يقول علي حرب بأن مشكلة المفكر هي في أفكاره: إعادة ترتيب العلاقة بالأفكار لنسج علاقات جديدة مع الواقع، من خلال شبكة جديدة من المفاهيم. ذلك أن المفكر هو فاعل فكري بالدرجة الأولى، بمعنى أنه يسهم في تغيير العالم بخلقه عالماً للفكر، ويقلب الأولويات بقدر ما يجترح منهجاً للتفكير، ويغير واقع السياسات بقدر ما يجترح منهجاً للتفكير، ويغير واقع السياسات بقدر ما يبتدع ممارسة فكرية جديدة أو يبدع سياسة فكرية جديدة ومغايرة. هذا ما حاوله علي حرب في نقده للمثقف وما رآه أنه السبيل الأنجع، فكرياً وعملياً، للخروج من الأزمة التي يعاني منها مثقف اليوم: تفكيك الأوهام والهوامات للفكاك من آليات العجز عن مواجهة الأزمات التي تتحول إلى مآزق خانقة، بقدر ما تعيد إنتاج العقم والهشاشة أو الهامشية . ويقول علي حرب بأنه وبهذا المعنى يشكل نقد المثقف محوراً من محاور تفكيره، ويدخل في صلب مهنته وفي صميم عمله، كمشتغل في ميدان الفكر همّه إنتاج أفكار جديدة، تتجدد معها أدوات الدرس والتحليل أو شبكات الفهم والتشخيص. ويضيف قائلاً بأنه وفي ضوء هذا الفهم لا يعود النقد موجهاً ضد المثقف، بقصد المحاسبة أو الإدانة، بقدر ما يصبح محاولة لفتح إمكانات جديدة، يخرج بها المثقف على غير ما هو عليه، سواء من حيث علاقته بذاته، أو بغيره وبالعالم، وبصورة تؤدي إلى إعادة ترتيب علاقات القوة بينه وبين رجل السياسة، وبشكل خاص، الأمر الذي يجعله يخرج مخرجاً أكثر غنى وقوة، سواء على صعيد المعرفة أو على صعيد السلطة.
كاتب ومفكر علماني لبناني, له العديد من المؤلفات منها كتاب نقد النص و هكذا أقرأ: ما بعد التفكيك ويعرف عنه أسلوبه الكتابي الرشيق وحلاوة العبارة. كما أنه شديد التأثر بجاك دريدا وخاصة في مذهبة في التفكيك.
وهو يقف موقفاً معادياً من المنطق الصوري القائم على الكليات العقلية التي يعتبرها علي حرب موجودات في الخارج وليست أدوات وآليات فكرية مجردة للنظر والفكر. فهو يتبع منهج كانط في نقد العقل وآلياته وبنيته الفكرية.
سأعترف أنّي قرأت هذا الكتاب، لا لأقطف فكرةً جديدة منه، ولكن لأرى كيف يعبّر مفكّر عربي عن فكرة طالما حملتها، وتحدّثت بها لأصدقائي، وكنت أشعر أنّها فكرةٌ غريبة وشاذّة في عالم المثقفين والعلماء على اختلاف توجهاتهم. لذا فلم يكن الكتاب بالنسبة لي صدمةً كما يقول مؤلفه (علي حرب) عنه، بقدر ما كان تأكيدًا وترسيخًا، وصياغة أكثر فلسفيةً لفكرةٍ أؤمن بها، وأحاول نشرها. خلاصة الفكرة أنّ النخبة تعيش في أوهامٍ عدّة أهمّها هو "نخبويتها" و ما ترى في نفسها من اصطفاء، وأفضلية تورثها التعالي والكبر، وما أكثر ما تسمع من مصطلح "الخاصّة" في مقابل " العامّة". ثمّ أوهامٌ أخرى تتعلّق بإيمانها الشديد بما تحمله من أفكار ورؤى، تدفعها لحراستها والدفاع عنها بدلًا من نقدها وتطويرها. وأوهامٌ تتعلّق بتطبيق تلك الأفكار ومطابقتها للحقّ من جهةٍ ومطابقتها للواقع من جهّة أخرى، فيصير المثقّف النخبوي متطرفًا نابذًا للآخر من جهة، وعنيد سلطوي يريد تطويع الواقع لفكرته من جهةٍ أخرى.
مآخذي على الكتاب: - تكراره الكثير لبعض أفكاره، ولا أستغرب بعد أن سمعت لقاءً مع الكاتب، فيبدو أنّ هذا طبعه. - تفريقه غير الموفّق بين المفكّر والمثقّف والفصل المتكلّف بينهما، والأولى الحديث عن حالتين لصاحب الفكرة تغلب أحدها على الأخرى في مرحلة ثمّ تصير الدائرة للأخرى في مرحلةٍ أخرى. - ينسى الكاتب في خضم دفاعه عن الفكر والاشتغالي الفكري أنّ الذي يُطلب منه ذلك إنّما هو إنسان تغلب عليه أهواؤه، و تستوطن لامعقولاته عقله(باستخدام مصطلحات الكاتب)، فلا يمكن والحالة هذه خلعه من إنسانيته، وتحويله إلى "آلة" فكرية تفكيكية فحسب.
على المستوى الشخصى مهتم بدور المثقف كجزء من سؤال وجودى عن جدوى المعرفة و دور الفرد/المثقف فى تغيير العالم أو فهمه ، اشكالية المثقف حديثة نوعاً ما و تشكل جزء مهم من الجدل الفكرى فى دول الهامش و المركز على السواء ، و هى متجددة لما يطرحه الواقع من تحديات يصعب تجاوزها دون الالتفاف الى موقف المثقف بوصفه مولد للأفكار أو داعية سياسى، "على حرب" فكك مقولات كثيرة تكاد تكون من المسلمات الفكرية العربية و اعتبرها أوهاماً تمنع المفكر عن تقديم أطروحات فكرية تجيب على أسئلة الواقع و لا تندهش كل مرة من قدر الانقلابات فيه ، و يقول بأن المثقف العربى لم يدعو الى شئ الا حدث عكسه ، و لعل ربيع الثورات العربية يؤكد جزئياً بعض ما قاله عن نخبوية المفكر و ضعف فعاليته النضالية و الفكرية أيضاً ، يخلص الكاتب إلى ان مشكلة المفكر هى فى أفكاره و ليس فى الواقع و يدعوه إلى التواضع و النزول من برجه العاجى إلى الواقع كى يشتبك معه و يساهم فى توليد مفاهيم و أفكار تساعد على تفسيره و يؤكد - بصورة متكررة و ممللة - على أهمية التفاعل مع أفكار الحرية و الحداثة و الحقيقة و الديمقراطية و السلطة و غيرها بعقل توليدى و عدم الاستسلام للنماذج الجاهزة .
أوهام النخبه يوجه علي حرب كتابة هذا للمثقف والمفكر الذي يعتقد بأنه رسولاً لمجتمعه أو حارساً للحقيقه فيغرق في أوهام تجعله في عزلةٍ عن مجتمعه وعن واقعه الفكري . فحصر الأوهام بخمسة نقاط وهم النخبة وهذه نتيجة الأعتقاد بالصفوه بحيث يصبح المثقف في عزله حقيقيه عن الواقع المعاش وهم الحُريه وهنا يغوص علي حرب في المفهوم لكي ينتقز فيه المثقف بحيث يفضحه لأنه ينادي بالحريات ولكنه يمارس الإستبداد الفكري بإحتكاره للحقيقه أو تبنيه رأياً أيدولوجياً لا يقبل غيره ، فالأولى به أن يستغل على إنتاج الأفكار واستيعاب الواقع وهم الهوية وهنا ينتقد من يعتقد من المثقفين أنه بإمكان المرء أن يبقى هو هو ويبقى على أصوله وتراثه الفكري ، وبالتالي يصبح المثقف هنا حارساً للأفكاره وأصولياً أكثر من الأوصوليين . وهم المطابقه وهنا يقول علي حرب أن خذا المرص منتشر عند جميع المثقفين سواء عرب أم غيرهم وهو ذو جذر أرسطي وأساس ديكارتي (بحيث تكون الحقيقه جوهر ثابت، سابق على التحربه متعال على الممارسه) وهذا الإعتقاد قد ترجم أحياناً على نحو سلبي وأتى بالدمار والكوارث ، بحيث تكون الفكره كالحلم الذي يراد لها أن تكون واقعاً بدون النظر للظروف الموضوعيه والواقعيه. بهذه الأوهام ينتقد علي حرب المثقف وبطلب منه أن يصبح فاعلاً في مجاله الفكري والثقافي لا منساقاً خلف الأوهام بحيث ينتج حوارات ويولد أفكاراً جديده لتجد مكانها في الواقع . وقد حدد علي حرب معياراً لمصداقية الفكره أراه مناسباً بحيث تكون الفكره الصحيحه هي تلك التي تكون على أرض الواقع أو تلك التي تقبل الواقع وهذا هو دور المثقف في السعي وراء تقريب الأفكار للواقع لا العكس . بحيث انتقد مقولة ماركس(لقد انشغل الفلاسفه في فهم العالم بينما عليهم هو تغييره) وبالتالي كما يقول هنا حدثت الويلات بحيث لابد لنا من فهم العالم وايضاً لابد لنا من النظر والنقد لمقولة(التغيير) لأي شخص يتبناها .
(رأي خاص) من يعرف علي حرب ويعرف نفسه المابعد حداثي وخطابه التفكيكي فهو دايماً يسعى لقراءة المحجوب وسبر الأغوار خلف المعاني والأحداث . وبالتالي هذا هو منهج علي حرب فيه يتشظى اليقين ويعاد ترتيب الحقيقه لتصبح ليست مجرد فكره هلاميه إنما الحقيقه حالة واقعيه نعيد صياغتها نحن لها وبذلك يكون مصداقية الفكره والحقيقه مدى قبولها للحياة في أرض الواقع .
*الكتاب أوسع من مراجعه وكعادة علي حرب يعيدني إلى نفسي كي أفكر وأفكر
"هكذا فيما يمكن للمثقفين أن يفعلوه الان بصورة مجدية، إذا أرادوا أن لايضيفوا فشلا جديدا أو لايتكشفوا عن عجز جديد، هو أن لايتصرفوا بوصفهم النخبة الواعية والمتقدمة التي تتقدم على المجتمع، لكي تقدم له مشاريع للنهوض والتغيير، بل أن يعملوا على تغيير أنفسهم وتحويل عقولهم، لكي يلحقوا بالمجتمع الذي يسبقهم في حركته وتحولاته، إذا أرادوا المساهمة في صنعه وتشكيله."
علي حرب الفيلسوف ، كما يحب أن يطلق عليه لما في كلمة "مفكّر" من احساس بالتفرد والتعالي على اعتبار ان كل الناس يفكرون، فهو ومن صفحات كتابه الاشهر الذي شكل به شخصيته الفكرية، كتاب أوهام النخبة أو نقد المثقف يتجلى مفكرا حقيقيا، من طينة مميزة.
الكتاب وبرغم صفحاته القليلة نسبيا ثقيل المحتوى، يعبر فيه الكاتب ومن عدة فصول عن نظريته، التي يذكرنا فيها بأوهام فرانسس بيكون الاربعة، وكذلك منهج الفيلسوف الألماني كانط في نقد العقل. فالفكرة الرئيسة فيه تقوم على هذا النقد الذي يجب ان يخوض فيه المفكر ويستمر عليه، وذلك هو الطريق الانسب لكي لا ينجر المفكر ويصبح (مثقفا) كما يسمى ويصعد الى علياءه حارسا لافكاره، حيث ان هذا هو اكبر عيوب هؤلاء النخبة، الذين ينسحبون اكثر واكثر بعد كل فشل لافكارهم على أرض الواقع، وبعد ان تصغر ساحة فعاليتهم يلقون بسهام اللوم على المجتمع وهبوط المستوى والانحدار والجهل وغيرها من الامور التي تثبت فشلهم، اكثر منها تشخيصات لفهم مشاكل ذلك الواقع.
الكتاب ممتع، وذو قيمة عالية من حيث التأثير في القارىء، فمنذ اليوم الذي بدأت فيه القراءة وتوضحت شيئا فشيئا الصورة الكبيرة او تلك الفكرة الرئيسية؛ اصبح بالامكان تطبيق هذه الفكرة وتوجيه النقد بداية لنفسي، وبعد ذلك لكل من اعرف من "المثقفين" سواءا معرفة شخصية او غيرها، وصارت هذه العملية من التطبيق على الواقع تذكرني ببداية تغيير أفكاري مع كتب الدكتور علي الوردي التي أحدثت معي ثورة في التفكير وفي تغيير الاطار الفكري ووجهات النظر. ومن هذه التغييرات والصدمات الفكرية ينشأ القارئ، ويعرف قيمة الكتاب الذي يقرأه، وبهذا فان علي حرب ومن البداية يثبت انه يستحق لقب المفكر والفيلسوف، وحتما ساحاول الاطلاع على بقية مؤلفاته.
مشكلة المثقف في أفكاره،هذه الفكرة الرئيسيه والتي يذيلها الكاتب كثيرا وبشكل ممل أحيانا في نهاية كل موضوع يتفرع له.. " .. وتأتي العوائق التي تعطّل دور المثقف في سعيه للتغيير تباعاً.. نجد المثقف مداناً بسلطويته وهي سلطة من نوع آخر تتمثل في الكلام والكتابة .. ومفتونا بشعارات عريضة ، فيتعامل مع افكاره بصورة ماورائية اسطورية حيث أنه اهتم بنسق الأفكار لابمجريات الواقع مهملاً الهوامش والتفاصيل بقدر مايقفز فوق واقع الحياة اليومي
..
وكما ان هذه الأفكار التي تدور في رأس المثقف والذي يرى فيها نظريات محققة وقابله للتطبيق ،صالحة للتعميم والإنتقال من مجتمع لآخر ومن بيئة لأخرى يصفها الكاتب بـ "الوهم" ذلك ان مايكتب على الورق لاعلاقة له بمايجري على الأرض وينتج عنه طريقين يختارالمثقّف أحدهما 1- إما فرض نظريته والسعي وراء تطبيقها وهذا فيه ممارسة لللإستبداد كونه يعمل على قولبة ونمذجة المجتمع .بأفكار لم يعمل على تحويلها بما يتناسب مع البيئة 2- او يختار العزلة معتبراً أن لامجال في هذا العالم لترجمة مثله - وهنا يدعو الكاتب إلى التعامل مع الأفكار على انها مجرد : رهانات،مرتبطة بأبنية المجتمع وحقوله أي مرهونة بمواقع الفاعليين الإجتماعيين وهي بالنهاية- بنية تنبني بقدر ماتبني
هذا ماكان في الربع الأول من الكتاب ..ونردف لفصل يحمل عنوان الكتاب.. فماهي هذه الأوهام؟وماذا يريد الكاتب من وراء هذا النقد؟ نجيب عن الأخير بانه يهدف لقراءة الحدث وتشخيص الأزمة،فهو يحلل العوائق التي تحول دون أن يكون المفكرمبدعاً في حقول الفكر. وهم النخبه/ وهم الحرية/ وهم الهوية/وهم المطابقة/وهم الحداثة !تلك هي الاوهام التي يجدر بالمثقف التحرر منها وهي تفسر ما آل له الوضع من عجز وهامشية يُلحق علي حرب في ن��اية كتابه بعض المقابلات لأشخاص رفضوا اراءه وانتقدوا .تشخيصه ويمارس بدوره حق الرد عليهم
تبقى ميزة المقالات النقدية انها تثريك بمصطلحات ومفاهيم ثقافية بعد ان تداوم على قراءة مثيلاتها .ستجد نفسك تستخدمها بشكل عفوي ،وهذا يدّعم رصيدك فيما لو أردت ترجمة بعض الأفكار التي يعج بها العقل
سابدأ بسؤال وأجاوب عنه بعد قرائتي للكتاب: ماذا يريد علي حرب من كتابة الكتاب ونقد المثقف ودوره؟ مايريده علي هو قراءة الحدث وتشخيص الأزمة. المثقف العربي بالخصوص أصبح حارساً للأفكار لا منتجاً لها, مدافعاً لا مبتكراً. يتوهّم الواقع ويريد تطبيق المثال من دون مسائله مفاهيمه الأيديولوجية وإعادة ترتيبها لتلائم الواقع
مايفقده المثقف العربي هو ماتكلم عنه الجابري وهو مفهوم "التبيئة" , فالمثقف العربي يحتاج إلى تبيئة المفاهيم مثل الديموقراطية أو العلمانية أو الإسلامية وهذا مايريده علي حرب بنقده للمثقف. فالمثقف التنويري مثلاً يحرس الأنوار بدوغمائيته وظلامه والمثل ينطبق على أنواع المثقفين. من قرائتي للنص, أرى أن المؤلف يريد نزع مركزية الفكرة والذات و القدرة على التجريد في محاولة تشكيل صورة عن الواقع وإبتكار حلولاً تناسب الصورة المشكلة لكي تنشئ مجتمعاُ ينتقل من نسق إلى نسق من دون تفجير المعاني التي أختفت في المعنى والخطاب الإصلاحي الثقافي. ينبغي على المؤلف العربي أن ينقد الكوجيتو (الذات والفكر والحقيقة) بدل أن يرمي النقد على السلطة والمجتمع كما عادته, وغالباً ماينتهي هنا إما بالعزلة والهامشية أو بدعوات إصلاحية تنتج كل شيء عدا خطابها. ويجب أن يرى المثقف الآن هامشيته فالحقيقة تقول الآن أن الأعلام والسياسيين هم المحركين الحقيقيين ولكن أرى منبع ذلك هو غياب المفكّر الحقيقي الذي ينتج الأفكار بناء على قرائته للواقع المتحررة من أي منظور آيديولوجي, من ينتج الفكرة ويبني خطاب يلائم واقعه ومجتمعه مشكلة المثقف في أفكاره عن دوره وسلطته,وعليه أن يعيد أبتكار دوره وممارسة سلطته. عليه أن يعيد ترتيب العلاقات بين مفهوم التغيير وصورتنا عن أنفسنا وشبكة المفاهيم. فمن غير الواقعي, أن يقدم المثقف نفسه الآن على أنه النخبة الواعية أو المستنيرة, في حين أنه غائب تماماً وغير فاعل في مايحدث في مجتمعه. فالنخبة المثقفة ركزت في نقدها على الممنوعات وليس على الممتنعات بأوهام كالحرية والهوية والمطابقة و النخبة ووهم الحداثة. سأتكلم عن وهم المطابقة والذي أرى أنه الأصعب مابين الأوهام الأخرى, وهو مفاده أن الحقيقة جوهر ثابت سابق على التجربة ومتعالٍ على الممارسة, أنه وهم المماهاة بين الموجود والمفهوم ثم بين المفهوم والمقول وأخيرا بين المقول والمعمول
بعدها يتكلم علي حرب عن نفسه في محاضرة ألقاها للرد والتجديد سواء على الكتاب أو على الردود التي خرجت بعد صدور الكتاب, لم يكن فيها الجديد على مستوى المفاهيم لكن تكلم حرب عن إعادته لصياغة دوره هو الآن, وهو أن يكون الوسيط لا النخبة والعميل لا المتعالي. منتقداً بالنهاية مفهوم الصرامة العلمية والموضوعية في مجال الفكر والفسلفة
غاب في الكتاب التحدث عن الدور السياسي الذي يلعبه في تهميش المثقف وتجميد دوره في الأنظمة العربية, برأيي هي عامل أساسي لم يتطرق له المؤلف, ويعيب الكتاب في بعض صفحاته توضيح الفكرة إلى حدّ يصبح معه السرد مكررّ
ملخص الكتاب: يريد علي حرب أن يعود المثقف إلى نقد ذاته ونقد الحقيقة التي يتصورها والمفاهيم التي يمتثلها, من خلال نقد فعال يتضحّ من خلاله موقعه من الحدث لكي يفهم أكثر مايحدث ومن خلاله يمكن أن ينتج الأفكار الفعّالة
ما أراه ختاماً مشكلتنا الكبرى هي في غياب المفكر والفيلسوف وطغيان المثقف "الحارس" لهامشيته بأفكاره المتعالية على الواقع
الكتاب يعتبر مادة ثقافية ثرية حيث تعيد صياغة مشروع الثقافة والفكر، وكل المشتغلين في هذه الساحة، ويفتح علي حرب النار على المثقفين بكل توجهاتهم، حيث يرفض كليا ذلك المهام وتلك المسؤوليات الي يتوهم المثقف انه يقوم بها، والتي أدت في نهاية المطاف الى فشله مما ادى الى تهميش دور المثقف في العالم العربي خصوصا. علي حرب يرفض تماما هذا الدور النضالي، اذ يعتبر الافكار بانها نتيجة توتر بين الذات والواقع، وان الحقائق لا تقبض، بل تصنع، وبالتالي فان ازمة المفكرين هي في افكارهم.
الكتاب عموما كنزا ثقافي لكنه يعاني بدوره خللا من نواحي مختلفة، منها: ان الكاتب يكرر بعض الافكار بشكل ممل، لان الافكار المتكررة تقتل اهمية الكتاب، لذلك يكرر علي حرب مقولات اظنها يتعامل معها بصورة لاهوتية او صوفية ان صح التعبير، والشيء الثاني أن الكتاب اذ انه ينتقد المثقفين ونضالهم، تشعر بان علي حرب، يريد مثقفا يشتغل في الساحة الثقافية وانتاج الافكار، لكنه منعزلا عن القضايا العامة، ولاسيما الوقوف مع القضايا العادلة، ولا أتهم علي حرب بانه يصطف مع الاصوليات او الدكتاتوريات، لكنه بوعي أو بدون وعي يقتل العمل النضالي من حيث لا يشعر.
الكتاب في الحقيقة استفدت منه بشكل عام، وثري من ناحية النقد ويفتح افاق جديدة للفكر والثقافة، ويقوم بإعادة أشكلة الفكر وعلاقتها بالذات، حيث تطل علاقة نقدية وليست علاقة رومانسية، حتي يتمكن المثقف أن يرى حقيقته بدون تزيف او تجمييل.
حين ذهابي لمعرض الكتاب لعام 2014 كانت مؤلفات علي حرب على قائمة اختياراتي، ولحسن الحظ أني وجدت معظمها في القسم الخاص بالمركز الثقافي العربي، سألني مذيع حينها عن الكتاب وأجبت أني لا أعرف عنه سوى عنوانه، وما سمعته عن بعض الأصدقاء من اقتراحات وثناء على المؤلف، بالإضافة إلى قراءتي ل "الحب والفناء" والذي أحببت فيه من ناحية أسلوبية رشاقة العبارة وحلاوة الطرح. بعد ذلك، أجّلت البدء به ظناً مني أني لم أكن في وضع نفسي يؤهلني للتركيز على في تفاصيله وموضوعه الذي يستحق كبير العناية. بدأت بقراءته قبل ثلاثة أيام وشعرت أنه يجتذبني بأسلوبه الشائق ومحتواه التجديدي رٓغم أنه نُشِر عام ١٩٩٧، وأثار الكثير من ردود الأفعال من القراء العرب، منهم من أساء الفهم ومنهم من أجاد القراءة حسب رأي المؤلف. أحسست أن قراءته تقتضي التأني والتدقيق، جعلني أعيد النظر في أفكاري وعلاقتي بها وتكشف لي زيف بعض مفاهيمي المغلوطة. بعد القراءة، شعرت ببعثرة فكرية وتيه عبثي ويأس من وهم التقدم، لكن بالمقابل شعرت أني خرجت بفائدة من هذه الغربلة الذهنية. وأتمنى أن تكون انطلاقة مثمرة في حقل الأفكار.
القراءة الأولى لعلي حرب، عرفت منها قلمًا متمكنا وفكرًا متّقدا. آخذ عليه بعض تعميماته على جميع المثقفين، وتكراره للأفكار بين طيات الكتاب، وبعض الأخطاء الإملائية. فيما عدا ذلك، فإن الكتاب يستحق القراءة.
قدم نقدا بين فيه الأوهام التي يقع فيها المثقف بطريقة تفكيكية . . الكتاب لن يعجب أحد ممن يصنف نفسه تحت أي صنف فقد راغ على الجميع "ضربا باليمين " لكنه قطعا سيجعل القارئ يبتسم كثيرا كثيرا
توقعت أعمق..اركز..ارتب..أقوى من هذا الطرح و المحتوى، والمصيبة أنه يلحق بكتابه أوراق يستفتح بها قائلا: "لمزيد من الوضوح و الإضاءة، لهواة المنهجية و الصرامة، بوسعي تكثيف مفهومي لمهنتي و مهمتي". بعيداً عن الأنا المعتدة بنفسها هنا وفي المقدمة وبين ثنايا الكتاب، هذا ملحق أكبر دليل على ضياع المؤلف وجنون التكرار ونقص في الشرح... الكتاب المتماسك و الكاتب المتمكن لن يحصل هذا فيهما
أولاً، في الكتاب تكرار هائل لنفس الأفكار . كان بالإمكان أختصار الكتاب إلى أربعين أو خمسين صفحة دون أن يضيع مبغى الكتاب . و أرى سبب ذلك هو أن فلسفة المؤلف التفكيكية تكبح تقدم أفكاره قبل أن تنطلق، فتراه يكرر و يعيد نفس الفكرة لدرجة تبعث الملل على الرغم من أسلوبه السلس . فكل ما يتكلم عنه هو عن وجوب أنتاج أفكار جديدة و التخلي عن النماذج الثابتة في حال عدم عمل الأفكار الحالية، و عن لزومية إعادة صنع المفاهيم . لكن ماذا يحدث بعد ذلك؟، لا أعلم.
ثانياً، على الرغم من الاهتمام الكبير الذي يعني به المؤلف في صنع المفاهيم، إلا أن المفارقة الكبرى هي تسميته للفئة التي خصها بإنتقاداته بفئة المثقفين —� عنوان الكتاب خير شاهد—� تحديداً من الذين ي��نون أنفسهم حماة للحرية و للديموقراطية، و أصحاب الأفكار المجردة و الجامدة، و في محتوى الكتاب يصفهم بالأيديولوجيين من المثقفين.
فإذن، بما أن الجانب الثقافي في هؤلاء الأشخاص ليس هو خصيصاً ما ينتقده، —� بل بالعكس، فهو يقول بأن بقية المثقفين الغير الأيديولوجيين هم من يتعاملون مع الواقع بالشكل المطلوب و الصحيح و هم صناع القرار الحقيقيين—� و إنما ما ينتقده هو الجانب الأيديولوجي . أفلا يجب إذن أن يبرز ذلك في الواجهة، و يعمم هذا النقد تجاه الأيديولوجيات كافة و يبرز خطئها كلها . فهو يقارن أحياناً بين المثقف الأيديولوجي و بين الأصولي و يشبهه به . لكن لا يتجاوز الأمر هذا الحد في إبرازه للوجوه الأخرى من الصراعات الأيديولوجية، و لا يحاول التوصل للأسباب التي تحدو بالمثقف الأيديولوجي أن يتشبث بهذه الآراء المجردة عن الحرية و الديموقراطية اللازمة عن التضادات و الصراعات بين الأيديولوجيات . و بل هو يبرئ الجهات الأخرة من أي ذنب، و يحمل المسؤولية كلها على هذا المثقف الأيديولوجي لعدم أقتناعه بالتعامل لما تحاول أن تفرضه عليه هذه الأيديولوجيات الأخرى المسيطرة، و يلومه بالكامل لفشل مشاريعه الإصلاحية (ص ٥٨ و ٧٦ و ٩٨ و ١١٢ و ١١٦ و ١٦٤ و ٢٠٠).
و يرى المؤلف بأن المفروض على المثقف الأيديولوجي لكي يصبح مفكر منتج و فعال في المجتمع هو أن يعيد تعريف مفاهيمه عن الحرية و الديموقراطية بحسب تغيرات الواقع (المؤلف نفسه لم يحاول أن يعرض لنا ما هي مفاهيمه المستقاة من واقعه الحالي عن هذه البنيات، و لم يفعل ذلك إلا بشكل مبهم للغاية مع مفهوم الحرية في ص ٢٠٣ . لربما فعل ذلك بشكل تفصيلي في كتاب آخر؟) و ينتج أفكار جديدة . لكن المشكلة تكمن إن أخذنا بهذه النصيحة، و في حال إن أفترضنا أن الواقع هو متحكم من قبل أيديولوجيين (عقائديين) متطرفين . فكيف تبني عندها أفكار متقدمة و متطورة على هذا الواقع المفروض دون أن تتخذ لك نموذج إرشادي يهديك للغاية المراد تحقيقها؟ . هذا النموذج يجب أن يكون بالطبع قابل للتأقلم مع التطورات و مبني على أماني قابلة للتحقيق، و يتدرج في خطوات الوصول إليه (و المؤلف أعترف بهذا بصورة شاخطة في ص ١٤٢ كأنه يرفض حتى أعطاء المثقف هذا المقدار) . لكن تظل في النهاية هناك غاية أسمى ينبغي محاولة الوصول إليها منطلقة من بداية أيديولوجية.
فأنا شخصياً أرى بأنه من المستحيل العيش بدون أفكار أساسية و منطلقات فكرية . و إن تكون مؤقتة و قابلة للتغير، لكن تظل هناك طموحات مبنية على أفكار مجردة نختزنها في أذهاننا . فحتى الطريقة التي يريد المؤلف من المثقف أن يتعامل بها مع الواقع تظل مبنية على أيديولوجيا . و إلا فلن يستطيع هذا المثقف أن يحلل الواقع و يفكك أفكاره و يعيد بنائها على مقتضياته . فإن لم تكن هناك أيديولوجيا و نموذج إرشادي خلف هذا التصرف، فما الذي يدعوه من الأساس لتفكيك و إعادة بناء أفكاره، و لأي غاية؟، المؤلف يقول لأنتاج أفكار جديدة مبنية على الواقع . و هذا يعيدنا للنقطة الأولى، و هذه مغالطة الحجة الدائرية، على الرغم من طول دورتها.
و ربما المشكلة تكمن في تفكير المؤلف الما بعد حداثي، في تغييره للمفاهيم . فاللخبطة هنا هي في تركيزه أولاً على المثقف و إبراز هذا الجانب من هويته . و ثانياً في وصف هذا المثقف بالأيديولوجي عوضاً عن العقائدي . و هذا بالتحديد من يصفه المؤلف في كتابه هذا، و من ينتقده، المثقف العقائدي، الذي لا يتزحزح إيمانه في معتقداته مهما كانت مغلوطة و مهما أثبت عدم إمكان تحقيقها، و ليس الأيديولوجي.
إذن، عنوان الكتاب يجب أن يكون على نمط (نقد الفكر العقائدي عند المثقف) أو ما شابه.
و الذي أجده مثير للسخرية في تكراره لوجوب أنتاج أفكار جديدة من وحي الواقع و الحقيقة الحالية و ضمن نطاق المجتمع المتعامل معه، و قوله أن سبب فشل الكثير من المشاريع الإصلاحية هو أخذ بنيات خارجية و محاولة تطبيقها على أرضية مغايرة لا تصلح لها . هو أن كل ما يفعله المؤلف في هذا الكتاب، هو إستعارة أفكار مستوردة (التفكيكية الما بعد حداثية) و محاولة فرضها على مجتمع لم تُختلق هذه الأفكار فيه . و إن كان يرى بأنها أفكار عالمية لا أقليمية، أفلا يجب أن تكون الأفكار عن الديموقراطية و الحرية هي عالمية أيضاً بما أنها ما يتطلع إليه كثير من الناس في مختلف الأقطاع بغض النظر عن مكان صناعة مفاهيم هذه البنيات.
في ص ٢٠٤-٢٠٦ يبدو بأن موقفه بأكمله بدأ يتهاوى بعد أن طرح الصحفي عليه سؤال عن التهم الموجهه له عن إستيراده لأفكاره، و جواب المؤلف هو أن من يتهمونه هم أيضاً أستوردوا أفكارهم من الخارج . لكن الفرق هنا هو أن ليس كل منتقديه يمانعون مبدأ أستيراد الأفكار الخارجية و تطبيقها محلياً، بل هذا الكتاب بأكمله هو إنتقاد لهؤلاء! . فيما هو يعارض هذا المبدأ، و لذلك هذه التهم وجهت له . و جوابه على السؤال التالي أكمل تهاوي موقفه، بأن قال بأن مجتمعاتنا لم تستطع أن تحقق شيء يذكر من حرية أو ديموقراطية أو حداثة . إذن، إذا كان الأمر كذلك، فهل يرى أنه من المقبول أن يستورد أفكار ما بعد حداثية و يحاول أن يستبق تطور الأحداث بمحاولة تطبيقها في مجتمعات لم تستطع لحد الآن أصطناع مفاهيمها الخاصة عن هذه البنيات؟ . فكيف تمارس الما بعد حداثية المستوردة إذا كانت الحداثة نفسها لم تتحقق بعد في مجتمعاتنا بمفهومها الخاص؟.
و هناك أستكمال لمسألة أستيراده لأفكاره من الخارج في ص ٢١٣-٢١٥، حيث يقول بأنه لم يأخذ جميع أفكاره بحذافيرها من جاك دريدا، بل هناك أختلاف بينهما في الاستثمار و الأنتاج و بأنه دائماً ما يعيد أنتاج أفكاره . لكن مما قرأته في هذا الكتاب لا يبدو بأن أفكاره و منهجه يختلف كثيراً عن ما قرأته عن أفكار الما بعد حداثيين (و أعترف بأني لم أقرأ لجاك دريدا شيء، فربما يكون هو محق فيما يقول) . لكن ألا يمكن قول المثل عن كل البنيات الأخر المستوردة؟ . فهو أعترف في ص ١٦٧ بأن حتى تلامذة ماركس الأوفياء لم يستطيعوا أن يأخذوا أفكاره و يعملوا بها تماماً كما هي، فهم أحتاجوا لتغيير بعض جوانبها . فإن عد ما يفعله هؤلاء بأنه أستيراد، فيجب أن يقوم بالمثل مع أفكاره، بالقول عنها بأنها هي أيضاً مستوردة . و بالتالي . . .
بخصوص مسألة فلسفة التفكيك (كأن تظن بأن كل شيء يجب أن يفكك و يعاد أنتاجه)، أليس العمل بها و الرجوع إليها دائماً هو إيمان بكونها حتمية فكرية، و أليست تتعارض مع فكرة المؤلف عن وجوب أنتاج أفكار جديدة في حال عدم جدوى الأفكار الحالية؟ . فإن لم يجدي كل ما قاله المؤلف في هذا الكتاب نفعاً مع المثقفين الذين ينتقدهم (و هذا يبدو ما قد حدث فعلاً نظراً لحجم الإنتقاد الذي تلقاه المؤلف كما يقول في المقدمة و الخاتمة)، فأليس عندها يجب عليه نقد هذه الفلسفة لفشل جدواها على أرض الواقع . لكن كيف يتم ذلك؟ . فإن كانت فلسفة التفكيك نفسها هي ما يجب على المؤلف إنتقاده، و هي في نفس الوقت طريقة المؤلف في النقد، بتفكيك الأفكار، فكيف سينتقد أداة إنتقاد بنفس الأداة؟.
ثالثاً، و هذه مجرد نقطة جانبية . شعرت منذ أبتدائي قراءة الكتاب بأن نبرة المؤلف هي نبرة إستعلائية صفوية، لم أرتح لها، بدا كأنه يحاول أن يوهم القارئ أو هو نفسه يتوهم بأنه يملك مفاتيح خزائن الحكم، و حلول جميع المشكلات الكبرى في مجتمعاتنا . كأنه يعلو على المثقفين الآخرين عالياً في السماء، تماماً كما صور أرسطوفانيس سقراط جالساً على سحابة في السماء في مسرحيته "السحابات" ساخراً من تكبره . و هذا ما جعل خاطرة الحتمية الفكرية تتشكل في ذهني، و لم تكتمل حتى رأيته يعيب الحتميات الأخرى، كمثل حتمية التاريخ الماركسية، و الحتمية الفكرية الكانتية . و ما أوضح لي سبب أحساسي بإستعلاء المؤلف، هو قراءتي لهذه الفقرة التي أبانت لي الإتجاه الفكري الذي يتقدم منه المؤلف الذي بعث هذه الأحاسيس: "فأنا تمرست بالفكر النقدي المعاصر الذي هو تفكيك لمقولات الحداثة . و فضلاً عن ذلك، فقد تمرست بالفكر الصوفي، بما هو وعي حاد بمحنة المعنى و إشكالية الحقيقة، بتوتر الفكر و قلق الذات". ص ١٣٢.
أوهام النقد أو تفكيك الثقافة! ما كتبه علي حرب في هذه المقالات "المكررة" يعكس الى حد بعيد أثر التجربة الفكرية الفاشلة لدى المثقف الذي يستبدل الواقع بالوهم،فتختلط لديه المعاني حتى يصل الى التخلي عن المعني تماما ويصل الى تهويمات "على حد تعبير حرب ذاته"،تجعل المنهج والفكرة شيئا لا قيمة ولا معنى له! على الرغم من محاولة حرب اقناع القارىء بأن نقده موجه للمثقف لا للثقافة،فإن تأكيده الغريب المتكرر على هذه الفكرة يكاد يكون أحد أدلة نظرته السلبية تجاه الثقافة كمنهج للمعرفة والممارسة،فنراه ينتقد الجميع من منطلقات طوباوية ثم يهاجم المثقفين بشتى انتماءاتهم من زاوية نزوعهم نحو التنظير وفشلهم في التعاطي مع الواقع! مقولة ماركس :" الفلاسفة فسروا العالم بطرق مختلفة ولكن المهم هو تغييره"،لربما كانت هي المقولة الأكثر ترددا في مقالات هذا الكتاب المكررة،وهي لم ترد الا لكونها مقولة خاطئة وخادعة بحسب علي حرب الذي يطارد أطياف دريدا لا ماركس ويحاول استنساخ خطاب فوكو في نقد الماركسية،فيما هو يسطح الايديولوجيات والأنساق الفكرية والفلسفية عبر مقولات يحاول تفسيرها،وفق نمط التلاعب المابعد حداثوي بالمعاني والمضامين،لبث اللافكرة واللا قيمة من النقد نفسه! ليس ماركس وحده المخادع بل كذلك هيغل وتشومسكي والجابري،حتى خطاب دريدا التفكيكي بحاجة الى تفكيك وكذلك فوكو! لا أحد بإمكانه الهرب من مقصلة علي حرب الثقافوية،فهو-الذي لا يؤمن بالفكرة أو المعنى- الذي يحدد مسوغات النقد انطلاقا من تجربة الفكرة اللحظية حتى وان كانت تسطيحية وبالامكان نقضها بعد برهة حتى منه نفسه! لا الحداثة ولا الماركسية ولا التيارات الدينية ولا الليبرالية "هي الأقل تعرضا للنقد من قبل حرب"،أثبتت أن بامكانها التصدر بمشروع انساني يقود البشرية،خصوصا وحرب هنا يلغي فكرة التقدم ويقول بكونها فكرة وهمية بلا أي قيمة أو معنى،بينما هو يتناسى أن الصراع الانساني الذي يقول به يحوي بين طياته هذه الخلافات الايديولوجية والفكرية التي يحاول كل معتنق لمنهج أو لفكرة منها أن يثبت شرعيته الفكرية والانسانية في تصدر أي مشروع انساني! على الرغم من هذا يقدم حرب نقدا لا بأس به لمدّعي التنوير من منطلق هويّاتي-وان لم يكن ذلك مراده- ولعل هذا النقد هو أحد النقاط المضيئة القليلة،في هذه المقالات المتمركزة حول الذات وأوهامها!
وجهت لهذا الكتاب الكثير من الانتقادات حول تعريفات ومفاهيم حاول المؤلف إدخال مفردات جديدة عليها مثل تعريف النخبة او تعريف المثقف وغيرها الكثير.
لكن يتميز البحث في قضايا الثّقافة والمثقّف والنّخبة طابعاً خاصّاً، على اعتبار أنّ كلّ هذه المفاهيم تشكّل حلقة من حلقات الأزمة التي يمرّ منها عالمنا المعاصر، حيث لم يعد عالم اليوم ذلك العالم المحدود جغرافيا أو تاريخيا أو علميا، تستطيع الحدود الوهمية المصطنعة أنْ تقف حائلا بينه وبين الإنسان، ومتطلّباته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. لقد صارت كلّ هذه الحدود الجغرافية وتبعاتها الاستعمارية مجرّد سراب ووهْم في ذهن الإنسان المعاصر بتجلّياته المختلفة، في عالم تجاوز كلّ الحدود، ولم تتوقّف مسيرته عند اختراق الزمان والمكان، ليؤسّس الإنسان بهذا الكشف مسيرة حضارية يوظّفها الكلُّ تبعاً لمنطلقاتهم الإيديولوجية، سواءٌ كانت في خدمة الإنسانية، أو لصالح دوائر التحكُّم في القرار العالمي، أو لتكريس مصالح طبقات معيّنة نافذة بسبب الهيمنة الإمبريالية الجديدة، التي تسعى إلى فرض نموذج ثقافي وفكري واقتصادي، يصبُّ أوّلا وأخيرا في خدمة المشاريع المتحكّمة في دواليب السّلطة. وتزداد أهمّية الموضوع أيضا من خلال تصدّع غالبية المشاريع الإيديولوجية، خاصّة الشّمولية منها، وسقوط ادّعاءاتها الإنسانية، وانهيار منظومة القيم المدافعة عنها. ومن هنا كان المأزق الحرج في وضعية المثقّف، حيث انقلبت غالبية دعواته إلى عكس مسمّياتها، في ظلّ هذا الواقع المعيش القابع في رقعة جغرافية جلُّ بلدانها لا زالت تلهث وراء ركب التّنمية دون أنْ تدركها، وتتخبّط في مجموعة من الأزمات بدءاً من الاقتصادية، انتهاءً بما هو فكري وثقافي، حيث تمثِّل الأميّة رقماً صعباً في مقياس الكثير من هذه البلدان. يأتي كتاب "أوهام النّخبة أو نقد المثقّف" لعلي حرب في هذا السّياق النّقدي لخطاب المثقّف، وأوهامه النّخبوية، وأمراضه السّيكولوجية، لا ليختلق مشكلة مع هذه الفئة، بقدْر ما يحاول الكشف عن معالم الأزمة في خطابها. والمقصود بالأزمة هنا فقدان المصداقية الفكرية والفاعلية النّضالية. ويتكون الكتاب من 222 صفحة، وصدر عن المركز الثّقافي العربي. إنّ أول ثمرات هذا النّقد بحسب علي حرب، هو إعادة صياغة الأفكار والمفاهيم، صياغة تبتغي نزع القدسية على هذه المفاهيم، التي يتمّ استهلاكها من طرف البعض، دون إدراك لمآلاتها وتداعياتها على الواقع. وهذا هو الأفق الذي يمتح منه علي حرب في مختلف كتاباته، إذ لا شيء بمعزل عن النّقد والتّفكيك وإعادة البناء، إيمانا بأنّ التّجاوز هو مرحلة مهمّة بعد الاستيعاب، ولا يمكن أنْ يتمّ ذلك إلاّ بالنّقد. ولعلّ ما يثير الانتباه في هذا الصّدد هو اشتغال المثقّف بحراسة الأفكار، ويعني ذلك التعلّق بالفكرة، وتحويلها إلى أقانيم مقدّسة، يصعب تجاوزها، ونماذج لا انفكاك عنها. وهنا يكمن مقتل الفكرة ذاتها، حين تنقلب إلى ضدّها، وذلك لأنّ: "الأفكار ليست شعارات ينبغي الدفاع عنها، أو مقولات ينبغي تطبيقها، بقدر ما هي أدوات لفهم الحدث، وتشخيص الواقع ...". ص11
لكي يتّضح الأمر بشكل جليّ، نأخذ على ذلك مثالا بالعقلانية: فهي ليست فكرة تقوم بذاتها ولذاتها، بقدر ما هي صياغة لتجاربنا وعلاقاتنا بالأشياء والأحداث، بلُغة مفهومية لا تكون نهائية، بل تخضع للنّسخ والتّعديل والتّطوير. كذلك الأمر بالنّسبة إلى الاستنارة، فهي مفهوم يتمّ تداوله بشكل واسع، دون الوعي بأنّه فسحة لممارسة حيوية الفكر، على نحو متواصل، للعودة النّقدية للفكر على ذاته، ومساءلة بداهاته وآليات اشتغاله. أمّا الحرية: فهي ليست مجرّد وهم نتعلّق به للتحرّر من سلطة الاستعباد والديكتاتورية، بقدر ما هي اندراجنا في هذا العالم بقواه وسلطاته، بأنظمته ومؤسَّساته عبر تفكيك المعنى، وأصول الحق، ومرجعيات القصد.
وخلاصة الأمر، فالمثقّف ليس من يقوم بترداد المفاهيم، وصياغتها واستهلاكها دون وعي لمآلاتها الواقعية، ولكنْ هو ذلك الّذي يقيم مع منظومة المفاهيم والقيم علاقة نقدية، تتيح له القدرة على إغناء مفاهيمه حول الحرية والاستنارة والعقلانية.
لكلّ عمل نقديّ مسوِّغاته، ومن هنا كان علي حرب مدفوعا بهواجس نقدية كثيرة، تمثّلت في عجز المثقّف عن تجديد صيغ العقلانية، وفي تراجع محاولات الاستنارة، وفشل الكثير من التّجارب الدّيمقراطية.
إنّ التّركيز على دور المثقف ليس من زاوية تلميع صورته، أو منحه الحظوة اللائقة، وكذلك ليس الأمر مرتبطا بجلد الذّات، والنّقد الهدّام الذي لا يعترف بمجهود أو فضل. ولكن التّركيز هنا نابع من قدرة النّقد على تعرية المسبقات التي توجِّه رؤية المثقّف لذاته ومجتمعه، وفضح البداهات التي يتوارى خلفها. وقبل أنْ نقوم بإعطاء مدلول المثقّف كما يتصورّه علي حرب، لا بأس أنْ نعرّج على بعض التعاريف:
يقرّ الباحثون في المجال الفكري على صعوبة إيجاد تعريف قارّ للثقافة. فابن نبي بتتبّعه لكلمة الثقافة، يجد بأنّها تأتي تعبيرا عن الكلمة culture بالحروف اللاتينية. والجذر العربي لهذه الكلمة "ثقِف" موجود في القرآن الكريم، لكنْ بدلالات لا تتوافق مع معنى culture. فمن نقل الكلمة إلى العربية بحسب تعبير ابن نبي كان صنّاعا ماهراً في اللغة العربية، حريصا على تجويد اللّفظ وصفائه. فالكلمة لا تزال تحتاج إلى عكّاز أجنبي مثل كلمة culture لكي تنتشر. فالخلاصة حسب ابن نبي هو أنّ هذا اللفظ هو صناعة أوروبية نتيجة عصر النهضة. وإذا ما نظرنا في مختلف التّعريفات التي أعطيت، فلن تخرج عن تحديدين أساسيين: الأول: أنّها منظومة من السّمات التي تميّز جماعة دون أخرى. والثاني: منظومة ما من الظواهر الأكثر تميزاً وحضوراً من منظومة أخرى من الظواهر داخل جماعة محدَّدة.
إجمالا يمكن التعبير عن الثقافة بالقول: "هي فلسفة الجماعة ونظرتها إلى الوجود من حولها". ولو أنّ هذا التعريف يشير في أبعاده إلى الاتجاه الماركسي في تعريف الثقافة بكونها هي فلسفة المجتمع. لهذا أضاف ابن نبي إلى تعريف الثقافة لدى كل من المدرسة الغربية والمدرسة الاشتراكية، في نظرتهما لمفهوم الثقافة بعداً آخر، حين ربط بين الثقافة والحضارة. ففي ضوء هذا الرّبط، تصبح الثقافة نظرية في السلوك أكثر من أنْ تكون نظرية في المعرفة. وبهذا يمكن أنْ يقاس الفرق الضروري بين الثقافة والعلم.
كما أشرنا إلى صعوبة تحديد مفهوم الثقافة من قبل، نعيد التنبيه إلى ذلك مع لفظ "المثقّف". هنا يتعين الحديث عن الفيلسوف الإيطالي أنطونيو غرامشي بوصفه واحدا من الفلاسفة الذين التصق بهم تعريف المثقّف بشقّيه التقليدي والعضوي. فلقد ميّز غرامشي بين نوعين من المثقفين: الأوّل يضمّ المثقّفين التقليديين كالإداريين والمتعلمين والكهنة، والثاني: يضمّ من يسمّيهم المثقفين المنسّقين، وهم من يرتبط مباشرة بالطبقات أو المشروعات التي تستخدم المثقفين في تنظيم مصالحها واكتساب المزيد من السلطة والمزيد من الرقابة.
فحسب غرامشي فكلّ مجموعة اجتماعية تنتج بشكل عضوي فئة أو أكثر من المثقفين، مهمّتهم هو إكساب المجموعة تجانسها ووعيها لوظائفها في جميع المجالات. وبالتالي، فما يميّز فئة المثقفين العضويين عن بقية الجماعات الاجتماعية، هو الدور الخاّص الذي يلعبونه في عالم الإنتاج. وهناك من ذهب أكثر من غرامشي في وصف فئة المثقفين بموظّفي المجموعة المسيطرة كما عبّر عن ذلك بولانتزاس.
إنّ المثقّف بحسب علي حرب، ليس ذلك الذي يملك حظَّا وافرا من المعرفة، أو الثقافة العامة، أو الكاتب، أو الأديب، أو الفنان، أو المفكّر الذي يشتغل في حقل إنتاج الفكر والتنظير. ولكنّ المثقف هو: "من تشغله قضية الحقوق والحريات، أو تهمّه سياسة الحقيقة، أو يلتزم الدّفاع عن القيم الثّقافية، المجتمعية والكونية بفكره وسجالاته، بكتاباته أو مواقفه ...". ص 38
إنّ المثقف بتعبير أدقّ هو كائن أزماتي إنْ صح التعبير؛ أيْ أنّه لا يستطيع أنْ يحيا خارج الأزمات، من فولتير الذي كان يقول: أخالفك الرأي، ولكنّي أقاتل دفاعا عن حقّك في التّعبير عن رأيك، إلى سارتر الذي كان يتصرّف بوصفه الشّاهد على عصره، والناطق بهموم مجتمعه. إلى محمد عبده من دعاة الإصلاح والتجديد، إلى حسن حنفي الذي يتصرّف بوصفه فقيه الأمّة، وحارس أفكارها، والمؤتمن على الحرّية والهويّة. لكنْ كلّ هذا المشهد تهاوى؛ فالمثقف الذي كان يعيش على الأزمات، أصبح هو نفسه في أزمة، بعد أنْ تهاوتْ كلّ الإيديولوجيات، والأنساق الفكرية التي ناضل من أجلها، كما أن المشاريع السياسية أجهضت، وبات الإنسان مشتّت الفكر والوطن، في مشهد قاتم يحيلنا على موت هذه النّظريات، والشّكل البئيس لثقافتنا. وهنا يحق لنا أن نتساءل: ما جدوى المثقف؟:
هذا السؤال يحيلنا إلى الكاتب والمناضل الكبير ريجيس دوبريه الذي انتهت به مسيرته الفكرية، إلى قراءة ذاته، ومساءلة مسبقاته الفكرية، ليصل بالأخير إلى عدم جدوى المثقفين كسحرة يصنعون المعنى، ويبيعون الوهم.
كان لتشتّت هذه النّخبة الثقافية غيابا للتّأطير الثقافي، وغيابا للمشاريع الفكرية والفلسفية التي من شأنها أنْ تنهض بالمجتمع نحو التغيير. لم يكن بحقّ عدم حضور ما يسمّى بالنّخبة منفصلا عن هذا التأخّر العربي على ساحة الفكر والثقافة والاقتصاد، وغير ذلك من المجالات الحيوية في أيّة تنمية بشرية. وضع المثقّف العربي نفسه لاعتبارات عديدة في خانة السّياسي تارة، حيث كانت كل توجّهاته موجّهة للتأطير السّياسي والدّفاع على نظام أو حزب أو مشروع فئوي ضيّق. وتارة كان ناطقاً باسم المعارضة المترفعة على إكراهات الواقع. لم تكن المشاركة ومنطقها في حسبانه في العديد من الأحيان، إذ لم يقدّم برامج وأفكارا وحلولا، وإنّما كان يقدّم مشروعا لا يصلح إلا لمجال الخطابة على شاكلة برامج الأحزاب العربية.
غاب المثقف العربي، لأنّه لا يريد أنْ ينزل من تنظيره الفكري إلى أرض الواقع، ومعايشة الأرقام المهولة في تدنّي الأجور، ومستويات التعليم، وارتفاع أرقام الجريمة والانحراف؛ إذ ليست الثقافة عزلة داخل المكتبات وتصفّح الأخبار والأوراق فحسب، ولكن الثّقافة هي فنّ العيش، وملامسة الواقع، من خلال الاحتكاك الحقيقي بالطبقات الاجتماعية المختلفة، وتلبية مطالبها بالوعي، والتحسيس، والخروج من الأزمة في الوقت المناسب والمكان المناسب، لأنّ العلاقة بين الأزمة ومسمّى المثقّف علاقة جدلية كما أشار تركي الحمد: "فالأزمة توجِدُ مثقّفها والمثقّف يحدِّد مسار الأزمة بما له من موقف ذهني ومشروع عقلي تجاهها". أمّا غير ذلك، فلنْ تكون ثقافة إلا عند من تستهويه كلمة مثقف، أو مفكر، أو النّخبة التي تفترض العزلة والطبقية بالضرورة، أو عند من يرون بأنّ المثقف هو الحامل لشهادات أكاديمية عليَا، حيث إنّ المعنى الغربي للثّقافة والمثقّفين هو السّائد والمقصود حين الحديث عن المثقفين بصفتهم صفوة معينة (élite)، تعتمد العقل في النظر إلى الأمور أو يفترض ذلك. وبالتالي، فإنّها صاحبة موقف معين نابع من ملكاتها التي جعلتها صفوة معينة.
لاكتشاف معالم الأزمة في خطاب المثقف، وفي نظرته لذاته ومجتمعه يعدّد علي حرب مجموعة من الأوهام التي يعيشها المثقّف، ويحصرها في خمسة: وهي وهم النّخبة، وهم الحرية، وهم المطابقة، وهم الهوية، وهم الحداثة. هذه أصول الداء في فكر المثقف، وفي علاقته بالآخر، والمحيط، وجب تفكيكها، وتعرية المسلَّمات التي تقف وراءها:
وهم النخبة: بهذا الوهم وجد المثقّف نفسه أمام مسؤولية جسيمة، فهو الذي طالما سعى إلى تنصيب نفسه وصيّاً على النّاس، وقائدا ملهما للجماهير. ولقد كانت الإخفاقات المتوالية لهذه الفئة تعبّر دوما عن جروح نرجسية، يعاني منها كلّ من حاول الانتماء إليها، حيث "طالبوا بالوحدة فإذا بالواقع ينتج مزيدا من الفرقة، وناضلوا من أجل الحرية، فإذا بالحريات تتراجع، وآمنوا بالعلمنة، فإذا بالحركات ال��صولية تكتسح ساحة الفكر والعمل". ص 98
لا مناص بأنّ هذا الواقع لا يمكن أن ينتج إلا عقلية تعاني من جروح نرجسية لا يكفيها أن تخفي عيوبها بالتستّر، وهو واقع ساهم فيه بشكل كبير المثقّف نفسه من خلال نظرته إلى ذاته، ولو أنّه دوما كان يتحجّج بواقعه، وبنظرية المؤامرات التي صنعها وصدّقها إلى حدّ التماهي معها. إنّ نرجسية المثقّف هي في تعامله مع نفسه من أفقٍ اصطفائي نخبوي، فهو القائد، والرّسول، والمبشّر، والحارس للأفكار، والموجّه، والمرشد. وكان ثمن هذه العقلية، وهذا النّمط في التفكير عزلته عن النّاس، والوقوع أسيراً لأفكاره، ومخططاته، ومشاريعه. فتحوّلت كل أفكاره إلى أضدادها.
من هنا كان لزاما على المثقف أنْ يعيد قراءة ذاتهـ ويقرّ باليقين أن مشكلته في أفكاره، وأن مأزقه في نخبويته وعزلته؛ إذ إن مسؤولية التّغيير لا تقف على فرد مع أهمية ذلك، ولكنّ التغيير عملٌ جماعي، وكلّ واقع هو إفراز طبيعي لمن يعيشونه، ويفكرون به وفيه.
وهم الحرية: ينبثق هذا المعطى من أنّ المثقّف يعتقد واهماً بأنّ بإمكانه تحرير المجتمعات والشّعوب من القهر والعبودية والظلم. وقد شكّل هذا الوهم عائقا أمام المثقّف على الاضطلاع بمهمّته الأولى، وهي الإنتاج الفكري، ومعرفة الإنسان، ومتطلباته الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. ولا يمكن أنْ يكون ��لمثقّف منتِجاً في مجاله الطّبيعي إلا بافتتاح منطقة للتّفكير، واجتراح طريقة لها، تتيح إدارة الأفكار على نحوٍ يجعلها أكثر واقعية وفاعلية. ولعلّ المدخل الأساسي لهذه العملية، هو النّقد بوصفه الوسيلة المثلى لتصويب الفكر، وطرح البدائل الممكنة، وتفكيك الأنساق بغية تجاوزها، أو الحفاظ على مناطق الاستنارة فيها.
ومن هذا المنطلق، يجد المثقّف نفسه ملزَماً بطرح التّساؤلات النّقدية حول ما يفهمه عن مفهوم الحرية: "لماذا يزداد انتهاك الحرية في عصر التحرّر وعلى يد دعاة التحرّر أنفسهم؟ أو لماذا تتراجع الحريات الديمقراطية على أرضها بالذات؟ ص100". هكذا تكون النتيجة لمن لا يسأل ولا ينتقد، ولا يقرأ ذاته بعيدا عن أناه، إذ من لا ينتج معرفة بالمجتمع، لا يستطيع المساهمة في تغييره، ومن لا يبدع فكراً هو أعجز عن أن يؤثر في مجرى الأحداث وتطوّر الأفكار. وهذا هو مأزق المثقف، وتلك هي إشكالية أزماته.
وهم الهوية: وتعني أنّ المرء يعتقد بأنّ بإمكانه أنْ يبقى هو هو، بالتطابق مع أصوله، والالتصاق بذاكرته، أو المحافظة على تراثه. وهذا هو مكمن الأزمة في فكر المثقف، فهو أيضا يعتقد بأنّ الهوية شيء ثابت، لذلك نصّب نفسه حارساً للأفكار، ناطقا باسم ما يحمله من هوية، جامدا في مكانه، بعيدا عن الانخراط في التحوّلات المتسارعة التي يعيشها العالم المعاصر. وبدل أنْ يشتغل بإنتاج الأفكار، والعمل على تطويرها، لأنّها مهمته الأساسية، آثر التقوقع على الذّات، والحفاظ على الهوية، والانتماء إلى عوالم العقيدة والقبيلة والتراث، بدل عالم الفكر.
وهم المطابقة: مفاد هذا الوهم أنّ الحقيقة جوهر ثابت، سابق على التجربة، متعالٍ على الممارسة، يمكن القبض عليه عبر التصوّرات، والتّعبير عنه بواسطة الكلمات. ومن ثمة ترجمته في الحياة العملية، والممارسات التطبيقية. لكنّ هذا الاعتقاد كثيرا ما آل إلى إحباطات كبيرة: "فالذين أملوا بالسّلام لم يحسنوا سوى صناعة الحرب، والذين فكّروا في زوال الدّولة لم يؤسسوا مملكة للحرية، بل انتجوا دولة كلانية سحقت الفرد، وابتلعت المجتمع المدني ومؤسّساته... ص 108". وكذلك الأمر في علاقتنا مع الدّيمقراطية، وفشل تجربتها بمجتمعاتنا، فالكثيرون ظنّوا بأنها مجرّد فكرة يتمّ اقتباسها، وإنّما هي عمل شاق ومتواصل يقوم به المجتمع على نفسه، وهو ما يحيلنا إلى ما سمّاه جورج طرابيشي بإشكالية المفتاح والتّاج، حيث يبتدئ طرابيشي مقاربته لهذه الإشكالية، بسؤال يحمل هذه الطّبيعة: هل الدّيمقراطية هي المفتاح السّحري الذي نفتح به جميع الأبواب المقفلة، أمْ أنّ الديمقراطية هي على العكس من ذلك، التّاج الذي يتوِّج التطوّر العضوي للمجتمع المعني، وينهض مقياساً على مستوى تطوّره؟. ص10. وما أراده الكاتب من خلال هذه الإشكالية هو ضرْبُ الإيديولوجية الخلاصية، التي تعتمل في المخيِّلة الجمعية للإنسان العربي. فالدّيمقراطية هي مسارٌ اجتماعي، وتتويج لحركة اجتماعية، وليستْ مفتاحاً سحرياً، ينقُل المجتمع من طور التخلف، إلى طور التقدّم. ولنا في النّماذج الأمريكية والفرنسية خيرُ مثال على ذلك. وهم الحداثة: ويعني به علي حرب تمسّك الحداثي بحداثته كتمسّك اللاّهوتي بأقانيمه، أو المتكلّم بأصوله، أو المقلّد بنماذجه، وهكذا فنحن بإزّاء سلوك فكري يتجلّى في تقديس الأشخاص، وعبادة النّماذج، والتعلّق الماورائي بالأسماء. وهكذا فالكلّ يفكر بطريقة نموذجية في أبعادها ومآلاتها، مهما تعدّدت النّماذج. فالحداثة لا تصنع بالتّقليد، شأنها شأن الديمقراطية كما أشرنا سالفا، لكنّ الحداثة مسار شاق وطويل يصنع بالخلق والإبداع، والخروج من ضيق القوالب الفكرية. إنها طفرة في الوعي والإدراك والفكر.
إن مفهوم المُثقف من وِجهة نظر اللبناني علي حرب، ليس مفهوماً متواطئاً مع ما يقوله ، بل شأنه شأن أي مفهوم آخر، سلسلة من الثنائيات والمتعارضات، وشبكة من الاستعارات والصوّر والتّصورات التي تُشكِّل بطانته وشرط إمكانه. أي أن مفهوم المثقف يُشكّل كثافة مفهومية في مقدّمتها مفهوم الطليعة الذي يستبطنه مصطلح المثقف والذي يُألّف بدوره شبكة من الصُّور والاستعارات والأوهام. هذه الأخيرة التي يرتبط كل وهم منها بمفهوم من المفاهيم المتداولة في خطاب المثقفين. يحاول اللبناني علي حرب في كتابه نقد المثقف أو أوهام النُخبة، تشخيص أزمة المُثقف العربي، والوقوف عند مُعضلة أو وهم النُّخبة التي بات من خلالها يرى المثقف نفسه رسولاً، أو داعية يستمني بشعارات ثابتة دون تكليف نفسه عناء تطوير وسائل المعرفة ونقد الأفكار، ثم إعادة إنتاجها عبر قراءة الواقع.
"إن مُعظم المثقفين العرب، لا يزالون غارقين في سباتهم الإيديولوجي، لا يُحسنون سوى نقض الوقائع لكي تصح مقولاتهم أو نظرياتهم."
هذا ما يطلق عليه علي حرب عبارتي حراسة الأفكار، وعقلية النموذج التي بات يشتغل بهما المثقف العقائدي في مهمته النبوية الرّسولية الاصطفائية الذي لا يمكن أن يحصد من وراءها غير الهزيمة والفشل. التّمترس خلف الأفكار إذن هو المرض الذي يخسر بسببه المثقف العربي قضيّته، ولا شفاء إلا باعتراف المثقف أنه ليس رسول هداية وحقيقة. باختصار يقول علي حرب: "أن المثقف فقد مصداقيته وفاعليته، وبات أعجز من أن يقوم بتنوير الناس وتثقيفهم، بل هو الذي أصبح يحتاج أن يتنوّر ويعيد تثقيف نفسه، بنقد دوره وتفكيك خطابه عن العقل والاستنارة والتحرّر، وذلك لتعرية الأوهام التي انبنت ووجهت ممارساته، والتي أنتجت كل هذا الهزال المعرفي والوجودي الذي آل إليه وضع المثقفين اليوم".
لماذا لم يُفلح المثقفون في ترجمة شعاراتهم؟ ولماذا يتحوّلون إلى مجرد باعة للأوهام؟ لماذا لم يتمكنوا من تجديد عالم الفكر؟ ولماذا لم يستطيعوا ابتكار تركيبات مفهومية يسهمون من خلالها في تشكيل العالم المعاصر انطلاقا من مجال عملهم ونطاق تأثيرهم؟ أسئلة يطرحها اللبناني علي حرب في كتابه نقد المثقف أو أوهام النخبة، بُغية تفكيك القوالب الثابتة في ذهن المثقف العربي الذي يرفض الهشّ على مُسلّماته وأوهامه الخادعة التي تقف حجاباً يُغطّي واقعه. هذه الأوهام الجمّة اكتفى علي حرب بذكر بعض منها في كتابه نقد المثقف أو أوهام النخبة.
١- وهم النُخبة : ويعني بها الكاتب سعي المثقف إلى لعب دور الدّاعية الوصيّ على الثورة والحرية، رسول الحقيقة والهداية، وقائد الأمة والمجتمع.
٢- وهم الحرية : ومعناه اعتقاد المثقف (المُخَلِّص) أن بإمكانه تحرير المجتمعات والشعوب من الهيمنة والتبعية والتخلف والفقر.
٣- وهم الهوية : أي تنصيب المثقف نفسه حارساً للهوية، ونصح الآخر بالشدّ والالتصاق بذاكرته وتراثه.
٤- وهم المطابقة : ومفاده أن الحقيقة جوهر ثابت.
٥- وهم الحداثة : وهو وحسب علي حرب أشدّ الأوهام، ويعني بهذا عبادة النموذج، وتمسّك المثقف الحداثي بحداثته كما يتمسّك اللاهوتي بأقانيمه.
٦- الوهم التاريخي : أي الاعتقاد بغائية التاريخ وحتمية التقدم البشري، على صعيد العقل والخلق، أو على صعيد الحقوق والحريات، كما يتجلى ذلك لدى أصحاب المنزع التاريخي، أي التاريخويين إذا جازت التسمية.
أوّل ما يستدعي التعليق هو لغة علي حرب البديعة، قلّةٌ هم القادرون على الكتابة في المجال الفكري بهذا الجمال والتماسك.
أعتقد أنّ موضوع الكتاب واضحٌ من عنوانه، علي حرب أراد تشخيص مشكلة المثقف، بعد أن فقد فاعليّته ومصداقيّته الفكريّة. فالمثقف –حس� حرب - قد أحال أفكاره إلى أقانيم مقدّسة، وأوثانٍ معبودة، واشتغل على حراستها وحمايتها بدل نقدها، مما قتل هذه الأفكار، ومنعه (أيّ المثقف) من فهم الواقع والتعامل معه بشكلٍ قويم. مشكلة المثقف تبدأ في تنزيهه للفكرة، وعِصْمته للنظريّة عن الخطأ، وإعلائها فوق الواقع ومجرياته، فهو لا يرى فشله إلّا في الزّمن أو الناس أو الظروف، وهذا ما أحال السياسة إلى نوعٍ من اللّاهوت، مارسه المثقفون على غيرهم؛ مجموعةٌ من النماذج والقوالب الجاهزة المحفوظة، والعصيّة على التجديد وإعادة الصياغة.
المثقف يبدو مستلباً لصالح أفكاره التي يظنّها حقائق لا ينقصها إلّا إسقاطها على الواقع، ومستلباً لصالح زمانٍ ومكانٍ سحريّ، فهو لا يرى إلى العالم إلّا عبر صورٍ ونماذج يستلهمها من أزمنةٍ مضت، كالعصر الإغريقيّ، أو العهد النبويّ، أو عصر الأنوار، أو الثورة البلشفية، الخ.
أحد أهمّ أوهام المثقفين يسميه علي حرب بـ"وهم المطابقة"، ومفاده: "الاعتقاد بأنّ الحقيقة جوهرٌ ثابت، سابقٌ على التجربة، متعالٍ على الممارسة، يمكن القبض عليه عبر التصورات، والتعبير عنه بواسطة الكلمات، و من ثمّ ترجمته في الحياة العملية وعلى أرض الممارسات". وهذا الوهم طالما أنتج مصائباً وكوارث، فالفكرة عندما تغدو هوية، تمارَسُ العلاقات معها بصورةٍ فاشيّة أو كلّانيّة، وتمنع ممارسة أيّ تفكيرٍ نقديّ عليها. ولذلك نرى أكثر المثقفين مناداةً للديمقراطيّة، هم الأبعد عنها في ممارساتهم، بل إنّ كثيرًا منهم لا يمارس سوى الاستبداد على من هم حوله وتحت سلطته، وهذا لأنه تعامل مع الديمقراطية بوصفها فكرةً مسبقةً أو صيغةً جاهزةً للتطبيق، ينبغي نقلها بحرفيّتها، بدل التعامل معها كـ"إمكانية للعمل"، يتم تجديدها وإعادة صوغها وابتكارها حسب المعطيات الاجتماعيّة والثقافيّة، فهي تتأثّر بالواقع، وتؤثر به في نفس الوقت. وهذا شأن المثقف مع مقولات كالوحدة، والتنوير، والإسلام، والاشتراكيّة، والعلمانيّة، والحداثة.
الحقيقة أنّ نقد علي حرب للمثقف العربي فيه انزياحٌ ليس بالهيّن، فبالرغم من اتّفاقي التامّ معه في أنّ المثقفين فشلوا في أداء أدنى أدوارهم تجاه مجتمعاتهم، بل كانوا عالةً على مجتمعاتهم، ووجهاً من وجوه المشكلة والأزمة في أحيانٍ كثيرة، وكفانا بالمواقف المخزية لكثيرٍ من مثقفينا تجاه الرّبيع العربيّ شاهدًا، إلّا أنّني لا يمكن أنّ أوافق على قول حرب بأنّنا: "لا نجد عربيًا واحدًا أنتج حتى الآن فكرًا ذا أهميّة حول المجتمع العربيّ والبشريّ"، أو "إنّنا لا نجد مثقفًا عربيًا واحدًا نجح في الكلام بصورةٍ جديدة، غنيّة، أو فريدة، على المقولات التي يتداولها المثقفون في خطاباتهم منذ عقود، كالديمقراطيّة، والحداثة، والعلمانيّة، والتقدّم، والاشتراكيّة". هذه الجمل تتكرر عبر الكتاب عدّة مرّات، وتصوّر جميع المثقفين بأنّهم مجموعاتٌ لا تحسن سوى ممارسة نخبويّتها ونرجسيّتها، وهذه مبالغةٌ وإجحاف.
أنا لا أفهم ما يقترحه حرب كحلٍّ لموت المثقف، فليس هناك ما يمنع ما سمّاه "المثقف الوسيط" من الوقوع في نفس الأوهام التي ذُكرت في الكتاب، ثمّ إنّ دور المثقف الجديد هذا غير واضح، وفيه تناقضات بيّنة، فعلي حرب يطلب من المثقف أن يعود إلى مهمته الأصليّة، وهي إنتاج الفكر، وصناعة المعرفة، لكنّ هذا الدور سيكرّس عزلة المثقف عن مجتمعه، وتعاليه عن هوامش وتفاصيل ومجريات الحياة، وهذا بالذات ما انتقده حرب في المثقف. ثمّ إنه يلوم المثقّف المنخرط في المجال السياسي أو الدعويّ، فلا يجوز عنده أن يكون المثقف سياسيًّا مناضلًا أو معلمًا قائدًا، لكنّه بنفس الوقت، يقول في الحوار الذي أُضيف كملحقٍ للطبعات الأخيرة، بأنّ المثقف يجب أن يمارس دوره الاجتماعيّ والسياسيّ بفاعليّة، وهنا يجب أنّ نسأل، ما هذا الدور أصلًا داخل مفهوم "المثقف الوسيط"؟!
وهنا يجب أنّ نسأل أيضًا، إذا كانت المشاريع الفكريّة العربيّة التي جاء بها الجابري والعروي وطه عبد الرحمن والمسيري وغيرهم، ليست ذات أهميّة عند علي حرب، فأين يمكن البحث عن المفكّر العربيّ الحرّ المتعالي النزيه ذي البصيرة الثاقبة، الذي ما إن يتمتم ويصفّق بيديه حتّى يحلّ كلّ إشكاليات الفكر العربي المعاصر؟ إنّ حرب هنا، يقول بهذا المثقّف الوسيط قولاً سحريًّا، فهو يرسم لنا هالةً من الأسطورة حوله، بحيث يُحجب هذا المثقف وراء هالة الساحر/الأسطورة، وكأنّه بطلٌ ميثولوجيّ قادمٌ من خارج عالمنا، ولكن عندما نسأل حرب: أين هذا الساحر الجديد، الذي يعزف أوركسترا النهضة العربيّة الجديدة، وهل من نموذجٍ عليه في تاريخنا العربيّ الحديث، فهو لا يدّلنا، حتّى في أوقات الأزمات والحروب التي تحتاج إلى تمائمه وتمتماته أشدّ الحاجة.
يبدو لي أن هذا الكتاب إنما كان محرك أفكاره ومفاهيهم ومواقف كاتبه الوجودية.. كان معايشة الكاتب لوقائع الحرب الأهلية اللبنانية في التسعينات، التي يبدو أنها فترة لحقت فورة المشاريع العربية القومية اليسارية التي انخرط فيها المثقف لتأتي فترة التسعينات وتضع الكاتب أمام دهشة وتفكر بكل الأساسيات التي يتبناها الخطاب والفكر العربي.. وهذا ـ حسب وجهة نظري ـ تفاعلٌ طبيعي بين المفكر والحرب؛ أن تعيد التفكير بكل شيء حتى الثوابت والمسلمات والمناهج. لذا يواجه الكاتب بقوة أول مقولة وهي "المثقف" بمقولة "نهاية المثقف" لينتقل بعدها إلى سائر المصطلحات الأخرى المتداولة كالوحدة والتقدمية والديمقراطية والحرية والإسلام والاشتراكية، التي يتناولها المثقفون بشكل "تطابقي" يسعون لإنزال هذه المقولات إنزالاً على المجتمع والدول وفق طوباويات أو "أفلاطونيات" يعتبرها الكاتب أوهاماً، بل يعتبر بتفكره ومراجعته أن الخلل لايكمن بالتطبيق كما يردد دائماً دعاة هذه المقولات والمناهج، بل هي في تلك المقولات والمناهج عينها الموجودة في عقول المنادين بها، وفي الفكر الذي يريد إسقاطها فتنعكس، كما يقول الكاتب، مزيداً من الاستبداد أو الفرقة أو الظلم أو التعصب أو سلب الحريات. الكاتب يرى المشكلة أيضاًَ في العقلية الأصولية التي تتعامل مع هذه المقولات بشكل تقديسي، ويشرح منطقه "التحويلي" و "الوجودي" الذي يفرض فهماً آخر لهذه المقولات، فهماً غنياً ويستمد غناه من تفاعله مع الواقع ومع طبائع كل زمان وكل مكان وكل مجتمع، أي فهماً يعتمد على إعادة التفكير بكل تلك الأسس بعيون تقرأ الحدث الذي أمامها بالدرجة الأولى. يتناول أيضاً الكاتب صورة المثقف فيهاجمها معتبراً أن المثقف قد ولّا زمانه الذي يوجه في المجتمع أو يحدد الطريق الذي ستسير عليه الشعوب، أي يهاجم ذلك الموقف المتعالي ـ حسب نظره ـ للمثقف ويدعوه ليسارع إلى التفاعل مع الواقع ولكي يراجع أفكاره ومواقفه وفق عقلية فكرية تتناول المناطق التي يراها المثقف سليمة وأصيلة. كما يهاجم الطابع "العمومي" للمثقف الذي ينصب نفسه ذو عقلية واعية لكل المجريات والحوادث ويدعوه للتخصص في مجال ما من مجالاته الفكرية أو العلمية لينتج فيها ويغني الرصيد العالمي بما ينتجه ويخلقه من مفهوم أو طفرة في هذا المجال. يتناول الكاتب أيضاً موقف بعض المثقفين الذين ينصبون أنفسهم عارفين بالحقيقة الكاملة وقواد الميادين النضالية ليؤكد أن ليس هناك من حقيقة كاملة يمكن القبض عليها وإنما هناك حقائق جزئية لاتخرج حتى يتم قراءتها وتناولها وفهمها لتولد منها حقيقئة جزئية أخرى وهكذا تستمر الحقائق بالتوالد والغنا، أما المكانة القيادية فيؤكد الكاتب أن هذا ماجرى عند بعض المثقفين المنتجين بميدان الفكر في فرنسا خلال الثورات التي اندلعت هناك وكان هذا بعدد قليل من المثقفين، أما في العالم العربي فإن المثقفين يتهومون قيادتهم للنضال ليكتشفو لاحقاً انعزالهم في أفكارهم أو تماهيهم مع السلطة وليحطموا بأنفسهم تلك الشعارات التي أعلنوا النضال لتحقيقها. ويؤكد الكاتب وفق هذا، أن مشكلة المثقف الأساسية ليست مع السلطة أو معاندة الواقع له، وإنما هي مع أفكاره بالدرجة الأولى، أي "في طرائقه العقيمة أو الفاشلة في التعامل مع الحقيقة التي يدعي النطق بها أو مع الحرية التي ينادي بها أو مع الشرعية التي يسعى إلى احتكارها".
يتناول الكاتب أيضاً عدداً من المفاهيم كالنقد والمثقف والمفكر (والفرق بينهما) وميدان عمل المفكر والمثقف ومهمة المفكر، والهوية وفق نفس الأسلوب الفكري التحويلي الذي يمكن الاطلاع عليه خلال قراءة الكتاب. في سطرين يلخص الكاتب قراءته لواقع المثقفين العرب على جبهتي النضال السياسي من أجل التغيير والانتاج المعرفي في حقول التفكير : “فش� في تحويل الواقع، هو عجز عن إنتاج علاقة جديدة بهذا الواقع، بقدر ماهو عجز عن إنتاج أفكار أو مفاهيم خصبة وخارقة حوله، وذلك هو المأزق".
لاحظت في بعض المواقع تكراراً للأفكار أو عودة لشرح ماتم شرحه، كما ﻻحظ� في مواضع أخرى حدة في لهجة الكاتب ونقداً لاذعاً لمثقفين عرب معاصرين ( وهو ماجلب له نقداً ﻻذعا� بالطبع). وهذه ربما من سلبيات الكتاب (التي ﻻيراه� الكاتب سلبية في ملحق بالكتاب عبارة عن حوار أعّد معه). أيضاً هذا الكتاب ﻻيحو� على إحالات كثيرة أو مراجع، وهذا ماأحبه في التأليف بعكس ماهو متداول من أن سمة الكتاب الجيد هو الإحالة والمراجع، فبنظري أن الأفكار القيّمة والغنية ﻻتحتا� إلى مرجعيات.
يمكن للقارئ أن يركز على تكرار الكاتب لأفكاره في أكثر من مكان فيجده سيء أو يجده ردة فعل وهجوماً على المثقفين، ويمكن له أن يتناول الكتاب ـ كما يريد صاحبه ـ بمنطق تحويلي استنطاقي، أي اقامة علاقة مع الكلمات لم يعتمدها الكاتب، واستنطاق أفكار ومفاهيم وعقلية فكرية تستطيع أن تمد الواقع بالغنا.
مشكلة المثقف لم تعد مع الدولة او المجتمع بل اصبحت مشكلته الاساسيه مع افكاره الخاصه والعلاقة التى يقيمها مع ذاته ورؤيته لهويته ! فيصبح فالنهاية المثقف هو جزء من مشاكل المجتمع ! ومعظم المثقفين العرب مازالوا غارقين في سباتهم الايديولوجي لا يحسنون سوى نقض الوقائع لكى تصح مقولاتهم او نظرياتهم حيق انهم لا يرون العله في طريقة تفكريهم لكن العلة لا توجد الا فالمجتمع والواقع وبالتالي يجب نقد المجتمع بإستمرار ليس لهـدف سوى ان تصبح النتيجة النهائية مطابقة المجتمع لأفكارهم الخاصة ! حيث تجد ان المثقفين انفسهم يمارسون نوعا من الديكتاتورية بحاولتهم لفرض افكارهم وتحديد ما هو فعال وصالح وما هو ليس كذلك .... فبدلا من ان تصبح مهمتهم التفكير عن الناس أو العمل علي توعيتهم وتحريرهم , انتهى بهم العمل الى اقامة سلطة استبدادية عليهم ! ويعتبر الخلاف بين المثقف والسياسي ليس كالصراع بين القوة والمعرفة بل علي القدرة على تحديد ما هو مباح وصالح وما هو ليس كذلك ويصبح الاشخاص المراد الدفاع عن حريتهم مهمشا وبالتالي نجد انهم اصبحوا اكثر جهلا وتعصبا فالحرية ليست مجرد قرار وكذلك تحرير الغير ليس مجرد قرار ويتم تنفيذه بل هي اقرب لفضاء للتداول والتبادل نسهم في توسيعه .... ولا يتم تحقيق هدف المثقفين الا عند الوصول لتحرير الجماهير من نخبوية المثقفين واوهامهم ووصايتهم .... وبمكن للأفكار ان تفشل وذلك لا يرجع لسوء تطبيقها بل للتمسك بالافكار وعدم مرونتها طبقا للمجتمع المحيط والحضارة المحيطة لها فلا يمكن تطبيق الفكرة فكل الاوقات وعلي جميع المجتمعات وهذا سبب كبير فى فشل المثقف وافكاره حينما يقتنع ان فكرته قابله للتنفيذ وتناسب كل الاماكن والاوقات ورؤيتها علي انها غير قابلة للخطا او النقد ....
المثقف العربى تعامل مع قضاياه اي مع الامه والهوية والوحدة والحرية بطريقة سلبية عقيمة دلت علي هشاشته أو اودت الي عزلته وهامشيته .. ومالم يزدهر الفكر الحر سيبقي الكلام ذو مردود عكسي .... ان دور المثقف يعتبر كـ وسيط للحد من الاستبداد والطغيان بقدر ما ينجح في خلق وسط فكرى او تشكيل مساحة للمعرفة او أبتكار شكل من اشكال العقلنه والدور القيادى له افضي به الى الممؤخرة
من اكتر الجمل اللي علقت معايا من الكتاب الوفى لفكر استاذه لا يمكنه ان ينجب فكرا !
محدش دوره انه يدافع عن اي فكر هو شايفه صح دور كل شخص ياخد الافكار اللي قدامه ويطورها او يمزج بين افكار متعدده !
يرى الكاتب أن - المثقف هو الشخص الذي يدافع عن الحق والحريات والمدنية بفكره وكلامه ومشروعه ونهجه -ليس بالضرورة أن يكون المثقف صاحب علم وفير أو اختصاص معين.... فأي كان يدافع عن الحقوق والحريات يعتبر مثقف من وجهة نظره - إدوارد سعيد وتعريفه للمثقف وقع في إشكالية تعريفين للمثقف أولها المثقف الطوباوي( المنزه عن الأهواء ومصالحه الدنيوية والسياسية الذي يعتبر أن مملكة الحق ليست من هذا العالم).. و المثقف العضوي(المثقف صاحب المشروع اللذي يريد تغيير المجتمع والعالم بفكره وقلمه) فكيف يحافظ المثقف على استقلاله وفعاليته في نفس الوقت؟
- النخبة أو الطليعة من المثقفين يحتكرون قيادة الجماهير ورؤية الأنسب لهم اكثر من أنفسهم فهم العالمين المفكرين ليس كبقية الجماهير... ويرى أن الح��ل ينتهي إما بإستبدادية وسلطوية على الجماهير وعلى عقولهم واختيارتهم وإما بالفشل الذريع
- المثقف يخفي حقيقة مصالحه تحت رسالته وفكره... وأن همه الأول هو سلطة قول الحق والتأثير وليس التنوير أو التغيير الفعلي ويؤكد ذلك بأن معظم مشاريع التحرير آلت إلى نشوء أنظمة استبدادية اصطفائية
-مشكلة المثقف ليست مع الدول ولا السلطة بل مع أفكاره وطرقه الفاشلة في التعامل مع الحقيقة و الحريات اللي ينادي بها
- أن هناك فرق بين المثقف الغربي والعربي....فالمثقف الغربي لا يتوقف عن التنوير (عملية مستمرة) ويبدع ويبتكر في سبيل التنوير.... أما المثقف العربي فهو يكتفي بالدفاع عن التنوير والحريات بشعارات وافكار ولا يبدع فهو مجرد داعية للتنوير
- المثقف فقد فعاليته ومصداقيته وبات عاجز عن تثقيف الناس وتنويرهم والأجدى أن يعيد تثقيف ونقد نفسه وأفكاره
- يجب على المثقف أن يتعامل مع الواقع وينقد فكره ويتبنى سياسة جديدة للتعامل مع الحقيقة والغير
- الهدف من نقد المثقف لذاته وفكره هو خروجه عن عزلته وقوقعته الفكرية ليقوم وينتج ويبدع فكر يقتحم به العالم
-لن نصبح حداثيين إلا إذا كنا شركاء في الحداثة....ولن نصبح كذلك إلا بنقد الحداثة وشعاراتها ونماذجها
مش عارف... بس محستش إن الكتاب قدم لي حاجة جديدة وفي أجزاء كانت بتتعاد وكأن الكاتب فاقد الثقة في إنه قدر يوصل معلومته وحسيت إنه استجمع بحثه ومعلوماته كلها من مانشيتات ومقالات الصحف الكتاب مش وحش لكن لم يضف ليا أي معلومة ثمينة عمومًا 3 نجوم مش وحشين عشان بس المجهود اللي قام بيه الكاتب ودة شيء يحسب له
عدا عن اسلوب الكتابة المميز والرشيق وجدت فيه خطابا ونظرة تجديدية لمشكلة عميقة جدا في العالم العربي فيلما طرحت قبل الثورات العربية،مشكلة المثقف ،وربما كان من الجيد رؤية كاتب متين كعلي حرب يُعرِض قليلا عن رمي الكرة في أحضان المجتمع أو السلطة كما عادة مثقفينا ومفكرينا العرب ويرميها في حضن المثقفين، الميزة الرئيسية لعلي حرب عن غيره كونه غير مهووس بنقد الدين لأجل نقد الدين إلا لكونه عامل من العوامل التي تساهم في تشكيل الواقع الحالي ويكاد يكون خطابه العام في كتبه خطابا فعلا انسانيا وهذا من النادر جدا أن نراه أو نلاحطه عند الكثيرمن المثقفين العرب الذين يضيقون زاوية الرؤية جدا عليهم ليحصروها في حيز جغرافي هو عالم عربي وفي تراث واحد هو التراث الاسلامي وبالتالي هذا النمط من التفكير يوصلهم حتما لجعل أفكارهم محدودة مما يدفع علي حرب للقول في كتابه أن المثقف العربي يشتغل فقط بحراسة الافكار واعتبارها صنما لا يُمس وتحويلها لشعارات لا تقدم الحلول لمعالجة الواقع ، وكنتيجة لا فكر عربي فاعل . السلبية الرئيسية في مايكتبه علي حرب برأيي هي ذات السلبية التي ينقدها عند غيره وهذا لا تكتشفه عند قراءة كتاب واحد أو كتابين له ،سلبية تكرار الافكار واعادتها وترديدها في المقالات وفي الحوارات وفي الكتب ، ولا اعتقده تكرار لغرس فكرة للأسف ، لذا ربما يصيب القارىء بعض الانبهار في البداية ،برأيي يحتاج قارىء علي حرب لقراءة غالبية كتبه ليتسنى له وضع تقييم موضوعي وحقيقي. نقطة ثانية في هذا الكتاب : التفريق بين المفكر والمثقف عند علي حرب كان ممتازا وواضحا جدا(هذا التمييز ايضا يكرر كثيرا في كتب علي حرب ) ولكن لا بد للمرء ان يضع بعض علامات الاستفهام حول الشعور الذي يخلقه حرب في كون المفكر يقترب ليكون في منزلة ومرتبة فوق النقد والترويج لفكرة حصر نقد المثقف بالمفكر،أعتقد أنه رسم صورة للمفكر فيها قدر ليس قليلا من المبالغة.
كتاب “وه� النخبة� لعلي حرب هو عمل فكري استثنائي يضرب بجذوره في صميم العلاقة بين السلطة والمعرفة، ويُسلط الضوء على الدور الذي تلعبه النخب الفكرية والسياسية في توجيه المجتمعات، سواء نحو التقدم أو التراجع. بأسلوبه التحليلي العميق، يكشف حرب عن الفجوة بين الخطاب النخبوي والواقع الفعلي، متسائلًا عن مدى مصداقية وتأثير تلك النخب في تحقيق التغيير المنشود.
فكرة الكتاب
الكتاب يتناول ظاهرة النخب التي تدّعي حمل لواء الفكر والإصلاح، لكنه يُعرّي التناقضات التي تكتنف أدوارها الحقيقية. علي حرب يطرح أسئلة جوهرية: هل النخب تمثل المجتمع حقًا، أم أنها مجرد قناع آخر لفرض الهيمنة؟ من خلال هذه التساؤلات، يبرز “وه� النخبة� كدعوة للتفكير في مدى فاعلية هذه الفئة في معالجة أزمات الواقع العربي المتشظي. الكاتب يعتمد على تحليل نقدي للواقع السياسي والاجتماعي، ليُظهر أن العديد من النخب تتحول إلى عامل ركود بدلاً من أن تكون محركًا للتغيير.
أسلوب الكاتب
اللغة التي يعتمدها علي حرب في هذا الكتاب تمزج بين البساطة والعمق. أسلوبه analytical (تحليلي) ودقيق، لكنه بعيد عن التعقيد المفرط، مما يجعله مُتاحًا لكل قارئ مهتم بالفكر النقدي. الكاتب يتجنب المباشرة الفجّة، ويعتمد على عرض الأفكار بطريقة منهجية تتطلب من القارئ التفاعل والتفكير. كما يُلاحظ في الكتاب ميل واضح إلى نقد الذات والمجتمع معًا، مما يُعطي النص طابعًا إنسانيًا وشاملًا.
أبرز النقاط الإيجابية
1. الجرأة الفكرية: الكتاب يتناول قضايا حساسة تتعلق بالنخب وتأثيرها دون تحيز، ما يجعله نقدًا شجاعًا للسلطة المعرفية التي تمارسها هذه الفئة. 2. شموليته: يقدم الكاتب تحليلات لا تقتصر على بُعد سياسي فقط، بل تمتد إلى أبعاد ثقافية واجتماعية، مما يعكس رؤيته العميقة. 3. قابلية التطبيق: الأفكار المطروحة ليست مجرد تنظير، بل يمكن إسقاطها على الواقع المعاصر بسهولة، ما يجعل الكتاب ذا صلة مباشرة بالأزمات الحالية
كتاب جيد يتحدث فيه الدكتور علي حرب عن مشكلة المفكر والمثقف والنخبة بصفة عامة هي مشكلة فكرهم وكيف يظنون انهم يملكون الحقيقة دون غيرهم وكيف انتقلوا من دورهم التثقيفي التنوريري الى الوعظ والوصاية والتخليص، ينتقد الدكتور علي المثقف الذي يعتد بنفسه وينعزل عن الناس ولا يخوض فيه امور حياتهم ولا في نقشاتهم انه يختذ من الثقافة وظيفتها المرموقة فقط بعد ذلك يعرج الى نقد مثقف السلطة ومثقف الشعب وبعدها الى المفكرين والمثقفين العرب كيف انهم يتصدرون المشهد مع انهم الاقل حضوراً وتأثيراً على المسرح وكيف انهم لم يقدمو ولم يستفيدو من تجارب غيرهم. الكتاب جيد جداً لكن يعاب عليه التكرار والحشو المفرط فيه .
عندما تناولت هذا الكتاب بين يدي لأول مرة، كنت أعد نفسي لمواجهة أسلوب كتابي صعب والكثير من المفاهيم التي تحتاج إلى مراجعة وضبط، لكن الكتاب جاء عكس توقعاتي، فالمؤلف يتمتع بلغة عربية أخّاذة، وبأسلوب كتابة رشيق وسلس، استمتعت حقاً بقراءة هذا الكتاب، وأنا سعيدة حقا بما أضاف لي من معلومات وأفكار. موضوع الكتاب في المجمل هو نقد المثقفين، والبحث في الموانع التي تمسك بخناقهم، وتمنع المفكرين من التجديد. ومدار الفكرة الرئيسة التي تكررت كثيرا في أكثر من موضع في الكتاب حول الأفكار، وركز علي حرب على أنّ مشكلة المفكر تكمن في الدفاع عن أفكاره والقيام بحراستها.
كلنا بحاجة لنقرأ نتاج هذا الرجل...لنعرف دور كل واحد منّا سواء كنّا مثقّفين/ مفكّرين أو أفراد من جمهور واسع... يجب أن نفهم لماذا وصلنا إلى هنا لا معرفة ماذا سنفعل. كتابه أوهام النخبة أو نقد المثقف- الذي أستمر بقراءته ونشر الإقتباسات منه - يجب أن يدرّس في المرحلة الثانويّة تحديدًا لأنه ليس مجرد تفكيك للمفاهيم والعقل العربي...بل هو تدريب على التفكير وانقاش والتواصل مع الذات ونقدها ومن ثم التواصل مع الآخر.
يقول علي حرب ان المثقف فقد مصداقيته وبات اعجز من ان بقوم بتنوير الناس وتثقيفهم .بل هو الذي اصبح يحتاج الى ان يتنور ويعيد تثقيف نفسه ،بنقد دوره وتفكيك خطابه عن العقل والاستنارة والتحرر وذلك لتعرية الاوهام التي انبنت بها مقولاته ووجهت ممارساته والتي انتجت كل هذا الهزال المعرفي والوجودي الذي أل اليه وصع المثقفين اليوم .
* الكتاب جيد لكن مايعيبه هو التكرار الكثير للافكار
الكتاب يطرح تساؤلات مهمة جدا ، لف��م الواقع والهوة بينه وبين (( أوهام النخبة)) .. لطالما استوقفتني حالات كثيرة ، لم استطع فهمها بشكل واضح لان تساؤلاتي حولها كانت غير واضحة ودقيقة ، هنا في هذا الكتاب يطرح التساؤلات بطريقة بسيطة ، مباشرة وجريئة .. تفتح افقا ومساحات اوسع للتفكير والنقاش .. لكن بالرغم من اهمية فحوى الكتاب والافكار التي طرحها ازعجني التكرار الكثير، وهذا افقدني متعة القراءة.