يجدر بالقارئ العربي، بعد مرور مائتي عام على الحملة الفرنسية، أن يعرف ما قيل عنها عند أهلها، وكيف تحولت إلى أسطورة وجدت، من خلال أقلام المبهورين بها من الأدباء والمؤرخين، مناخاً نشأت فيه وترعرعت، نظراً لأن بونابرت قد خلق من نفسه أسطورة، بحيث أصبح كل ما يمسه، أو يُحكى عنه، أسطورياً؛ خاصة أنه جاء من ثورة كان عصرها عصر الأساطير
لهذه الدراسة جزء ثانٍ، ويفضح الجزآن كلاهما زيف الأسطورة التي نسجت خيوطها لتصنع ما سمي تنويراً فرنسياً لمصر
حقبة الحملة الفرنسية على مصر هي أكثر الحقب التاريخية إثارة لاهتمامي، ولا أكاد أترك شيئاً كتب عن هذه الفترة دون أن أقرأه. وهذا الكتاب هو من أفضل الكتب التي قرأتها في هذا الشأن وأكثرها اتزاناً وموضوعية. أروع ما في هذا الكتاب أن مؤلفته (أ.د. ليلى عنان أستاذ الحضارة الفرنسية بجامعة القاهرة) أعملت في النصوص الفرنسية التي قرأتها عن الحملة عقلها الناقد واستطاعت إلى حد كبير فصل الأسطورة عن الحقيقة التاريخية، وهو ما لم يستطع الكثيرون من مثقفينا أن يفعله، فانبهروا بـ "منجزات" الحملة الفرنسية ولهجوا بالثناء على ما سموه بـ "التنوير" الذي جاءت به. والدكتورة ليلى عنان (ذات التعليم الفرنسي منذ البداية)لم تنهج نهجهم ولم تتأثر كثيراً بما تلقته في المدارس الفرنسية منذ طفولتها عن مآثر الحملة الفرنسية وأفضالها على مصر... فتمكنت من كشف الكير من التزوير التاريخي الذي أحاط بهذه الحملة
تساءلت عدة تساؤلات .. لماذا لم يخرج علينا نابليون مثلا فى آخر أيام عمره فى منفاه و قال لنا حقيقة الأمر و لماذا ذهب لمصر و لماذا كان عنده ميول غزو ؟ لماذا ترك الله لنا الامر لنبحث فيه و نتوصل لشئ ؟
فى بعض الأحيان , لعِلّة فى الإنسان لا يرى عيوب نفسه و بالتالى يظن أنه على الحق و أن كل ما يفعله صواب و هذا احتمال .. و لكن ما حكمة الله فى أن يترك لنا التاريخ هكذا نبحث فيه ولا ندرى حتى نصل للحق إذا شاء ؟ ما الحكمه؟
يكفينى استفاده من هذه الدراسه , أنه ترسّخ فى ذهنى بفضل الله عند قراءة أى كتاب تأريخى لحقبه معينه أو واقعه أو حادثه .. ان أقرأه بعين ناقده فاحصه و لا أترك لخيالى العنان الخوض فى ما حدث , و أن لا أسلِّم عقلى للكاتب أيا كان و أن أتحرى الصدق فى معرفة ما حدث و التجرُّد من الأهواء و العصبيات .
نحتاج إلى مثل هذه الكتب لنعرف ما قيل عن الحملة وعن التاريخ بوجه عام عند أهله , آراء الكتّاب والمؤرخين والفنانين الفرنسيين ,كيف كان نابليون أسطورة الفرنسيين إلى وقت قريب حتى وصل إلى حد التأليه ,كيف يزوّر التاريخ وكيف لنا أن نكتشف ذلك الزيف
دراسة تحليلية نقدية من الدكتورة ليلى عنان أستاذة الأدب الفرنسي مما يقوّى ويدعّم من صحة تلك الرواية
كتاب ثوري في معالجته. يعالج موضوع الحملة الفرنسية، كقسم من اسطورة الثورة الفرنسية التي صيغت ليكون نابليون بونابرت بطلها، حيث تبحث المؤلفة نشأة الأسطورة على يد نابليون نفسه وجهاز دعايته، ثم تطورها على يد عدد من الأدباء والمؤرخين الفرنسيين الكبار، لأسباب تتعلق بالصراع الإجتماعي والسياسي داخل فرنسا في القرن التاسع عشر.
الكتاب ينتمي لمدرسة نقد الاستشرق التي ظهرت في ثمانينات القرن الماضي و مازلت مستمرة حتي الآن الكتاب رائع فهو أشبه بدفاتر ملاحظات كبير لدكتورة ليلي الذي كانت تنقل فيه الرؤية المختلفة من المصادر المتعددة ثم تقارنها ببعضها البعض و تقدم لها نقد ذاتي منه فيها بأسلوب حيوي تفاعلي بينها و بين القراء فهي لا تتعمل مع القراء على إنه متلقي فقط بل هو طرف في الحكاية فكثيراً ما نسمع صوتها جانباً لي جانب من تنقل منهم .
يتحدث الجزء الأول عن الخليفة الفرنسية التي منها تفجرت الثورة الفرنسية و التي كانت تعتبر هل شعالة التنوير و الحرية التي تستخدمها فرنسا في أحرق من حولها من أجل سالب مقدرتهم و ثرواتهم و شحنها في الخزائن الباريسية تناقش د.ليلي الخلفية العلمية التي كانت موجودة و هي خلفية دينية كان ذات صبغة أرثوذكسية يغلب عليها الطابع الديني الخاص بهذا العصر و إن كان هناك بعض من الإنتاجات التنويرية الخاصة بعصر النهضة موجودة ولكنها في نطاق ضيق ليست منتشرة بين الجميع و هذا يعني أن حالة التنويرية التي كانت عند فرنسا لما تكون زائدة بهذا الشكل المتوهم لدرجات الفائضة حتي يلهث وراءها جميع الشعوب (المتخلفة) و لكن بسبب فساد الطبقة الحاكمة وقتها و دخول البلاد في حالة إقتصادية صعبة كانت تدفع الجميع لحافة الإنهيار تفجرت الثورة الفرنسية و نقلبت الدنيا رأساً على عقب كما هو الحال دائماً في جميع الثورات .
بوصول الثوار إلى السلطة كان هو بصيص الأمل لبعض الإصلاحيين الهولنديين و الإيطاليين في تحسين وضع بلادهم للأفضل و هذا الذي جعل اليعاقبة هناك أو اليساريون يستغيثون بنظأرهم الفرنسيون في مواجهة النبلاء عندهم و بالفعل ذهب الجند الفرنسي لي هناك لا بصفتهم المخلصون أو رهبان السلام بل بصفاتهم الجياع العراة المفلوسون الذين سينهشون خيرات هذه البلد نهشاً كأنهم جراداً منتشر يأكل الأخضر و اليابس لا يتورعون عن سحق و حرق و إغتصاب كل من يعترض لهم طريقاً مثلما حدث في مقاطعة ڤاندية التي ذبح سكانهُا ذبحاً كالخراف هذا الجيش المكون من الرعاع الهمج الذي لايفهم إلا لغة السلب و النهب نفسه الذي سيقوده بونابرت بما يعرف بـ "جيش الشرق" .
و بعد عرض سريع للجند ننظر للقادة فنجد نابليون شخص برجماتي عاشق للمجد و متعطش للشهرة وصل لدرجة من جنون العظمة و الإفتتان بإنتصارته لمرتبة الفراعنة حيث وقف فرعون مخاطباً قومه قائلاً أنا ربكم الأعلى قد سطع نجمه من بعد إنتصاره الساحق في إيطاليا و كسبه هذا الأمر الشهرة التي ستجعل البسطاء ينظرون له على إنه هو المخلص المنتظر و التجسد لإله الحرب عند الرومان فإذا كان الجند هم حفنة من قطاع الطرق فهذا زعيمهم و كبيرهم الذي علمهم الشطر كان قريباً من رجاله بأن يترك لهم السلب و النهب و يغدق عليهم بالمرتبات و الحوافز التي تجعلهم كحصان عمر بن الخطاب فهم يسرقون و هو يسرق معهم لقد إلتهم نفائس لا حصر لها من التُحف و اللوحات و التماثيل في حملته على إيطاليا و لم يرسل للحكومة المركزية إلا ما فاض منه .
حولت فرنسا ضرب غريمتها إنجلترا عن طريق الغزو المباشر لها و لكنها فشلت في ذلك لصعوبة الأمر حيث إن تفاقم الأزمة الإقتصادية التي لم تُحل و ثورة المستعمرات هولندا و أيطاليا جعلت الأمر يبدوا صعباً لذلك فكرة الحكومة في غزو مصر بلد كانت لهم معها تجارة و يبدوا من الترف الذي كان يعيش فيه بكوت المماليك وقتها على إنه غنية بما فيه الكفاية لسدة جوع هؤلاء الفجعة و بالفعل توجهت الحملة الصليبية الجديدة إلى هناك و حينما نقول صليبية لا تنويرية نكون صادقين الوصف حيث إن أفراد الحملة لما يروا إنفسهم إلا كذلك ذهبوا ليستردوا مصر التي كانت أحد ممتلكات الدولة الرومانية القديمة ! لا بشعارات رننا و تصورات خياله عن حقيقة الوضعها و تاريخها و أرضها كل الذي كان عندهم هو مجموعة من الخيالات التي عرفوها من الكتاب المقدس في قصة موسي و فرعون أو الأوصاف الوردية للمستشرقين التي لا تمت للواقع بصلة .