ŷ������

صراحة لا أدري ما السر في هذه الرواية، و ما الذي جعلني أهيم بها و ألتهم صفحاتها التهاماً و لا أشعر بالدقائق ثم بالساعات الطويلة و أنا جالسة لا أقوم بأدنى حركة من شدة انسجامي مع أحداثها.. فكرتها ليست بالجديدة، فهي مجرد امرأة تسرد ذكرياتها مع صديقتها في مرحلتي الطفولة و المراهقة. إذن ما المميز بها؟ لا أدري صراحة ، هل هو ذلك الفيلم الذي كنت أشاهده بوضوح في رأسي طوال قراءتي للرواية، هل هي تلك الأجواء الحميمية المثيرة للمشاعر بين الصديقتين في ذلك الحي البائس في نابولي، أم هو وصف دواخلهما ببراعة و دقة حتى شعرت أنني صديقتهما الثالثة؟ كل ما أعرفه أن هذه الرواية احتلت قلبي و أفكاري منذ الصفحة الأولى، و شعرت بالفعل أنني في نابولي، ليس في أحياءها الغنية الجميلة، بل بذلك الحي الفقير مع الناس البسطاء. و كنت إذا ما تركت الرواية يظل ذلك الحي بجميع أفراده يشغل بالي حتى أعود إليها متلهفة كالطفلة التي تنتظر قصة ما قبل النوم بكل شوق.

أغلب الصداقات القوية تنشأ بين شخصيتين مختلفتين كل الإختلاف عن بعضهما، الخجولة و الجريئة، الهادئة و المندفعة، الانطوائية و الاجتماعية، الحالمة و الواقعية، المستسلمة و القوية. و هكذا كانتا ليلا و إيلينا. ليلا الجريئة القوية، و إيلينا -راوية المذكرات- الهادئة الخجولة، صحيح أنهما مختلفتان عن بعضهما، لكنهما اشتركتا بالرغبة بإثبات نفسيهما في مجتمع لا يعير أدنى اهتمام لأحلامهما و ذكائهما، تحدتا الفقر و التخلف، كل على طريقتها. التقتا في سن السادسة و نشأت بينهما صداقة قوية تحدت كل الظروف، عاشتا مع بعضهما أحلى الأيام و أمرها، فرحتا و بكيتا سوياً، وقفتا بجانب بعضهما بأصعب الأيام و أجملها، ساندت كل منهما الأخرى في جميع الظروف، التقت دروبهما و افترقت و لكن ذلك الحب الكبير الذي جمعهما بقي صافياً نقياً كقلبيهما.

لا أذكر متى كانت آخر مرة تعلقت برواية و عشت مع شخصياتها و تأثرت بأحداثها كما تعلقت بهذه الرواية. هي مذهلة بالضبط كإيلينا و صديقتها.
طبعاً لا يجب أن أنسى شكر المترجم المبدع كعادته معاوية عبد المجيد على ترجمته البديعة الذي لم أشعر بفضله للحظة أن الرواية مترجمة.