كان لدى الإنسان حلم جميل حول نفسه، وكان يصبو إلى السمو على شرطه الإنساني، ولكن تتالي الظروف فتح في هذا الحلم، جرحاً. وبدأ الحلم ينزف ويضمحل. وراح يتخذ، مع ضموره، أشكالاً وتسميات بين حين وآخر ينتبه الإنسان إلى خسارته الفاجعة، هذه، فيدرك أنه صار يجهد لمنع نفسه من الإنحدار عن مستواه الإنساني إلى مستوى الحيوان، وحين يقاوم تتخذ مقاومته شكلاً من أشكال الجنون، وفي هذا الكتاب محاولة لتلمس شيء من هذا النزيف وفي إطار التعبير الإبداعي بشكل خاص. ولعل هذه (المقدمات) أن تكون (مقدمة) لبحث، أو أبحاث، أكثر شمولاً، ولكننا الآم في مرحلة الدفاع عن حقنا في الجنون.
هذا الكتاب فعلا لن يعجب الكثير الكثير، نظرتي له حيادية، لأنني لم اعطيه ذلك الوقت المناسب لأكتب عنه بعدل، ولكنه لم يجذبني كثيراً، التي اثارت اهتمامي تكون ٣ مقالات لا اكثر، واعتقد انني كنت لأجدها في كتاب آخر، أي هذا الكتاب بالتحديد لن يفوتك الكثير إن لم تقرأه، ولكن لأنوه عن فكرة كانت فعلاً غريبة، هو دفاع الكاتب عن الجنون، يرا ان المجانين ليسوا مجانين فقدوا عقولهم لفعل الجنون نفسه، بل لأنهم لم يقبلوا العيش في هذا الواقع الحقيقي الذي يعيشوه السويّين بكل زيف، ولأنهم مجبورون عليه، كادت ان تدخل الفكرة رأسي لأنه منطقي جداً كما رأيت في اغلب قصص السجون من يُصاب بالجنون هو الذي شهد شيئاً لا يتحمله قلب فحماه عقله وشكّل دفاعاته بالجنون. "المجنون ليس من فقدَ عقله، المجنون؛ من فقدَ كل شيءٌ عدَا عقله"
"إن القارئ لم يواجه بالحقيقة بعد. ولذلك ضاع الشعر والقارئ معاً، ولا بد من المواجهة والاحتمال، لابد من الصبر وبذل الجهود للوصول إلى فن حقيقي من خلال قارئ حقيقي".
لا شك أن من يقرأ "حيونة الإنسان" للكاتب ممدوح عدوان سيُجري بحثاً سريعاً عن بقية مؤلفاته ليلتهمها التهاماً، وعندها سيصادف هذا الكتاب الخفيف والثقيل في آن معاً، فيلمس غضب الكاتب وانفعاله وقدرته النقدية الحادة، والمطلوبة، أثناء حديثه في مواضيع شتى.
دفاعاً عن الجنون هو كتاب للمجانين وليس للعقلاء، ولن يفهمه سواهم.