قرأتُ وعملتُ بحماسٍ متأجّج... وكتبت... آه كم كنت سعيداً آنذاك! كم كان فكري، في هذيانه، يحلّق عالياً في تلك الأصقاع التي لا تزال مجهولة لدى بني البشر، حيث لا أناس ولا كواكب ولا شموس. كان داخلي لا متناهياً أرحب وأوسع من المطلق، وكان الشعر يتهادى محلّقاً باسطاً جناحيه في فضاءٍ من الحبّ والنشوة. ثمّ توجّب عليّ الانحدار مجدّداً من هذه السموات إلى الكلمات. لكن كيف بالإمكان أن أعبّر بالكلام عن هذا التناغم الذي يصعد في قلب الشاعر، وهذه الأفكار العملاقة التي تلوي الجُمَل كيَدٍ قويّة متورّمة تضيق بالقفّاز الذي يكسوها فتمزّقه؟ يا لتلك الخيبة. خيبة أن نلامس الأرض، الأرض الجليديّة حيث تنطفئ كلّ نار وتخبو كلّ طاقة. فأيّ مرقاة نتوسّل للانحدار من اللّامحدود إلى المحدود؟ كيف يمكن للفكر أن ينحطّ من علٍ دون أن يتحطّم؟ كيف بالإمكان تحجيم هذا العملاق الذي يُعانق اللّانهاية؟ يؤكّد شرّاح أعمال الكاتب، معتمدين على تواريخ دفاتره ومخطوطاته، أنّ فلوبير كان يمارس الكتابة الأدبيّة منذ أن تعلّم الكتابة، أي معالجة حروف الأبجديّة، صغيراً. أمّا النّصوص المترجمة في هذا الكتاب، وهي مؤرّخة كلّها، فقد كتبها بين سنّ الخامسة عشرة والعشرين. وهي لم تُنشر إلاّ بعد وفاته بعشرين عاماً، إذ ظهرت روايته القصيرة "مذكّرات مجنون" في 1900، ثمّ راحت طبعات نصوص صباه تتوالى، مغتنية بنصوصٍ جديدة كل مرة.
Gustave Flaubert was a French novelist. He has been considered the leading exponent of literary realism in his country and abroad. According to the literary theorist Kornelije Kvas, "in Flaubert, realism strives for formal perfection, so the presentation of reality tends to be neutral, emphasizing the values and importance of style as an objective method of presenting reality". He is known especially for his debut novel Madame Bovary (1857), his Correspondence, and his scrupulous devotion to his style and aesthetics. The celebrated short story writer Guy de Maupassant was a protégé of Flaubert.
قلبت بدايته بملل، تصفحت سريعًا بعض القصص وتجاوزتها، كتبه في فترة الصِبا كما يقول العنوان، الاندفاع والغضب واضحِان، أوشكت أن أضعه جانبًا، حين أطل عليّ نص "نزعٌ وكروب" تحدث فيه عن الكتابة، الغضب والكره، الموسيقى والفن، الحب والشعر، وأجبرني على مواصلته، تلاه النص المعنون بـ: "مذكرات مجنون"، كي لا ينسيني أبدًا أني قرأت هذا الكتاب. رائع
فكّر بي و من أجلي. هكذا اختتم غوستاف أحد مراسلاته إلى صديقه ألفريد بواتفان، و ربما هذه الكلمات هي عزاء الكاتب و ضرورة كتابه وقد تكون هي العنوان المناسب لكل الحكايا و الشذرات التي يتضمنها الكتاب.. لا أدري، ربما هذا ما كنت أبحث أنا عنه! عبر الصفحات، التي لا يعتبرها غوستاف رواية ولا قصة أحكمت حبكتها ولا خواطر استقصى الفكر دقائقها سالكا ممراتها المتناسقة، نجد أن غوستاف كان أيضا من أولئك الذين أفنوا جلّ طاقاتهم في البحث عن اللانهاية، الهاوية التي يمتلكها كل واحد منا في قلبه و لا حدّ لها ولا قرار، و عن الذهب الإنساني الخالص و إكسير الحياة و حجر الفلاسفة، و أيضا أفناها في تأمل ردود الفعل الإنساني من خلال الشخصيات التي اقترحها في الحكايات المختلفة و حاول استجوابها إلى الفضيلة. ما هي حدود الفضيلة؟ ما هي الجدوى من معرفة الحدود؟ ما أدراني! لقد عادت بي هذه الصفحات إلى منهج كل من ديستويفسكي و خوليو ياماثاريس الذي اتبعاه في تحليل النفسية الانسانية و الحرص على رسم أفكارها و عمقها الداخلي قبل رسم ملامحها الخارجية...
قررت أن لا أتمها ، قصص لم اتخيلها من غوستاف ، تقريباً بجميع الحكايات تكون البطله امرأه قبيحة هذا الامر قززني لا توجد امرأه قبيحة ولو كان شكلها بسيط ، ثم ان الحكايه الواحدة يمكنه ان يختصرها ، ربما تكون مظلومة بسبب مزاجي القرائي لكن بكل تأكيد هي لاتستحق الا نجمه وان كان نجمه اخرى للاقتباسات .
من أجمل النصوص الأدبية التى قرأتها هى نصوص صبا فلوبير كما رأيتها أجمل وأهم أعماله على الإطلاق . فما تحمله هو أكثر من مجرد عمل فنى يتوسل الواقع والكلمات أو النغمات ليعبر عن مكنون روحه ورؤيتها . بل هى مذكرات شاعر شاب يتوسل بروحه النجاة من جنون الواقع ومآسيه التى تنتقل من عتمة الجهل إلى نيران الوعى المتأججة لتلك الفترة والتى تمد لهيبها عشوائياً فى كل إتجاه بغية إلتهام ما حولها أو أن تمسه بنورها وتتعرف إليه على أقل تقدير . وفيما يدرك الشاعر الشاب لعنة الوجود ينأى بنفسه عن إصدار حكم نهائى عليه يتطلب التبجح بمعرفة كل شئ . وهو فى المقابل لا يستسلم لمجهول الدين الذى يتطلب بالمقابل درجة عالية من الجهل أو الجبن والرياء لكونه لا يتوافق مع كل ما رآه وإختبره من ألم الوجود وعبثيته . فلا يجد ملاذاً إلا فى كتابة هذه النصوص التى تحمل كل ما فى الشباب من لحظات الدفئ والبرودة ، لحظات الأمل الواثق أو يأس الهزيمة والفشل ، لحظات الحب المشرق المبتهج للوجود أو لحظات الضغينة والتقزز من كل ما هو موجود ، لحظات البحث عن الذات وإستجماعها أو نسيانها وضياعها وتمزقها . إنه فيض من المشاعر الأكثر عمقاً والأشد تناقضاً ، محتفظة بكامل شدتها التى تغمرنا بها فى مطلع شبابنا والتى يهرب من مواجهتها الغالبية ولا يتجه نحوها إلا صاحب النفس الأكثر رهافة والعقل الأكثر حدة ، الذى يرغب فى تعرية كل ما هو على السطح باحثاً عما هو فى العمق مهما كان رهيباً ، مدركاً ما بهذه الرهبة من إمكانية الظهور والتجلى بالمظهر الأكثر جمالاً وبهجةً وإشراقاً أو الأشد قبحاً ووحشةً وظلمة ، والقدرة المطلقة على الجمع بين النقيضين فى صيرورة متحركة على طريقة الراقص على الحبل والذى لا تحكم حركاته فى النهاية سوى فكرة التقدم من خلال الإتزان . ويركز فلوبير على هذه الأفكار بشدة خلال النصوص التى تتسم بطابع الفانتازيا ليبرزها ابرازً ، ولكن الفانتازيا ليست سوى وسيلة ذات طابع خاص يستعملها ببراعة ليواجهنا بهذه الأفكار التى نهرب منها فى الغالب . هذه البراعة والجودة فى التعبير لا تنقص فى النصوص الأخرى التى هى شديدة الواقعية أو التى هى ذكرياته الشخصية ، بل أنى فى هذه النصوص الاخيرة وجدت ما كنت أبحث عنه فى كل قراءاتى الأدبية السابقة ، وهو روح الشاب التى تخاطب نفسها بصراحة والتى تبحث عن تفسير كل ما تختبره فى داخلها وعلاقته بما هو فى الخارج . والتى تتسائل عما هو مشترك بينها وبين الآخرين وعن سبب كل إختلاف . ولذا فإن قدرى السعيد فى القراءة قد أبلغنى ضالتى كالعادة فى الوقت المناسب . فإذا بى أجد علاقة وطيدة بين ما يصرح به فلوبير بشكل شخصى فى نصوص صباه وبين ما اجده - فى نفس الفترة - فى نظريات فرويد العلمية ، بحيث يشبه الأمر ما يجده طالب العلوم من زيادة فى الإستيعاب عندما يربط بين ما درسه فى محاضرة ما نظرية وبين ما قام به من تطبيق عملى فى المختبر . وعلى الرغم من كون المرء يستخدم تجربته الذاتية فى الحكم على النظريات الفرويدية - أو النفسية عموماً - حين يتعرف إليها ، إلا أن المقاومة النفسية قد تجعله يعجز عن إدراك بعض الحقائق وفهم بعض المعانى أو نسيان بعض الذكريات المفسِرة أو فقد القدرة على الحكم عليها . ولذلك فإن الاتطلاع على تجربة كهذه هى بمثابة تجربة مضاعفة ، تساعدك على الإطمئنان إلى ما وصلت إليه بنفسك ، كما قد تعيد إلينا بعض الذكريات المشابهة ، أو تجعلنا نفهم الفرق والإختلاف الكائن بين بعضنا البعض فى إحدى الطباع أو حتى فى رؤيتنا للعالم . كانت رحلة رائعة فى ذكريات هذا الشاعر الشاب وفى أعماقه التى أدخلنا إليها وأضاء لنا من روحه داعياً إيانا للبحث معه عما هو مشترك كما عما هو مختلف أو مفقود لدى كل منا . تجربة أدبية وسيكولوجية مميزة لا مثيل لها فى الأدب العالمى قاطبة حتى زمن فلوبيير على الأقل الذى رسا على ساحله قاربى .
غوستاف بدأ في ممارسة الكتابة دون اهتداء إلى طريقٍ مضاء لازال يتخبّط في مدارس الأنواع بين الرومنطيقية والسوداوية، تخوض الرواية أحداث عشوائية فالبدء ثم ما تلبث أن تلتفّ حول كاتبنا اللذي خلّفت قناعاته أفكارًا مربكة للقارئ، عن المداومة والانقطاع واللهيب والبرد الصاقع، ما الذي يشغف المرء منذ ولادته؟ وماعلاقتنا نحن البشر بالموت؟ هل بعد الموت حياة أخرى أم العدم؟ وكيف قد يبدو طعم العدم في اللازمان واللامكان؟
الكتاب الذي فيه كل شيء يزعجك ومع هذا يعجبك كالعدو الذي تعترف أنه اتقن صنعته، تفرد بأسلوب يشدك رغم أنك تكاد تقطع سبابته وهو تشير بسبابه على كل شيء يجرد كل شيء من قيمته وينثر كل مافي جعبته من آمال وخيبات ويصرخ بأسئلته عاليا لأدق الأمور وأعظمها أمتعني رغم كل مافيه والنجمة التي أسقطتها لعدميته وتعديه ولا أخلاقياته.
لم يترك شئ لم يتحدث عنه.. قرر ضرب حائط المعتاد بمقتل ليخلق عوالم جديده كتاب من كثره ما يتغلله من الم وسعاده وتحرر وحزن استنذف مني شهور كي اتمه لم استطع تحمل مخزون كل تلك الاحاسيس مره واحده.. غوستاف فولبير اول تجربه لي معه لكي يجردني من ذاتي امام ذاتي.. اسمه لا يصدي منذ زمن من فراغ فمثله لا يتكرر مرتين.. هذا الضجيج داخله اسفر عن براكين بداخلي.. ساقرأ له مره اخري بستمتاع.. واعيد كره قرأة هذا الكتاب حين احاول تجميع شتاتي كي لا اتصادم معه مره اخري بضجيجي..