مع كل كتاب جديد لعمر طاهر يصعب الحديث عنه أكثر، تزداد محبته فيزداد نضجه، يقترب من القلب أكثر فتتحول محبته لعشق، ثم لهفة وانتظار لكل جديد، وأمام ما يفع مع كل كتاب جديد لعمر طاهر يصعب الحديث عنه أكثر، تزداد محبته فيزداد نضجه، يقترب من القلب أكثر فتتحول محبته لعشق، ثم لهفة وانتظار لكل جديد، وأمام ما يفعله بنفس وعقل القارئ من خلال كتاباته وحكاياته المتشابكة التي تغوص في التاريخ وتمزجه بالواقع بحميمية مفرطة، يصبح أي كلام آخر بلا جدوى، ويصبح الصمت في حضرته أبلغ من أي كلام. ...more
منذ أسابيع قليلة، وبعد الانتهاء من صلاة الجمعة، أدخل البيت فأمسك بالهاتف متصفحًا الأخبار في انتظار الغداء، أجد الخبر السعيد في هيئة صورة وضعها عمر طاه منذ أسابيع قليلة، وبعد الانتهاء من صلاة الجمعة، أدخل البيت فأمسك بالهاتف متصفحًا الأخبار في انتظار الغداء، أجد الخبر السعيد في هيئة صورة وضعها عمر طاهر على صفحته الشخصية مكتوب فيها" كحل وحبهان.. قريبًا"، ابتسمت وابتهج قلبي للخبر، كنت مهمومًا بامتحاناتي وأبحث عن أي فرصة للفرح، سرحت بخيالي وتوقعاتي، تُرى هل هو كتاب جديد، أم فيلم، أم أغنية؟، لم يطل الانتظار لينشر بعد ساعات أغنية لطيفة بعنوان: استويت، تبدأ بصوت وائل الفشني قائلًا: قصدت باب البيت.. وانتوا بيت الكرم.. حنّوا بنظرة رضا.. عاللي منكوا اتحرم."، أكملت الأغنية حتى النهاية مستمتعًا بالمفاجأة، لأجد في نهايتها مفاجأة اخرى، كتاب جديد لعمر طاهر، مع تتر النهاية تهبط صورة الغلاف تدريجيًا ببطء كاشفة عن وجه مديحة كامل أيقونة الجمال المصرية، لأجد في النهاية العنوان، وبجواره كلمة " رواية"، وهنا، حضر الارتباك.
لنتفق أن عمر طاهر نضج كثيرًا في السنوات الأخيرة، تحديدًا بعد خروجه من نطاق السخرية ودخوله نطاق الشجن والونس والحنين والذكريات، التي يضفي عليها بأسلوبه بالغ العذوبة وقدرته الفريدة على التقاط أدق التفاصيل سحرًا من نوع خاص. بدايةً من "أثر النبي" وقصص من وحي السير، إلى " إذاعة الأغاني" حيث نقطة الانطلاق والتفجر الحقيقية، وصولًا إلى "صنايعية مصر" حيث نضجت الموهبة على نار هادئة فوصلت إلى قمة الجمال المنتظر، مرورًا بـ "كتاب المواصلات" حيث الونس ولا شيء سواه، وانتهاءً بـ "كحل وحبهان".. رحلة ثلاث سنوات ونصف تقريبًا أعطانا فيها عمر طاهر مزيج ممتع من الحكايات والمقالات، من المعلومات النادرة والحقائق التاريخية المؤلمة، فماذا أنتظر في أولى رواياته؟
شخصيًا، ارتباكي كان مصدره خوف مبرر من دخوله عالم الروايات، هذا تحدي وملعب مختلف، الرواية تعني حبكة وسرد وحوار وشخصيات وخطوط أحداث، كيف سيتعامل مع كل هذا؟. وبعد قراءة الرواية أقول أن عمر طاهر لم يكتب رواية بالمعنى الدقيق للكلمة، إنما وضع خلطته الخاصة والمعتادة في قالب روائي، والفرق كبير.
تحكي الرواية قصة "عبد الله" أو "سيسكو" كما يناديه البعض على سبيل الدلع، عبد الله طفل يعيش في مدينة بعيدة غير معروفة، ينتمي لأسرة مصرية عادية، ومدرسة مصرية عادية، وكل ما في حياته عادي باستثناء شيء واحد، حبه وعشقه للطعام، ذلك الحب الذي استخدمه كمفتاح لفك شفرة حياته منذ الطفولة مرورًا بالشباب وانتهاءً بالزواج، وليصبح عبد الله نفسه هو المفتاح الذي استخدمه عمر طاهر لدخول عالم الرواية من أسهل وأقصر الطرق، ف "سيسكو" لم يكن سوى عمر طاهر متجسدًا في شخصية خيالية، بتأملاته وتفاصيله وطباعه الساخرة، بلمحاته المميزة وحكاياته الساحرة، سيسكو هو عمر طاهر متفننًا في وصف سر جمال القهوة، سر جمال رائحة المطر، سر جمال الأنثى، سيسكو هو عمر طاهر باحثًا عن الحب، عن الحرية، عن التجربة، عن الخبرة الحياتية من جدته الحكيمة أو والده، باحثًا عن سحر الأمومة، ومستكشفًا للحظة ولادة الطفل الأول الاستثنائية. كل هذا يأتي وسط كم هائل من الحكايات المغرقة بالتفاصيل عن الأكلات والوصفات وروائح الطعام، وما يميز أكل الأم عن غيره، وعن سر تفرد أكل الجدّة، مع كم لا بأس به من الأغاني المرتبطة بذكريات عبد الله مع الأسرة عامةً وذكرياته مع الطعام خاصًة، وغيرها من التفاصيل التي تدفعك بعد انتهاء الرواية إلى باب الثلاجة أو فرن البوتاجاز بحثًا عن شيء لذيذ لتأكله.
مما سبق، نكتشف أن الرواية في مجملها ما هي إلا امتداد لما سبق وقدمه عمر طاهر، تشعر أن الرواية لا تختلف كثيرًا عن إذاعة الأغاني وكتاب المواصلات، بل ربما هي مزيج منهما مع اختلاف تفاصيل الحكاية المتركزة حول عشق الطعام بكل تفاصيله، ومن هنا يأتي تحفظي على الرواية، وهو أن عمر طاهر أحب أن يمسك بالعصا من المنتصف، أراد أن يدخل عالم الرواية وفي نفس الوقت تخوّف من أن تكون أقل من المتوقع فاعتمد على رصيده المضمون من الحكايات والتأملات عن الحياة والبشر وما بينهما، والتي تأسرنا وتلمسنا لقربها منا، فبالتالي لم أشعر أني قرأت رواية حقيقية، وفي نفس الوقت لم أشعر أني قرأت شيئًا جديدًا كما هو متوقع، ورغم هذا وذاك كان الاستمتاع والشجن والونس حاضرين بقوة وأنا بين صفحات هذا العمل.
ختامًا، وإجمالًا، لا تنتظر من هذه الرواية أكثر مما وجدته في كتابات عمر طاهر الأخيرة التي ذكرتها، اقرأ الرواية باحثًا عن نفسك فيها في ذكريات عبد الله، في تأملاته ورؤيته للحياة بتفاصيلها، عندها ستجد في حضرته الكثير من المتعة والجمال، كالعادة.
كعادة عمر طاهر، كتاباته وحكاياته تمزج بين الضحك والهم، بين توثيق الواقع ورسم الأحلام، بين دروس الماضي وعجائب الحاضر ومخاوف المستقبل، يحكي عن نفسه فترى كعادة عمر طاهر، كتاباته وحكاياته تمزج بين الضحك والهم، بين توثيق الواقع ورسم الأحلام، بين دروس الماضي وعجائب الحاضر ومخاوف المستقبل، يحكي عن نفسه فترى نفسك بين السطور، عن أسرته البسيطة فتتمنى أن تتزوج لتكون لك أسرة مثلها، عن مشواره في التعليم والصحافة فتمني نفسك بطاقته وشغفه وإقباله على الحياة. هو أستاذ التفاصيل الصغيرة، سقوط ولاعة سجائره على الأرض أوحى إليه بكتابة مقال، ووقوفه في شرفة البيت لمشاهدة جرو صغير يلهو في الشارع دفعه لكتابة حكاية. يغوص عمر طاهر في عمق المجتمع فيخرج بكنوز لا تعرف كيف وجدها، والأدهى كيف طاوعه القلم لبثها على السطور بمثل هذه السلاسة ليصيغها بأسلوب لا تملك إلا أن تعشقه، خلطة ساحرة تجعلك تُنهي كل لقاءٍ معه شاعرًا بأنه قد قال كل شيء، دون أن يترك لك الفرصة لتقول شيئًا يليق بدفء حكاياته وونس حضوره.
لا أعلم لماذا مرّ الوقت بسرعة في حضرة هذا الكتاب ؟ هل لأنني مشتاق للقراءة بسبب فترة امتحاناتي التي تجاوزت الشهرين ونصف ؟ ، أم لأنني كنت في حضرة من تطي لا أعلم لماذا مرّ الوقت بسرعة في حضرة هذا الكتاب ؟ هل لأنني مشتاق للقراءة بسبب فترة امتحاناتي التي تجاوزت الشهرين ونصف ؟ ، أم لأنني كنت في حضرة من تطيب النفس بذكرهم ، ويسعد الفؤاد بقراءة أثرهم ، وتحنّ الروح لـ لُقياهم؟ أعتقد أن الاحتمال الثاني أقرب لذا ، فخير ما نبدأ به الكلام ، هو الصلاة والسلام على النبي المصطفى و على آله و صحبه أجمعين
أثر النبي ، و آل بيت النبي هو كتاب روحاني ، بكل ما تحمله كلمة روحانية من بهجة و سرور للنفس والقلب
يأخذنا عمر طاهر في رحلة قصيرة ، نشاهد فيها لمحات من حياة آل بيت النبي صلى الله عليه و سلم ، بمن فيهم زوجاته و بناته و أزواج بناته و صحابته وأتباعه - رضي الله عنهم أجمعين - ، نرى في هذا الكتاب لمحات قصيرة من حياة بعضهم ، لمحات رغم قصرها إلا أنها تحمل من الجمال و العظمة الكثير
نشاهد تحمّل السيدة " أمامة بنت زينب " لآلام فراق من حولها ، من أبيها لأمها لجدها لعمها لزوجها .. سلسلة طويلة من الفراق وقفت أمامها بقلب صامد محتسب ومتوكل على الله مؤمناً بقضائه
نشاهد بصيرة " زيد ابن عمرو " الذي وهبه الله العقل لكي يتفكر و يتأمل في حال قريش قبل ظهور الإسلام بسنوات ، ليدرك أن قومه على خطأ ، و ما يعبدونه يخالف العقل والمنطق ، فيبحث عن الإله الواحد ، حتى يصل لكاهن مسيحي ، فيسأله النصيحة ، فيخبره أن النبوءة تقول بأن هناك نبي يُبعث في قريش ويكون خاتم الأنبياء ، و يسرد عليه علامات النبوة التي تظهر على النبي المختار ، فيتهافت زيد ابن عمرو للقاء هذا النبي المنتظر ويظل يبحث عنه ، ويكابد العناء والعذاب رغم أن الإسلام لم يظهر بعد ! ، و يوصي ابنه " سعيد " أن لو طال به العمر و قابل النبي المنتظر فليبلغه السلام .
كان " الخطاب " والد " عمر بن الخطاب � رضي الله عنه � " أخاً غير شقيق لـ "زيد" ، كان يكيله العذاب والذل لعله ينجح في إرجاعه إلى دين أجداده ، ولكن " زيد " صمد و صبر كان الناس يحرضون "الخطاب" على قتل أخيه ، و في كل مرة يسألونه " لماذا لم تقتله ؟ " ، فيرد عليهم "!لا أعرف ما الذي منعني "
"تمر السنون وينجب " الخطاب " " عمر بعدها بسنوات تزوج " سعيد " من " فاطمة بنت الخطاب " أخت عمر بن الخطاب بعد زواجهم بسنوات سيظهر الإسلام ، وسيسلم سعيد و فاطمه سراً ، وعندما يعلم عمر بن الخطاب بالأمر سيذهب غاضباً لأخته و زوجها ليغسل عاره "و سبحان الله .. يكون اسلامه على يد سعيد بن " يزيد بن عمرو لم يقتل "الخطاب" "زيد" لأنه كان مقدراً أن يكون ابن الثاني سبباً في دخول ابن الأول إلى الإسلام
نشاهد تعلق " فاطمة الزهراء " بأبيها ، وتعلقها بطرف ثوبه وهي طفلة ، تذهب معه في كل مكان و لاتتركه في أي لحظة ، تراه وهو يُهان و يُسب من أهل قريش ، وبينما يمسك أحدهم بزمام ثوب المصطفى مهدداً إياه بالضرب ، تشد فاطمة على ثوب أبيها للخلف لعلها تنجح في تخليصه .. تراقبه و هو يصلي ، ساجدًا في الحرم ، و كانت تقف على بُعد خطوة منه كأنها تحرسه ، تنقل البصر بين أبيها و السماء حيث الله الذي يسجد له أبوها ، كانت المسافة سؤالاً أكبر من قدراتها الذهنية كطفلة ، لكنها كانت مليئة بما يكفي من النور لأن يجعلها تقف بثبات لا تعرف مصدره ... وبينما يصلي النبي إذا بجماعة يلقون عليه أحشاء ماشية ميتة ، فماذا تفعل الطفلة ؟ ، بينما النبي مستمراً في صلاته غير مهتم بما تعرض له من إهانه ، تقفز عليه فاطمة وتزيل الأحشاء الملقاة على كتفه وتلقيها في وجه من ألقوها ، فيقفون مشدوهين من جرأة هذه البنت لدرجة أنهم انصرفوا خوفاً منها ! ، رحمة الله عليك يا سيدة فاطمة ، كم كنتِ عظيمة حتى و أنتِ طفلة ، رضي الله عنكِ
....نشاد .. ..بصراحة لو أكملت حديثاً عن تفاصيل القصص لكتبت الكتاب كله و ربما أكثر
ما يميز هذا الكتاب ، رغم أنني لم أقرأ كثيرًا عن آل البيت ، أن القصص ركّزت على تفاصيل صغيرة ، قد تذكرها أمهات الكتب ، و لكن وسط الأحداث الكبيرة التي مرّ بها أهل بيت النبي رضي الله عنهم ، قد لا نلتفت لمثل تلك التفاصيل ونتأملها و نتشرب ما بها من جمال
وليس هذا فقط ، ما يميز الكتاب أيضاً ، أن عمر طاهر نجح في صبغ القصص بصبغة مميزة تجعلها - وإن كنت تعرف بعضها مسبقاً- لا تخلو من متعة و جمال ، سواء في طريقة الكتابة نفسها على هيئة فقرات قصيرة داخل كل قصة ، أو في التنقل السلس عبر الزمان والمكان الخاص بكل شخصية بدون إخلال أو توهان ، ف تحية لعمر طاهر على جهده في استخلاص هذه القبسات الصغيرة الحجم عظيمة الأثر من بين آلاف القصص والتفاصيل ، وجمعها معاً بهذا التناسق والجمال
ختاماً لأن الكتاب جميل للغاية ، و لأن الكثير من القراء يبحثون عنه و لايجدونه نظراً لسوء توزيعه قمت بتصويره ، و هذا هو الرابط
ما الذي يميز الطبيب الشاطر عن غيره؟، تفاصيل كثير في الواقع، نذكر منها هنا، في سياق الحديث عن كتابنا هذا، نقطة هامة تتشابه مع ما فعله عمر طاهر خلال صفح ما الذي يميز الطبيب الشاطر عن غيره؟، تفاصيل كثير في الواقع، نذكر منها هنا، في سياق الحديث عن كتابنا هذا، نقطة هامة تتشابه مع ما فعله عمر طاهر خلال صفحات هذا الكتاب. يأتي يوميًا لعيادة أي طبيب، خاصةً أطباء المخ والأعصاب والباطنة، مريض واحد على الأقل يشتكي من الصداع أو آلام البطن أو الجنبين، فيبدأ في الشك أن لديه حصوات في الكُلى أو المرارة، ومن يشك أن لديه قرحة في المعدة أو لا قدر الله سرطان في القولون كما حدث مع قريبٍ له، فالناس صارت تمرض من الخوف والقلق والتوتر في زمننا هذا أكثر من مسببات الأمراض نفسها، والضغوط النفسية والعصبية لها القدرة على لخبطة نظام الجسم كله، فماذا يفعل الطبيب الذكي أمام هذه الحالات؟، يبدأ بالسؤال عن العمل في البداية، عن الأصدقاء، عن الزوجة والأولاد إن وُجدوا، عن الأب والأم وعلاقته بهم، وما أن يسأل عن هؤلاء سيجد الطبيب نفسه وقد ضغط عى خُراجٍ يمتلئ قيحًا وصديدًا، فانفجر عن حكايات وشكاوي من الحياة وضغوطها وآلامها ومتاعبها ومصاريف الأولاد ومتطلبات الزوجة وتحكم المدير في العمل وخلاف الأخوة على الميراث وعلاج الأب الراقد في المستشفى أو الأم المتحكمة في مصير الابن والمعادية لزوجته.. الخ، وما إن تخرج هذه الضغوط بقدرٍ ما، مصحوبة ببعض الدموع في أحيان كثيرة، حتى يدرك الطبيب أنه أصاب الهدف، وعرف العلاج، فبعض المهدئات وراحة عن العمل لأسبوع ونصيحة بالجلوس كثيرًا مع الرفقاء الطيبين المحتوين للمريض، سيكفلون له راحة البال لبضعة أيام تخرج خلالها آثار الضغوط المتراكمة داخل هذه النفس المرهقة والتي عبرت عن نفسها بآلام في القولون أو المعدة أو اضطرابات في ضربات القلب المجهد.
ومن هنا نتحدث عن الصديق الذي ينبغي أن نحصل عليه جميعًا لأجل تلك اللحظات العصيبة، الصديق الذي يضحك في وجهك ساعة حزنك ليهوّن عليك مُصابك، الصديق الذي يمتلك موهبة الرغي في أي كلام لا معنى له فقط لأجل أن يُنسيك مشاكلك وهمومك ويقتنص منك ابتسامة أو ضحكة من القلب في ساعة صفاء، هذا الصديق من أجمل النعم التي يمكن أن يرزقك الله بها، وإن لم يرزقك الله بها حتى الآن، فعليك بعمر طاهر.
عمر طاهر هنا يفرض نفسه عليك ويقتحم عالمك المثقل بالمشاغل بمنتهى السلاسة، وأنتَ أمام تلقائيته ومرحه وخفة ظلّه تستقبل اقتحامه لقوقعتك البائسة بصدرٍ رحب، يبدأ عمر طاهر حديثه بمقال من أجمل ما قرأت في حياتي للأمانة، فيه يتحدث بسخرية لاذعة عن حال المسلمين في القرن الحادي والعشرين، فتبتسم، وتبتسم، حتى يتحول المقال إلى مساحة لطرح أسئلة وجودية من التي ترهق ذهنك بعد منتصف الليل وأنت نائم على فراشك تطارد النوم والنوم يهرب منك ويأبى الاستسلام لك، فتتنهد، تنهيدة حارة من أعماق قلبك تخرج معها حرارة أرهقت قلبك، فتهدأ، ويبتسم عمر طاهر لابتسامتك، وينتهي المقال وأنتِ راضٍ تمام الرضا بحكمة الله في خلقه وفي هذا الكون، وتنهض من مكانك لتجهز كوبين من الشاي بالنعناع الأخضر المنعش، كي تستكمل جلستك برفقة هذا الصديق الذي أنعم الله عليك برفقته في هذه الليلة الكئيبة كي يعينك على نسيان ضغوط مذاكرتك وامتحاناتك ولترفّه عن نفسك قليلًا بصحبته في شرفة غرفتك، بعد منتصف الليل، بينما الناس نيام.
ويبدأ الضحك، ضحك بصوت عالي من القلب، ضحك على عادات شعبنا المسخرة، واختراعاتنا التي تضرب باكتشاف زويل للفيمتو ثانية عرض الحائط
نحن مخترعي الكرة الشراب، ومزراب البلكونة، وقاموس تعليم الأطفال الكلام بتلقينهم كلمات مساعدة مثل: إمبو، أوبّح، نَم، بخ، كخ...إلخ، نحن مخترعي النُقطة في الأفراح، والجمعية التي تسند رأس مال كل بيت، والمُغات الذي لا أطيق طعمه ولا أفهم كيف تشرب السيدة بعد ولادتها هذا الخليط الدسم من الحلبة والسمن البلدي المثير للتقيؤ!، نحن المصريين مبهري الكوكب بسرعة بديهتنا وفتاوينا في كل شيء ولو عن جهل، تقرأ كل هذا الكلام وتسمعه من عمر طاهر وتضحك، ضحكًا يتردد صداه في الشارع الصامت، وتستمر المسخرة بالحديث عن عشرين شخصية عالمية تستحق الجنسية المصرية كهتلر ونابليون وكلينتون وغيرهم، ولكل منهم سببه للحصول على جنسيتنا المبجلة.
ينتهي الشاي فتنهض لتجهز دورًا آخر بينما يرافقك عمر طاهر محدثًا إياك عن الوصايا العشر لشراء سيارة في مصر، وكيف أن الكورة في مصر هي نسخة من مصر بكل تفاصيلها، وعن أسباب كونه زملكاويًا، ورغم أنك أهلاوي ستضحك من قلبك على سخريته من ناديه وناديك، تصب الشاي وتعود مرة أخرى للشرفة الجميلة لتستكمل رحلتك مع مائة طريقة مصرية للتخلص من الاكتئاب، وهنا يرتفع صوت ضحكك ليوقظ جيرانك، فتستحي وتهرب لداخل غرفتك لتكمل سهرتك برفقة صديقك الجديد على راحتك، لماذا يخون الرجل المصري زوجته؟، وكيف تسيطر الحماة المصرية على حياة ابنتها المتزوجة، وكيف تحصل على فتاة أحلامك أيها البائس؟.
قلبك المجهد من الضغوط صار بعد جلستك مع عمر طاهر مجهد من كثرة الضحك، ولكنه إجهاد بطعم آخر محبب إلى النفس لا تشبع منه، تستمر الحكايات وتتوالي النكات والسخرية من الحياة بما فيها، تتنهد بعد جلستك الطويلة التي لم تشعر بها، تنهيدة رضا وسرور لم تشعر بها منذ شهور، فتلتفت لعمر طاهر، الواقف أمام مرآة غرفتك يحاول تمشيط صلعته المسكينة كي يضحكك، فتحمد الله على نعمة كهذا اللقاء الممتع، ويخرج منك سؤال بديهي: عمر، تقبل تكون صديقي؟، فيلتفت إليك وعلى وجهه نفس الابتسامة، والجواب يبان من عنوانه، يا صديقي.