توفر يوميات الشهيد المبدع غسان كنفاني، التي تصدر في كتاب لأول مرة، عن دار راية للنشر في حيفا؛ إطلالة غير مسبوقة على عالم غسان كنفاني الإبداعي والإنساني الحميم، في سنوات مفصلية وحاسمة من مسيرته الأدبية والسياسية، ومن مسيرة حركة التحرر الوطني الفلسطيني على السواء. يبدأ كنفاني تدوين هذه الباقة من اليوميات ليلة رأس السنة عام 1959، وتغطي اليوميات فترة 6 سنوات، كتب خلالها بوتيرة شبه يومية، وفي مختلف مشاغله: الإبداعية والسياسية والوجودية، وفي هواجسه وتخبطاته في الحياة والحب والكتابة. ولعل التنوع المذهل في الموضوعات والانشغالات التي تفصح اليوميات الممتدة حتى 1965 عنها؛ يُظهر جسارة الحياة التي عاشها كنفاني، وثراءها وتعددها. الجدير بالذكر أن هذه اليوميات كانت قد ظهرت في أحد أعداد مجلة (الكرمل) الأولى مطلع الثمانينات، منتقاة من دفتر يوميات لكنفاني تم العثور عليه بعد رحيله، وهي تؤرخ للفترة التي عاشها كنفاني في الكويت حيث اشتغل بالتدريس، قبل أن يعود منتصف عام 1965 إلى بيروت ويباشر منها مهامه السياسية (في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين) والأدبية، حتى اغتياله صبيحة 8 حزيران 1972 بانفجار سيارته واستشهاده مع ابنة أخته الطفلة لميس.
Ghassan Kanafani was a Palestinian journalist, fiction writer, and a spokesman for the Popular Front for the Liberation of Palestine (PFLP). Kanafani died at the age of 36, assassinated by car bomb in Beirut, By the Israeli Mossad
Ghassan Fayiz Kanafani was born in Acre in Palestine (then under the British mandate) in 1936. His father was a lawyer, and sent Ghassan to a French missionary school in Jaffa. During the 1948 Arab-Israeli War, Kanafani and his family fled to Lebanon, but soon moved on to Damascus, Syria, to live there as Palestinian refugees.
After studying Arabic literature at the University of Damascus, Kanafani became a teacher at the Palestinian refugee camps in Syria. There, he began writing short stories, influenced by his contact with young children and their experiences as stateless citizens. In 1960 he moved to Beirut, Lebanon, where he became the editor of several newspapers, all with an Arab nationalist affiliation. In Beirut, he published the novel Men in the Sun (1962). He also published extensively on literature and politics, focusing on the the Palestinian liberation movement and the refugee experience, as well as engaging in scholarly literary criticism, publishing several books about post-1948 Palestinian and Israeli literature.
1 / 1 / 1960 ليلة أمس قررت أن أبدأ من جديد ... هذه اليوميات عمل كريه، ولكنه ضروري كالحياة نفسها
أتي القرار بسرعة وبساطة، كانت الساعة تمام الثانية عشرة ، أي أننا كنا ننتقل من عام قديم إلي عالم جديد .. كانت الغرفة صامتة ، تعبق برائحة وحدة لا حد لها ... عميقة حتي العظم ، موحشة كأنها العدم ذاته ، وبدا كل شئ تافهاً لا قيمة له ، فقررت أن أكتب شيئاً ، لكنني فضلت حينئذ أن أبكي .. ومن الغريب أنني فعلت ذلك بكل بساطة ، ودون حرج ، وحين مسحت دمعة أو دمعتين ، كنت كمن يهيل التراب علي جزء آخر من جسد ميت سلفاً ندعوه حياتنا
وها أنا ذا أكتب من جديد .. يوميات كريهة لحياة كريهة تنتهي بموت كريه ، مستشعراً كم أنا مجبر علي أن أكتب ، كما أنا مجبر علي أن أعيش ، كما أنا مجبر علي أن أموت
4 / 1 / 1960
إنني مريض ، نصف حي يكافح من أجل أن يتمتع هذا النصف كما يتمتع كل إنسان بحياته كاملة ... وكل المحاولات التي افتعلها لكي أنسي هذه البديهية تقودني من جديد لكي أواجهها .. وبصوره أمر
لقد توصلت الآن إلى أن أؤمن بأن عنصر المشاركة يكاد يكون معدوماً بين الناس. إنهم يحسون أنك تتألم ولكنهم لا يعرفون كم تتألم، وليسوا على استعداد أبداً لأن ينسوا سعادتهم الخاصة من أجل أن يشاركوا الألم. وعلى هذا فعلينا أن نتألم بيننا وبين أنفسنا، وأن نواجه الموت كما يواجه واحد من الناس الآخرين نكتة يومية. وهذا يجعل من الإنسان عالماً بلا أبعاد، ولكنه في الآن ذاته، عالم مغلق على ذاته
دفعني لأكتب هذا الكلام جرح سببته الحقنة اليومية في هذا الصباح. وأعتقد أنه ما زال ينزف إلى الآن. لو قلت لإنسان ما إنني أتألم منه لاعتبره شيئاً يشبه النكتة الطريفة، ويرددها على هذا الأساس، متسائلاً: «كيف يستطيع إنسان أن يجرح نفسه؟ لا شك أنها تجربة طريفة!». أو أنه على أحسن الاحتمالات سوف يقول: «إنه يتألم!» ويغيّر الموضوع. أما بالنسبة لي فهي تعني، وسوف تبقى تعني كل يوم، أنني أريق جزءاً من احتمالي، وإنسانيتي، وسعادتي من أجل أن أعيش. وإنه لثمن باهظ حتماً. أن يشتري الإنسان حياته اليومية بالألم، والقرف، والنكتة. إنه ثمن باهظ بلا شك، أن يشتري حياته اليومية بموت يومي …�
إنني لست راغباً في أي شئ .. كل الأشياء التي اعتقدت إنني أحبها فقدت معناها تماما .. لست أحسن التصرف مع الأصدقاء .. ولست راغباً في الاستمرار أكثر داخل هذه الدوامة التي تدور كساقية مجنونة تقور في رمال صحراء عطشي منذ ألآف السنين
الرحلة لن تطول كثيراً ... هذا هو الشئ المؤكد لي الآن !
لقد توصلت الآن إلى أن أؤمن بأن عنصر المشاركة يكاد يكون معدوماً بين الناس.. إنهم يحسون أنك تتألم، ولكنهم لا يعرفون كم تتألم، وليسوا على استعداد أبداً لأن ينسوا سعادتهم الخاصة من أجل أن يشاركوا الألم.. وعلى هذا فعلينا أن نتألم بيننا وبين أنفسنا.. وأن نواجه الموت كما يواجه واحد من الناس الآخرين نكتة يومية.. وهذا يجعل من الإنسان عالماً بلا أبعاد، ولكنه في الآن ذاته، عالم مغلق على ذاته.
للذين يريدون أن يقرأوا غسان ! .. أنصحهم بهذه الصفحات القليلة .. الرائعة .. الغنية .. من أجمل وأروع ما كتب غسان ! إلا أن أسوأ مافيها أنها قليلة وأنك ستحزن في نهايتها لأنك لاتريد لها أن تنتهي 💔
هذا الصباح برعاية يوميّات غسان كنفاني 1960- 1965، وذلك الحُبّ الذي عرفتُ نفسي به، وعرفني الآخرون من خلاله، وظلَّ يكبُر معي، كلما قرأتُ لغسّان، وجدتُ ذاتِي، إننّي أعودُ دومًا، لنفسي من خلالِه. أتمنى لو باستطاعتي اقتباس كل اليوميّات، على الرغم من ألمها والأحزان إلا أنّها أخّاذه، ورائعه بكل أوجاعها. /
"لقد توصلتُ الآن إلى أن أؤمن بأن عنصر المشاركة يكاد يكون معدومًا بين الناس، إنهم يحسون أنك تتألم، ولكنهم لايعرفون كم تتألم، وليسوا على استعدادٍ أبدًا، لأن ينسوا سعادتهم الخاصة من أجل أن يشاركوا الألم، وعلى هذا فعلينا أن نتألم بيننا وبين أنفسنا، وأن نواجه الموت كما يواجه واحد من الناس الآخرين نكتة يوميّة.. وهذا يجعل الانسان عالمًا بلا أبعاد، ولكنه في الآن ذاته، عالم مغلق على ذاته."
"كانت الغرفة صامتة، تعبق برائحة وحدةٍ لا حدّ لها، عميقة حتى العظم، موحشة كأنها العدم ذاته، وبدا كل شيء تافهًا لا قيمة له، فقررت أن أكتب شيئًا، لكنني فضلتُ لحظة ذاك، أن أبكي.. ومن الغريب أنني فعلت ذلك ببساطة، ودون حرج، وحين مسحتُ دمعة أو دمعتين كنتُ كمن يهيل التراب على جزءٍ آخر من جسدٍ ميّت سلفًا ندعوه حياتنا."
إنني لست راغبا في أي شي، كل الأشياء التي اعتقدت أني أحبها فقدت معناها تماما..
لقد بدأ هذا القلب يتعب، إنه يخفق بلا جدوي، وحينما أنظر الآن إلي الأشياء أحس بأنني خارجها..إنها مسحوبة من المعقول.. إنني لا أخاف من الموت لكنني لا أريد أن أموت.. لقد عشت سنوات قليلة قاسية، وتبدو لي فكرة أن لا أُعوَض فكرة رهيبة.. إنني لم أعش قط.. لذلك أنا لم أوجد، ولا أريد أن أغادر دون ان أكون-قبل المغادرة- موجودا..
لماذا قُدِر للإنسان أن تكون أعمق جروحه تلك التي يحفرها بيده!
أنا رجل مخذول، هل تستطيعين أن تحسي أعماق هذه الكلمة؟ كل الوحشة والغربة والضياع التي تعشش فيها؟ الخذلان لا يذهب... أما الخذلان الذي يصنعه الإنسان بيده فإنه ينمو.. ينمو حتي يصبح غولا..
لتحاولي أن تنسيني.. أنا لا أستحق ذكراك عني.. حاولي أن تصعدي ذلك الحب إلي صداقة.. أنا لن أحاول شيئا، سوف أرقبك وحين أراك سعيدة.. سوف أشعر أنني لست سببا في تعاسة إنسان أحبه.. أحبه رغم كل شيء
إننا لا نحتاج للآخرين كي نعرف أننا تغيرنا.. نحتاجهم فقط كي نعرف كم هو ضروري تغيرنا..
”كان� الاستخبارات الاسرائيلية قد وضعت كنفاني والصايغ على لائحة الاغتيال لأنها لم تكن تعتبر العمل في الميادين الثقافية والفكرية أقل أذى لدولة اسرائيل من الأعمال العسكرية والأمنية والسياسية�