“العالم الذي شنق نفسه بسلك الكهربـــاء
روسيا و أمريكا التقتا و تصافحتا في الفضاء و لم تستطيعا أن تلتقيا على الأرض ..
الإنسان قطع ربع مليون ميل إلى القمر و لم يستطع أن يقطع بضع خطوات لينقذ جاراً له يموت في فيتنام و كمبوديا و القدس ..
المسافات بين قلوب الناس أصبحت أكبر من المسافات بين الكواكب ، و كل يوم يزداد الأخ عن أخيه تجافياً و بعداً ..
إنسان اليوم بدل أن يشغل نفسه بقتل الميكروبات أصبح يزرعها و يسمنها و يربيها ثم يصنع منها قنبلة ميكروبية ليلقيها على جاره ..
و يجاوب عليه جاره بنفس أسلوبه ضاحكاً في جنون ..
- قنبلة ميكروبية .. و ما جدواها ؟ لقد سبقتك لقد اكتشفت غازاً للشلل أرميه عليك فترقد مشلولاً مثل صرصور قلبوه على ظهره ، فيصفق الآخر و يهلل كالمعتوه ..
- قديمة .. أنا عندي صواريخ مدارية تدور الآن في فلك حولك و أستطيع بضغطة واحدة على زر أن أنزل عليك الموت كالمطر ..
فيخرج الآخر لسانه ساخراً ..
- هذه لعبة فات أوانها ، فقد اخترعت صواريخ مضادة تصطاد صواريخك و تفجرها في الهواء ..
فيهتف الآخر :
- لن تستطيع، فقد بنيت شبكة مضادة ضد الصواريخ المضادة ..
فيقهقه صاحبنا :
- نسيت يا أبله أنني بنيت شبكة ضد الشبكة ..
فيصرخ الأول :
- هاها .. أنت حمار تذكر أن عندي مخزوناً من القنابل الذرية يكفي لتمزيق القارة التي تسكنها ..
فيصرخ الثاني :
فلتذكر أنت أيضاً أن عندي مخزوناً من القنابل الأيدروجينية يكفي لشطر الكرة الأرضية كلها نصفين ..
و أعجب ما في هذا الحوار الهستيري أنه يجرى بالعلم و العقل ، و المخترعات و المبتكرات ، و الأفخاخ الإلكترونية و أنه حوار ينزف ذهباً و دولارات و ماركات و روبلات و فرنكات بلا نهاية
و رجل الشارع البسيط يمشي وسط هذه المظاهرة جائعاً و عرياناً قليل الحيلة لا يعرف بماذا يطلع عليه الغد ..
هل هذا عصر العلم ؟
أو عصر الجهل ؟
أو أنه جهل العلم ؟؟
الله يعطينا الكهرباء .. فماذا نفعل بهذه الكهرباء ؟!
إننا لا نفكر كيف نحولها إلى نور ..
و لكننا مشغولون طول الوقت في المعامل و المختبرات نفكر كيف نحول هذه الطاقة الكهربائية إلى ظلام ..
العالم يفكر في أذكى طريقة يلف بها سلك الكهرباء على عنقه لينتحر ..
إنه علم الجهل !
إنه العلم الأسود ..
و مثله مثل السحر الأسود الذي كان يحول به سحرة فرعون العصي إلى ثعابين ..
لأنه علم بلا دين !
و عقل بلا قلب ..
لقد طالت مخالبنا فأصبحت مخالب نووية ..
و نمت أنيابنا فأصبحت أنيابا ذرية ..
و ظل قلبنا على حاله .. قلب حيوان الغاب ..
تطور الإنسان إلى تنين ..
و النهاية الآن مرهونة بمن يبدأ الحماقة .. من يضغط على الزناد قبل الآخر !
أو من يفطن إلى الكارثة فيقود التطور إلى الإتجاه المضاد إلى تجاه التسامي بقلب الإنسان و روحه .. بدون اعتبار لقوة يديه و متانة عضلاته”
―
مصطفى محمود,
الشيطان يحكم