سيرة روائية، يروي فيها صاحبها قصة أيامه في برلين وفي عدد من البلدان الأوروبية، حيث أمضى هناك عدة سنوات حصل خلالها على درجة الدكتوراه. يرصد المؤلف في هذا الكتاب انعكاس العالم الغربي على ذاته المصرية العربية، فيمتلئ بالعديد من المقارنات والمفارقات في قالب يجمع بين الجد والفكاهة، والصدق والصراحة في قالب أدبي جميل. يقول المؤلف في مقدمته:
سافرت إلى ألمانيا لإنجاز أطروحة الدكتوراه، فوجدتني أدون قصة أيامي هناك، تسرية لهموم النفس في بلاد الغربة، وتزجية لوقت الفراغ، أو قل إن شئت إن ذلك كان ضربا من الرياضة الكتابية، مارستها تلبية لهوى قديم عرفته في نفسي التي عشقت فن الكتابة منذ الصبا! فكنت أرسل العنان للقلم إرسالا، لرصد مشاهداتي وتأملاتي، فرويت قصة أيامي وعرضت لعادات القوم وأخلاقهم وطبيعة حياتهم وعلاقاتهم الاجتماعية، وطبيعة بلادهم وجامعاتهم. وقد انتهجت في ذلك نهجا سمحا ترخصت فيه في استخدام اللغة وفي سرد الحكايات حتى غدا أقرب إلى قول ابن قتيبة في خطبة «عيون الأخبار» حين قال: «وسينتهي بك كتابنا هذا إلى باب المزاح والفكاهة... فإذا مر بك أيها المتزمت حديث تستخفه أو تستحسنه أو تعجب منه أو تضحك له فاعرف المذهب فيه وما أردنا به.. وإنما مثل هذا الكتاب مثل المائدة تختلف فيها مذاقات الطعوم لاختلاف شهوات الآكلين.. وكذلك اللحن إن مر بك في حديث من النوادر فلا يذهبن عليك أنا تعمدناه وأردنا منك أن تتعمده، لأن الإعراب ربما سلب بعض الحديث حسنه وشاطر النادرة حلاوتها».
شرعت في الكتابة على هذا النهج، وقد أتاحت سهولة النشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي أن يطلع بعض القراء من الأساتذة والأصدقاء على كثير مما كتبت، وكان ذلك تحت عنوان «يوميات درعمي في بلاد الفرنجة»، فتقبلوها بقبول حسن، ولاقت رواجا كبيرا بينهم، ووجدها كل من قرأها قريبة من نفسه، تجتذبه ليواصل القراءة من غير ملل ولا نفور.. فحفزني ذلك كله على مواصلة الكتابة.. حتى استوى بين أيديكم اليوم مما سطرت هذا الكتاب!. وهو يضم مواقف حياتي ومشاهداتي وتأملاتي خلال رحلاتي العملية والترفيهية في برلين وفي غيرها من المدن الألمانية، وفي باريس وروان الفرنسية، وفي أمستردام الهولندية، وفي مدريد وطليطلة الإسبانية. كتبت لكم قصة أيامي في هذه البلاد، فلم أخف عنكم مما رأيت شيئا، وكنت في ذلك كله أحمل مصر بين جوانحي! لم يغب طيفها يوما عن خيالي، ولم أنسها! أسرد وقائع وحكايات، من هنا ومن هناك، وأعقد مقارنات كثيرة؛ كانت تقع مني عفوا، بين كل ما شاهدته في بلاد الغرب وما عشته في مصر حتى ضجت هذه الصفحات بالمواقف والحكايات والمفارقات!
هذا، وإني لأرجو أن يجد القارئ في هذه الصفحات من الأنس والمتعة مثل ما وجد كاتبها عندما كتبها، فقد كانت الكتابة خير زاد استطاع به التسرية عن النفس، وخير دواء استشفى به من ألم الاغتراب.
ولد في إحدى قرى كفر الشيخ عام 1982، وتخرج في دار العلوم جامعة القاهرة عام 2004، وعين معيدا بها في قسم البلاغة والنقد الأدبي والأدب المقارن عام 2005، ثم حصل على الماجستير عام 2009، وسافر إلى ألمانيا في سبتمبر 2011 للحصول على الدكتوراه، في منحة مقدمة من الاتحاد الأوروبي، وحصل على درجة دكتوراه الفلسفة في الدراسات العربية، تخصص النقد الأدبي الحديث، من جامعة برلين الحرة، في يناير 2015، وعمل مدرسًا للنقد الأدبي بدار العلوم. توفي أواخر عام ٢٠٢١ في حادث سير في سلطنة عُمان
بودي أن اكتب الكثير والكثير عن هذا الكتاب الماتع الشائق وعن كاتبه البارع في السرد والوصف والمقارنة لكني حزينة جدًا على رحيل الكاتب وهو في ريعان شبابه قبل حتى أن يبلغ الأربعين كنت أتمنى أن يطول به العمر ليبدع أكثر ويكتب أكثر فأكثر، فهو خسارة عظيمة للأدب العربي ولكن لا نقول إلا ما يرضي الله إنا لله وإنا إليه راجعون
كتاب شيق وماتع ولطيف ، استغرق ثلاثة ايام لقراءته ، استمتعت به كثيراً، المؤلف رجل كريم ولطيف وينزع نحو المثالية ، وشعاره السلام أولاً، ولا يخلو من خوف من السلطة ! اجمل ما في الكتاب هو الجزء المتعلق ببرلين والحياة الدراسية وما عدا ذلك من فضائل الكتاب، تمنيت لو انه أعطى الحياة الدراسية حيزاً وتفصيلا اكبر. انصح بقراءته بشدة ، وملاحظاتي على الكتاب تنحصر في انه كان على المؤلف ان يفرق بين نشر سيرته في برلين ككتاب كامل وبين إعادة نشر حلقات سبق نشرها مما جعلني اقول :جاء الدرعمي مبكراً للفصل! اقتبست معنى هذه الجملة من وصف المؤلف لأستاذه قسطنطين بينما اجدها مناسبة لحال المؤلف ، اذ استحضاره لردود القرّاء وأصدقاءه عند بعض المسائل أعده قرينة عدم ثقة. فعدم توفيق المؤلف ان يفرق بين النشر في كتاب والنشر في وسائل التواصل الاجتماعي انعكس في حواشي واستطرادات لا لزوم لها.
كتاب أيامي في برلين صنف يصعب تصنيفه بين الكتب الأدبية فلا هو سيرة ذاتية بالمعنى الدقيق للكلمة ولا هو مذكرات عن أيامه في برلين لوحدها كما هو العنوان حيث يشتمل على مذكرات رحلاته إلى فرنسة وإسبانية وهولندة وفي مصر أيضا حيث عاد في إجازاته واستقبل ضيفة ألمانية في قريته أيضا.
والكتاب فيه كثير من المقارنة بين مصر وما شاهده الكاتب في ألمانيا وفي غيرها من الدول الأوروبية التي زارها، وكثيرا ما استحضر مواقف حصلت معه أو رآها أو سمعها في مصر فقارنها مع ما شاهده في هذه البلدان وخصوصا في ألمانيا. والكتاب فيه كم جيد من الاستشهاد بالأشعار والقصص الأدبية من الكتب التي قرأها أو من المشاهد التي شاهدها في المسلسلات أو المسرحيات أو الأفلام السينمائية المصرية. وهذا إن دل على شيء فهو يدل على سعة أفق الكاتب وكثرة محفوظاته الأدبية وكثرة مشاهداته ومتابعته الأدبية وقدرة على توظيف تلك المحفوظات في اللحظة المناسبة في كتابة فصول كتابه. بالطبع قد يكون استعان بالإنترنت محركات البحث وما إلى ذلك في استحضار الشواهد ولكن هذا لا يقلل من أهمية إستحضار الشاهد بالذات من الشعر أو الأدب أو الفن بالذات في اللحظة المناسبة وقد حدثنا الكاتب بإيجاز عن كثير من المشاهدات التي شاهدها وكثير منها صحيح ودقيق ولا يسهل على كل من يزور هذه البلاد أو يدرس بها والتقطها عينه. ومع ذلك هناك بعض النقاط التي أظهر فيها نوعا من السذاجة السياسية أو سذاجة في معرفة حقائق الأمور كما في حديثه عن النزاهة في الأوساط العلمية والأكاديمية أو الحريات السياسية والإعلامية فهذه ليست بالصورة التي قدمها فيها من المثالية والبراءة من العيوب. الكثير من العيوب موجودة هنا أيضا في هذه المجالات ولكن بشكل آخر يختلف عما تظهر عليه في مصر ولكنها موجودة للأسف. لفت نظري في الفصل المخصص لزيارته إلى إسبانيا أنه استحضر على طريقة الشعراء شخصية خيالية واستحضره معه في كتابه. هذا الفصل متميزا بحق عن باقي الفصول بإستحضار مثل هذه الشخصية الموهومة والمتخيلة. وأعتقد أن هذا بسبب أنه لم يكن معه مرافق في هذا السفر . وربما أيضا بسبب قلة المعلومات التي حصل عليها في إسبانيا عن الأوضاع العامة هناك فاضطر إلى أن ينقل عن الكتب والأشخاص الآخرين. وتميزت التعليقات على كتابه على هذا الموقع بأنها لم تتناول هذا الكتاب بعمق. فقد تناولته إما اعتمادا على الفهرس أو اعتمادا على معلومات عامة أو من الأشياء المكتوبة على جلد الكتاب. والحقيقة أن هذا الكتاب يستحق عناية واهتمام أكثر من قبل الدارسين لهذا النوع من الكتب الأدبية وهو يستحق بالفعل. وربما لو كان المؤلف على قيد الحياة لأعاد النظر في تنقيحه أو بعض فصوله. في جميع الأحوال هذا الكتابة يستحق الاهتمام والعناية والدرس. هناك نقطة أو نقاط لم يتحدث عنها الكاتب من قبيل ملابسات المنح التي تتاح للبعض في الدول الإسلامية ما سببها وأهدافها الحقيقية التي تجعل دولة تقدمها لباحثين من دولة أخرى كمصر ما هو الهدف الحقيقي من هذه المنحه وما الأشياء التي تتحقق من خلالها. كما أن مديحه وإطراءه زائد عن الحد ربما على أستاذته المشرفة مع ما لها من مواقف مسبقة ومعلنة إزاء القرآن الكريم. قد يكون بحكم مقتضيات المنحة وما إلى ذلك ولكن على كل حال من المفترض الإشارة إلى ذلك أو لا أقل التخفيف من المديح. بقي أن أشير إلى أن الكتاب نمط فريد من الكتابة حيث أنه يشتمل على تعليقات من القراء على مقاطع أو حلقات نشرت أولا على الفيسبوك.
في هذا الكتاب الماتع، يحكي الدكتور محمد متولي رحمه الله، الأديب الدرعمي، عن رحلته العلمية إلى برلين، حيث قضى ثلاثة أعوام ونصف، يعد رسالته للدكتوراه في الأدب العربي في معهد الدراسات العربية ببرلين. يصحبنا معه في تجاربه التي مر بها طوال هذه المدة، ويبصرنا بالحياة الاجتماعية الألمانية بحلوها ومرها، ويصور لنا تجاربه وانطباعاته بصدق وعفوية وانطلاق، وبلغة سلسة رقراقة ممتعة، وسرد متصل مسترسل لا اقتضاب فيه. والكتاب مترع بالمعلومات المفيدة عن برلين وألمانيا وأخلاق أهلها وعاداتهم ومميزاتهم ومثالبهم، وأوضاع المسلمين ومساجدهم هناك. وهو مملوء بالمقارنات بين أوضاع الناس وأحوالهم في مصر وألمانيا. ويصحبنا الكاتب أيضا في دهاليز الأكاديميا الألمانية ويقارن بينها وبين الأكاديميا المصرية، ولكل هذه المقارنات مرارة في نفس قرئها، كما كانت في نفس الكاتب. ما يميز الكتاب هو لطافته وخفته على النفس، رغم طوله وكثافة المعلومات التي فيه. ويميزه أيضا التنوع في استخدام الأساليب وسلاسة الانتقال بينها دون تشتيت أو قطع لتدفق السرد. وهناك أيضا مزج عجيب بين الجزالة والعذوبة والرقة في التعبير.
كتابٌ ممتع أخّاذ، وتجربة توثيقٍ ملهمة عسى الله أن ييسر لي محاكاتها حين أدرس الدكتوراه. أعجبني حديثه عن الشخصيات الفريدة التي التقى بها لاسيّما من الغربيين المهتمّين بلغتنا وثقافتنا (وكنت حسبت لوهلةٍ أنّ زمان المستشرقين قد ولّى في القرن الماضي)، وأعجبني عدم تهيّبه من طرح المواضيع الجريئة وصدقه فيها دون إسفاف، وأعجبني استصحابه للقارئ وحرصه على ألّا يُملّه، وأعجبني حبّه لمصر، وتعجّبت ممّا سمعت من بعض الممارسات الأكاديمية في الجامعات المصرية. أما ما رجوت أن يكون في الكتاب: فحديث أكثر عن محتوى رسالته في الدكتوراه وبحثه، وربّما ترتيب أكثر للفصول، التي لم أشعر أنّ هناك خيطاً زمنياً ينتظمها، ولكن حضور الكاتب كان رائعاً ممّا لم يضرّ معه لو شرّق أو غرّب، ولا أحسب أن قارئاً لهذه السيرة يملك ألّا يحبّ كاتبها.
رحم الله الدكتور محمد متولّي وأسكنه فسيح جناته، وأخلفه في أهله ومحبيه وبلده خيراً.
رحم الله الدكتور محمد والذى يصح أن أقول عنه أستاذى، فقد درستُ مادته في منحة مركز نماء" دبلومة اللغة والاتصال" و كان بحثي لنيل المنحة فى مادته "الأدب المقارن". أما الكتاب ماتع، أسلوب السرد جميل دون تكلف، المؤلف يمتلك أدواته الكتابية بل يجيد من فنون الأدب الحديثة منها والقديم ما زاد من جمال الكتاب وجعله وجبة أدبية دسمة،وهذه اللفتات والمفارقات بين الشرق والغرب التى تظهر عين ناقدة ليس في الأدب فقط بل مختلف الأمور وإن اختلفت معه في طريقة تناوله لبعض الأمور والآراء الواردة.