ŷ������

ها قد خرجت بغير القلب الذي دخلت به كما عاد ذاك الصاحب بغير الوجه الذي ذهب به وقد سمع كلاما ليس ككلام البشر !
وهل يسع قلباً تعرض عليه سيرة الحبيب أن لا يرتج لذكره في حركاته وسكناته صلوات الله عليه وسلامه في تبسمه ورفقه وأدبه وحنوه ورقته وغضبه !
عجيب أمر السيرة ما تفعل في النفس وعجيب أمر هذا الإنسان في تصلبه وتقلبه و ظلمه و فكره و
و عجيب أمر صاحبة هذا القلم.. وإنه لقلم ذو أشجان أسال حبراً على صفحات السيرة و أقام اسقاطات وربطاً بواقع هذا الزمان فتجلت صور وآفاق وتبدت غيوم فلم تعد السيرة خيالاً ومثالية بعيدة المنال بل هي حاجة وضرورة لهذا الزمان !
رحلة هذا الكتاب هي رحلة القلب في ظلال سيرة خير الخلق كلهم ، هذا كتاب أغرق القلب في حب صاحب الرسالة المبعوث رحمة للعالمين وفاض به الشوق حتى أرسل الدمع مدرارا والعين من خلفه لا تقوى على صد العبرات فتطلقها سيلا منهمرا والغصص بهما لاحقات !
وفي كل خبر عنه حياة تنضاف إلي وفي كل لمحة عنه سرور ينضاف إلى القلب
وفي كل موقف له عبر وعبرات تسرد عني شوقاً يزداد لحبيب القلوب وطبيبها
صلوات الله عليه وسلامه لم يأخذ أحداً بقوة ولم يكره قلباً على الحق فهاهو يسمع لأبي سفيان يقر بأن " لقد ظننت أن لو كان مع الله غيره لقد أغنى عني شيئاً بعد" ( وذلك حين رأى جيش المسلمين مرابطا حول مكة قبل دخولها في الفتح وعلم أن آلهته لا تملك أن تنصره) ولكنه لا يتردد أن يجيب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سؤاله " ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله ؟ " فيقول " بأبي أنت وأمي ما أحلمك وأكرمك وأوصلك ؛ أما هذه فإن في النفس منها حتى الآن شيئاً " لم يضرب محمد صلى الله عليه وسلم عنقه ولم يطرده وإنما توضح الكاتبة في تعليقها على الموقف : " لكن رسول الله أدرك أن علاج أبي سفيان لم يستكمل بعد فيتابع في تعريضه لموجات من الترغيب والترهيب ، فهو رجل يحب الزعامة فيقول له " من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ، ويقول للعباس احبسه في مضيق الواد حتى يرى جنود الله " وكثرتهم وقوتهم و كان ذلك في يوم فتح مكة فلما أن رأى ذلك وبات ليلة في جيش المسلمين يسمع ويرى لهفة الصحابة على نبيهم وحبهم له وحبه لهم ، ثم رأى دخول الجيوش في الفتح علم أن لا قبل للمشركين بهم وأن هذا لا يكون إلا نبياً مرسلاً ! فيسلم.. يسلم أبو سفيان بعد 20 سنة من محاربة النبي صلوات الله وسلامه عليه !هذا نموذج من حوار مع مشكك والأمثلة كثيرة على صبره على الناس و مخاطبة كل قوم بما يفهمون ، يحاور المشركين واليهود والنصارى وقطاع الطرق ويشفق على الخلق من أن يضلوا عن خالقهم ويصبر على الأذى محباً رؤوفاً بالإنسان !
---------------------------------------------------------------------------------------
من لم يقرأ السيرة فقد فاته خير كثير ومن لم يقرأ هذا الكتاب فاته خير آخر !
إن السيرة لتهذب النفس وتؤنس القلب وتواسي الغريب وتمسح الهم عن المحزون وتذهب اليأس وتحل بالقلب يقيناً وفهماً ونوراً
وكيف لمن جهل هذا الرسول الأمين صلوات الله عليه وسلامه أن يؤدي حق محبته ؟
-----------------------------------------------------------------------------------------------------
ثم هذه أخبار الصحابة تنقل لنا بمآثرهم و أخطائهم التي تبين أن لا عصمة لمخلوق وأن لا غنى عن رحمة الله الذي يتجاوز عن السيئات وأن لا فوز في الآخرة إلا برحمته وأن لابد لكل مؤمن أن يقدم بين يدي الله ما ينجيه فهم أصحاب السبق والإخلاص وماذا عنا في أيام كقطع الليل المظلم اشتدت بها الفتن !!
ثم هذا الإنسان ما به ظلوم لنفسه يشهد بدين الحق ثم يرتد فأي خيبة وأي خسران و ربما عاد مؤمناً بعد حين فيحسن إسلامه ويخدم دينه كما لم يتصور .. هذه أخبار زلزلتني فأي عدو حاز الإنسان بين جنبيه؟! نفس أمارة بالسوء تودي بصاحبها المهالك ! الإيمان قريب والردة قريبة و في الثبات وحسن الختام نجاة !
ثم هذا النبي إن له قلباً رحيماً محباً لا يمل من توصية المؤمنين في آخر لحظاته ! صلوات الله عليه وسلامه !
------------------------------------------------------------------------------
لو أردت أن أعطي الكتاب حقه لكتبت صفحات غير أن الجهد والوقت لا يكفيان ( رغم إعتراضي على بعض اسقاطات الكاتبة للسيرة مثل ربطها بين مسألة الشورى والديمقراطية في معناها الحديث وفي ذلك تلبيس على القارئ فما أبعد المفهومين ، وبعض المسائل الأخرى ؛ إلا أنها أحسنت إستكشاف السيرة واستشفاف معانيها خاصة الإجتماعية بعقل وإدراك مسلم هذا العصر فجزاها الله خيراً )