فمن أنتَ من أسمائكَ؟ وسماؤكَ التي اقتحمت ذاكرةَ الصّورِ القديمةِ:
سماءٌ في نجمةٍ، وسماءٌ في درجِ العمارات الضَّيق، سماءٌ في السَّلالم، وسلالم الطوارئ، سماءٌ في فتحةِ البابِ والمقبض، سماءٌ في القميصِ تفتحُ للرِّيح مدناً جديدةً..
مواليد الكويت في 10 ابريل 1971مقيم في كندا منذ 1995 أسس مجلة أفق الثقافية مع القاص كريم الهزاع وصالح النبهان عام 2000 ويعمل مديرا لتحريرها من أعماله (غربة أخرى- شعر- دار المدى 2004 )
لا أدري كيف غفلتُ عن كتابة شيء ما هنا بعد أن انتهيت من هذه الحكاية. تذكرتها بالأمس عندما استمعتُ صدفة للسولو بيانو بوِحدةٍ وتفردّ.
تذكّرتُ حكاية الرجل العجوز الذي "يتوكّأُ أيامه، الوقتُ عكّازان معقوفان على قلقٍ والمكان تتساقطُ أرقامه في صبيحة جمعةٍ أولى ما الذي يفتحُ فيكَ شهوةَ الكلام وأنتَ تتقاعدُ في السَّهوِ وتزهدُ بالتفاصيلِ
ليسَ لديكَ سوى حكايةٍ واحدةٍ وقصيدةٍ واحدةٍ وصديقٍ وحيدٍ يؤلفُ من حياته قصصاً وهميَّةً وحبيبةٍ وحيدةٍ لم تخنها بعدُ وقبيلةِ أخطاء. . . أحببتُ هذه الحكاية، بدءاً من ريشة "علي حسين" التي لوّنت وجه الحكاية بالزُرقة وصورة الرجل العجوز و انتهاءً بخطِّ النهبان الذي ينسابُ خفيفاً وهو على عُجالةٍ من أمره.
حكاية الرجل العجوز، مشاهد عادية لرجلٍ عاديّ، لكنها الذكريات، الحلم، الغربة، البيت و الوطن. هي تفاصيلُ حيوات متعددة بعدد البيوت والمدن والأوطان التي عبرها وعبرته.
"حكاية ٌما بين أغنيتين، قلقين، غريب ٍو غربته. التفاصيل فيها مفتوحة ٌعلى أشدّها، يختصرها و يختصرك َإلى رحيل جديد ٍ " كلُ سماء ٍ مدينة ٌ .. و غريب ".
الشاعر محمد النبهان يأسرك بتلك الصور الشعرية المكتنزة في نصوصه التي نسج منها خيال وطن وذكرى أمل وخيبة من زمن غير منصف.** في إصداره الجديد (حكاية الرجل العجوز) يعيش الحكاية الأولى، وهو لم يسردها بعد. حكاية بحث في جيوب رجل عجوز «أربعيني» تمر عليه صباحات الجمعة مملة، كما هي عادة النهايات المكررة، حيث يأكل بصمت صمته اللامتناهي، الذي يراقب فيه عمرا مضى، وأصدقاء رحلوا، وفأسا مستعدة منذ زمن، وفراشة عجوز مثله، تراقبه بدورها، فيتبادلان العطف على ارتعاشاتهما معا. فمن أين تبدأ حكايتك أيها العجوز؟ هل مع المكان الذي بخل عليك وأنت لا تزال فيه وفي بداية حلمك معه في الحياة؟ أم مع الزمن العابر الذي تساقطت معه كل أرقام المكان، تاريخه، هوياته، كلامه، ليبقى في صمته القديم، عزلته، برغم محطاته المتعددة؟ أم مع المرأة الوحيدة التي لم تخنها بعد، فتتذكر معها البيت، الأثاث، ألبوم صور العائلة الصغيرة، حيث صغارك الذين كبروا بعيدا عنك وزوجاتهم؟ «أنت في الذكريات، جرح في مؤخرة الرأس، ارتجاج خفيف في الوجوه، وأسمائها، كتابة صفر فقدان ذاكرة أو انتحال آخر». الذكريات والبيت... أي بيت في هذا الزمن الأناني، المزاجي، الشكلي، المخملي، الطبقي، المنفي من القلوب المهاجرة، المغتربة: «بيت الغريب بلا بيت مرتب على غير عادته بارد ووحيد» المنفى... هل هو اختيار أم خيار وحيد؟ هل يتساوى الناس فيه، وبعضهم تركوا أقنعتهم الرخيصة معلقة على جدران بيوتهم الباردة الصماء، المتنصتة على كل أسرارهم، وقد صعدوا كل سلالم الطوارئ، وسرقوا كل سلال الذكريات. في حين، بقيت أنت وراءهم حارسا لستائرهم، غضب نسائهم، ألعاب أطفالهم، وسجاد بيوتهم المخنوق بغبار الوطن! «كل بلد منفى، من كان منفاك بلادك يا أيها الولد الكهل، يا المهاجر، لا بلد يحفل إن مت في الغزو، ولا علم سوف يخفق فوق جنازتك إن فجرت رصاصة طائشة رأسك». وهي... هل لا تزال الأغنية الأخيرة؟ تقول لك: «لست حرا بما يكفيك، أنا امرأة حرة أفعل ما أشتهي وما لا تشتهيه لا الوقت وقتك ولا البحر الذي خلفك يشبه البحر» وهكذا هي حالة نص «حكاية الرجل العجوز» لمحمد النبهان، حكاية بحث عن الآتي مع الأمس والغد، تقف على باب الصمت، بين مدينتين صغيرتين، يستعيد غربة أخرى، في حضرة امرأة من اقصى المدينة. وكل سماء مدينة... وغريب!
لنجلس معاً في أيَّ مقهى تختار أي مقهى على الطريق العام، أي مقهى صغير ليس لهُ زبائن معتادون نجلس صدفة لو أردت، مثل غريب لغريب، بلا حكايات محددة ولا أصدقاء نتحدث عن الطقس، وناس المدينة المحليين. نتحدث عن العادات والتقاليد وحرية الرأي وحقوق المرأة، أحاديث طارئة، كجلسانا الطارئة، مثل كأس الشاي اذي ستدفع ثمنها، سوف تصر على ذلك، لولا أنهُ ليس من طبعك، ولا أنا أملك قيمة الفاتورة الرخيصة
كشوكة برية هو الحب، يبيعك الجدب، يدخل فجأة في جلدك، في ارتعاشة الدم و العطش، كدفعة في السراب، كشوكة برية تهزأ بحرفيتها الحدية، تغرس نابها بين اللحم و العصب، فتسلمها روحك....
هذا الرجل الصادق ، بورك حزنه ودمعه ! تلقيت هذا الكتاب من يد الجميل محمد النبهان في معرض الكتاب بجدة ، بعد أن أهديته روايتي الكمكم. وحقيقة كنت أقول في نفسي : " كيف تعذب الدنيا مثل هذا الإنسان المليء بالصدق والحقيقة؟ " ما أجمله من شاعر وانسان وصديق.
حكاية الرجل العجوز، أو لعلها حكاية الشاعر نفسه؛ تفاصيل واضحة حد الصراخ وغامضة كبحر لُجّي في ليلة حالكة أبدية. الخيال يزاحم الواقع المرّ، وللقلوب آذان وبصر من حديد. البيت، الوطن، السفر، الهروب كمُطارَد، الغربة القَدَر، الهوية... تبا للحدود وجوازات السفر!
”ل� الوقتُ وقتي ولستُ حُرًا لأذهبَ بكِ إلى البحر الذي تعشقين� - ”تقوʤن� لستَ حرًا بما يكفيكَ، أنا امرأةٌ حرةٌ أفعل ما أشتهي وما لا تشتهيه
لا الوقت وقتكَ ولا البحرُ الذي خلفكَ يشبهُ البحرَ�.
بلى! أنت حُر بما يكفيك لآخر نفس، وما بعدها، حريتك سرمدية. أنت طائر مُهاجر يملك خياراته، بوصلته، ويخلق اتجاهاته.
هل كان شعراً؟ ما قرأت أصابني بالدهشة والوجع. صفحات قليلة، لكنها غريبة، ألمٌ ممزوج بالسخرية، أمل وانتظار. والصدق الذي ملأ الكلمات كلها. الغلا� حكاية أخرى.
نختار المنفى قسرا و نُسجن في الوطن مطواعين ، البرد يستوطن قصائد الديوان الدافئة ، برد في الصورة ، في الغربة ، برد يمكنني من فهم الدفء الحاني ، ألا يُعرف النقيض بالنقيض . ديوان شديد التماس مع الروح .
وكأنه مونولوج طويل جداً يسرده النبهان في نَفَسٍ واحد لا ينقطع.. نص بقدر نعومته وسلاسته إلا أن له حد السيف في أطرافه.. لذلك احذروا جيداً وأنتم تقلّبون صفحات حكاية الرجل العجوز.
يقول هذا العجوز المزعج: . الوطن؛ بيتٌ، وامرأةٌ تنتظر حضوركَ آخر اليوم أو آخر الليل، سيان لعبة الانتظار الممل، وطفلان، وفواتير الكهرباء والهاتف النقال وغيرهما.