What do you think?
Rate this book
142 pages, Paperback
First published January 1, 2019
إن ما يحيرني أنه رغم كل الموت الذي واجهه هؤلاء العرب ويواجهونه على أيدينا، فإن كثيرين منهم لم يتركوا مدنهم، وما زالوا يتمسكون بها، بل إنني أحس كلما عدت إلى البيت من السوق أو من زيارة أن عليَّ أن أبذل الكثير من الجهد كي أستطيع الدخول، لأن تلك المرأة التي كانت تسكنه ما زالت فيه، تحتضنه، تطوقه بذراعيها وتصرخ بي: هذا بيتي، هذا بيتي! لماذا لا يرحلون يا ناحوم؟ ولماذا تفعل تلك المرأة ذلك حتى اليوم، بعد مرور عشرين سنة على طردها منه؟
لماذا؟! لأننا لم نقسُ عليهم بما فيه الكفاية، هذا هو خطؤنا الذي لم يرتكبه أعداؤنا في برلين وسواها.
يقسم إبراهيم نصر الله روايته إلى ثلاث فصول/لقاءات متباعدة زمنيًّا: بدءًا بقبيل النكبة الفلسطينية 1947 حيث اللقاء الأول، ثم ما تلا ذلك في اللقاء الثاني أثناء النكسة 1967، وأخيرًا اللقاء الثالث في 1987. في لقطاتٍ موجزة ومعبِّرة يطوف حول عائلةٍ فلسطينية واحدة هي عائلة مريم «أم جاسر»، وما حدث لهم في هذه السنوات الأربعين، ورغم كل ما حدث من دمارٍ وتشتت وضياع وحروبٍ وألم، فإن مريم لا زالت قادرةً على رسم الحلم وزرع الأمل من «ظلال مفاتيحهم» التي بقوا محتفظين بها في أيام الشتات، حاملين أمل العودة إلى قراهم، قادرين وحدهم على إعادة زرعها وتخطيطها وبنائها من جديد.
في الرواية ثمة مواجهةٌ تبدو غير متكافئة الأطراف، بين القوي الغاصب الغاشم المحتل، وبين صاحب الأرض والحق، بين دعاة الحرب والقتل والدمار، وبين المتمسكين بحقوقهم المستعدين للبذل والعطاء رغم كل ما حولهم من وجعٍ وألم، ولعل الجميل في هذه الرواية القصيرة أن إبراهيم نصر الله لم ينجرف لحكاية تفاصيل يعرفها الكثيرون، عن الحرب الفلسطينية وما جرى فيها خلال تلك الأعوام، وإنما استطاع أن يعبِّر عن دواخل شخصياته بالإشارة والجملة القصيرة المكثَّفة التي تحمل في طياتها الكثير. نجد ذلك بشكلٍ واضح في الحوار الذي يدور بين أم جاسر وأهل القرية، كما نجده في حوارها مع المجند في المرات الثلاث التي يلتقون فيها، كما نجده في الحوار بين ناحوم وأمه.
....................................
مهارة البقاء بين براثن الموت ..على إضاءات