What do you think?
Rate this book
527 pages, Paperback
First published January 1, 1990
وعلى طول الطريق من الإسكندرية إلى القاهرة، كان جنود الراية مثلثة الألوان يواصلون مهمتهم التعليمية و رسالتهم التحضيرية!
"يقول الجاويش فرانسوا: إن قرية رفضت إمداد الفرنسيين بالبضائع التي طلبوها فضُرِب أهلها بحد السيف و أُحرِقت بالنار، و ذُبح و أُحِرق ٩٠٠ رجل و امرأة و طفل، ليكونوا عبرة لشعب همجي نصف متوحش."
حقيقة قبل أن أبدا بالقراءة للأستاذ محمود شاكر، لم أكن قد سمعت قبل بلويس عوض، أو أن أحدا قد بلغت به الصفاقة أن يَعُدّ الحملة الفرنسية فاتحة الخيرات و طريق الحضارة للشرق، و السبب أن من صعد على مدافع العسكر إلى سُدة المثقفين كان مصيره أن يزول سريعا عن ذاكرة العامة، و للمناسبة أنصح بقراءة مراجعة أحمد عبد الفتاح ... بيد أن آثار هذه الآراء قد استقر في قاع تفكير بعض الناس، و أن تستقر بعض الأفكار في أذهان الناس كمسلمات و قناعات أخطر من مواجهة حملة صريحة في أفكارها، خاصة و أن هذه الأفكار نتاج قرنين من غسيل الأفكار.
زعم أهل المدرسة الاستعمارية أن نابليون كان يطمح لأن ينقل مبادئ الثورة الفرنسية إلى مصر، و أن يحرر شعبها، و ارتكبوا في سبيل هذا كل ما قدروا عليه من أكاذيب و ليّ للنصوص التاريخية، و قد بين الأستاذ محمد جلال كشك مدى تدليس لويس عوض الواضح بمجرد نقل أجزاء من كتاب الجبرتي، و كان الحال مشابها في رد محمود شاكر في ادعائته على أبي العلاء المعري.
هذا الادعاء لم يكن مطلوبا لذاته، بل لدعم أيدولوجيتهم في فهم طريق الحضارة المفروض للشرق أن يسلكه، فأصحاب المدرسة الوطنية قد قرروا أن طريق التقدم هو في تقليد الغرب في صناعته و علومه دون أفكاره و أيدولوجياته، و أن مقاومة الحضارة الغربية هي الحافز و السبيل لذلك، و قد نقل الجبرتي أن أهل القاهرة في ثورة القاهرة الثانية قد أقاموا معامل لتصنيع البارود و لتصنيع المدافع و القذائف مستغلين في ذلك ما يجدونه من أدوات في أحيائهم و ما يستخلصونه من القذائف التي كانت القوات الفرنسية تمطرهم بها.
أما المدرسة الاستعمارية فترى أن ليس من الممكن أن تقتبس بعضا من الحضارة دون غيرها، فلكي تنقل صناعتهم و علومهم، لا بد أن تنقل أفكارهم و أدبهم و أسلوب حياتهم ... و قد تمادى بعضهم بأن اعتبر المشاركة في مظاهر الحضارة و أفكارها يكفي، دون المشاركة في الصناعة ... و لذلك كان رواد هذه المدرسة يأتون بكل ما استطاعوا كي يثبتوا أن المصريين كانوا كرجال الكهف أمام نابليون و هو ينثر نور الحضارة على المصريين.
و يكفي كمثال أن نذكر الديوان الذي شكله نابليون، فقد اعتبره لويس عوض أول مجلس نيابي في تاريخ مصر من جانب، و من جانب أول مجلس وزراء في تاريخ مصر ... في حين أن نابليون كان قد أنشأه لغرض واحد فحسب، و هو أن يسيطر على الشعب من خلال وجهائه.
حين استطاع كليبر أن يقهر ثورة القاهرة الثانية، جمع أعضاء الديوان، و لامهم على عدم منعهم الشعب من الثورة، فردوا عليه ردودا غير شافية، ففهم حينها ما نواه المشايخ في الديوان منذ البداية، وهي أن يضللوا سلطات الاحتلال ما استطاعوا و خداعه لتخفيف الضرر على الرعية، و يتيح لهم الفرصة كي يثوروا ضده، فلما صار الفهم متبادلا قال: "فكان جزاؤكم أن نفعل معكم كما فعلنا مع أهل بولاق مِن قتلكم عن آخركم و حرق بلدكم و سبي حريمكم و أولادكم،" ولكنه قرر أن يرأف بهم و قرر عقوبات مالية على القاهرة كلها، و عقوبات مضاعفة على المشايخ في الديوان.
و قد كان مجموع ما فرضه كليبر من غرامات على القاهرة قد بلغ ١٢ مليون فرانك في حين أن ميزانية الحملة الفرنسية المعتمدة كانت ٩ ملايين فرانك.
إن كان الديوان هو أول مجلس نيابي في مصر، فأي مجلس نيابي تأمره الحكومة، و تحاكمه و تفرض عليه الغرامات!