What do you think?
Rate this book
231 pages, Paperback
First published January 22, 2020
كان علينا أخيرا أن نتبع استراتيجية الحد الأدنى من الحنين، ليس كثيرا جدا، بحيث يمكننا التخلص بسهولة من أحمال ماض طموح في ملحميته، وتغيرات سريعة لواقع متفلت، ليس قليلا جدا، حيث يمكن لتلك القسوة أن تتسلل إلينا، لنرى أن كل شيء زائل، ونفقد القدرة على حب الآخرين والتعلق بهم، الطمأنينة بينهم، ونحارب القسوة بأن نصير قساة، الحد الأدني، الذي يجعل الطمأنينة ممكنة، لأن الحاضر يظل بوسعه أن يكون جميلا، بوسعه أن يصير حنينا قادما، وإذن فكرة التماهي معه تظل ممكنة، الحد الأدنى الذي ربما يجعل بإمكاننا أن نبتسم فعلا من داخلنا للآخرين، لكن أيضا يصير بوسعنا حال ابتعادهم أن يقتصر الوداع على تنهيدة طويلة، ثم لا شيء.
يميل بعض الناس للتخفي من أزماتهم، كأنهم يتجاهلون في الطريق شخصا يعرفونه ولا يحبونه، البعض الآخر تكسبه الأزمات ثقلا، تجعله حكيما ولكن عجوزا وعاجزا، البعض يميل للمواجهة، إما يتخطونها أو تتخطاهم، البعض يهرب إلى عقله ليخلق له جنة خيالية يسكن فيها، طمعا في أن تمر العاصفة وتنتهي من تلقاء نفسها، البعض يهرب عقله منه، تحدث كل تلك الأمور تقريبا من دون تفكير...
ليست أجمل أيامي ولا أسوأها، صحيح، أصحو من النوم أريد أن أبكي، لكني، على الأقل، أنام. أتوتر كلما غادرت غرفتي، لكني، على الأقل، أغادرها. أحكي لكل من أعرفهم عن نوبات الهلع التي تصيبني كل لحظة، لكني، على الأقل، أشعر بالأمان الذي يجعلني أحكيها. ليس لدي الثبات النفسي الذي يجعلني في أحسن نسخي، لكن لدي ما يمنعني من أن أكون في أسوئها. أحلامي كلها كابوسية، لكني، على الأقل، أنساها بسرعة. أشعر كأن العالم كله يسقط على كتفي، لكنه، على الأقل، لا يحطمني تماما. آخذ نفسا عميقا وأحاول القيام به وبي، من دون أن ينهار كل منا، فلا ينهار شيء، ولا يقوم شيء. كأن هذا، بالضبط، ما يمكنني مجاراته، لكن، لو سقطت شعرة أخرى على كتفي، فلن أسمع إلا أصداء الانهيار.
وأريد، قبل موتي، أن أكتب شيئا ذكيا وجميلا جدا، ليس لمراوغة الموت بمحاولة الخلود الأدبي، ولا لتمرير وهم حكمة ما إلى القادمين، بل للدفاع عن ما سيصير ماضيا، أننا لم نرحل، لقلة في الذكاء أو لنقص في القدرة على استيعاب الجمال، كانت لعبة غير عادلة، وليس بوسعنا هزيمتها إلا على المدى الطويل جدا.
تحمست لمعارك لا تخصنى من دون داع،� وحزنت لأسباب تافهة، و تعلقت بأشخاص لا أستطيع الآن مجرد الجلوس معهم، وارتكبت حماقات لم أكن أتخيل أن تأتي من شخص مثلي.
حزني على الضحكة الجميلة التي توترت في منتصفها، والابتسامة التي قطعها الخوف..
تبدو الوحدة كظلام تألفه بطول الإقامة، وينقبض قلبك، حين يهل عليه أحد بغتة، مثلما تُغمّض العين من النور المفاجئ.
يصاب الناس بالحزن، لكنهم لا يصابون بالاكتئاب، الاكتئاب لا
يصيبك، بل يحاصرك، غابة كثيفة من الأشجار العالية والكثيفة والملتوية حول بعضها، بحيث لا يمكن الخروج منها، أنت تسير فى العالم وأنت حزين، لا يمكنك أن تفعل ذلك في الاكتئاب، حيث تسير في غابتك داخل العالم. ولترى العالم نفسه يجب أن تشق طريقك داخل الغابة أولا، وأن تصنع علامات في طريقك، لتتمكن من الخروج إن حوصرت داخلها مرة أخرى، أن تتدرب على فك التواءات الأشجار داخل بعضها، أن تقطع بعض الغصون أحيانا لتعبر، وأن تقطع أشجارا كاملة إن تطلب الأمر، لتخلق الطريق. أولى الأشجار التي ستقطعها هي وهم الألم الجميل ذو القيمة العظيمة، كل الآلام قبيحة ويجب القطع معها، آخر الأشجار التي تقطعها هي وهم أنك حين ستخرج سترى العالم الجميل، خارج الغابة، العالم ليس جميلا، لكنه العالم.
سنفترق، وإذن لن تأتي الفرصة لأخبرك أن هذه كانت أكثر فترات حياتي طمأنينة، ستعاقبينني بالغياب، وأعاقبك بألا أخبرك ذلك أبدا.
تعرفين بالتأكيد، عن الشجرة التي تخفي الغابة وراءها. في حياتي، أنت الشجرة التي تحجب الصحراء، فإذا التفت عنكِ، أو ملت عني، أُترك، خائفا، أحدق إلى الفراغ،
ارتكبت خطأ فادحا حين تخليت يوما عن يقين الوحدة، أملا في حميمية مؤجلة، يقين لا يمكن استدعاؤه، مرة أخرى بمجرد الحنين إليه، أو باكتشاف خسارته إلى الأبد، لقد ألقيت جزءا من ذاتي إلى الخارج، وإذن مرضت بالتعلق السريع بما يمكنه أن يرد هذا الجزء إليّ، وبالألم المستمر لفقد ما لم أمتلكه يوما، بالضجر من الانسداد المتتالي للآفاق المخادعة، فلا التدريبات المكثفة على الابتسامات الزائفة يمكنها أن تخلق مشهدا حميميا، ولا الصراحة المثابرة يمكنها أن تعوّض طمأنينة الظل، ولا حتي التحليل العقلاني للممكن سيفقد القلب ضراوته في نسج التطلعات الملحمية. الحياة كانت لتكون أبسط، لو كانت خيبة الأمل قادرة على اقتلاع الأمل نفسه جذريا وإلى الأبد، كانت لتكون أدفأ لو اقتنعنا بالحميمية كهبة قدرية، وإذن لم نسعى إليها، لم تكن الحميمية يوما إلا مغامرة، يمكنها أن تنتشلنا للأبد من صخب الجموع، أو تقذفنا بلا رأفة في دوامات الأمل/الخيبة، من سيعيد إلينا، مرة أخرى، هدوء بال الزاهدين؟
أخاف أن يظل العالم يحاصرني، حتى يكاد يمحوني، أن أظل أهرب مما يخيفني، حتى أنسى ما أريد وأن يلجمني التردد، فأظل في مكاني دوما، أخاف مما لا يمكنني استدراكه، ومن انفلات ما هو لي، ومن رغبة عقلي في معرفة كل شيء، قبل أي حركة، أخاف من عدم معرفتي بذاتي، هل خلف هذا الجسد المرهق، والعقل المليء بالهواجس يوجد شيء أجمل، هو أنا، أم أنني محض مجموع مخاوفي وآلامي؟، أخاف ألا أستطيع مقابلة المودة بمثلها، ومن العجز عن مساعدة من أحب، أخاف أن تسلبني مخاوفي الشيء الوحيد الذي يمكنني مشاركة العالم إياه، مقدرتي على التفكير... أخاف أن تكون حياتي محكومة بالخيارات الأقل ضررا، دون جميل أطارده، أخاف من السخرية ممن لا يستطيع الرد، ومن التقرب بمن لا يستطيع الرفض، أخاف على من يحتمون من عواصف صاخبة بجدران هشة، أخاف من طمأنينتهم الخادعة، أخاف على الخائفين وهم يطمئنون من هم أقل خوفا، لشعورهم بالمسؤولية وأخاف ألا أمتلك ما يمكنني من المشاركة في خلق عالم أجمل، سوى خوفي...
♥تناولن� مشرطًا وتعلمني كيف يمكنني أن أقطع الروح لأجزاء صغيرة جدًّا، ليكون من المستحيل تحطيمها تمامًا�
رأيت الكثيرين يتحطمون كآنية، واحدًا تلو الآخر، كلما تحطم واحد، وقبل أن نتمكن من جمع أجزائه، تحطم آخر. نحمل مضادات الاكتئاب في جيوبنا كما نحمل الهواتف، أكثرنا شجاعة تحطموا في البداية لأنهم حاولوا المواجهة، أكثرنا هشاشة تسلحوا بسخرية عدمية زائفة في حين تتناثر أجزاؤهم على الأرض. تهكمنا على محدودية طموحات آبائنا، ثم تمنينا حياتهم الرتيبة.
أعطيت سائق التاكسي سيجارة أملًا في كسب مودته المؤقتة من جانب، ومن جانب تهدئة لفورة غضبه إثر مشاجرة أخرجته منها قبل أن يضربه الآخرون، أمنت على كلامه بحماسة حين وصفهم بالجبناء. ضحكت على نكتة غير موفقة من بائع، مساندًا له في محاولته الخاسرة لإثارة انتباه فتاة. قلت لصديق قطار عابر يشكو من الحياة ما يحتاج إلى سماعه، وليس بالضرورة ما أؤمن به. أشحت بعينيَّ عن فتاة جميلة، على الرغم من أني كنت أود النظر أكثر، طمأنةً لها في شارع مظلم. لست غبيًّا، وأعرف تمامًا أن العالم في وضع أسوأ من أن تنقذه لفتاتنا الطيبة