What do you think?
Rate this book
124 pages
First published January 1, 1930
إن الفرح الناجم عن تلبية غريزة لم يهذبها الأنا. بل لبثت على حالتها الوحشية الأولى. لأعظم بما لا يقاس من الفرح الناجم عن إشباع غريزة مروضة و مدجنة. و هنا بالتحديد يجد الطابع الجامح للاندفاعات المنحرفة و ربما أيضا سحر الثمرة المحرمة و جاذبيتها بوجه عام تفسيره الاقتصادي.
إن الدين يضر بلعبة التكيف و الانتخاب تلك. إذ يفرض على الجميع و على نسق واحد طرقه الخاصة للوصول إلى السعادة و للفوز بالمناعة ضد الألم. و تقوم خطته على تخفيض قيمة الحياة و على تشويه صورة العالم الواقعي تشويها بالغا. و هذا نهج يتخذ مسلمة له زجر العقل و تخويفه. و بهذا الثمن يفلح الدين. بإلباسه أتباعه بالقوة ثوب طفولة نفسية و يزجهم جميعا في هذيان جماعي يفلح في وقاية عدد من الكائنات الإنسانية من عصاب فردي. و لكن هذا أقصى ما يستطيعه تقريبا. إن هناك كما قلنا وفرة من الدروب التي تفضي إلى السعادة. على الأقل. كما هي متاحة لبني الإنسان. و لكن ليس ثمة من درب يفضي إليها بصورة أكيدة. و قد لا يفي الدين هو ذاته بوعده. فحين يرى المؤمن نفسه مضطرا في نهية المطاف إلى التعلل بـ (طرق الرب التي لا يسبر لها غور) يكون قد أقر ضمنا بأنه ما عاد في يده � و هو ��ي ذروة الألم � سوى الاستسلام بلا قيد و لا شرط كعزاء و فرح أخيرين. و إذا كان مستعدا لأن يفعل ذلك فلقد كان يمكنه بكل تأكيد أن يوفر على نفسه مشقة اللف و الدوران.
و يكاد يداخلنا انطباع بأن خلق جماعة بشرية كبرى كان سيكتب له المزيد من النجاح لو لم يكن من المتوجب أيضا الاهتمام بسعادة الفرد. من حق التطور الفردي إذن أن ينفرد بصفاته الخاصة التي لا نصادف مثلها في سيرورة الحضارة الاجتماعية. و ذلك التطور لا يتطابق بالضرورة مع هذه السيرورة إلا بقدر ما يكون هدفه احتواء الفرد في المجتمع.
فتطور الفرد يسير بمعزل عن تطور الجماعة رغم تقاطعهما معا في كثير من الأمور إلا أنه لا مفر من أن يتصادم في كل فرد الميلان كلاهما. الرامي أحدهما إلى السعادة الشخصية و الأخر إلى الاتحاد مع كائنات إنسانية أخرى. كذلك لا مناص من أن تتناحر سيرورتا التطور الفردي و التطور الحضاري بالضرورة و من أن تختصما على مواقعهما عند كل لقاء. و الحال ان ذلك العراك مهما عسر الحياة و صعبها على الفرد الحالي. يأذن بقيام توازن ختامي لدى هذا الفرد. و لنأمل أن يكون ذلك هو حال الحضارة مستقبلا.
إن مسألة مصير الجنس البشري تطرح نفسها على ما يخيل إلي على النحو التالي: هل سيكون في مستطاع تقدم الحضارة و إلى أي مدى أن يسيطر و يتغلب على الخلل الذي تحدثه في الحياة المشتركة دوافع البشر الغريزية إلى العدوان و تدمير الذات؟ ربما كان العصر الحالي يستحق من وجهة النظر هذه اهتماما خاصا. فأهل هذا العصر قد قطعوا شوطا بعيدا في السيطرة على قوى الطبيعة بحيث بات من السهل عليهم بالاستعانة بها أن يفنوا بعضهم بعضا عن بكرة أبيهم. و هم أدرى من يدري بذلك. و هذا ما يفسر قدرا غير قليل من قلقهم الحالي و شقائهم و قلقهم.