تتناول دراسات هذا الكتاب إشكالية منهجية، وهي ضرورة استخدام النماذج المركبة لتفسير الظواهر الإنسانية والابتعاد عن النماذج الاختزالية. والنماذج المركبة هي النماذج التي لا تكتفي بعنصر واحد في تفسير الظواهر، وإنما تأخذ في الاعتبار عناصر عدة منها السياسي والاجتماعي والاقتصادي، بل تصل إلى العناصر الحضارية والأبعاد المعرفية. ولأن النموذج التحليلي المركب متعدِّد الأبعاد والمستويات فإنه يمكنه الإحاطة بمعظم جوانب الظاهرة موضع الدراسة. ويتضمن الكتاب تعريفاً بالنماذج المعرفية وعلاقة الإدراك بالواقع ومقارنة بين النماذج الاختزالية والنماذج المركبة، كما يتضمن جزءاً عن علاقة المؤشر بكل من هذه النماذج. ويحاول الكتاب تطبيق المنهج التفسيري من خلال نماذج مركبة على ظواهر حضارية مختلفة ومتنوعة مثل الماسونية والرأسمالية ومعاداة السامية
الأستاذ الدكتور عبد الوهاب المسيري، مفكر عربي إسلامي وأستاذ غير متفرغ بكلية البنات جامعة عين شمس. وُلد في دمنهور 1938 وتلقى تعليمه الابتدائي والثانوي (مرحلة التكوين أو البذور). التحق عام 1955 بقسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب جامعة الإسكندرية وعُين معيدًا فيها عند تخرجه، وسافر إلى الولايات المتحدة عام 1963 حيث حصل على درجة الماجستير عام 1964 (من جامعة كولومبيا) ثم على درجة الدكتوراه عام 1969 من جامعة رَتْجَرز Rutgers (مرحلة الجذور).
وعند عودته إلى مصر قام بالتدريس في جامعة عين شمس وفي عدة جامعات عربية من أهمها جامعة الملك سعود (1983 � 1988)، كما عمل أستاذا زائرًا في أكاديمية ناصر العسكرية، وجامعة ماليزيا الإسلامية، وعضو مجلس الخبراء بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام (1970 � 1975)، ومستشارًا ثقافيًا للوفد الدائم لجامعة الدول العربية لدى هيئة الأمم المتحدة بنيويورك (1975 � 1979). ثم عضوا بمجلس الأمناء لجامعة العلوم الإسلامية والاجتماعية بليسبرج، بولاية فرجينيا بالولايات المتحدة الأمريكية، ومستشار التحرير في عدد من الحوليات التي تصدر في ماليزيا وإيران والولايات المتحدة وانجلترا وفرنسا (مرحلة الثمر).
ومن أهم أعمال الدكتور المسيري موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية: نموذج تفسيري جديد (ثمانية مجلدات) وكتاب رحلتي الفكرية: سيرة غير ذاتية غير موضوعية- في البذور والجذور والثمار. وللدكتور المسيري مؤلفات أخرى في موضوعات شتى من أهمها: العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة (جزأين)، إشكالية التحيز: رؤية معرفية ودعوة للاجتهاد (سبعة أجزاء). كما أن له مؤلفات أخرى في الحضارة الغربية والحضارة الأمريكية مثل: الفردوس الأرضي، و الفلسفة المادية وتفكيك الإنسان، و الحداثة وما بعد الحداثة، و دراسات معرفية في الحداثة الغربية. والدكتور المسيري له أيضاً دراسات لغوية وأدبية من أهمها: اللغة والمجاز: بين التوحيد ووحدة الوجود، و دراسات في الشعر، و في الأدب والفكر، كما صدر له ديوان شعر بعنوان أغاني الخبرة والحيرة والبراءة: سيرة شعرية. وقد نشر الدكتور المسيري عدة قصص وديوان شعر للأطفال
قدم الدكتور المسيري سيرته الفكرية في كتاب بعنوان رحلتي الفكرية � في البذور والجذور والثمر: سيرة غير ذاتية غير موضوعية (2001) حيث يعطي القارئ صورة مفصلة عن كيف ولدت أفكاره وتكونت والمنهج التفسيري الذي يستخدمه، خاصة مفهوم النموذج المعرفي التفسيري. وفي نهاية "الرحلة" يعطي عرضًا لأهم أفكاره
الإنسان جزء من الطبيعة � وصحيح أنه ينتمي إليها عضويا � ولكنه ليس لحما فقط إنه روح أيضا � ففيه جزء إلهي نفخه الله فيه
هذا ما يحاول الدكتور المسيري رحمه الله إثباته على مدار كتابه
وصلت تحليلات المسيري إلى فكرة أسماها النماذج المركبة وهي تدحض النمطية التي تقولب الانسان في قالب أوحد يتشابه فيه الجميع
إن المسيري يرفض فكرة النماذج الاختزالية التي تختزل الانسان في بعد واحد � منكرة عليه بقية الأبعاد الأخرى � كالعوامل الاجتماعية والنفسية والدينية والسياسية وغير ذلك�
وبذلك في رأيه تغتال الظاهرة الانسانية ومن ثم تقضي على الانسان ذات�
المسيري يدافع باستماتة في كتابه عن انسانية الانسان � ويرفض بشدة أن يترك الانسان نفسه لتدمره المادة ويرفض أيضا أن ندرس الإنسان عن طريق المنهج المادي
� فهو لا تسري عليه جميع قوانين الطبيعة دون استثناء � فالإنسان ليس "صفحة بيضاء تتراكم عليها المعطيات المادية تعكس الواق� كله بحذافيره و كأنها آلة فوتوغرافية ولكنه عقل يبقي ويستبعد ويهمش ويركز وهو مستقر كثير من الخبرا� والمنظومات الأخلاقية والرمزية ومستودع كثير من الصور والذكريا� المخزونة في الوعي واللاوعي لذلك فهو عقل مبدع له مقدرة توليدية"�
وعلى ذلك فنحن لا نستطيع تطبيق معادلة� � 1+1= 2 عند دراسة الظاهرة الإنسانية�
فهناك اختلافات بينية تميز بين الناس� فلا يوجد اثنين متطابقين في كل شيء
فكي نصل إلى الأسباب الحقيقية وراء السلوك الإنساني � ولكي نصدر حكما صائبا علينا مراعاة ذلك وأخذه في الاعتبار� � يتحدث المسيري كذلك عما أسماه بالتبعية الإدراكية � أو إمبريالية المقولات (الخريطة الإدراكية الغربية)� أي أن "تقوم إحدى القوي بتحديد النماذج المعرفية والمقولات التحليلي� بطريقة تخدم مصالحهم وتستبعد مصالح الآخرين"� فالخطاب التحليلي العربي في رأيه "سقط في هذا الفخ"� وصار نقله للأحداث والوقائع هو نقل ما هو قائم بالفعل وقبوله كذلك � فنحن نفشل في أن نسمي الأشياء تاركين للآخر وصفها لنا
وأننا بدأنا ننظر لأنفسنا "من خلال المقولات التحليلية لعالم الغرب ونماذج� الإدراكية"� مما جعل العربي يري نفسه متخلفا � �"مهما بذل من جهد ومهما أنتج من روائع" � � و"بدأ يحكم علي نفسه بالهزيمة في المعركة قبل دخولها"�
يتناول الكتاب بعض الوقائع على مدار التاريخ الإنساني � من خلال دراسته لثلاث حالات شهيرة في التاريخ الغربي � وبإتباعه للمنهج المذكور وصل المسيري إلى نتائج مختلفة تماما �
�*تهمة الدم � �* دريفوس و الصراع بين الكنيسة و القوي العلمانية � �* واقعة ليو فرانك�
تتناول الفصول عدة موضوعات كالماشيح في اليهودية والصهيونية ومعادا� السامية وفكرة العبقرية اليهودية وقلعة الماساداه والإبادة النازية لليهود والحملات الصليبية والماسونية �
ومن أجمل فصول الكتاب الفصل الأخير المعنون بالمتاحف و الذات القومي� � وهو دراسة ممتعة عن المتاحف � وعلاقتها برؤية المجتمع لنفسه وللكون� كذل�
الكتاب برغم اختلافي مع كثير من أفكاره إلا أنه متعة عقلية بحتة فالمسيري بصفة عامة عقلية تستحق التأمل والقراءة لها أكثر من مرة فهو مفكر كبير وإضافة عظيمة للتراث والفكر العربي�
بعد جهد جهيد أنهيت ثاني قراءاتي للمسيري .. أسجل الملاحظات الآتية:
- لا يمكنك أن تقرأ للمسيري إلا وأنت في كامل لياقتك الذهنية .. إذا كنت مشوشاً أو مشغولاً أو متواجداً في مكان غير هادئ ومريح .. لا تقرأ له
- القراءة للمسيري أشبه بدراسة مقرر جامعي أكاديمي .. مضنية ومرهقة ومملة احياناً ولكنها عظيمة الفائدة
- يوجد شبه اتفاق على ان المسيري رحمه الله ليس مجرد كاتب او مفكر .. بل هو مؤسس لمدرسة فكرية خاصة .. له مصطلحاته التي ينحتها بنفسه لتناسب ما يريد التعبير عنه والوصول إليه .. موسوعة فكرية وثقافية وتاريخية هائلة تشعر بضآلتك امامها ...
- المسيري في كتابته لا ينوي تسهيل الامر على القارئ ولا يسمح لك بالاسترخاء او الراحة .. يجبرك باسلوب كتابته المعقد والعميق والمتشابك على صب كامل تركيزك واهتمامك لفهم ما يريد الوصول إليه.
أما هذا الكتاب بحد ذاته فهو يدور حول ما يدعوه الكاتب "النموذج الادراكي المركب .. التحليلي التفسيري" في مواجهة "النموذج الاختزالي" الكثر شيوعاً .. وهو يدعو في هذا النموذج الى نظرة اكثر شمولية وعمقاً وتركيبية في دراسة الوقائع والاحداث والظواهر التاريخية والحياتية ... بالاضافة الى تركيزه الدائم والمعتاد على التمييز بين الظاهرة الانسانية المعقدة والمركبة وبين الظاهرة الطبيعية البسيطة المسطحة ... والكتاب هو عبارة عن امثلة تطبيقية لهذا النموذج .. تدور بشكل اساسي حول دراسة الجماعات اليهودية التي هي محور اهتمام المسيري.
الكتاب مرهق .. مفيد.. يغتح امامك نافذة عقلية جديدة لنظرة اكثر عمقاً وتفسيرية ..
رحلة المسيري من الماركسية إلي رحاب الإسلام هي رحلة مثيرة ولكنها مفيدة أيضاً من ناحية معرفية وأعتقد ان ارهاصات تلك الرحلة هي المكنون الأساسي لمحتوي هذا الكتاب. فى الماركسية كما فى غيرها من الرؤي المادية فإن الإنسان هو كائن عضوي وهو جزء من الطبيعة ولذا هو محكوم بقوانينها ولا شئ أخر. الفارق الأساسي بين الاسلام والفلسفة المادية هو أن الاسلام ومختلف الأديان تري الإنسان أكبر من مجرد مجموع أجزاءه وأنه ليس حيوان مفكر أو حيوان من الأساس. فى الإسلام هناك تفرقة لطيفة ولكنها واقعية وتعبر عن رؤية الانسان بين عالمين يعيش الإنسان فيهما فى ان واحد. يعيش فى عالمي الغيب والشهادة وهذه الثنائية أساسية فى منظومة الإيمان، فالإنسان يعيش فى عالم الشهادة بواقعه وبجسده وهو العالم الدنيوي الذي يعد فانياً ولكن هناك ما يربطه بعالم أخر لا تنطبق عليه قوانين الجسد هذا العالم هو عالم الإيمان التي لايمكن اجراء تجربة علمية لقياسه ولكنه بداخل كل إنسان يشعر به فى لحظات معينة من حياته كلحظات الكوارث الكبري. يسمي الإسلام هذا الشعور بالفطرة وهو مفهوم لا يمكن إداركه من خلال نظرة مادية.
ينطلق المسيري فى هذا الكتاب محاولاً تفكيك النماذج الاختزالية التي تري الإنسان فى بعد واحد وأن الإنسان ذو طبيعة مركبة وان نموذجاً مركباً هو الوحيد القادر علي تفسير طبيعة الإنسان. ويؤكد المسيري أن النماذج الاختزالية هي فى واقعها محاولة اغتيال معنوي للإنسان ، فالإنسان كما يراه المسيري هو أكثر من صفحة بيضاء تنتظر قوانين الطبيعة ومعطياتها المادية لترسم الواقع بشكل دقيق كألة التصوير الفوتوغرافية فكما يقول المسيري نصاً "ولكنه عقل يبقي ويستبعد ويهمش ويركز وهو مستقر كثير من الخبرا� والمنظومات الأخلاقية والرمزية ومستودع كثير من الصور والذكريا� المخزونة في "الوعي واللاوعي
يطرح المسيري ما يسميه النموذج الإدراكي التحليلي المركب وهو محاولة لفهم طبيعة الإنسان من خلال جوانبه المتعددة متجاوزاً النظرة المادية التقليدية باعتباره كائن احادي البعد وهذا النموذج أكثر شمولاً وتركيبية فى محاولة فهم الظواهر الانسانية التاريخية والواقعية. ويكمن جوهر هذا النموذج فى تحديه الدائم لنظرة التبسيط عن الإنسان ويفعلها المسيري من خلال تطبيق هذه الرؤية علي موضوعات وظواهر مختلفة مثل الصهيونية والجماعات اليهودية المختلفة كجزء من جهد المسيري رحمه الله لمحاولة فهم الجماعات اليهودية والنظر إليهم نظرة تتجاوز محاولة شيطنتهم او جعلهم جزء واحد منفصل عن المجتمعات والظروف التي عاشوا فيها والتي تغيرت بتغير الزمان والمكان، فلا اليهود شياطين ولا هم ذو وعي موحد ولا هم علي قلب رجل واحد فى كل زمان ومكان. ما هم إلا بشر ينطبق عليهم ما ينطبق علي الأخرين.
للدكتور المسيري الذي يتميز بأسلوبه الخاص � لا أبالغ إن قلت أنه مؤسس لمدرسة فكرية في زمن أنتهي فيه تأسسي المدارس و أصبح يعاد صياغة القديم بشكل مستحدث � مثل اللبرالية الجديدة و النيوكلاسيك.
فمنهجه ببساطة يؤكد علي أن الإنسان جزء من الطبيعة, فهو ينتمي إليها بشكل مادي عضوي و لكنه أيضا يحوي بداخله علي جزء غير مادي يتساءل دائما عن غاية و سبب وجوده .. وهو الجزء الإلهي الذي نفخه الله فيه عند خلق آدم.
وعلى هذا الأساس فهو يرفض بشكل قاطع أن ندرس الإنسان و ظواهره بالأسلوب أو المنهج المادي الذي تخضع له الطبيعة و دراسة ظواهرها (الطبيعة و المادة مترادفتان في منهج الدكتور المسيري) فلا يمكننا تطبيق 1+1= 2 أبدا عند دراسة الظاهرة الإنسانية. لأنّ كل الناس يجمعهم قاسم مشترك أعظم ولكن هناك اختلافات بينية تفصلهم وتميزهم عن بعضهم البعض, قد يكونوا متشابهين في بعض الأمور لكن لا يوجد أبدا اثنين متطابقين تماما في كل شيء، المنهج العلمي الاختزالي يختزل الإنسان في بعد واحد فقط, وينكر عليه بقية الأبعاد الإنسانية الأخرى مثل العوامل الاجتماعية والنفسية والدينية وتاريخية وثقافية والسياسية � الخ حتى يمكننا أن نصل إلى الأسباب الحقيقية التي تؤثر علي سلوك إنساني ما أو لكي نصدر حكماً يتناول و يراعي في اعتباره كل جوانب الحقيقة.
كتاب � دفاعاً عن الإنسان � يؤصل لهذا المبدأ في دراسته للظواهر الإنسانية، وقد تناول عدة ظواهر في كتابه ووقائع في التاريخ الإنساني والتي تم استنتاج نتيجة وظفت في غرض معين, بعيد كل البعد عن الحقيقة، فقام بنقض الحوادث أو الظواهر ووضعها في سياقها التاريخي والإنساني وحاول رصد كل العوامل التي كانت محيطة بالظاهرة قيد الدراسة حتى أنه وصل إلى نتائج مختلفة تماما عن المعتقدات السائدة في الوجدان الغربي.
فنجد في الكتاب اثنا عشر فصلاً , تناول ظواهر مثل � الجماعات الوظيفية مقدمة نظرية � ثم في الفصل الذي يليه دراسة تطبيقية�� ثم في الفصل الثالث تناول قضية الماشيح والمشيحانية في العقيدة اليهودية، والفصل الرابع يتناول: الحسيدية والصهيونية ومدى التشابه بينهما، والخامس يدحض مصطلح: معاداة السامية.
أما في الفصل السادس نجده يتناول ظاهرة معاداة اليهودية التي يزعم اليهود أنها متأصلة بدون سبب واضح في الوجدان الأوروبي و يفكك ثلاث حالات شهيرة في التاريخ الغربي ( تهمة الدم � دريفوس و الصراع بين الكنيسة و القوي العلمانية � واقعة ليو فرانك ).
أما في الفصل السابع فيفند المزعم الذي يقول � بالعبقرية اليهودية � وأن هذا المزعم ينزعهم من السياق الإنساني سواء كان التفوق أو العبقرية في العلوم أو في الشر.
وفي الفصل الثامن يتناول واقعة قلعة الماساداه , ويضعها في تاريخها المركب بدلاً من الأسطورة الاختزالية التي تحيط بها وتنزعها من الزمن والمكان والتاريخ وكل الظواهر الإنسانية المصاحبة.
أما في الفصل التاسع فيتناول مزاعم اليهود ويحاول تفسير � الإبادة النازية لليهود � ويقول أنها نتاج طبيعي للحضارة وأسلوب التفكير الغربي وليست ظاهرة دخيلة عليها ويبتعد بعد ذلك عن اليهود والصهيونية بشكل مباشر و يوسع مجال الدراسة أكثر ليشمل في الفصل العاشر محاولة لتفسير � حملات الفرنجة كما نسميها أو الصليبية كما يسمونها هم �.
وفي الفصل الحادي عشر بتناول موضوع شائك و غامض وهو � الماسونية “� أما في الفصل الثاني عشر والأخير فيتفرع إلى موضوع ثقافي تماما ويتناول دراسة � المتاحف و الذات القومية � وهي دراسة غنية و مهمة .
وبعد استعراضنا للكتاب والدراسة المركبة للإنسان وتناول موضوعات عدة لنطبق هذا المنهج عليها، نأتي للملحقات في الكتاب و في رأيي أن الملحقات لا تقل أهمية عن الكتاب نفسه إن لم تكن أهم منه في الناحية النظرية، لأنها ترسم ملاحم فكر الدكتور و توضح أسلوبه بشكل نظري وتبين المنهج المتبع بدقة في دراسته للظواهر الإنسانية (حتى أنه ينصح القارئ في أن يبدأ بها وهذا ما فعلته وكانت النتيجة غاية في التشويق و الجمال.
فالملحق الأول يبين بعض المفاهيم الفكرية ويشرح الدلالات المقصودة منها و يكثر من استخدامها في كتاباته في هذا الكتاب بشكل خاص و في كل منهجه الفكري بشكل عام فهو بداية يقارن ما بين الطبيعي والإنساني ويسرد الفوارق بينهما ويضحد فكرة أن الإنسان جزء من الطبيعة وتسري عليه كل القوانين التي تسري علي الطبيعة دون استثناء فهو علي حد قوله ليس صفحة بيضاء تتراكم عليها المعطيات المادية تعكس الواقع كله بحذافيره و كأنها آلة فوتوغرافية, ولكنه عقل يبقي ويستبعد ويهمش ويركز وهو مستقر كثير من الخبرات والمنظومات الأخلاقية والرمزية ومستودع كثير من الصور والذكريات المخزونة في الوعي واللاوعي, لذلك فهو عقل مبدع له مقدرة توليدية.
وهي � الموضوعية المادية المتلقية� وهذا التصور ينطلق من أن العقل الإنساني عبارة عن صفحة بيضاء فوتوغرافية يتلقي كل شيء دون وعي وبمنتهي الحياد وأن القانون العام الذي يسري علي الطبيعة يسري علي الإنسان هو أيضا دون أي حياد! وهذا يعني أن إدراك جميع البشر لنفس الظاهرة هو إدراك واحد ولا يختلف عليه اثنان وهذا غير حقيقي بالفعل, وأن تطورنا لما هو أبعد من ذلك, نجد أن الموضوعية المادية المتلقية تلغي فكرة الغاية والقصد والهدف, فهي أفكار مرتبطة بالظاهرة الإنسانية وحدها، فالطبيعة كما نرصدها لا تعرف لا قصد ولا غاية ولا هدف ومن هذا المنطلق تم الحديث عن حيادية العلم ( أي أنه لا فارق بين العلم الطبيعي التي يدرس وبين العلوم الإنسانية التي تدرس الظواهر الإنسانية) و نجد أن تلك المادية المتلقية تحول إلى ببغائية. فتم تمرير تحيزات مختلفة بحسبانها رؤية محايدة عالمية. وتم هدم الإبداع والخصوصية والهوية وفي نهاية الأمر تم استبعاد الفاعل الإنساني .
بعد هذا الجزء الخطير (أو ربما نستطيع أن نقول أنه الأخطر علي الإطلاق في الكتاب) تجد سؤالاً يلح عليك نظراً لأنهم همشوا أو تجاهلوا الطبيعة الإنسانية التي تتناول الموضوع الواحد من أكثر من وجهة نظر، فقد قاموا بفرض وجهة نظر واحدة علي الموضوع و زعموا أن وجهة النظر هذه وجهة نظر عالمية : فمن هو الذي سيفرض وجهة نظره و رؤيته الإنسانية الخاصة ليجعلها قانون عام لا يقبل النقاش و يعطي من آرائه صفة الموضوعية المادية المتلقية ؟؟ وقبل أن تنتقل إلى الجزء الثاني تجد إجابة سؤالك فيه
التبعية الإدراكية فهو يقول ويرصد أن الخطاب التحليلي العربي سقط في هذا الفخ, وأصبح نقله للأحداث والوقائع هو نقل وقبول بما هو قائم وتجاهل تماما وجهة نظرنا نحن وهو ما يسمي بـ “امبريالي� المقولات � أي أن تقوم إحدى القوي بتحديد النماذج المعرفية والمقولات التحليلية الأساسية بطريقة تعكس إدراكهم للواقع وتخدم مصالحهم وتستبعد إدراك الآخرين و تهمل مصالحهم .
نحن نطرح الأسئلة التي يطرحونها عن حضارتهم ومن منظورهم , أي أننا ندرك الحضارة الغربية لا بشكل مباشر وإنما كما يشاء لنا أصحابها إدراكها. بل إننا بدأنا ننظر لأنفسنا من خلال المقولات التحليلية لعالم الغرب ونماذجه الإدراكية. لذلك بدأ الإنسان العربي يري نفسه متخلفا مهما بذل من جهد ومهما أنتج من روائع , و بدأ يحكم علي نفسه بالهزيمة في المعركة قبل دخولها وفي الواقع إن التبعية الإدراكية ليست تبعية اقتصادية فحسب , وإنما هي بالأساس تبعية عميقة كامنة تتغلغل في أسلوب الحياة وفي رؤية الذات ورؤية الآخر.
ومن معالم تلك التبعية أننا نفشل في أن نسمي الأشياء ونترك الآخر يصفها لنا , لكنه يسميها ويصنفها ويضعها داخل خريطة إدراكية كبري تنبع من إدراكه ومصالحه. فإننا نتحدث عادة عن المسألة الشرقية وعن رجل أوروبا المريض (مما يجعلنا ننظر إلى الدولة العثمانية � التي كانت , برغم ضعفها و استبدادها , تحمي شعوبها من الهجمة الاستعمارية الغربية التي عصفت بالعالم أسره) فننظر إليها بحسبانها رجلا مريضاً وننسي “رج� أوروبا النهم المفترس� أي الامبريالية الغربية التي كانت تبيد سكان إفريقيا آنذاك بعد أن كانت قد أبادت أعداد هائلة من سكان الأمريكيتين الأصليين , بعد أن أبادت سكان استراليا ونيوزيلاندا , والتي كانت تقوم باستبعاد سكان آسيا وتخوض حرباً لتسويق الأفيون في الصين لنشر التقدم في ربوعه. وقس علي ذلك كثيرا من المصطلحات التي نتداولها و هي تأصل لنموذجهم و تتجاهل نموذجنا.
النماذج الإدراكية و التحليلية و المعرفية: يعرف الدكتور المسيري النموذج بأنه: بنية تصورية يجردها العقل البشري من كم هائل من العلاقات والتفاصيل التي يراها غير مهمة في رأيه ويستبقي البعض الآخر المهم ويعيد ترتيبها بحيث تصبح من وجهة نظره مترابطة بشكل يماثل العلاقات الموجودة بالفعل بين عناصر الواقع .
وهذا يقودنا لمفهوم “الخريط� الإدراكية � وهي الطريقة التي ينظر بها المرء إلى واقعه فيستبعد بعض المعلومات التي قد لا يري أن لها أهمية ويستبقي حقائق أخرى يستخلص منها طريقة رؤيته هو للواقع.
ويضرب الدكتور مثل بسيط عندما تريد أن تنقل صحيفة عربية خبرا عن صحيفة أجنبية “فتقو� في صفحتها الأولى خبر عن اصطدام قطارين في الهند وراح ضحيته ما يزيد عن مائة قتيل. وفي الصفحة الأخيرة تنقل خبر جاء فيه أن ثلث أطفال انجلترا الذين ولدوا في ذلك العام غير شرعيين.
الصحيفة العربية قامت بالنقل الموضوعي بشكل متلقي ببغائي جعلها تتبني وجهة النظر الغربية دون أن تمرره علي ثقافتها وخصوصيتها العربية (الخريطة الإدراكية التي تدرك من خلالها الواقع). فهي لم تزيف الحقيقة ولكن السؤال الذي يطرح نفسه، لماذا أبرز الخبر الأول في الصفحة الأولى ووضع الخبر الثاني في الصفحة الأخيرة؟؟ أي ما هي الخريطة الإدراكية الكامنة وراء تصنيف الخبرين؟؟ فالخريطة الإدراكية الغربية تطل علينا ففي الخبر الأول “حاد� القطارين� يدل علي فشل تكنولوجي كما أنه يقع في رقعة الحياة العامة فهو فشل حقيقي ومهم إبرازه في الرؤية الغربية. أما الأطفال الغير شرعيين فهم نتيجة عن فشل أخلاقي ويقع في رقعة الحياة الخاصة. لذلك فهو غير مهم ويتم تهميشه. خاصة أن الأسرة أصبحت مؤسسة غير مهمة في العالم الغربي. وللأسف يتبني كثير من الإعلاميين العرب النماذج المعرفية التحليلية والتصنيفية بدون وعي وبدون إدراك للتضمينات الفلسفية والتحيزات الأخلاقية لتلك النماذج.
النماذج الاختزالية: تعريفها و سر شيوعها :
يتحدث الدكتور ويفسر المعضلة الغير منطقية لأنه أوصلنا إلى أن النماذج الاختزالية لا تفسر الواقع بشكل صحيح , إلا أنها منتشرة لعدة أسباب “يقو� لأن عملية نحت النماذج المركبة من التفكيك وإعادة التركيب عملية صعبة للغاية تتطلب جهدا إبداعيا وتوليديا خاصا، فنحن في تلك النماذج لا نكتفي برص الحقائق رصاً ولكن لابد استبعاد البعض والتركيز علي البعض لاستنتاج الحقيقة،
وهناك فارق جوهري ما بين الحقائق (مجرد رصد فوتوغرافي آلي لظاهرة ما) وما بين الحقيقة (وهي الصورة المتكاملة التي تتكون من تجميع الحقائق بشكل عاقل وواعي وهي عمليه عقليه توليدية بحتة)
كما أنه يقول أن النموذج الاختزالي للأسف هو النموذج السائد في الصحافة والإعلام لأن تلك المنابر لا مساحة لها من الوقع أو الجهد كي تنظر نظرة عميقة في الوقائع التي يكتب عنها، ومن ضمن وسائل اختزال المعلومات أيضا انتشار الصورة لأنها منغلقة علي نفسها وتوصل رسالتها بشكل مباشر إلى وجدان الإنسان العادي فلا تتيح له أي فرصة للتأمل والتفكير (ولكني أيضا اختلف معه في تلك النقطة لأن الصورة قصرت مسافات كثيرة ولكن لا ينبغي أن نعتمد عليها وحدها في الرصد) كما أنه يقول إن إيقاع الحياة السريع لم يعد يسمح بأي فرصة للتأمل والتفكير والتباحث بعمق.
ثلاثة نماذج أساسية ( الحلولية � العلمانية الشاملة � الجماعات الوظيفية : وتلك النماذج قد تمت الإشارة المستفيضة إليها في كتب مستقلة بذاتها وكلها تقوم علي مبدأ الاختزال والتعامل مع الإنسان باعتباره ظاهرة طبيعية لا ظاهرة إنسانية
وفي النهاية يضرب بالانتفاضة فهي مثال لنموذج التكامل الغير عضوي (غير عضوي = غير طبيعي = إنساني) وهي آتية من ثقافة مغايرة عن الثقافة الغربية تماما تتعامل مع الإنسان علي أنه ظاهرة إنسانية لا ظاهرة مادية وهي الحضارة العربية الإسلامية ويضرب مثلا علي هذا التعامل الراقي مع الظاهرة الإنسانية بهذا المثال الرائع
فهو يتناول الحديث الشريف “مث� المؤمنين في توادهم و تراحمهم كمثل الجسد الواحد , إذا اشتكي منه عضو تداعي له سائر الأعضاء بالسهر والحمى� ، يقول أنه علي الرغم من أنه استخدم الجسد وهي صورة عضوية, فإن بنية المثال غير عضوية, نظرا لاستخدام أداة التشبيه التي تحتفظ بمسافة ( أو ثغرة ) بين طرفي التشبيه وتقلل من عضوية المجاز وتمنع تأيقنه (أي اختزاله في جانب واحد فقط) فالمؤمنون في توادهم و تراحمهم ليسوا جسدا إنما هم مثل الجسد وحسب. وأداة التشبيه تخفف من حدة الترابط وتدخل قدرا من الترابط الفضفاض غير الصلب.
ويمكننا أن نضرب عشرات الأمثلة الأخرى من القرآن والسنة والتراث الديني وغير الديني علي فكرة الترابط الغير عضوي الفضفاض واعتقد أن هذا ما يميز أو يعتبر سمة أساسية تجعل ثقافتنا ذات خصوصية معينة ومختلفة تمام الاختلاف عن الثقافة الغربية التي تروج للنموذج أحادي الجانب والذي ينكر الجانب الإنساني في الإنسان ويتعامل معه على أنه جزء لا يتجزأ من الطبيعة فقط.
انتهيت من كتاب " دفاع عن الانسان : دراسات نظرية وتطبيقية في النماذج المركبة " للمسيري , طبعة الشروق ( لا اتذكر السعر تحديدا وان كان غالبا لو اشتريته من الشروق فسيدور في محيط الاربعين جنيه ) الكتاب يتحدث في امر هام وهو النماذج المركبة , وهو من منحوتات المسيري , اي من ابداعاته الشخصية , حيث طور المسيري من ادواته التحليلة ليبدع فكرة النموذج , وهو عبارة عن تصور عقلي مجرد للعلاقات والتفاصيل والبنية الداخلية للواقع , اما كونه مركبا فهو تعبيرا عن فكرة انسانية الانسان , وهو - اي المسيري- من ثم يرفض فكرة النماذج الاختزالية التي تقتل الظاهرة الانسانية ومن ثم تقضي على الانسان ذاته , ومن هنا جاءت فكرة " دفاع عن الانسان " فالامر ليس فقط دراسه في تحليل الظواهر الانسانية ولكنه صيحة تحذير من عملية القتل الممنهجه للانسان عن طريق قتل الانسانية نفسها بداخله , وذلك عبر التحليلات الاختزالية الواحدية ( المادية في اغلب الاحوال ). يبدأ الكتاب بمقدمه ثم الفصل الاول : الجماعات الوظيفية : مقدمة نظرية وهو شرح لاول النماذج المركبة المستخدمه في الكتاب , ونظرا لكثرة استخدامه في هذه الدراسه تحديدا فقد تم افراد فصل خاص لشرحه , بينما تم شرح النموذجين المركزيين الاخريين المستخدمين في ملحق خاص في النهاية الفصل الثاني : الجماعات الوظيفية : دراسة تطبيقية يتناول الجماعات الوظيفية اليهودية المالية في الحضارة الغربية , وخاصة تجربة الارندا والشلاختا في بولاندا الفصل الثالث : الماشيح والماشيحانية ويتناول الفكر المشيحاني مع دراسة حالة لشبتاي تسفي الفصل الرابع : الحسيدية والصهونية الفصل الخامس : معاداة السامية الفصل السادس : معاداة اليهود وتركيب ثلاث حالات والحالات الثلاث هم تهمة الدم , دريفوس , ليو فرانك الفصل السابع : العبقرية اليهودية مع تفصيل خاص لجوزيف اوبنهايمر ومارك شاجال كمثالين للعبقرية والاجرام الفصل الثامن :ماساداه : بين التاريخ المركب والاسطورة الاختزالية الفصل التاسع : محاولة تفسير الابادة النازية ليهود اوروبا الفصل العاشر : حملات الفرنجة والجماعات اليهودية الفصل الحادي عشر : الماسونية الفصل الثاني عشر : المتحف والذات القومية وهو دراسه هامة ومتميزة وجديده عن المتاحف وعلاقتها برؤية المجتمع لنفسه وللكون
ملحق (1) : ويتناول بشكل نظري فكرة النموذج وكيفية نشأته وكيفية تطويره , وما هي مميزاته , وبطبعية الحال يعقد مقارنة بين النماذج الاختزالية والنماذج المركبة ( موضع الدراسه) ويشير المسيري الي امكانية قراءة هذا الملحق في البداية كاطار نظري ثم قراءة الدراسة نفسها او العكس , وانا اري ان تقرا الكتاب كما هو , اي الدراسه ثم الملحق , خاصة لهؤلاء الذين لم يتعمقوا بعد في فكر ومدرسة المسيري , وفي نهاية الملحق يتعرض للنماذج المركبة الثلاث الاساسية في هذه الدراسة تحديدا , وهي الحلولية والعلمانية الشاملة والجماعات الوظيفية ملحق (2) : تلخيص لبعض المصطلحات الواردة في الدراسة
ملحوظاتي : 1- الكتب هام لكونه يتطرق لفكره عميقه وهامه في تنشئة العقل والرؤية , وهي تركيبية الانسان , وهو امر سيدركه بالتدريج كل من يقرا في مدرسة المسيري, وان كان هذا الكتاب تحديدا متخصص في هذه النقطه 2- بالرغم من عمق الفكرة فالمسيري - كالعادة - يمتعك ببحر التفاصيل التي تؤكد الاهمية التفسيرية للنموذج الذي نحته , وهو امر سوف يغني البعض ممن لم يصل للفكرة المقصودة من الكتاب , وهو نص العما ولا العما كله :)) 3- الكتاب من الممكن قراءته بعد رحلتي الفكرية ضمن مشروع المسيري, لمن اراد التعرف على هذه المدرسة 4- قد تبدو فصول الكتاب منفصلة , ولكنها في واقع الامر منفصلة متصله , لانها دراسات تطبيقية للنموذج الاساسي وهو النموذج التركيبي - موضع الدراسه-
مراجعة كتاب دفاع عن الإنسان للمفكر عبد الوهاب المسيري التقييم 💫5 أعترف بأن الكتاب تطلب مني الكثير لإستيعابه لانه اشبه بمحاضرات جامعية لم أشاهدها أبداً كتاب مرهق ومع ذلك شدني كثيراً لأنني لم أتوقع أن أنسجم وأناقش المسيري أبدا بذلك الحماس عفواً نحن لم نتقابل كان القصد مناقشتي للكتاب مع نفسي . الكتاب يحتوي على ١٢ فصلا تطرق المسيري فيها حول : الفصل الاول ؛الجماعات الوظيفية وتعريفها وأسباب ظهورها وأهم الجماعات الوظيفية وتاريخ تحول الجماعات اليهودية إلى جماعات وظيفية بسبب الاضطهاد والحرمان الفصل الثاني كان عن دراسة تطبيقية للجماعات الوظيفية ومن هم ،وكانوا من أقنان ويهود البلاط والذين كانوا يديرون الخزانة الملكيةوعقد الصفقات والقروض بالنيابة عن الامراء) الارندا والشلاختا والإقطاع الغربي ووصف أعضاء الجماعات اليهودية بأنهم مستوطنين ومرتزقة وكيف أنهم اصبحوا من الجماعات الوظيفية المالية الوسيطة التي تعمل بالتجارة والربا ولا يختلفون كثيراً عن المرتزقه ،وأنه تم حوسلتهم أي (تحويلهم الى وسيلة) ،تستخدمهم الطبقات الحاكمة الفصل الثالث :الماشيحانية تكلم فيها عن أسباب ظهورها ، والماشيحانية هي كلمة عبرية تعني (المسيح المخلص ) وهي إعتقاد بمجيء الماشيح اخر الأيام ، مرسل من الإله إنسان سماوي وكائن معجز ، وأيضا من ضمن الفصل دراسة لحالة شبتاي تسفى،وهو دجال اتخذ حالة الماشيح،وقد تمادى في دوره وكان له أتباع واعتبرهم الحاخامات بأنهم الكفار الفصل الرابع : الحسيدية والصهيونية تناول هذا الفصل علاقة الحسيدية (وهي حركة يهودية صوفية ) بالصهيونية (وهي حركة صهيونية علمانية ) وأن الحركة الحسيدية كانت مفيدة جداً للحركة الصهيونية لأنها كانت تضم الطبقات المتوسطة الفقيرة ،وهو فكر ذو سخط طبقي حقيقي الفصل الخامس: معاداة السامية ، المعنى الحرفي للعبارة هو ضد السامية هذا المصطلح يضرب بجذوره في الفكر العنصري الغربي الذي يرمي الى التمييز بين الحضارات والأعراق، وتكلم الفصل عن الجماعة الوظيفية والعداء لليهود ، ويعود ذلك إن معظم الجماعات كانت جماعات قتالية وتجارية كريهة أو مشبوهة أو وظائف تتطلب عدم الإنتماء والنظر إليهم أنهم وسيلة فقط الفصل السادس: وهو عن معاداة اليهود وما سبب معاداتهم ، وقد تناول هذا الفصل أحداث و وقائع وأساطير لهذا العداء. أول واقعة هي ( تهمة الدم ) وهي إتهام اليهود بقتل صبياً مسيحياً ، أما الثانية كانت حادثة دريفوس وكان من كبار الضباط الفرنسيين واتهامه بأنه أعطى وثائق سرية للأعداء ، الواقعة الثالثة عن يهودي أمريكي قتل فتاة بيضاء . وضم الفصل حشد الحقائق ومعرفة الحقيقة. الفصل السابع : تكلم عن العبقرية اليهودية ،والكاتب هنا حاول أن يقول لنا أن العبرانيين والجماعات اليهودية، لم يؤدوا دوراً كبيراً في تطوير الحضارة الإنسانية، وأن سماعنا عن العباقرة اليهود كان مع بداية ظهور الرأسمالية والعلمانية،وأن لهم بروز مشين مثل اشتغالهم في الربا وتجارة الرقيق والخمور وغيرها ،وبروز إيجابي من حيث نسبة التعليم المرتفعة،وارتفاع دخولهم والمهنين ، وإن هذا البروز كان بين الأقليات وارتباطهم بالطبقات الحاكمة الفصل الثامن : عن التاريخ والاسطورة الصهيونية، تكلم فيها عن (ماساداه) هو قصة كلاسيكية لتشويه التاريخ وتسخيره لخدمة الرؤية الذاتية ، وخدمة المصالح عن طريق تزييف الحقائق . الفصل التاسعة : محاولة تفسير الإبادة النازية ليهود أوروبا وكيف أن الإبادة جعلت من تاريخ اليهود أكثر قدسية بالنسبة لهم ، وأن المانيا بنت هذا السلاح كوسيلة لحل المشكلات التي واجهوها ، و التخلص من العناصر غير المرغوب فيها، وعنصرية أكثر كتاب اوروبا إتجاه اليهود ،وفقرهم لجميع انواع الإبداع والثقافة ، وتهميشهم . الفصل العاشر :حملات الفرنجة والجماعات اليهودية وأسباب الحملات ،وإن معظم الحملات الصليبية كان سببها غايات صهيونية، والرغبة في العودة الي صهيون (فلسطين) والإستيلاء عليها وتحويلها إلى وطن قومي الفصل الحادي عشر : الماسونية وأصولها التاريخية ،وإن الماسونية الأولى كانت مرتكزة علي المبدأ الديني والماسونية الثانية كانت على الإلحاد وسقوطها التدريجي واستبعاد أي بقايا إيمانية ، أما النفوذ الماسوني فأصبحت هذه الحركة تخضع للحركات السياسية والاقتصادية . أما الفصل الثاني عشر والأخير : المتحف والذات القومية
يطرح المسيري في مؤلفه نماذجه التحليلية المركبة للظواهر والنصوص والتي اعتمد فيها الثنائيات المتنوعة و المنهج المتعمق المتعدد الأبعاد (يتعدى المنظور المادي البحت) في التحليل والاستنتاج وهي عملية تراكمية (حلزونية) كما وصفها وشرحها بدقة تهدف الى تعزيز القدرة التفسيرية لتلك النماذج باضافة عوامل و تهميش اخرى بحسب قدرتها التفسيرية، وتكريس القياس المتكرر، وقد تناول تحليل ظاهرة الجماعات اليهودية/ الصهيونية التي تبلورت في الغرب مثالا ذاك وقد وفق في كثير مما ذهب اليه. اشتمل كتابه ملحقا ثريا فند فيه الانموذج التركيبي في تحليل الظواهر والنصوص مقابل الانموذج الاختزالي (الاحادي) مع شرح الفرق باستفاضة وبالأمثلة. ثراء المؤلف (بفتح اللام) اثر في تفاعلي مع المحتوي، اتفقت مع الكاتب جزء كبير مما ذهب اليه، وجزء استدعى في (بشد الياء) الرغبة للمزيد من البحث والاطلاع وجزء ثالث اختلفت فيه معه كحصره الفكر الربوبي في كونه مجرد وجه للحضارة الغربية ظهر اول ما ظهر فيما عرف بعصر الاستنارة وانه لا يتعدى كونه مرحلة تطور في طريق العلمانية الشاملة الغربية، لا نتيجة تراكم ثقافي عقلاني لفكر وفلسفة انسانية قائمة بذاتها (سبقت عصر الاستنارة الغربي بكثير) كانت لها جذور في الفلسفة اليونانية و حضارة المسلمين على حد علمي، ومؤلفات ابو ابو العلاء المعري احد الشواهد العدة على هذا، اضافة الى تقييمه للتجربة العلمانية (الحداثية) في اطارها القومي الشمولي الخاص بالقرنين الماضيين فقط، لا الانساني الفردي المتنوع والذي تمايزت فيه مجتمعات عن اخرى وهو ما اشار اليه فيما لا يتعدى الفقرة في نهاية الكتاب (الملحق الثاني) بالعلمانية الجزئية!. رغم هذا فالكتاب ذو أهمية قصوى في منهج الملاحظة والتحليل، أنصح بقراءته.
الكتاب قد يبدوا غير مترابط الموضوعات , وقد يبدوا تطبيقيا وغير نظري ولكن قلب الكتاب الحقيقي هو الملحق في آخره , حيث يشرح معنى وتركيب وكيفية بناء النموذج المركب النموذج الذي ينصف الإنسان حقا ويدافع عنه , النموذج المنطلق من الرؤية التوحيدية للإله و الإنسان و الطبيعة , النموذج الناشئ من تفاعل نصفي الدماغ الإيسر و الأيمن في قراءة الظاهرة .
ميزة هذا الكتاب أنه مجموعة دراسات يُعمل فيها المسيري طريقته في النظر والتحليل، وهي مُمتعة، الأخير منها على الأخص والمتعلق بدور المتحف في تكوين الذات القوميّة، على أن بعضها كان يحوي من التفاصيل ما أشعرني بالملل في بعض الأحيان، بيد أن وعيي بأسس طريقة المسيري وما يريد أن يقوله جعلني أضع يدي على المهم فيها، وأعانني في ذلك بالإضافة إلى ما قرأت سابقًا من كتب المسيري المُلحق الأول الذي فصّل فيه هذه الطريقة التي أشرتُ إليها، وهو مهم جدًا لمن يُريد أن يقرأ المسيري على العموم.
للدكتور المسيري الذي يتميز بأسلوبه الخاص � لا أبالغ إن قلت أنه مؤسس لمدرسة فكرية في زمن أنتهي فيه تأسسي المدارس و أصبح يعاد صياغة القديم بشكل مستحدث � مثل اللبرالية الجديدة و النيوكلاسيك.
فمنهجه ببساطة يؤكد علي أن الإنسان جزء من الطبيعة, فهو ينتمي إليها بشكل مادي عضوي و لكنه أيضا يحوي بداخله علي جزء غير مادي يتساءل دائما عن غاية و سبب وجوده .. وهو الجزء الإلهي الذي نفخه الله فيه عند خلق آدم.
وعلى هذا الأساس فهو يرفض بشكل قاطع أن ندرس الإنسان و ظواهره بالأسلوب أو المنهج المادي الذي تخضع له الطبيعة و دراسة ظواهرها (الطبيعة و المادة مترادفتان في منهج الدكتور المسيري) فلا يمكننا تطبيق 1+1= 2 أبدا عند دراسة الظاهرة الإنسانية. لأنّ كل الناس يجمعهم قاسم مشترك أعظم ولكن هناك اختلافات بينية تفصلهم وتميزهم عن بعضهم البعض, قد يكونوا متشابهين في بعض الأمور لكن لا يوجد أبدا اثنين متطابقين تماما في كل شيء، المنهج العلمي الاختزالي يختزل الإنسان في بعد واحد فقط, وينكر عليه بقية الأبعاد الإنسانية الأخرى مثل العوامل الاجتماعية والنفسية والدينية وتاريخية وثقافية والسياسية � الخ حتى يمكننا أن نصل إلى الأسباب الحقيقية التي تؤثر علي سلوك إنساني ما أو لكي نصدر حكماً يتناول و يراعي في اعتباره كل جوانب الحقيقة.
كتاب � دفاعاً عن الإنسان � يؤصل لهذا المبدأ في دراسته للظواهر الإنسانية، وقد تناول عدة ظواهر في كتابه ووقائع في التاريخ الإنساني والتي تم استنتاج نتيجة وظفت في غرض معين, بعيد كل البعد عن الحقيقة، فقام بنقض الحوادث أو الظواهر ووضعها في سياقها التاريخي والإنساني وحاول رصد كل العوامل التي كانت محيطة بالظاهرة قيد الدراسة حتى أنه وصل إلى نتائج مختلفة تماما عن المعتقدات السائدة في الوجدان الغربي.
فنجد في الكتاب اثنا عشر فصلاً , تناول ظواهر مثل � الجماعات الوظيفية مقدمة نظرية � ثم في الفصل الذي يليه دراسة تطبيقية� ثم في الفصل الثالث تناول قضية الماشيح والمشيحانية في العقيدة اليهودية، والفصل الرابع يتناول: الحسيدية والصهيونية ومدى التشابه بينهما، والخامس يدحض مصطلح: معاداة السامية.
أما في الفصل السادس نجده يتناول ظاهرة معاداة اليهودية التي يزعم اليهود أنها متأصلة بدون سبب واضح في الوجدان الأوروبي و يفكك ثلاث حالات شهيرة في التاريخ الغربي ( تهمة الدم � دريفوس و الصراع بين الكنيسة و القوي العلمانية � واقعة ليو فرانك ).
أما في الفصل السابع فيفند المزعم الذي يقول � بالعبقرية اليهودية � وأن هذا المزعم ينزعهم من السياق الإنساني سواء كان التفوق أو العبقرية في العلوم أو في الشر.
وفي الفصل الثامن يتناول واقعة قلعة الماساداه , ويضعها في تاريخها المركب بدلاً من الأسطورة الاختزالية التي تحيط بها وتنزعها من الزمن والمكان والتاريخ وكل الظواهر الإنسانية المصاحبة.
أما في الفصل التاسع فيتناول مزاعم اليهود ويحاول تفسير � الإبادة النازية لليهود � ويقول أنها نتاج طبيعي للحضارة وأسلوب التفكير الغربي وليست ظاهرة دخيلة عليها ويبتعد بعد ذلك عن اليهود والصهيونية بشكل مباشر و يوسع مجال الدراسة أكثر ليشمل في الفصل العاشر محاولة لتفسير � حملات الفرنجة كما نسميها أو الصليبية كما يسمونها هم �.
وفي الفصل الحادي عشر بتناول موضوع شائك و غامض وهو � الماسونية “� أما في الفصل الثاني عشر والأخير فيتفرع إلى موضوع ثقافي تماما ويتناول دراسة � المتاحف و الذات القومية � وهي دراسة غنية و مهمة .
وبعد استعراضنا للكتاب والدراسة المركبة للإنسان وتناول موضوعات عدة لنطبق هذا المنهج عليها، نأتي للملحقات في الكتاب و في رأيي أن الملحقات لا تقل أهمية عن الكتاب نفسه إن لم تكن أهم منه في الناحية النظرية، لأنها ترسم ملاحم فكر الدكتور و توضح أسلوبه بشكل نظري وتبين المنهج المتبع بدقة في دراسته للظواهر الإنسانية (حتى أنه ينصح القارئ في أن يبدأ بها وهذا ما فعلته وكانت النتيجة غاية في التشويق و الجمال.
فالملحق الأول يبين بعض المفاهيم الفكرية ويشرح الدلالات المقصودة منها و يكثر من استخدامها في كتاباته في هذا الكتاب بشكل خاص و في كل منهجه الفكري بشكل عام فهو بداية يقارن ما بين الطبيعي والإنساني ويسرد الفوارق بينهما ويضحد فكرة أن الإنسان جزء من الطبيعة وتسري عليه كل القوانين التي تسري علي الطبيعة دون استثناء فهو علي حد قوله ليس صفحة بيضاء تتراكم عليها المعطيات المادية تعكس الواقع كله بحذافيره و كأنها آلة فوتوغرافية, ولكنه عقل يبقي ويستبعد ويهمش ويركز وهو مستقر كثير من الخبرات والمنظومات الأخلاقية والرمزية ومستودع كثير من الصور والذكريات المخزونة في الوعي واللاوعي, لذلك فهو عقل مبدع له مقدرة توليدية.
وهي � الموضوعية المادية المتلقية� وهذا التصور ينطلق من أن العقل الإنساني عبارة عن صفحة بيضاء فوتوغرافية يتلقي كل شيء دون وعي وبمنتهي الحياد وأن القانون العام الذي يسري علي الطبيعة يسري علي الإنسان هو أيضا دون أي حياد! وهذا يعني أن إدراك جميع البشر لنفس الظاهرة هو إدراك واحد ولا يختلف عليه اثنان وهذا غير حقيقي بالفعل, وأن تطورنا لما هو أبعد من ذلك, نجد أن الموضوعية المادية المتلقية تلغي فكرة الغاية والقصد والهدف, فهي أفكار مرتبطة بالظاهرة الإنسانية وحدها، فالطبيعة كما نرصدها لا تعرف لا قصد ولا غاية ولا هدف ومن هذا المنطلق تم الحديث عن حيادية العلم ( أي أنه لا فارق بين العلم الطبيعي التي يدرس وبين العلوم الإنسانية التي تدرس الظواهر الإنسانية) و نجد أن تلك المادية المتلقية تحول إلى ببغائية. فتم تمرير تحيزات مختلفة بحسبانها رؤية محايدة عالمية. وتم هدم الإبداع والخصوصية والهوية وفي نهاية الأمر تم استبعاد الفاعل الإنساني .
بعد هذا الجزء الخطير (أو ربما نستطيع أن نقول أنه الأخطر علي الإطلاق في الكتاب) تجد سؤالاً يلح عليك نظراً لأنهم همشوا أو تجاهلوا الطبيعة الإنسانية التي تتناول الموضوع الواحد من أكثر من وجهة نظر، فقد قاموا بفرض وجهة نظر واحدة علي الموضوع و زعموا أن وجهة النظر هذه وجهة نظر عالمية : فمن هو الذي سيفرض وجهة نظره و رؤيته الإنسانية الخاصة ليجعلها قانون عام لا يقبل النقاش و يعطي من آرائه صفة الموضوعية المادية المتلقية ؟؟ وقبل أن تنتقل إلى الجزء الثاني تجد إجابة سؤالك فيه
التبعية الإدراكية فهو يقول ويرصد أن الخطاب التحليلي العربي سقط في هذا الفخ, وأصبح نقله للأحداث والوقائع هو نقل وقبول بما هو قائم وتجاهل تماما وجهة نظرنا نحن وهو ما يسمي بـ “امبريالي� المقولات � أي أن تقوم إحدى القوي بتحديد النماذج المعرفية والمقولات التحليلية الأساسية بطريقة تعكس إدراكهم للواقع وتخدم مصالحهم وتستبعد إدراك الآخرين و تهمل مصالحهم .
نحن نطرح الأسئلة التي يطرحونها عن حضارتهم ومن منظورهم , أي أننا ندرك الحضارة الغربية لا بشكل مباشر وإنما كما يشاء لنا أصحابها إدراكها. بل إننا بدأنا ننظر لأنفسنا من خلال المقولات التحليلية لعالم الغرب ونماذجه الإدراكية. لذلك بدأ الإنسان العربي يري نفسه متخلفا مهما بذل من جهد ومهما أنتج من روائع , و بدأ يحكم علي نفسه بالهزيمة في المعركة قبل دخولها وفي الواقع إن التبعية الإدراكية ليست تبعية اقتصادية فحسب , وإنما هي بالأساس تبعية عميقة كامنة تتغلغل في أسلوب الحياة وفي رؤية الذات ورؤية الآخر.
ومن معالم تلك التبعية أننا نفشل في أن نسمي الأشياء ونترك الآخر يصفها لنا , لكنه يسميها ويصنفها ويضعها داخل خريطة إدراكية كبري تنبع من إدراكه ومصالحه. فإننا نتحدث عادة عن المسألة الشرقية وعن رجل أوروبا المريض (مما يجعلنا ننظر إلى الدولة العثمانية � التي كانت , برغم ضعفها و استبدادها , تحمي شعوبها من الهجمة الاستعمارية الغربية التي عصفت بالعالم أسره) فننظر إليها بحسبانها رجلا مريضاً وننسي “رج� أوروبا النهم المفترس� أي الامبريالية الغربية التي كانت تبيد سكان إفريقيا آنذاك بعد أن كانت قد أبادت أعداد هائلة من سكان الأمريكيتين الأصليين , بعد أن أبادت سكان استراليا ونيوزيلاندا , والتي كانت تقوم باستبعاد سكان آسيا وتخوض حرباً لتسويق الأفيون في الصين لنشر التقدم في ربوعه. وقس علي ذلك كثيرا من المصطلحات التي نتداولها و هي تأصل لنموذجهم و تتجاهل نموذجنا.
النماذج الإدراكية و التحليلية و المعرفية: يعرف الدكتور المسيري النموذج بأنه: بنية تصورية يجردها العقل البشري من كم هائل من العلاقات والتفاصيل التي يراها غير مهمة في رأيه ويستبقي البعض الآخر المهم ويعيد ترتيبها بحيث تصبح من وجهة نظره مترابطة بشكل يماثل العلاقات الموجودة بالفعل بين عناصر الواقع .
وهذا يقودنا لمفهوم “الخريط� الإدراكية � وهي الطريقة التي ينظر بها المرء إلى واقعه فيستبعد بعض المعلومات التي قد لا يري أن لها أهمية ويستبقي حقائق أخرى يستخلص منها طريقة رؤيته هو للواقع.
ويضرب الدكتور مثل بسيط عندما تريد أن تنقل صحيفة عربية خبرا عن صحيفة أجنبية “فتقو� في صفحتها الأولى خبر عن اصطدام قطارين في الهند وراح ضحيته ما يزيد عن مائة قتيل. وفي الصفحة الأخيرة تنقل خبر جاء فيه أن ثلث أطفال انجلترا الذين ولدوا في ذلك العام غير شرعيين.
الصحيفة العربية قامت بالنقل الموضوعي بشكل متلقي ببغائي جعلها تتبني وجهة النظر الغربية دون أن تمرره علي ثقافتها وخصوصيتها العربية (الخريطة الإدراكية التي تدرك من خلالها الواقع). فهي لم تزيف الحقيقة ولكن السؤال الذي يطرح نفسه، لماذا أبرز الخبر الأول في الصفحة الأولى ووضع الخبر الثاني في الصفحة الأخيرة؟؟ أي ما هي الخريطة الإدراكية الكامنة وراء تصنيف الخبرين؟؟ فالخريطة الإدراكية الغربية تطل علينا ففي الخبر الأول “حاد� القطارين� يدل علي فشل تكنولوجي كما أنه يقع في رقعة الحياة العامة فهو فشل حقيقي ومهم إبرازه في الرؤية الغربية. أما الأطفال الغير شرعيين فهم نتيجة عن فشل أخلاقي ويقع في رقعة الحياة الخاصة. لذلك فهو غير مهم ويتم تهميشه. خاصة أن الأسرة أصبحت مؤسسة غير مهمة في العالم الغربي. وللأسف يتبني كثير من الإعلاميين العرب النماذج المعرفية التحليلية والتصنيفية بدون وعي وبدون إدراك للتضمينات الفلسفية والتحيزات الأخلاقية لتلك النماذج.
النماذج الاختزالية: تعريفها و سر شيوعها :
يتحدث الدكتور ويفسر المعضلة الغير منطقية لأنه أوصلنا إلى أن النماذج الاختزالية لا تفسر الواقع بشكل صحيح , إلا أنها منتشرة لعدة أسباب “يقو� لأن عملية نحت النماذج المركبة من التفكيك وإعادة التركيب عملية صعبة للغاية تتطلب جهدا إبداعيا وتوليديا خاصا، فنحن في تلك النماذج لا نكتفي برص الحقائق رصاً ولكن لابد استبعاد البعض والتركيز علي البعض لاستنتاج الحقيقة،
وهناك فارق جوهري ما بين الحقائق (مجرد رصد فوتوغرافي آلي لظاهرة ما) وما بين الحقيقة (وهي الصورة المتكاملة التي تتكون من تجميع الحقائق بشكل عاقل وواعي وهي عمليه عقليه توليدية بحتة)
كما أنه يقول أن النموذج الاختزالي للأسف هو النموذج السائد في الصحافة والإعلام لأن تلك المنابر لا مساحة لها من الوقع أو الجهد كي تنظر نظرة عميقة في الوقائع التي يكتب عنها، ومن ضمن وسائل اختزال المعلومات أيضا انتشار الصورة لأنها منغلقة علي نفسها وتوصل رسالتها بشكل مباشر إلى وجدان الإنسان العادي فلا تتيح له أي فرصة للتأمل والتفكير (ولكني أيضا اختلف معه في تلك النقطة لأن الصورة قصرت مسافات كثيرة ولكن لا ينبغي أن نعتمد عليها وحدها في الرصد) كما أنه يقول إن إيقاع الحياة السريع لم يعد يسمح بأي فرصة للتأمل والتفكير والتباحث بعمق.
ثلاثة نماذج أساسية ( الحلولية � العلمانية الشاملة � الجماعات الوظيفية : وتلك النماذج قد تمت الإشارة المستفيضة إليها في كتب مستقلة بذاتها وكلها تقوم علي مبدأ الاختزال والتعامل مع الإنسان باعتباره ظاهرة طبيعية لا ظاهرة إنسانية
وفي النهاية يضرب بالانتفاضة فهي مثال لنموذج التكامل الغير عضوي (غير عضوي = غير طبيعي = إنساني) وهي آتية من ثقافة مغايرة عن الثقافة الغربية تماما تتعامل مع الإنسان علي أنه ظاهرة إنسانية لا ظاهرة مادية وهي الحضارة العربية الإسلامية ويضرب مثلا علي هذا التعامل الراقي مع الظاهرة الإنسانية بهذا المثال الرائع
فهو يتناول الحديث الشريف “مث� المؤمنين في توادهم و تراحمهم كمثل الجسد الواحد , إذا اشتكي منه عضو تداعي له سائر الأعضاء بالسهر والحمى� ، يقول أنه علي الرغم من أنه استخدم الجسد وهي صورة عضوية, فإن بنية المثال غير عضوية, نظرا لاستخدام أداة التشبيه التي تحتفظ بمسافة ( أو ثغرة ) بين طرفي التشبيه وتقلل من عضوية المجاز وتمنع تأيقنه (أي اختزاله في جانب واحد فقط) فالمؤمنون في توادهم و تراحمهم ليسوا جسدا إنما هم مثل الجسد وحسب. وأداة التشبيه تخفف من حدة الترابط وتدخل قدرا من الترابط الفضفاض غير الصلب.
ويمكننا أن نضرب عشرات الأمثلة الأخرى من القرآن والسنة والتراث الديني وغير الديني علي فكرة الترابط الغير عضوي الفضفاض واعتقد أن هذا ما يميز أو يعتبر سمة أساسية تجعل ثقافتنا ذات خصوصية معينة ومختلفة تمام الاختلاف عن الثقافة الغربية التي تروج للنموذج أحادي الجانب والذي ينكر الجانب الإنساني في الإنسان ويتعامل معه على أنه جزء لا يتجزأ من الطبيعة فقط.
العالم الذي نعيشه عالم معقد ومركب والانسان يتجاوز الطبيعة والمادة لهذا غالباً لا يمكن التنبؤ بتصرفاته لانها تأخذ منحى غير خطي. لا ادعي الغرور اذا قلت ان اغلب افكاري التي توصلت اليها رغم تعقيدها تتشابه الى حد كبير مع ما طرحه الكبير عبد الوهاب المسيري ويا لها من فرحة. جملة الامور والافكار التي طرحتها سابقا في مقالات عدة وجدتها مفصلة في هذا الكتاب. رغم ان الكتاب جاف ويحتاج قليلاً الى جهد لفهمه الا انه يقدم نماذج قوية جداً وخطيرة لفهم حركة التيار البشري والكثير من الاحداث التي رافقت مسيرته. حيث يتخذ عبد الوهاب المسيري من اليهود نموذجاً لتطبيق النماذج المركبة التي ابتكرها لفهم مواضيع انسانية معقدة لا يمكن اختزالها بشكل سطحي الى اطار معين او مجموعة مفاهيم مختزلة.
"دفاع عن الإنسان" هو ثاني قراءاتي للدكتور المسيري بعد "رحلتي الفكرية" ، وقبل أن أعطي فكرة عن الكتاب ( وأقول إعطاء فكرة وليس تقييماً لأنه لا يحق لي أن أقيم المسيري ) .. قبل ذلك لا بد أن أنوّه عن شخصيته الفذة فهو صاحب رؤية نيّرة وفكر متفرّد يتناول الموضوعات بشكل تحليلي نابع عن دراية كاملة ودراسة معمقة. هو لا يسمح لك أن تلتقط أنفاسك .. لا يسمح لك أن تسهو .. لا بد أن تكون بكامل تركيزك وأنت تقرأ له .. في هذا الكتاب يتحاور معك في أهم المواضيع المتعلقة بالصهيونية واليهودية : عبقريتهم المزعومة ، جماعاتهم المتعددة، علاقتهم بالماسونية والحملات الصليبية، حقيقة الإبادة النازية التي ارتكبت بحقهم وغيرها من الأمور الهامة ..
الكتاب بصفة عامة هو نموذج لبحث ظاهرة معينة وكيفية الحكم عليها من خلال عوامل عدة ، سماها المسيري " النماذج المركبة" .. اهتم المسيري بدراسة عدة ظواهر عن اليهود ، فبدأ بدفاع عن الإنسان اليهودي في إلصاق صفات الشر فيه ، دون النظر إلي الظروف والسياق الذي نشأ فيه ... ودفاع عن الأغيار ( غير اليهود ) في معاداتهم لليهود علي اساس ديني ، دون النظر إلي السياق الذي تم فيه معاداة اليهود ،، ففي بعض الاحيان كانت معاداتهم رمز لمعاداة الاستغلال الذي مثله اليهود آنذاك أو للمصالح او للاقليات بصفة عامة .... تناول المسيري أطروحة " الهولوكوست " بشكل رائع ، حيث شرح وأوفي في الظواهر التي ساعدت علي ذلك الأمر ، ومن الجميل ايضا ان فرق المسيري بين يهود شرق اوروبا ويهود غربها ، لم يضع كل اليهود في سلة واحدة وتعامل مع كل جماعة وخصائصها وطبيعة نشأتها .... الكتاب من كتب المسيري الحديثة ، ونري تغير في طريقة الكتابة السهلة اذا قورن ببقية كتبه وعلو كبير في الكفاءة في البحث وهذا ان دل علي تجدد الكاتب مع الوقت ، فهو افضل ما قرأت للمسيري إلي الان
ربما يكفيك من هذا الكتاب أن تعرف فكرته الأساسية عن كون الانسان ظاهرة مركبة وكل فرد له خصوصيته المتميزة عن الطبيعة .. وأنه لا يجوز تطبيق القوانين التي تطبق على المادة على الإنسان .. ربما يكفيك هذا مع بعض الامثلة لتساعدك على الفهم والتطبيق على أرض الواقع .. ولفضح كثير من تلك الأفكار والتحليلات " الاختزالية" لكثير من الظواهر الاجتماعية والتاريخية والتي يقع فيها أغلبنا للأسف
اتباع هذا المنهج يضع الانسان امام مسئولية شاقة وعسيرة قبل ان يصدر حكمة بجهل وتسرع
دفعتني الاحداث الاخيرة في غزة لقراءة هذا الكتاب، الى جانب اهتمامي بالجانب النظري الذي يؤسس عليه هذا الكتاب (النماذج التفسيرية) او ما يطلق عليها بالانجليزية Mental Models. وقبل ذلك وبعده، اعجابي بفكر المسيري الجاد والعميق والمتفرد ايضا.
الكتاب هو دراسات نقدية تاريخية اجتماعية فكرية لظواهر انسانية، تتموضع فيها الجماعات اليهودية في القلب كظاهرة مكثفة تستحق الدراسة. حاول المسيري أن يجيب على أسئلة كلنا نعرفها.. مثل: لماذا الجماعات اليهودية مضطهدون دائما، وبنفس الوقت: لماذا اليهود يوصفون بالعبقرية والتفرد؟ ايضا: كيف نفسر الظاهرة الصهيونبة من منظور شامل عقلاني بدلا من الاعتماد على تفسير ضيق مؤدلج واختزالي؟ وغيرها من الاسئلة.
يستخدم المسيري في محاولته للاجابة على هذه الاسئلة ما يطلق عليه النماذج المركبة، وهي نماذج عقلية تفسيرية تعتمد على معطيات الواقع ورصده وتتجاوزه في نفس الوقت من خلال اقحام الابعاد الغير مرئية للظاهرة، وخاصة البعد الانساني الداخلي الذي يساعد في تشكيل ورسم هذه الظاهرة ويؤطرها.
من ابرز هذه النماذج هو نموذج الجماعات الوظيفية، ونموذج الحلولية الكمونية (وحدة الوجود).
عمل جاد وشجاع مقارنة بما يُكتب باللغة العربية هذه الأيام. احتكاك المسيري بالغرب وخلفيته الماركسية، ونشأته المصرية القروية، وبعدها الحضرية، وتوجهه اللاحق نحو الفكر الاسلامي وعيشه في الخليج بعد ذلك، كلها ابعاد ساهمت في تشكيل رؤية عبدالوهاب المسيري الفريدة.
كان سيكون الكتاب اجمل لو قام بدراسة ظواهر انسانية أخرى بنفس العمق الذي أعطاه للجماعات اليهودية. تشعر احيانا وانت تقرأ الكتاب انه جزءًا من الموسوعية التي الفها عن اليهودية والصهيونية، واذا كان كذلك، فالاجدر ان يعكس عنوان الكتاب هذا الامر.
كتاب عن يدرس فيه المسيري عدة مواضيع متفرقة باستخدام منهجه التفكيكي المركب المعتمد على النماذج،،درس المؤلف موضوعات مثل: الجماعات الوظيفية، العبقرية اليهوية، الماسونية،المتحف وغيرها،، إلا أن أثمن الفصول هي الملاحق، وقد شرح فيها المؤلف منهجه في دراسة الظواهر، وكتبها بشكل خطوات، وهو ما يمكن عده مرجعية للباحثين الذين يودون تجربة منهج المسيري,,و فكرة النماذج ،، ... ألهمني فصل المتاحف فكتبت هذه التدوينة:
كل مرة بقرأ فيها كتاب للمسيري بشعر بهدوء نفسي الشعور ده سببه أنه بيتعامل مع الإنسان على إنه مركب ، وده في حد ذاته بيحرر الواحد من حاجات كتير وبيساعد الواحد على تفسير وفهم حاجات أكتر ... الكتاب مقسم لجزئين جزء خاص بالملحقات : حيث يتحدث فيه المسيري عن عدد من المصطلحات المهمة كالحلولية والعلمانية الشاملة والعلمانية الجزئية وكذلك حديثه عن النماذج " كالنموذج الإدراكي والنموذج التحليلي والنموذج المعرفي وغيرها .. وهذا الجزء مهم ويقرأ قبل قراءة الكتاب، وذلك لفهم اعمق للكتاب .. الجزء الثاني للكتاب : يطبق فيه المسيري النماذج التي ذكرها في الملحق على عدد من الظواهر الإنسانية كاليهودية وغيرها .. >> رضي الله عن المسيري وأسكنه فسيح جناته .
الكتاب ممتع/مجهد معظم فصولة شيقة بس الحقيقة فيه فصول أصابني ملل شديد وعدم فهم وأنا بقراها - غالباً العيب مني يعني - ومكنتش هكمل أكثر فصول استفدت بيها نظرية وتطبيق نموذج الجماعة الوظيفية، وتفكيك وتركيب ال3 حالات لمعاداة اليهود، والنموذج التفسيري المركب والنموذج المعرفي .... فصول يمكن أن نطلق عليها " تأسيسية " زي ما بيقولوا أما عن أكثر الفصول مللاً - من وجهة نظري اللي غالباً بقت كدة علشان الكلام معقد أكثر من اللازم عن مستوى فهمي المتواضع - كانت فصول المشيحانية والحسيدية كلامه عن الإنتفاضة رائع وفكرة الطرق الملتفة بتاعة المستوطنات ... المسيري برنس بشكل عام يعني :)
بس هو ، لقد حجرت واسعا يعنى يا عم المسيرى ، رحمك الله ، بصفه عامه ، و فالكتاب ده تحديدا ، اللى اسمه "... عن الإنسان" و مع ذلك برضه دراسه الحاله الوحيده بتاعته هى اليهود ، نفس القصه افتكر كانت فـ "اللغة و المجاز" و كتاب "العلمانية" .. انما غير كده الكتاب عبقرى فى عرض مبادئ و افكار المسيرى الاساسيه ، و طبعا مصدر لطيف لتحليل التاريخ و الواقع اليهودى فى الفترات و الجوانب محل الاهتمام ...
الكتاب بشكل عام لطيف .. بدأ بالحديث عن الإنسان ثم دخل إلى موضوع اليهود واليهودية كالعادة، الموضوع مكرر في أغلب كتبه ومزعج في أحيان كثيرة، لكن مفيد وجميل في نفس الوقت، خصوصًا في تحليله لتاريخ اليهود عبر العصور أو تفسيره للنازية والهوليكوست. أجمل ما في الكتاب كانت الفصول الأولى، وفصل الهوليكوست، والملحق، أما الباقي فهو تكرار لحديث اليهود في أغلب كتب المسيري