What do you think?
Rate this book
314 pages, Paperback
First published January 1, 2000
عندما تقرأ نصا معاصرا بالعربية ، لكاتب عربي ، ولا أستثني نفسي من ذلك ، فغالبا ما تكون البداية جملة إعتدنا عليها دون أن نتساءل عما يكمن وراءها من معان خفية ، ونمر عليها مرور الكرام ، ككل شئ اعتدناه دون سؤال. هذه الجملة عادة هي:((في الحقيقة)) ، أو ((في الواقع)) ، أو ((لا ريب أن)) أو هذه الجمل معا حين ترد في سياق خطاب معين ، وماشابهها من جمل.
وعندما تقرأ نصا بالإنجليزية ، وربما لغات أخرى لا أعرفها، فإن بداية النص غالبا ما تكون جملا مثل:((يبدو أن))، أو ((من المحتمل أو من الممكن أن))، أو كل هذه الجمل أو ما شابهها. والعجيب أن النتائج والخلاصات التي يتوصل إليها صاحب نص (( الإحتمال والممكن والظاهر))، أقرب إلى الواقع من صاحب ((الحقيقة والواقع ومما لاشك فيه)).
ليس المراد هنا مناقشة الفروق بين ((الحقيقة)) و((الواقع)) أو الواقعة، بقدر ما أن المراد هو تحليل أسلوب التعامل مع هذه المفاهيم، بعيدا عن إشكالية كينونيتها.
فحتى الإسلام، الذي هو لكل البشر ورحمة للعالمين، هناك من يريد أن يحتكره، فلا يعود المسلم، والحالة هذه، مسلما، ولا يعود كل المسلمين من المسلمين، كما لا يعود كل الناس من بني ٍآدم وحواء، وخلفاء الله في أرضه معا. أناس يضعون أنفسهم فوق الناس، ويريدون أن يكون الله سبحانه وتعالى ربا لهم وحدهم دون بقية خلق الله من الناس أجمعين: لا يعرف كلماته إلا هم، ولا يفقه مراده إلا هم، وأن يكون محمد صلى الله عليه وسلم حكرا لهم، ليس إلا هم من يعرف ماذا يقول، ومعنى ما يقول. أما الإسلام، هذا المظلوم في آخر الزمان من قبل بعض أهله أنفسهم، فهو لهم وحدهم، وهم المسلمون دون خلق الله أجمعين، فسبحان الله عما يصفون
فالدين مثلا يحدد الغايات السياسية العليا والمبادئ العامة المحددة لأطر الحياة الاجتماعية التي تشكل السياسية جزءا منها، وذلك حين يتحدث، أي الدين، عن العدل والمساواة والشورى وتحريم الظلم، ونحو ذلك من مبادئ عامة. أما كيفية تحقيق ذلك، أي الممارسة السياسية العملية، فإنها متروكة للناس لإيجاد السبل والخيارات والبدائل المناسبة لتحقيق ذلك وفق ظروف الزمان والمكان، إذ إنهم "أعلم بأمور دنياهم"، كما علمنا سيد الرسل والبشر أجمعين عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم
هل تنجم هذه المحاولة عن هذا النظام أو ذاك ليس مهما، بقدر ما أن المهم في الأمر هو الاعتراف بالاختلاف، واحترام الاختلاف، في إطار سياسي واجتماعي وثقافي يصون الاختلاف، ويمنع بالتالي تحوله إلى "خلاف" ينفجر عنفا ودما