وهو كتاب لسماحة الشيخ الراحل آية الله محمد جواد مغنية وهو أحد قضاة المحكمة الجعفرية في لبنان. و في هذا الكتاب يسلط العلامة الراحل الضوء على علماء حوزة النجف محاولاً أن ينقح إسم الحوزة من المنافقين الذين حاولوا ان يخربوا سمعة الحوزة النجفية. يقول في مقدمة الكتاب : و إذا تساءل القارىء إن النجف خرجت أفراداً لا يصلحون لشيء غير الهزء و السخرية فسيجد الجواب مفصلاً عن هذا التساؤل في صفحات الكتاب وملخصه : أي ذنب النجف اذا دخلها وخرج منها بليد لا يصلح لشيء ؟ او ضعيف الهمة او لص محتال ...؟ وهل يطلب منها أكثر من البراءة منه , وعدم الثقة به ؟
محمد مغنية، كاتب إسلامي، من أبرز علماء لبنان ، ولد سنة 1322 ه في قرية طيردبا من جبل عامل، درس على شيوخ قريته ثم سافر إلى النجف ، وأنهى هناك دراسته. ثم عاد إلى جبل عامل وسكن طيردبا، ثم عين قاضيا شرعيا في بيروت ثم مستشارا للمحكمة الشرعية العليا فرئيسا لها بالوكالة، إلى أن أحيل للتقاعد. والشيخ من الذين أبدعوا في شتى الميادين الإسلامية والاجتماعية والوطنية ، توجه بإنتاجه وأفكاره بصورة خاصة إلى جيل الشباب في المدارس والجامعات والحياة العامة، فكان يعالج في كتبه المشاكل والمسائل التي تؤرقهم وتثير قلقهم كمسائل العلم والأيمان، ومسائل الحضارة والدين ، ومشاكل الحياة المادية والعصرية، وكان يقضي في مكتبته بين( 14 إلى 18 )ساعة من اليوم والليلة ،وله أيضاً الكثير من المقالات والنشرات، وكان كثير الذب عن التشيع و الاسلام بلسانه وقلمه ضد التجني والافتراءات، وأيضاً كان يسعى بقلمه وقوله في التقريب بين المسلمين فألف الكتب و نشر المقالات ، توفي رحمه الله ليلة السبت في التاسع عشر من محرم الحرام سنة 1400 ه ، ونقل جثمانه إلى النجف الأشرف وشيع تشييعا باهرا حيث صلى عليه السيد الخوئي،وأمر باغلاق الحوزة 3 أيام ، ودفن في إحدى غرف مقام الإمام علي - عليه السلام-.
النجف الأشرف هي بلد العلم و العلماء و استلهمت عظمتها من خلال وجود قبر و ضريح سيد العلماء و منارة العلم الامام علي بن ابي طالب عليه السلام الذي قال فيه النبي صلى الله عليه و آله ( أنا مدينة العلم و علي بابها , فمن أراد المدينة فليأتها من بابها )
تخرج من النجف علماء فقهاء عظماء في كافة الميادين و ابهروا العالم و تزعموا حركة العلم و لازال عطاءهم و تدفق نور العلم من خلال نتاجهم العظيم ,,
في هذا الكتاب الذي كتبه و ألفه أحد العلماء الذين تخرجوا من مدرسة و حوزة النجف الأشرف و هو العلامة الشيخ محمد جواد مغنية قدس سره ,, عرض نماذج كثيرة من علماء و فقهاء النجف و علماء الاسلام و من مختلف البلدان لكي يعرضها كنموذج مشرف تفتخر به الامة الاسلامية و الانسانية جمعاء ,, و الجميل فيما طرح انه ذكر نماذج عظيمة من الصحابة في بداية كتابه كسلمان المحمدي و أبي ذر الغفاري ثم اتبعهم باصحاب الائمة التابعين ثم ذكر العلماء ,,
عندما تقرأ هذه التراجم للعلماء و لما خرجته النجف الاشرف و تربط هؤلاء الماضين بالعلماء الذين يعيشون في النجف حالياً و عطاءهم و مكانتهم و كيف يحركون الساحة العلمية و السياسية و الثقافية فانك تشعر بأن النجف هي نهر لازال يجري و يروي العلم و الانسانية و الارض بالخير و بثماره المعطاء المتنوع ,,
كتاب يستحق القراءة و مثل باقي كتب المؤلف العلامة مغنية الذي تعيش مع قلمه وعياً متحركاً متواصلاً مع الحياة و بناء الانسانية و القيم و الاخلاق .
في الآونة الأخيرة أصبح رجل الدين (المعمم) من الحوزة النجفية -عند عامة الناس- شخصية تلبس ملابس فديمة تبحث عن المال في كل حدب و صوب و عن السلطان و تدعو للنفاق و الغيبة و أصبحت عن الناس شخصية مُهدمة ورُجعية بدل أن تكون شخصية روحانية مُجددة داعية للأخوة وقوة الأمة.
و أنا قبل ان أدخل واقعاً بأي كلام عن الكتاب أطلب من كل مسلم أن يقرأ فيه مقامات علماء الشيعة ودعوتهم الدائمة للأخوة (للأخوة للتقريب, فالأخوان لا يحتاجون لتقريب إنما لتذكير, و الذكرى تنفع المؤمنين) فيجدد الكاتب -رحمه الله و قدس سره الشريف- رؤية حول الكثير من الشخصيات مثل العلامة الحلي و الشهيد الجبعي الثاني فيُري القارىء الجانب الأخر المتسامع لهم فأحدهم كان طالباً في الأزهر و مفتياً بجميع المذاهب الخمسة و أحدهم كان يدخل الجدالات مع علماء المسلمين و يخرج منها و يدخل وهو مع الكل أخ , و أكبر دليل إن أكثر علماء المسلمين كرهاً للشيعة وهو إبن تيمية كان قد حج أخر حجة مع العلامة الحلي و قد كان بينهما ود في تلك الحجة -رحم الله كل المسلمين-.
يقوم الراحل آية الله مغنية بإعادة تعريف الناس ورجال الحوزة نفسهم -بصورة نقدية رائعة تمزج بين مدح المؤسسة العريقة و تذم المُتلبسين بإسمها لبس رجال الدين وهم أكفر الناس- بحوزة النجف و برجالها, و أقل ما يقال عنهم وصفه لهم ببدايات الكتاب :
والعلماء الذين نتكلم عنهم في هذا الكتاب هم الذين يمثلون مبادىء الدين (من لا تقتل .. لا تسرق .. لا تزن .. لا تكذب .. لا تظلم .. لا تتجسس .. لا تخن أحداً .. لا تاكل الربا .. مد يد العون لكل محتاج إليك) على أكمل وجه, ويتنازلون عن حياتهم و رؤوسهم , ولا يتسامحون بشيء من دينهم هم الذين لا يتاجرون بالدين و لا يتلاعبون بالعواطف , هم الذين لا يفهمون الدين على إنه شكليات وخرافات و أساطير , هم المتقون حقاً و المتفقهون بالشريعة.
فهو يبدأ من أول طلبة التشيع, طلبة الإمام امير المؤمنين وصحابته سلمان الفارسي و أبو ذر رضوان الله عليهما و يأخذ من صحابة الائمة الكرام إبان بن تغلب و الخليل بن أحمد صاحب الصادق عليه السلام ويذهب الى العلامة الحلي و الشهيد الثاني من علماء الشيعة في أواسط التأريخ الهجري و من ثم يتكلم عن العلماء المتأخرين و المعاصرين أمثال الشيخ الأنصاري و السيد الأمين و صاحب الجواهر النجفي و الشيخ المقمقاني و السيد شرف الدين و شيوخ -قد لم تسمعوا بأسمائهم أبداً- مثل الشيخ دبوق و سيد حسن الأمين و الشيخ محمد علي نعمة.
وينكلم عن الدراسة وأجواء النجف الحوزوية في أكثر من مورد, فهو حقاً كتاب جميل يعيد تعريف الحوزة النجفية العريقة أكبر المدارس الدينية الإسلامي (مع مدرسة الأزهر الشريف) للمسلمين عامة و لشيعة العراق خاصة.
قرأت هذا للكتب من أوائل السنة و كان غرضي مجرّد الإطلاع على هذا الكتاب و هو بحسب ما أتذكّر لم يكن موحّد المنهجيّة فهو و إن يعرض لنحوٍ من ترجمة لعلماء الشيعة بشكل عام -و إن سميّ بعلماء النجف و سبب ذلك لأنهم حازوا الحظّ الأوفر من الكتاب- إلّا أن الكتاب لم يخلُ من مقولات فيها توجيهات أو نصائح و آراء شخصيّة ، و على أيّ حال لم يُثر إنتباهي فيه إلّا بعض تلك المقولات التي تخلّلت طيّات الكتاب فأقيّمه بـنجمتين