل الى باريس حيث تفرغ للكتابة الروائية بشكل كامل فكانت " مدن الملح " باجزائها الاولى من اهم نتاجاته حيث غادرها في بداية 1987 عائداً الى سورية . عام 1987 استقر في مدينة دمشق ليتابع الكتابة ، متنقلاً بين دمشق وبيروت حتى وفاته في 24 كانون الثاني لعام 2004.
الأجزاء الخمسه من روائع الأدب العربى فيما عدا بعض الألفاظ الخارجه الشائعه أيضا فى الواقع العربى
و رغم ان المجموعه حوالى 2500 صفحه و رغم ان اجازتى السنويه كانت بعد ما قرأت الجزء الأول الا انى أعترف انى لم أتوقف عن القراءة طوال ثلاثة أسابيع ما أستطعت الى ذلك سبيلا حتى أنهيت المجموعه بالكامل
العظيم عبدالرحمن مُنيف و زوجته السورية الجميلة سعاد قوادري
مدن الملح ..... عبدالرحمن مُنيف
الأدب الحقيقي هو ذاكرة الشعوب ومدى نجاحه في تسجيل حياتهم والتغيرات التي طرأت عليهم , الأدب الحقيقي هو الذي يقدم البشر كما هم والأرض كما هي ليترك لك الحكم المطلق , الأدب الحقيقي هو الذي يبقي لكاتبه الخلود ويعترف له بالعظمة لصنيعه العظيم في تسجيل التاريخ , ليس فقط تاريخ الوقائع والحروب , بل تاريخ البشر أنفسهم بما لهم وما عليهم .
مدن الملح : هي خماسية روائية كتبها سعودي منفي من وطنه , ومسحوبة منه جنسيتها , خبير بترولي فعرف على أي شئ يكتب , وعن أي بشر يقصد , عرف تأثير الذهب الأسود و موارده الكثيفة , عرف سحر المال و ظلامه الذي ينشره حول العقول , تأثر لمصير بلده فآثر ألا يموت قبل أن يسجل التجربة كاملة , لتكون منارة للأجيال من بعده , ودرس شديد القسوة لتغير الأمم والعقول, لتبدل الأصالة بالزيف والحقيقة بالخداع. خماسية روائية عن تحول البدو من رجال لا ينصرون غير الحق و يحبون بعضهم البعض إلى مجرد تجار بل أداة للتجارة , يسلمون عقولهم لمن يخدعهم , فيقتل الأخ أخاه , ويغدر الشقيق بشقيقه.
ببساطة مطلقة الخماسية عبارة عن (التي : 623 صفحة) , و (الأخدود: 622صفحة), و(تقاسيم اللي والنهار: 399صفحة) , و(المُنبت: 260 صفحة) , و (بادية الظلمات : 590 صفحة) , يعني أننا نتحدث عن قرابة ال3000 صفحة (2494 بالتحديد) , فيها اختصر الكاتب تجربة أمة و مدى التغير البشع الذي طرأ عليها نتيجة لثروة مفاجئة هبطت عليها.
الترتيب الزمني للرواية يختلف عن الترتيب الروائي : فتأتي في المقدمة : تقاسيم الليل والنهار : وفيه يسلط الكاتب قلمه على الصحراء في سنين القرن الأولى وتقلب دولهم وغدرهم على بعض , وينتهي باستتاب الحكم لسلطان بعينه (خربيط) يأتي بعد التقاسيم (الأخدود ) وفيها يتولي الحكم (خزعل بن خربيط) وتنتهي بعزله من قِبل أخيه (فنر) , بعد الأخدود تأتي (المُنبت) وفيها يسلط مُنيف التركيز على نفسية العزل على السلطان المخلوع وأثر الغربة الغريب على أي منفي , وفيه عمق نفسي من أسمى ما يكون , وفي (بادية الظلمات) يكمل الكاتب فجوة الزمن فيركز تارة (في القسم الأول ) على أن يكمل مشاهد تكوين الدولة بعد تحكم (خربيط) وفي قسمها الثاني يركز على (فنر) بعد استيلاءه على الحكم وخلعه لأخيه(خزعل) والتي تنتهي بموته .
أما (التي ) فهي حالة خاصة للغاية , في ظني ان مُنيف لم يكن ليكت خماسية روائية وكان سيكتفي بها (وكانت كافيه للحق) ولكنه آثر أن يتعمق أكثر ويكتبها خماسية , التي : محيرة في كل شئ , فتشعر أمامها أن أحداثها غافلت الزمن وظهرت فجأة , وفي ظني أن زمن الرواية وقع بين التقاسيم والأخدود , وفي ظني أنها أفضل أجزاء الخماسية , تميزت بالاستقلالية وبراعة التوصيف وعمق القضية .
في المجمل : هي خماسية من أعظم ما يكون , امتزج فيها قوة اللغة مع بساطتها بمعرفة واسعة من قِبل الكاتب بالصحراء , ومعرفة أكثر بمدى تأثير الثروة المفاجئة على البشر ليخرج لنا عمل روائي من أعظم ما يكون .
عمل تحدث في المقام الأول عن البشر و حياتهم وعاداتهم وتقاليدهم , عن بداوتهم و ذكاءهم الفطري وحبهم لبعضهم البعض , تحدث عن الأصالة , وكيف تحول كل ذلك لنقضه : فأصبحوا بشر غير البشر , وإناس دون الإناس , أصبحوا عبيد مال وكلاب سلطة ينبحون مكان ما كانت , مدن الملح :ليست مجرد رواية عن بشر الصحراء , بل هي صرخة تصلح لكل زمان ومكان عن الشعوب المتنكرة لحقيقتها الناكرة لحضارتها .
عرض الكاتب للصحراء و بشرها كان من البراعة بمكان , كل فترة تحدث فيها كانت بمثابة غزل عفيف من عاشق لمعشوقته, ولكنه غزل واقع فهو يعرفها كخطوط يده ففيه رجع الكاتب إلى السليقة البدوية و تصرفات العُرب و طبيعتهم قبل أن تلوثهم المادة و زهو الدنيا , فيه يرجع الكاتب بالتاريخ في مراحل تكوين الدولة و توحيد الشتات, فيه ظهرت معرفة الكاتب بطبيعة الصحراء وكيف لا وهو أحد ابناءها فقدمها كتقديم الابن لأمه ,( فالصحراء كالمرأة , بمقدار ما تبدو هادئة , بسيطة , لينة , و جميلة , فإنها بحاجة إلى الفهم و التعاطف , لأن لها وجوهًا لا حصر لها . حين تغضب أو تجن تبدو و كأن ليس لها علاقة بما كانته من قبل . وهي في الليل غيرها في النهار. وفي الشتاء تختلف عن الصيف , وعن باقي الفصول . إنها أكثر من ذلك , إنها هي ذاتها ولا تشبه نفسها أبدًا. تتغير كل لحظة , تتكون في كل لحظة, عالم في مرحلة التكوين المستمر) وعندما يتطرق للحديث عن أبناء هذه الأم فهو يتحدث عن وصف أبناء جلدته (فبشر الصحراء هم النبات الحقيقي لهذه البيئة , وأحد مظاهرها و تجلياتها , إذ رغم البساطة و الانكشاف الكامل ,فإنهم طبقات من الحراشف القاسية المتينة تراكم بعضها فوق بعض بحيث يصعب معرفتها من النظرة العابرة , أو إقامة صلة معها من خلال التملق . صحيح أنهم يسمعون , لكنهم , في الغالب , يفكرون فيما سمعوه , ويفهمونه بطريقتهم الخاصة . وهم كثيرو الشك , لا يثقون بسهولة, أما حين يقطعون . فإنهم يفعلون ذلك بقوة وحسم. وإذا أعطوك فإنهم يعطون بسخاء . صحيح أنهم يعطون قليلًا أول الأمر , لكنهم إن فعلوا , فإنهم لا يتوقفون بعد ذلك عن العطاء .)
من أراد أن يعرف تاريخ أمم الخليج الحقيقي فليطلع على مدن الملح , فقد ذاب فيها البشر الحقيقين حتى كادوا أن ينقرضوا.
سلسلة روائية تجسد الأحداث التي وقعت في شبه الجزيرة العربية أثناء فترة اكتشاف النفط وكل ما يصاحبها من تغييرات يملؤها التخبط في خضم زحمة الأحداث هناك خوف وحزن على ما ذهب وقلق وابتهاج لما هو آت في آن.
الجزء الأول (التي) كان يمثل التي بالفعل بالنسبة لي حيث الانطلاقة التي يصاحبها غموض وكثرة في الشخصيات التي أربكتني بعض الشيء. ولكن فور إتمامي الجزء الثاني (الأخدود) كان باستطاعتي القول أن الخماسية عمل ضخم، حيث قام الكاتب عبد الرحمن منيف بتدوين أهم التغييرات التي شهدتها المنطقة. تفاصيل مبهرة وحوارات واقعية جدًا. في الجزء الثالث (تقاسيم الليل والنهار) وجدت نفسي وقد دخلت عالم الرواية بالكامل. تلك الرواية ذات الأجواء المرسومة بدقة متناهية. الكثير من الحكمة نجدها حاضرة على لسان أغلب الشخصيات التي تكسوها البساطة فيما يملؤها عمق المعنى. وبعد الجزء الرابع (المُنبت) تبتدئ النهاية على الصعيدين . أحدهما أقصد به رحلتي القرائية هذه والآخر يكمن في طبيعة سير أحداث هذه السلسلة الروائية التي تتشابك فيها الأحداث بالشخصيات وتتضارب الأفكار .
إنَّ ما بقي ثابتًا طوال الرواية قراءتي للرواية هي تلك الحكمة التي لا تنضب. في الجزء الخامس والأخير (بادية الظلمات) تم التطرق لكتاب الأمير لميكاڤيلي على امتداد صفحات عديدة حيث نجد أبطال مدن الملح يتناقشون حول محتوى كتاب الأمير وما هي أفضل الطرق والوسائل كي تسود من تحكمهم. راقت لي النقاط التي لخصّ بها الكاتب محتوى الكتاب بطريقة واضحة دون المبالغة في التبسيط. كما تذكرت الكاتب سعود السنعوسي وشعرت بأن عبد الرحمن منيف كان مُلهمه الأول!
إن أكثر ما شدّني في الأجزاء الخمسة هي ذکر الكاتب للكلام الدارج آنذاك دون تزيينه أو تحويره ووضعه في قالب معيّن فنجد الشتائم والانفعالات حاضرة كما هي. وتلك النقاشات تطرّقت لكل شيء ممكن. المرأة والرجل، الحب والحرب، السلطة والشعب، الماضي، الحاضر والمستقبل، الصديق والعدو، الوطن والغربة، البادية والمدينة. مما أضفى مصداقية وعمق في الحوارات. تلك الحوارات المبدعة حقًا. أضحكتني في عدة مواطن فهي نابعة من القلب، هي كلمات وليدة اللحظة، لا يسعني سوى أن أتساءل بإعجاب كيف استطاع الأستاذ عبد الرحمن منيف في أن يصل لهذا العمق المخيف؟ كيف ينظر أهل الشرق للغرب والعكس كذلك. حيث نجد سرد سلس بالفصحى يتخلله الكثير من الحوارات العامية باللهجة الدارجة.
هناك فِكر وبعد نظر والكثير من السخرية والتهكم على ما آل إليه المآل .في الختام عليّ أن أستشهد بما قاله عبد الرزاق عيد "إن عبد الرحمن منيف يقدم نموذجًا جديدًا للبطولة الروائية المضادة للبطولة التاريخية، إنها بطولة اللابطولة. إنها البطولة الروائية التي ترى كل معاني البطولة وقيمها وسموها ونبلها في الحياة ، فهي بطولة العصر العربي الراهن الفاقد لكل بطولة . إنها بطولة التردي والانحدار والانحطاط
لعنة ( البول الأسود / النفط ) على الصحراء هو ما أحالها إلى "مدن الملح" ! إذن قليلُ الماء قادرٌ على إذابتها ! في هذه الملحمة العظيمة للمبدع عبدالرحمن منيف قرأت الماضي وتأملت الحاضر وتنبأت للمستقبل ! وكيف كانت بداية الكارثة التي طُمست مِن الذاكرة والكتب !
هذا العمل مِن "الواجب" قراءته لمعرفة الحقيقة المغيبة !
هل مِن الممكن أن نشاهد هذه الرواية كفيلم أو مسلسل مستقبلًا !؟
***
***
عندما سُئل عبدالرحمن منيف عن سبب تسمية روايته الشهيرة بمدن الملح قال:
“قصد� بمدن الملح، المدن التي نشأت في برهة من الزمن بشكل غير طبيعي واستثنائي. بمعنى ليست نتيجة تراكم تاريخي طويل أدى إلى قيامها ونموها واتساعها، إنما هي عبارة عن نوع من الانفجارات نتيجة الثروة الطارئة. هذه الثروة (النفط) أدت إلى قيام مدن متضخمة أصبحت مثل بالونات يمكن أن تنفجر، أن تنتهي، بمجرد أن يلمسها شيء حاد. الشيء ذاته ينطبق على الملح. فبالرغم من أنه ضروري للحياة والإنسان والطبيعة وكل المخلوقات، إلا أن أي زيادة في كميته، أي عندما تزيد الملوحة، سواء في الأرض أو في المياه تصبح الحياة غير قابلة للاستمرار. هذا ما هو متوقع لمدن الملح التي أصبحت مدناً استثنائية بحجومها، بطبيعة علاقاتها، بتكوينها الداخلي الذي لا يتلاءم وكأنها مدن اصطناعية مستعارة من أماكن أخرى. وكما قلت مراراً، عندما يأتيها الماء، عندما تنقطع منها الكهرباء أو تواجه مصاعب حقيقية من نوع أو آخر سوف نكتشف أنّ هذه المدن هشة وغير قادرة على الاحتمال وليست مكاناً طبيعياً لقيام حاضرات أو حواضن حديثة تستطيع أن تستوعب البشر وأن تغير طبيعة الحياة نحو الأفضل.�
- مدن الملح التي، جزء من خماسية روائية تاريخية لن تتكرر...
- على الصعيد البنائي للرواية كان الراوي مبدعاً لغةً وسرداً وتنوعاً بين الشخصيات المختلفة.
- وصف الصدمة الحضارية كان رائعاً، خصوصاً ان هكذا صدمة تحتاج لدراية وعلم واسعين بالإضافة لإجادة اللغة التي توصل التفاصيل والإنطباعات بدقة، وربما لهذا قد يظن البعض ان هناك شعور بالملل قد بدا يتسرب اليهم.
يوماً ما سأعود لأكتب انطباعاتي الخاصة على هذه الرواية!!
خماسية مدن الملح، أحد أشهر وأضخم الأعمال الروائية في تاريخ الأدب العربي، بقلم عبدالرحمن منيف، الروائي سعودي الأصل والمنتمي إلى الوطن العربي ككل حيث ولد في الأردن ودرس في العراق ومصر وتزوج في سوريا وبها يرقد في سلام. تتميز الخماسية على أكثر من صعيد مثل الرسالة المضمّنة وأسلوب السرد والمساحة الورقية. لست هنا بصدد سرد حقائق أو كتابة مقال نقدي، وإنما هي خواطري عن هذه الملحمة الرائعة كقارئ يجهل أكثر مما يعرف بكثير. فيما يلي بعض النقاط التي ارتأيت أنها تستحق الذكر:
- الرواية ممتعة، ولكن أهميتها تفوق إمكانيتها على الإمتاع. يبدو هذا منطقياً إذا استحضرنا الهدف الذي كُتبت من أجله وهو سرد التاريخ بطريقة روائية. لذا أجرؤ على القول بأن على القارئ التمتع بالصبر وطول النفس لإتمام هذا العمل. تمكنت من إنهائها في ما يقارب الخمسة أسابيع.
- يقول العديد من القراء بأن مستويات الأجزاء متفاوتة، وهي إحدى طرق وصف الاختلاف بين الأجزاء. أعتقد أن مستوى الإتقان هو ذاته، لكن الفرق يكمن في مستوى الإمتاع. فالجزء الأول –عل� سبيل المثال- يزخر بالخرافات المحلية والصور الفانتازية، والرابع يحمل في طياته دراسة نفسية فيما يمكننا اعتبار بقية الأجزاء –بدرج� أو بأخرى- تركز على السرد التاريخي والنقد السياسي والاجتماعي.
- يتباين اندماج القارئ مع النص حسب ميوله لنمط الأحداث المروية. بالنسبة لي فقد شعرت بالملل في الأجزاء التي تتحدث عن مشاكل القصر ومماحكاته بينما استمتعت بحكايات البادية وتصوير التغير الاجتماعي من الفقر المدقع إلى السباق المحموم لتكديس الثروة.
- لا شك أن الخماسية ستغير نظرة القارئ لتاريخ المنطقة، وستجعله يعيد النظر في بعض الوقائع. هذا لا يعني أن يتفق القارئ مع كل ما ورد. فالتاريخ- وما بالك بالأدب- يروى من وجهة نظر كاتبه، ناهيك عن أن القلم سيسلط حبره على بعض النواحي ويهمل الآخر.
- لا يخذل منيف القارئ المتطلع إلى شخوص متميزة، فلا بد لعمل بهذا الطول أن يُحمل على عاتق أسماء تؤثر في القارئ وتثير مشاعره سلباً أو إيجاباً. وبصرف النظر عن مشاعرنا تجاه الشخصيات المختلفة، ففي كل الأحوال لن ننكر أنها مرسومة ببراعة حتى تكاد أن تخرج من الورق. ستعرف الشخصيات من جوانبها المختلفة، ظاهراً وباطناً، في حالات القوة والوهن. أذكر من بعض الشخصيات على سبيل المثال لا الحصر:
متعب الهذال: عميد تيار الأصالة. البدوي الذي بكى على الأطلال "آه يا وادي العيون!"، وآثر المغادرة على قبول التغيير. متعب الشجاع الأسيف لم تردعه العصا ولم تستدرجه الجزرة، لذلك خلّد اسمه في الذاكرة الشعبية كبطل يعرفه القوم وإن لم يروه. وبالمثل فإن ذكره يخلد في ذهن القارئ وإن كان ظهوره الفعلي محدوداً في ثنايا النص.
الحكيم صبري المحملجي: عميد تيار الوصوليين، لا يدخر وسعاً لتحقيق أهدافه فلا مبادئ توقفه ولا أعزاء يتوانى عن التضحية بهم. من المخيف كم أن الشخص لا يعترف لنفسه بحقيقته، بل يظل يعتقد في قرارة نفسه بأن له أهدافاً نبيلة وأن همه مصلحة الآخرين. التطور الدرامي والعمق النفسي لهذه الشخصية إعجازي منذ ظهورها غير المُلفت إلى نهايتها الصاخبة، هذا إلى جانب تنوع جوانبها فمثلا نلاحظ صلفه مع منافسيه مقابل سذاجته مع زوجته.
السلطان فنر: الحاكم الداهية المتسلح بالصمت المتشح بالغموض أغلب الوقت ولكنه عندما يوجه ضربته فهي القاضية. فنر الصبي اليتيم ذو النظرة الكسيرة والجسد السقيم يخبئ في عباءته مقاتلاً عنيداً. نشهد بأعيننا عوامل التغيير التي تؤثر به تدريجياً مثل أول إعدام ميداني يحضره، سفره إلى إنجلترا، صحبة المستر هاملتون وقراءته لكتاب الأمير.
مستر هاملتون: المستشرق الإنجليزي الذي هام بالصحراء عشقاً حتى انقسم ولاءه ما بين الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس والصحراء التي لم تعرف التمدن بعد. نتعرف على هاملتون –الذ� يصبح عبدالصمد لاحقاً- بواسطة نصائحه التي يسديها للسلطان خريبط ثم لابنه فنر من بعده، بالإضافة إلى تأملاته المسجلة في مذكراته. ومع ذلك يبقى تكوين مشاعر واضحة تجاه هذه الشخصية أمراً ليس بالهين. من أنت حقاً يا سيد هاملتون؟
هناك العديد من الشخصيات الرئيسية المؤثرة والثانوية التي أمتعتنا لصفاتها الفريدة أو قصصها الممتعة وأغلبها حظي بالظهور الجزء الأول. أذكر منها هنا عبده الخباز، السائقيّن راجي وآكوب، محمد عيد مساعد الحكيم ووالدة التاجر سعيد. - لا يمكن أن نخطئ النبرة الاشتراكية لمنيف من حيث نقد علاقة أصحاب المال بالسلطة، والتنديد بدور الشركات الضخمة الأجنبية في استنزاف الثروات المحلية، واستهجان تفشي الثقافة الاستهلاكية التي تجعل الفرد عبداً للمادة وتعمي عينيه عمّأ يدور حوله من عظائم الأمور. ابتداءً من عنوان الخماسية، اجتهد منيف ليوضح لنا بأن الثروة الطارئة لم تساهم بإنشاء حضارة حقيقة ولم تكن نعمة على أحد، بل نقلت المجتمع من الرضا إلى الجشع ومن الترابط إلى التشرذم وأحدثت أخدوداُ بين الغني والفقير وبين الحاكم والمحكوم.
- لغة منيف سلسة، خالية من البهرجة وإن كانت الحوارات باللهجة البدوية قد تشكل صعوبة لدى بعض القراء إلى جانب الألفاظ البذيئة المستقاة من المحادثات الواقعية. النسخة التي لدي شابتها الكثير من الأخطاء الإملائية المزعجة التي نأمل من دار التنوير العمل على تصحيحها.
- قبل أن تطرح السؤال سأجيب عليه، الرواية تستحق القراءة بالتأكيد ما دمت مهتماً بالإطلاع على الأعمال الخالدة في الأدب العربي والعالمي، أو حتى كنت مهتماُ بتاريخ المنطقة. احرص فقط على أن تخصص لها الوقت والتركيز اللازمين، وتجنب قراءة النص كأحداث روائية لا هدف لها سوى الإمتاع.
في ختام هذه المراجعة لا يسعني سوى أن أعرب عن سعادتي لقراءة هذا العمل. ثمة إحساس بالرضا الذهني وشعور بالإنجاز، لذا أتوقع منك أن تغفر لي ارتكاب هذه المراجعة الطويلة لسلسلة طويلة، فهي تستحق الإشادة، وأنت أيضاً –عزيز�- تستحق أن أحدثك عنها بقدر إعجابي بها وقدر سروري برفقتك.
القراءة لعبدالرحمن منيف عيشٌ في كنف الأدب الجادّ والأصيل، والإبداع الذي يكاد أ� يكون على صورته الأمثل. فسريعًا ما يدرك قارئه أنّه في حضرة كاتبٍ متمكّن من أدواته� ممتليءُ بفكرته، و أصيل في أدبه. � �(التي) هي الجزء الأوّل من خماسية (مدن الملح). ولعلّ (التي) هو الأثر الأوّل حي� جاءنا النفط على حين غرّة وجاءونا معه!� � أحداث الرواية هي مزيج من التأريخ لمرحلة اكتشاف النفط من جهة و دراسة تغيّر حياة النّا� الذين كانوا يعيشون الصحراء ويشبهونها.� أجمل ما في الرواية هو شخصياتها الإنسانية جدًا، الطبيعية جدًا، حتى لتحار إن كانت حقيقة� أم وحيَ خيال!! وكذلك الحكمة أو العبرة أو لنقل درس التاريخ وعلم الاجتماع الت� تتلقّاها بسلاسة وتتجرّعها كأنك صاحبها. فلا يعرضها (منيف) عرض الواعظ ولا يُخفيه� خفاء السحر. � قديمًا جدًا قرأت لمنيف رواياته المؤلمة عن "شرق المتوسط" وروايته العجيبة (قصة ح� مجوسية). وما زالت رغم بعد العهد واندراس التفاصيل، تثير فيّ كلما ذكرتها ذكريا� أثر الإبداع ووقعه في نفسي كقاريء. واليوم يتجدّد العهد بهذا الأثر مع هذ� الملحمة... وإلى (أخدود) مدن الملح ننتقل بإذن الله. �
بسم الله الرحمن الررحيم والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وبعد :/ : دعوني هنا أتحدث وأفضفض عن مشاعري بعد أن أنهيت تلك الخماسية لو قيل لي أن أصفها بوصف واحد لقلت "متفررردة" ناهيك عن كونها عميقة مذهلة عظيمة دقيقة متناسقة هي قبل هذا وذاك متفردة قلما تجد كاتبا يبدع في موضوع لم يسبقه إليه أحد وهذا على ما أعرف بالطبع ! كيف بالله يا منيف أجبني كيف استطعت سبر أغوار هذه الحقبة الزمنية في هذه المنطقة الصحراوية حيث الرياح المتجددة والتي طالما تخفي الأثار ! مذهل هل أتحدث عن الوصف ودقة التفاصيل لدرجة أنني شككت أن تكون رواية من نسج خياله فهذه تأريخ وليست برواية مع اختلاف الأسماء لا غير ! لو قيل لي أن أذكر كاتبا يمثل هذه المنطقة لقلت منيف بلا شك جميع الكتاب قد يتأثرون بأساليب أدباء مصريين وشاميين ولكن منيف متفرد يمثل هذه المنطقة كثير من الكتاب والروائيين ربما كتب عن الحب عن الصداقة .. الخ وأبدع ولكن هذه المواضيع تشربوها من كثرة ما قرؤوا فيها أما أن يتحدث منيف عن الحكم القبائلي وبداية هذه الدولة وقت خروج النفط فهذه التي لا أعرف من أين لخياله أن يتغذى ثم كيف لبنانه أن يستطيع الوصف بأسلوب يجذب القارئ هذه الرواية ستجعلك تعيش مع أبناء الصحراء بمرورتهم وقساوتهم وبحكمهم الجميلة أيضا لن أكذب قد تشعر بالملل لكن سرعان ما تأتي عاصفة صحراوية لتغير من حالة الملل هذه إن سألتموني عن أفضل جزء في الرواية لقلت "الأول" لسببين : أولاه��ا طبيعي وهو أنها البداية ودائما بداية كل شيء ممتعة مفاجئة مليئة بالدهشة أما السبب الثاني : لوجود بطل شعرت ولو قليلا بالتعاطف معه إنه متعب الهذال ومن بعده لم يعد يوجد أبطال لهذا قد تمل أيضا فأنت تقرأ دون اكتراث فأنت لا يهمك أحد لا أحد يستحق أن تهتم له لا بطل تشعر بأنك تتمنى نجاحه الجميع أناني الكل يفكر في مصلحته وهذه هي الحياة للأسف !
أخيرا: بالتأكيد لن تكون قراءتي الأخيرة لك يا منيف :)
هَذّا الْكِتَابُ...شَغِفْـ..لَايَصْلُحُـ لِمَنْـ لَا يَحْتَمِلُـ الشَّغَفْـ ............. عندما سُئل عبدالرحمن منيف عن سبب تسمية روايته الشهيرة بمدن الملح قال:
“قصد� بمدن الملح، المدن التي نشأت في برهة من الزمن بشكل غير طبيعي واستثنائي. بمعنى ليست نتيجة تراكم تاريخي طويل أدى إلى قيامها ونموها واتساعها، إنما هي عبارة عن نوع من الانفجارات نتيجة الثروة الطارئة. هذه الثروة (النفط) أدت إلى قيام مدن متضخمة أصبحت مثل بالونات يمكن أن تنفجر، أن تنتهي، بمجرد أن يلمسها شيء حاد. الشيء ذاته ينطبق على الملح. فبالرغم من أنه ضروري للحياة والإنسان والطبيعة وكل المخلوقات، إلا أن أي زيادة في كميته، أي عندما تزيد الملوحة، سواء في الأرض أو في المياه تصبح الحياة غير قابلة للاستمرار. هذا ما هو متوقع لمدن الملح التي أصبحت مدناً استثنائية بحجومها، بطبيعة علاقاتها، بتكوينها الداخلي الذي لا يتلاءم وكأنها مدن اصطناعية مستعارة من أماكن أخرى. وكما قلت مراراً، عندما يأتيها الماء، عندما تنقطع منها الكهرباء أو تواجه مصاعب حقيقية من نوع أو آخر سوف نكتشف أنّ هذه المدن هشة وغير قادرة على الاحتمال وليست مكاناً طبيعياً لقيام حاضرات أو حواضن حديثة تستطيع أن تستوعب البشر وأن تغير طبيعة الحياة نحو الأفضل.�
هذه الملحمة الروائية العظيمة - التي أبدعها عبدالرحمن مُنيف ونسج أحداثها بقلم الروائي ومنهج المؤرخ وعقلية المفكر الإجتماعي - تأخذ القاريء إلى بانوراما رائعة تغطي مرحلة النفط ودولته وما رافق ذلك من تغيرات وتقلبات وبدايات سابقة ونشأة مرتبكة ، هذا العمل دمج كذلك بين التاريخي والسياسي والاجتماعي وبين حكايات المعارك والقصور والبادية والحاضرة وبين الأفق الإجتماعي العام بطبقاته والهرم الذي يَحكم ويتحكَّم ،، يستطيع القاريء بعد هذه الرحلة الطويلة نسبياً والمتعددة الإتجاهات أن يرى حضارة النفط بشكل مختلف ومن زوايا متعددة بل ومن الأعلى أيضاً ،، هذه الرواية كما ذكر أحد النقاد هي فن كتابة التاريخ في كتاب ليس بكتاب تاريخ وأزعم أنها أعمق من ذلك بكثير ،، مدن الملح عمل إبداعي من الصعب أن يتكرر
ذهبت للسؤال عن الرواية فى معرض الكتاب بالرياض فلم أجدها وكنت أعرف أنها ممنوعة من النشر ولكن وقلت لعل وعسى أجدها ,,, وسألت كثيرا عنها عند دور النشر المختلفة وكدت أفقد الأمل ولكن فى النهاية وجدها عند إحدى دور النشر اللبنانية , لو كنت بشترى حشيش أو مخدرات كان أسهل من اشترى هذه الرواية ,لا أنسى نظرات التخوف عند البائع ويقول ليس عندى غيرها فأرجوك لا تظهرها ولو رآك أحد وهى معك لا تخبره عنى ههههههههههههههههه "نعم تضحك وتبكى فى نفس الوقت " مؤلم أن ترى روايه بهذه الروعة والثراء وتعامل بهذا التخلف
على الرغم من انها باجزائها الخمس اطول رواية قراتها منذ زمن ، الا انها ممتعة ، تميزت بعدم وجود بطل محدد احيانا نعتقد الحكيم هو بطل الرواية واحيانا اخرى السلطان او ابناؤه، لكل جزء شخصية او اكثر تبرز اقترابا من البطولة الا انها لا تطغى على باقي الشخصيات. رحلة فنية وانسانية رائعة في التاريخ الاجتماعي للمملكة وكيفية تحول البداوة الى ما نراه من انماط الشخصية في دول النفط... رواية لا تخلو من العبر
هذي الملحمةُ ربما أقربُ وصفٍ لها ، أنها رِحلةٌ ، فقد مضى بِنا ابنُ مُنيفٍ بينَ أزمنةٍ و سلاطينَ و رجالٍ كُثرٍ ، حتى نتيهَ و ربما نزدادُ أسىً على أسانا . أستعملَ ابنُ مُنيفٍ كل الأدوات لتقديمِ هذي المدنِ : فحيناً نراها بعينِ ابنِ السوقِ البسيطِ ، و حيناً بعينِ ابن الباديةِ ، و حيناً بعينِ عالمِ اجتماعٍ ، و حيناً من جهةِ التاجرِ اللعينِ ، و بعينِ المستشرقِ حيناً ، و بغباءِ السلطانِ حيناً ، و أحايينَ بلعنتهِ .
كانَ العملُ كُلاً أقربُ الى دراسةٍ بجوٍ روائيٍّ - في الغالبِ - عدا الجُزءَ الأول فقد كانَ روائياً أكثرَ ، فقد أبُدِعَ فيهِ و خاصةً في خَلقِ شخصيةٍ كمُتعبَ الهذال ، التَعِبُ الذي فضلَ الرحيلَ عن هذهِ اللعنةِ التي حَلت ، بانبثاقِ البولِ الأسودِ . الأجزاءُ الأخُرى كانت بينَ المُجتمعِ و بينَ القصورِ ، مآهولةً بالأحداثِ كانت ، و بالشخوصِ ، و الآراءِ .
عَملٌ جبارٌ ، لعل أيَّ قارئٍ له سيتعجبُ و يتسائل أيُّ جُهدٍ بذلهُ الروائي لجمع كلِّ هذا الحشدِ من كل شيءٍّ .
وجوبٌ قاطِعٌ أن يُقرأَ هذا العملُ لمن إبتُليَ بهذي البلادِ التَعسةِ ، و إلا فإنهُ آثِمٌ آثِمْ .
."وتقوم مدن الملح، ترتفع وتكبر، لكن إذا جاها الماء فُشّ، ولا كأنها كانت"!
وأخيراً، وبعد قراءة متواصلة، أنهيتُ هذه الرواية، هذه لم تكن رواية عادية، بل يحقُّ لنا أن نطلق عليها (ملحمة القرن العشرين).
هذه الرواية لا تُقرأ كما تُقرأ أي رواية أخرى!
صحيحّ أنني انتهيت من قرائتها، ولكن صخَبُها وضجيجها، لا زال يدوّي في عقلي ومسامعي!
مُنيف العظيم، لم يكن يكتب! بل كان طبيباً يشخّص الداء العضال الذي ابتُليتْ به أمّته. وهذا ما لاحظته وتبيّن بوضوح في أغلب أعماله، كان يضع يده على الجروح ويضع النقاط على الحروف، ويقول:"هنا المشكلة، وهذا حلُّها".
هل كان منجّماً؟! لا لم يكن يؤمن بالتنجيم، وهو الذي عرّى بعض خرافات المجتمع وجعلها تحت مبضعه في روايته (أم النذور)!
إذاً، ماذا كان! كان بصيراً حاذقاً وخبيراً ناقداً!
في الجزء الرابع من هذه الملحمة، في أثناء سرْده لأحداث الحرب الطاحنة التي كانت على حدود السلطنة، سلطنة موران أو مملكة موران من جهة وبين الدواحس من جهة أخرى، كانت أحداث هذه الحرب ومجرياتها وملابساتها وما انتهت إليه من مآسي تجرّعها الطرفان؛ هذه الأحداث بنسبة ٩٠٪� منها تنطبق حالياً على الحرب الدائرة بين (المملكة السعودية والحوثيين) في أرض اليمن! لطمتُ على جبهتي وتمنّيت كثيراً أن لو كان منيف حيّاً يُرزق ليرى أحداث روايته تتجسّد أمامه على أرض الواقع!
هذه الملحمة، أرى من الواجب أن يقرأها الجميع، أبناء الأمة العربية، ليعرفوا كيف قامت سلطنة ومملكة من لا شئ!
أمتاز الراحل عبد الرحمن منيف بأنه صاحب نص صحراوي بعيدا عن ا��غرائبية والاستشراق الذي أصاب أعمال آخرين كمحصلة لاشتغالات سابقة على فضاء النص الصحراوي هي وثيقة على تاريخ من الصراع والسيطرة على المكان إذ تقترح تقاطعات وثنائيات متعددة بين المناخ الصحراوي والقحط وبين شخصية الوافد الأجنبي وصاحب المكان الأصلي بين الصحراء واكتشاف النفط هو إذا يقوم بتأسيس المكان وتحولاته من صحراء قاحلة إلى / مدن ملح/ تقترح حيوات أخرى على الشخصيات ولا سيما شخصية /متعب الهذال/ بكل ما تحمله من توتر وصراع ومقاومة ضد كل انواع التحديث فإحساسه البدائي مكنه من اكتشاف الخراب القادم لكنه لم يستطع الصمود فيختفي من النص تماما وإن ظل شبحه يحوم في المكان والأمر نفسه بخصوص شخصيات أخرى . إن (مدن الملح) تستعيد مطالع القرن العشرين لترسم صورة لتشكل المدن في الصحراء وكيفية ترسيخ قيم جديدة في مكان صحراوي وإخضاع هذا المكان لسطوة الشركات النفطية الأمريكية البريطانية إنها رواية تاريخية لكنها في الوقت نفسه رواية المكان ومقترح لنص صحراوي آسر .
لكن الراحل المبدع روائيا اوقع نفسه في شراك المسالة التاريخية حبن اختار الخوض في هذا المضمار الصعب والمرهق للغاية فما عرفناه مؤرخا متخصصا ، ويبدو انه غامر باصدار كتابه : " العراق : هوامش من التاريخ والمقاومة " ، الناشر: المركز الثقافي العربي ـ بيروت2003 ، الصفحات: 207صفحات من القطع المتوسط. الذى قال عنه انه مجرد هوامش جمعها خلال اعداده لعمله الروائي عن العراق ذى النفس الملحمي وهو ارض السواد ، ولأن الهوامش كثيرة على ما يذكر منيف فقد استبعد قسما كبيرا منها واقتصر على عرض عدد محدود منها خاصة تلك التي لها علاقة بالأحداث التي نعيشها في الوقت الراهن أي تلك التي ترتبط بالقرن العشرين وذات الصلة بالاستعمار القديم منه والحديث. وبتعبير منيف فان ما يضمه الكتاب صوراً متفرقة من تاريخ العراق تمثل محاولة لتحريض الذاكرة واجراء مقارنة بين ما كان بالأمس واليوم والخلاصة التي قد ننتهي اليها منها هي كيف واجه الأجداد قوى الاستعمار وكبدوه خسائر فادحة ويشير الى أن السمة العامة للعراق مع الاحتلال الانجليزي له أوائل القرن العشرين هو الاضطراب وعدم الاستقرار ودلالة هذا الامر هو أن الطرفين المستعمر «بكسر الميم» والمستعمر «بفتح الميم» لم يكونا قادرين على التعايش أو الاستمرار بالتالي كان كل منهما يتربص بالأخر وينتظر الفرصة المناسبة للانقضاض عليه. ويشير منيف الى أنه رغم لجوء الانجليز الى كافة الأساليب لادامة سيطرتهم بما في ذلك افتعال المعارك بين الفئات العراقية المختلفة الا أن الوعي الشعبي نجح في تجنب الانزلاق الى الفخ الطائفي. غير أن هذا المناخ لم يتواصل فيما بعد ثورة 1958 حيث كان التحالف الذي قام بها هشا مما أدى الى تفجير الصراعات فيما بينها بسرعة فضلا عن أن صيغة نظام الحزب الواحد أدت الى عزلة النظام ونرجسيته وبالتالي عدم قدرته على تجديد نفسه وهو ما كان يسهل للقوى الخارجية أو المتضررة اسقاطه النظام.
يقدم منيف صورة رائعة لأعمال المقاومة العراقية خلال ثورة العشرين وهي المقاومة التي أدت الى ارتفاع الأصوات في البرلمان الانجليزي وصحافة لندن مطالبة بجلاء القوات البريطانية ما دفع الى زيادة الجهد من أجل اختراق الثورة واسقاطها من الداخل. ولافتقاد الثورة الى قيادة موحدة استطاع الانجليز أن يجدوا لهم موطئ قدم هنا وهناك حتى أنقلبت موازين القوى ضد الثورة. ويخلص منيف الى أن ثورة العشرين رغم عفويتها وعدم وجود قيادة موحدة لها ورغم فارق السلاح ونوعيته بين الطرفين كانت أول ثورة عربية في الشرق تقوم ضد الاحتلال وقواته وقد كبدت المحتلين خسائر قادته وغيرت نظرتهم للكيفية التي يجب أن يحكم بها العراق وهو ما تمثل في التخفي وراء واجهة وطنية لأن الحكم الاستعماري المباشر يستفز المواطنين ويؤلبهم ضد الغزاة في حين تكون المتاريس الوطنية قادرة في بعض الأحيان على امتصاص النقمة وتأجيل الانفجار المحتمل
أول سؤال يخطر بـ البال ، لماذ تمنع .؟ ملحمة بهذه الروح وهذه الوثيقه التاريخيه وإن لم تكن بذلك ككل إلا أنها بصمة لللعرب والمملكة خاصة ، بل الآحرى مالذي لأمسته هذه الوثيقة وإن كان على شكل رواية ، بل الذي لآمسته بهذا القرب هم أولئك الأشخاص القريبون جداً في التصرفات والصفات ببعضهم ، شجع وكره وحقد ونكراً للذات ، والصاحب الغريب الذي يسرد عليهم أفعالهم وتجاربه الخاصة بعد تعمقه في تاريخ الرومان والملوك السابقين .!
بعد نهايتها وجدت أن عبدالرحمن "رحمة الله " أرتكز على ثاث شخصيات رئيسيه خزعل والحكيم " أعتبرهم بالمركز الأول " وثم السلطان خريبط وفنر . والعوامل المساعده هم النفط والحضور الأجنبي والشعب الماكر والمغلوب ، تتلخص الأحاديث عن تلك الصحراء الواسعه التي طمرت قرون بداخلها وبعد ذلك أخرجت مارد أسود فحاول إعالت القرون الآتيه ، هل النفط نعمه أم نقمة ، المتفق هو وسيلة أخرجتنا من عنق الزجاجه ، الحقيقة هل ساعدنا أم لم يساعدنا على التخلص من السلبيه وهل حصرنا في زاوية الشهوة والسيطرة .! أذكر أني كلما أنتهى جزء أسأل هل برغم كمية الجانب السلبي الذي أحسسته ، أكان هناك جانب إيجابي ، وهل كان منيف محايد أوحاول ، وهذا الذي أحسه به بأنه كان يحاول سرد كل ماأمكن من الذاكرة والوقائع لنكتشف كل الجوانب المتاحه .!
بالمجمل تلك هي سيرة غاصت لعمق الصحراء بالأبيض والأسود وجردة الشخصيات والأماكن ، والأحداث .!
Oil creates the illusion of a completely changed life, life without work, life for free. Oil is a resource that anaesthetises thought, blurs vision, corrupts.
Ryszard Kapuściński
This masterpieces talk about How was life in Saudi Arabia before oil was found and how it become after it found.
Daily life, social customs , love, war and econmey all of Those things changed when black oil came...
after the discovery of oil Saudi Arabia saw economic and social development progress at an extremely rapid rate, thus transforming the infrastructure and educational system of the country.
Those masterpieces of Novels need to be Read before you Die!
اما بدأت مدن الملح كنت خايف جدا من حجمها ، خايف من الملل و خايف انا ازهق و مكملش كل ده ! ٢٥٠٠ ورقة تقريبا بيحكوا قصة دولة مروان من البداية على مدار سنوات السنوات ، من اول اكتشاف النفط لحد التناحر على السلطة .
الحقيقة ان محدش يقدر ينكر حجم ما صنعه عبد الرحمن منيف ، دي رواية عملاقة و لو لم يكتب غيرها لكفته ، عمل اسطوري و من الصعب للغاية الامساك باطراف عظمته .
الرواية تحمل طعم الصحراء و لغتها ، تشعر بالهواء الحار و الشمس الحارقة و البدو و اشعارهم و امثالهم و طبائعهم و ظني ان اللغة موفقة للغاية خصوصا في استخدام الامثال و الاشعار و خصوصا مع اختلاف الامثال مع الشخصيات التي أتت من خارج الصحراء
الشخصيات و رغم ضخامة العمل الا انها ليست كثيرة ، هناك ابطال ، واضحين ظاهرين مؤثرين و الجميع يدور حولهم . و قد ابدع منيف بشكل لا يوصف في رسم هذة الشخصيات و التركيز على رسم تعقيداتها و تحولاتها و نهايتها و شخصيات مثل متعب الهزال و الحكيم صبحي و وداد و فنر و خزعل و هامليتون خربيط شخصيات لا تنسى
اسلوب سرد منيف كان بالغ الذكاء من حيث توقيت عرض الشخصيات و البدء بتعريف سريع عنهم ثم التعرف على تاريخهم بهدوء في مرات لاحقة بهدوء و دون اطلاق احكام او مباشرة في عرض الصفات
شخصيا استمتعت جدا بالرحلة الطويلة لتقريبا شهر مع الرواية باجزاءها ، عشت معها تماما حتى اعتبرتها جزء من يومي و تعلقت بشخصياتها بشدة و حقيقي حزين انها خلصت لكن كل رحلة مهما طالت بتخلص و انا هفضل فاكر اني قريت مدن الملح و اني اتبسطت جدا بيها
تلك الملحمة .. تلكمُ الشخصيّات .. رقصةٌ جنونية يكتبها عبد الرحمن منيف ... رحلة يأخذنا فيها إلى مراحل تكون الدولة و الصراعات داخلها و رغبة التملك و السيطرة و غريزة الانسان و حبه للسلطة ... و كلام تحكيه الفراغات التي بين السطور و معان تهمسُ بها الإشارات !
من يعرف المدة التي قرأت فيها الخماسية كاملة سيستغرب من تقييمي! فغالبا ماتكون الروايات والكتب الممتعة الأسرع قراءة، إلا أن هذه الرواية كانت من الأبطأ إن لم تكن هي الأبطأ! الخماسية بالفعل تحتاج إلى بال طويل، وهذا مايعيب الخماسية إلا أن إبداع الكاتب في تغطية الجوانب التي غطاها في هذه الخماسية تجعلك تغفر له كل عيب. مما أعجبني: - لا يوجد بطل واحد. - الشخصيات والتي قد تضيعك وأنت تقرأ الرواية كثيرة جدا كما أنها مختلفة جدا من جميع النواحي، إلا أن الكاتب استطاع أن يتعمق بما في داخلها. - الوصف الروائي للتاريخ الذي لا أظن أنه يغني عن قراءة التاريخ. - العبر والحكم التي تفوه بها الكاتب على لسان الشخصيات. - وفي الجزء الأخير، السخرية!
من الجمل والمقاطع التي شدتني في الخماسية: (كلها من تقاسيم الليل والنهار، المنبت و بادية الظلمات لأني لم أسجل ملاحظاتي في الجزئين الأولين).
تقاسيم الليل والنهار: ص211 فنر "قال في نفسه:يجب أن نسمع جيدا، أن نفهم جيدا، وأن نتصرف على قدر مانملك من القوة."
ماركو "شرقكم يحير��ي: إنه مزيج غريب، إنه، وربما هذه الكلمة متداولة أو مبتذلة، لقاء الطرق والحضارات والديانات، ولذلك أصبح مزعجا لنفسه ولغيره، أنه مثل المرأة الحامل، وقد تجاوزت شهرها، فلا يعرف هل تلد نبيا أم مسخا، هل تتابع مسيرها ضمن منطق التاريخ والجغرافيا أم تحاول أن تكون شيئا آخر؟ تنهدت بأسى وبعد قليل، وبدا صوتها خشنا: نعم، لشد مايعيرني هذا الشرق، إنه كتلة من الغموض والتناقض؛ ليس لنفسه فقط ولكن بالنسبة للآخرين أيضا. إذ بمقدار ماهو مؤهل، وبمقدار ماتساعده الظروف، فإنه يبدو ثقيلا بطيئا تائها حتى لتظن أنه أصبح جثة لا تحتاج إلا إلى الدفن، لكنه أيضا، وفي كثير من الحالات يفاجئك. ومثلما كنت أقول لهاملتون: هذا الشرق بمقدار مايحتويه من حضارات وأساطير، وما تتوافر فيه من رغبات وجنون، فإنه مؤهل للأمرين معا: أما أن ينقذ العالم، أو أن يكون نهاية العالم."
ص213 ماركو "... ولكن ما أفترضه: يجب أن تكون لكل شعب من الشعوب مثل عليا يعتز بها، ويحارب من أجلها عند الضرورة، وهذه المثل تكون أكبر وأخطر لشعوب التاريخ، الشعوي التي كانت لها أدوار في العصور السابقة..."
المنبت:
ص188 غزوان "مثلما قلت لي قبل سنين. . يابابا: وطن الإنسان حيث يكون قويا ومؤثرا وقادرا. الوطن ليس التراب أو المكان الذي يولد فيه الإنسان، وإنما المكان الذي يستطيع فيه أن يتحرك..."
بادية الظلمات: ص253 ليفي "يجب أن لاتعلن هزيمتك، حتى لو كنت مهزوما، لأن المرأة، وربما الحياة أيضا، لا تحب أن تتعامل مع الذين يعلنون هزيمتهم."
ص259 غزوان "... أهمية القبيلة بعدد أفرادها، وأهمية الشيخ بعدد المرافقين، وأهمية الموظف بحجم الطاولة التي يجلس وراءها. ... ... ليس المهم أن تكون صحيحة أو غير صحيحة، المهم أن تكون مؤثرة، وأن تؤدي إلى النتائج المطلوب الوصول إليها."
ص271 ليفي شاوت "يجب أن لانسأل أنفسنا لماذا. إن هذا السؤال، وهو يطرح بهذهالطريقة، يؤدي إلى أجوبة خاطئة. يجب أن نسأل أنفسنا (ماذا حصل)، وأن نجيب عن هذا السؤال فقط، أما اللا، هذه التي غيرت الغرب فإن الشرق لايعرفها!"
ص292 ليفي شاوت "الذين يتعاملون مع الأرقام والنصوص فقط لايفهمون الحياة بالمقدار الكافي، انهم يرونها مجرد رقم أو نص ميت، لا يحسون بمدى القوة والحيوية الموجودين في الحياة العملية، ولذلك فإنهم معرضون للخطأ."
ص299 حماد "زيد خرطي. صحيح أن صوته يقرقع، لكنه مايمون إلا على خصاويه، وإدا همّ وتكلف نشد: شنهو غدانا اليوم؟ وإذا طخت النخوة براسه شتم وبرد قلبه، هذا حده زيد."
ص306 نعوم "موران مثل حمال الملح، بس يريد يخلص من حمله، حتى لو غرق بالماء."
ص411 أحد الشبان (لم يذكر اسمه) "... وبعد ذلك المشهد، أحس، كإنسان، أنني مدعو للتفكير بكل شيء من جديد. ومطلوب مني،أدبيا، أن أعرف: لماذا أتعلم، ومن أخدم، وماذا يجب أن أعمل. انها الأسئلة الأولى، البسيطة، والتي تجعل لحياة الإنسان معنى وقيمة..."
ص429 حماد "ماذا يمكن أن تعمل لو عدت إلى موران؟ الأعمال الحزة؟ أن تنشئ مزرعة؟ كل ذلك يمكن في حالة واحدة: أن يكون صاحبنا راضيا عليك، وإذا لم يتوفر هذا الرضا فلا تحاول أن تقترب."
ص444 فنر "... حتى عمير،لما شاف شنهو الي نقدر عليه وشنهو اللي نسويه، صار حريمة، وما أحد شافه بالسوق."
ص448 روبرت يونغ 'يبدو أن بعض الناس لايفهم من العمل التجاري سوى الربح، بأية طريقة جاء، وهذا الفهم إذا حقق بعض النتائج المؤقتة، فإنه الوسيلة الوحيدة لتصفية هذا الوسط من هؤلاء، لأنهم مغامرون أكثر مما هم رجال أعمال، والمغامرة إذا صدف وحققت بعض الأرباح فإنها الطريقة المثالية التي تؤدي إلى الخسارة."
ص500 "ليس مهما كيف يرى الغرباء مدن غيرهم، أو كيف يقيمون عاداتها وأخلاق أهلها، إن هذا يحتمل عددا غير محدود من التفسيرات والاختلاف، لكن أن تبدو المدينة بنظر نفسها وكأنها ليست هي، أو لاتشبه ماكانته بالأمس، أو ماستكونه غدا، فإن في الأمر مايستعصي على الفهم."
ص544 شمران* "لو كنا نملك شي من شجاعة صالح، ولو كان صالح يعرف شي من خوفنا، لما كنا هنا، ولما كان هناك، ولكن عقولنا قرمتنا وذبحه جنونه، وإلى حين ماتفتك العقول من عقالها، والشجاعة من جنانها، راح نظل نصيح عتابا ويردون علينا ياليل، إلى أن يفرجها مجنون عاقل، أو عاقل مجنون!"
ص552 ابن البخيت "الي قبلنا كانوا يفهمون أحسن منا، قالوا: 'تعايش الناس زمانا بالدين، حتى ذهب الدين. وتعايشوا بالمروءة حتى ذهبت المروءة. ثم تعايشوا بالحياء، حتى ذهب الحياء، ثم تعايشوا بالرغبة والرهبة، وسوف يتعايشون زمانا طويلا' فأبشر يا أبوعزيز، فهذا زمان الرغبة والرهبة، سيف المعز وذهبه، ومايندرى وين نصل!"
ص586 حمد الدولعي* "الناس شايفين كل شي ياهدلة، بس يلزم غيرهم يشوف ويسمع ويمشي بين القبور، حتى يتعلم."
هذه بعض المقاطع التي آعجبتني من هذه الخماسية الرائعة. هل أملك الحق في القول بأنها من الكتابات التي 'تجب قراءتها'؟ أظن نعم.
وتهت أنا في التَّيه. منيف يكتب التّاريخ بلا أرقام، بأسلوبٍ روائيٍّ شيِّقٍ جدًّا وفريد، في التَّيه كلّ الأشباح حقيقة، وكلّ الحقائق أشباح. في التَّيه في كلّ فصلٍ حدث، وفي كلّ حدث مقدام.
مدهشة هذه الرِّواية، ومن الصَّعب جدًّا أن تُكتب مراجعةٌ لها، فهي تصف ما لا تقدر أن تصفه باختصارٍ أو تمديد، من تحوُّلاتٍ اجتماعيَّةٍ وجفرافيَّةٍ وسياسيَّة، إلى التَّضارب بين القوى الخارجيَّة والدّاخليَّة، تُحرَّك فينا المشاعر والهواجس بجملةٍ من الشَّخصيّات بأسلوبٍ قصصيٍّ وروائيٍّ طريف.
الرِّواية سردٌ عاطفيٌّ عجيبٌ سُرِدَ من الدّاخل، ووثيقةٌ تاريخيَّةٌ لمرحلةٍ حسّاسةٍ جدًّا في حياة الجزيرة العربية. تغرقنا الرِّواية في بحر من الشَّخصيّات الَّتي يختلف موقفك منها، فتارةً تتعاطف وتارةً تكاد أن تدخل إلى الرِّواية لتمنع إحدى الشَّخصيّات من فعلٍ معيَّن. كتب منيف عن شرائح المجتمع المختلفة من التَّيّار الدينيّ، التَّيّار المعارض، التَّيّار الموالي للأمير والأمير ذاته، العساكر والشرطة، الفقراء والأغنياء. شخصيّاتٌ كثيرةٌ تصنع أحداث الرِّواية، لكلّ شخصيَّةٍ حيِّزها وتفاصيلها الخاصَّة الَّتي تجعلك تحفظها في الذَّاكرة وكأنَّها شخصيَّة البطل الرَّئيسيّ الأوحد. وأعجبُ من قدرة منيف على جمع هذه الشَّخصيّات وربطها ربطًا متقنًا كبيت العنكبوت، وعلى وضع القارئ داخل المشهد وجعله يواجه المواقف ويعيشها بكلّ أحاسيسه.
بشكلٍ عامّ، التَّيه روايةٌ رائعة، تؤرِّخ بحرفيَّةٍ بالغة فترةً لم نعشها ولم نتعرَّف تفاصيلها، تتحدَّث عن قصَّة تغيير خارطة حياةٍ كاملةٍ عرفها البدو قبل ظهور النِّفط، تصف ببراعةٍ روائيَّةٍ شديدة، حال العرب قبل اكتشاف النِّفط إلى مراحل بدء التَّنقيب عنه واختلاط البدو بالأمريكان بل والعمل لديهم في الشَّركة. قصةٌ ظهرت فيها الوحوش الصَّفراء على أنقاض البيوت والمزارع. تصف حالة تحوُّل بعض المناطق البدوية من بيئة البداوة البحتة إلى المدنية المتطوِّرة بعدما دخلت إليها عفاريت التكنلوجيا من راديو وتلفون وغيرها.
في الرِّواية جانبٌ سياسيٌّ يهاجم الأمريكان ويعتبرهم مستعمرين ويهاجم الأمراء من باب خضوعهم للأمريكان بطريقةٍ مضحكة، وما تخلَّل ذلك من مفارقاتٍ بسبب اختلاف العادات والتَّقاليد وغياب وسائل الاتصال في ذلك الزمن، فكلّ ما كان يراه أهل المنطقة من هؤلاء الغرباء كان شيئًا جديدًا و مستهجنا.
أعجبت بشخصيَّة متعب الهذال الحاضر الغائب، أم الخوش، مزبان، ومفضي الجدعان في بعض مواقفه.
فكرتي عن الخماسية ستحدَّد بعد الانتهاء من قرائتها كاملة، إلّا أنَّ نهاية التَّيه تعد بالكثير، متشوِّقةٌ جدًّا لبداية الجزء الثّاني.
الرِّواية أكثر من رائعة وتستحقّ كلّ التَّقدير والاهتمام، باختصار: هكذا يُسرد التّاريخ في رواية.
ملاحظة: استخدمت بعض الألفاظ البذيئة بشكلٍ محدودٍ في الرِّواية.
مغزى القصة او بمعنى اخر هدفها قوي جدا و هو عدم الإستسلام للغريب و الإنصياع له كليا و هو يستولي على ثروات البلد مقابل خدعاهم انه بالإساس انه من له الفضل في اكتشافها و مفردات القصة غاية في القوة و الصراع جلي و قوي بين الشخصيات الموجودة في القصة و لكن السلبية الوحيدة في القصة ان الابطال كثر و من الصعب عليك احيانا ان تتذكر كثيرا منهم و تختلط عليك اسماءهم و لكنها في النهاية تجربة جميلة و انصح الجميع و خاصة اولئك الذين يعشقون التاريخ و السياسة بقراءتها
عمل أدبي كبير من خمسة أجزاء ربما من أفضل ما كتب عن نشوء ممالك النفط في الخليج العربي فعندما سُئل عبدالرحمن منيف عن سبب تسمية هذه الملحمةخماسية «مدن الملح» قال: «قصدت بمدن الملح، المدن التي نشأت في برهةٍ من الزمن بشكل غير طبيعي واستثنائي. بمعنى ليست نتيجة تراكم تاريخي طويل أدى إلى قيامها ونموها واتساعها، إنما هي عبارةٌ عن نوع من الانفجارات نتيجة الثروة الطارئة. هذه الثروة (النفط) أدت إلى قيام مدن متضخمة أصبحت مثل بالونات يمكن أن تنفجر، أن تنتهي، بمجرد أن يلمسها شيء حاد. الشيء ذاته ينطبق على الملح. فعلى رغم أنه ضروري للحياة والإنسان والطبيعة وكل المخلوقات؛ فإن أية زيادة في كميته، أي عندما تزيد الملوحة، سواء في الأرض أو في المياه، تصبح الحياة غير قابلة للاستمرار. هذا ما هو متوقع لمدن الملح التي أصبحت مدناً استثنائية بحجومها، بطبيعة علاقاتها، بتكوينها الداخلي الذي لا يتلاءم وكأنها مدن اصطناعية مستعارة من أماكن أخرى. وكما قلت مراراً، عندما يأتيها الماء، عندما تنقطع منها الكهرباء أو تواجه مصاعب حقيقية من نوع أو آخر؛ سنكتشف أنّ هذه المدن هشة وغير قادرة على الاحتمال، وليست مكاناً طبيعيّاً لقيام حاضرات أو حواضن حديثة تستطيع أن تستوعب البشر وأن تغيّر طبيعة الحياة نحو الأفضل». من خريبط إلى خزعل وفنر ونهايته البائسة، السلطة المطلقة التي تحمي نفسها ببطش مطلق وفساد غير محدود وولاءات تُشترى بالنفوذ والمال، وإلهاء الشعب بالبحث عن لقمة عيشه كي لا يتمرد على مستبديه، يمكن القول بأن أسوأ ديمقراطية هي أفضل بما لا يقاس من أي شكل من أشكال الاستبداد والسلطة المطلقة