Rihab's Updates

"

تبدأ الرواية بمكالمة هاتفية تتلقاها"إيلينا" من ابن صديقة طفولتها "ليلا" يسألها إن كانت أمه عندها، تنفي رؤيتها وتبدأ في طرح استنتاجات عن مكانها لتعرف أن الولد المكترث مدفوعا بالواجب لا المحبة بحث أمرها جميعًا ولم يجد الأم المختفية، يداهمها خاطر مزعج عن رغبة قديمة لصديقتها في الاختفاء كليًا، ليس عن طريق انهاء حباتها ولا تغيير هويتها، بل رغبة في الاختفاء التام كأنما لم توجد في العالم يومًا، تختفي ولا تترك وراءها شعرة واحدة ولا تذكار ولا اي شئ يتأكد منه أحد أنها لم تكن حلمًا.

سألت الشاب إن كانت أمه قد تركت أي شئ خلفها، أي شئ يدل أنها عاشت هنا يومًا وجاء صوت الابن المذعور يجيب بالنفي، أن صورها معه حتى اختفت تمامًا، ليس لها أثر..

أنهت إيلينا المكالمة وأحضرت مفكرة وقلمًا وبدأت غاضبة محنقة تقاوم رغبة صديقتها في الاختفاء الكلي بدون أي أثر بعدما وصلا لسن السادسة والستين، وبدأت في قص كل ما تذكره عنها، عن ليلا..صديقتها المذهلة.

هل تعرف هذا النوع من العلاقات الذي يتبخر أحد أفراده في ظل الآخر؟ خاصة لو كان طرفي المعادلة فتيات؟

فتاة جميلة مجتهدة حسنة الخلق، وصديقة حادة الطباع بذيئة اللسان شريرة ذات قوة كاسحة وألق وتوهج يغشي كل شئ حتى تختفي صديقتها في ظلها ولا يلاحظها أي حد، ستحتار كثيرًا في فهم العلاقة بينهما، هل تعشقها أم تكرهها؟ كيف تؤدي بنا رغبتنا الفطرية في الحصول على قبول وموافقة من حولنا واهتمامهم إلى طرق بعيدة نفقد فيها أنفسنا، أو ربما نعيد اكتشافها من جديد.

قادني الفضول للبحث عن الكاتبة، إيلينا فيرانتي، لأعرف أنها لغز لا يقل شبهًا عن بطلة روايتها

كاتبة رباعية نابولي التي صنفت من أجمل الروايات المعاصرة وصنفت كاتبها من أكثر الشخصيات تأثيرًا عام صدورها مجهولة، لا يعرف أحد عنها سوى الناشر، تكتب تحت اسم أنثي ولا يعرف أحد إن كانت امرأة ام رجل

شغل الأمر الرأي العام لفترة طويلة دفعتهم لعمل لجان تحليلية لدراسة الرباعية لاستنتاج إن كانت لقلم واحد أم مجموعة من الكتاب، وعندما قررو أنها لقلم واحد شرعوا في تخمين من هي الكاتبة حتى أضطرهم الأمر لاختراق حسابات بنكية لكاتبة محتملة وجدوا أنها تلقت مبالغ كبيرة في نفس فترة لنتشار الرواية ليخرج الناشر منددًا بتلك المهازل وتبعث الكاتبة رسالة صوتية تذيع لتقول أنها حررت كلماتها ولا يجب أن تتبعها لكل مكان

أدين لهذه الرواية بشفائي من سدة قراءة عانيت منها على مدار العام، أعادتني للجلوس على رواية متجاهلة ما حولي، اقرأها حتى أنام وأصحو متشوقة لاستكمالها.

علامة كاملة بلا تردد
أجمل قراءات العام، إيلينا فيرانتي..شكرًا على السحر أيتها الشيطانة المذهلة.

"