ŷ

Mina's Reviews > عزازيل

عزازيل by Youssef Ziedan
Rate this book
Clear rating

by
1252226
's review

it was amazing

"عزازيل" هو اسم رواية يوسف زيدان الثانية و التي صَدرت مؤخراً عن دار الشروق. جذبني الاسم في البداية لقراءتها. "عزازيل" هو أحد أسماء الشيطان في التقليد اليهودي - المسيحي، لهذا تصورت أن الرواية تتحدث عن الشيطان أو عن عالم ما وراء الطبيعة. لكن الرواية بَدت أكثر متعةً و تشويقاً و - أيضاً - عُمقاً!
ينسج المؤلف خيوطه المحكمة من أول صفحة. و يقدّم صفحات الرواية كترجمة لرقائق وُجدت مكتوبة منذ القرن الرابع. و يختلق قصةً عن المترجم كي يؤصل للجو التاريخي للرواية. ثم ينتقل الحديث للراهب "هيبا" المصري الذي يكتب الرواية على لسانه (و إمعاناً في اتقان الحبكة، فإن الهوامش تحوي تعليقات للناسخ العربي و للمترجم أحياناً). هكذا يدخل القاريء في جوِ تاريخي محكم شبه - حقيقي، خاصةً مع ظهور الشخصيات الأخرى للرواية و التي هي شخصيات تاريخية حقيقيّة. فباستثاء "هيبا" و محيطه، فإن جميع شخصيات الرواية الأساسية حقيقية: "نسطور" أسقف القسطنطينية، "كيرلس" أسقف الأسكندرية، "هيباتيا" العالمة و الفيلسوفة... من روعة الرواية أن جعلت من هؤلاء الشخصيات - الذين هم صفحات تاريخية صامتة - أبطالاً من لحمٍ و دم، يتحاورون و يتناقشون ، يحبّون و يكرهون و يتفاعل معهم القاريء!
يزداد الجوُ واقعية بالأوصاف الجغرافي العبقرية للأماكن. فالمكان في رواية "عزازيل" يلعب دوراً أساسياً و فاعلاً في الأحداث. فمن خلال رحلة "هيبا" - التي تدور حولها الأحداث - و ذكرياته عن رحلات سابقة، تتبين الشخصيات و المواقف قليلاً قليلاً. و قد أثبت المؤلف موهبة حقيقيّة في وصف الأماكن للقاريء، كذلك فإن امتزاج الأحداث الواقعي بأحداث الرواية جعل الأماكن أحياناً تعبر الزمان لتتجسد أمام القارئ الذي يعرف تفاصيل هذه الأماكن جيداً (الاسكندرية كمثال).
تشعر أثناء القراءة أن المؤلف يكتب "على مهل"، فالتفاصيل لها قُدسيتها لديه. ربما يتوقف عند فستان "مرتا" مثلاً لصفحتين، لكنك مع ذلك لا تشعر تكلفاً و لا مللاً. فالمؤلف متمكن للغاية من اللغة (و محيط أيضاً باليونانية و القبطية و السريانية باتقان) بقدر ينقل إليك الصورة بحيويتها و صفائها كأنك تراها. كذلك فإن إتقانه للغات المختلفة جعل القاريء الذي لا يألف التعبيرات الكنسية أو التاريخية لا يفقد متابعته للرواية. فهو يقدم الألفاظ الغريبة في سياق واضح أو ملحقة بشرح غير خارج عن هذا السياق.
ليست الحوادث هي أهم ما في الرواية، بل تفاعل الشخصيات معها. فالحوار اللاهوتي القائم بين "كيرلس" و "نسطور" مثلاً ليس مهماً إلا بقدر ما يلقي الضوء على حيرة "هيبا" و شكوكه و تساؤلاته الداخلية عن الله و الكون من حوله. ربما لهذا هي ليست رواية تاريخية بقدر ما هي داخلة في عمق الأسئلة الإنسانية عن الإيمان و الحياة و الحب. و انطلاقاً من التاريخ، يأخذك الكاتب في رحلة شديدة الغنى و العمق بين الفلسفة و الإيمان، الغريزة و التحرر من الجسد، الغيرة و الحب، الرحيل و البقاء...
ربما لهذا تغافل المؤلف بعض التدقيق في التفاصيل اللاهوتية و التاريخية أحياناً.لا يمكن أن يكون هذا التغافل على سبيل الخطأ، فالمؤلف ملمّ بشكل ممتاز بالسياق التاريخي و اللاهوتي للرواية؛ ربما لهذا يبدو أن بعض التفاصيل قد أسقطت أو عُدّلت كي تناسب السياق الدرامي. و هذا أمرُ مقبول على اعتبار أن الرواية ليست لاهوتية و لا تاريخية، بل أكثر عُمقاً و شمولاً. لكن الرواية - و إن كانت في المطلق عن بحث الإنسان و تساؤلاته الوجودية - فإنها اتخذت من التاريخ و من اللاهوت جسداً. أظن - و هذا رأيي - أن الدقة لم تكن لتتعارض مع السرد البديع.
إن شرح "نسطور" مثلاً لوجهة نظره عن طبيعة المسيح بدا أقرب للاهوت الإسلامي عن لاهوت "نسطور". و الواقع أن "نسطور" لم يكن تنزيهياً بالقدر الذي صُوّر به بعد ذلك - في اللاهوت الرسمي و اللاهوت النسطوري و بالتالي في الرواية - بقدر ما كان عقلانياً. فإن تصوره عن اتحاد اللاهوت بالناسوت في شخص يسوع المسيح كان يصطدم بمشكلة الزمن - و تحديداً بسني حياة يسوع المبكرة و بموته - من هنا فإنه قدّم فكرة "المصاحبة" التي تقول بحلول اللاهوت في جسد "الإنسان" يسوع منذ لحظة العماد و حتى الموت. لم يكن "نسطور" ينطلق من مبدأ تنزيه الله عن الاتحاد بالإنسان كما بدا بالرواية (و هو التبرير الذي يقبله القاريء المسلم بسهولة و يتعاطف معه)، بقدر ما كان يحاول إيجاد مدخلاً عقلانياً لهذا الاتحاد الذي اتفق مع "كيرلس" بوجوبه و وجوده.
كما أن لاهوت "كيرلس" لم يكُن أمراً مستحدثاً كما صوّر الكاتب. بل أن تعبيرات "كيرلس" عن "طبيعة واحدة للكلمة المتجسد" مازالت تعتبر - إجماعاً و على اختلاف الطوائف - من أساسيات اللاهوت المسيحي. أما رسائله "ضد نسطور" فهي من أدق ما يمكن قراءته في شرح اللاهوت المسيحي. إن "كيرلس" يبدو في الرواية كمهووس بالزعامة و متاجر بالدين. و الواقع أنه بالطبع ملومُ في حادثة مقتل "هيباتيا"، لكنه لا يمكن الحكم عليه من منطلق حادثة واحدة و قياس تصرفاته كلها عليها. في الرواية هو يمثل السلطة الدينية الرسمية - عامةً - و إجاباتها الجاهزة؛ لكنه في المقابل قد ظُلم - كشخصٍ تاريخي - في تقديمه بهذا الشكل.
على هذا المثال قُدمت كنيسة الاسكندرية بشكل أقرب للهوس الديني و الفاشية. يهدف المؤلف لتصوير التدين الرسمي و الشعبي و هذا مفهوم، لكن كنيسة الاسكندرية لم تعرف أبداً في تاريخها "جماعة محبي الآلام" التي تم الإشارة إليها أكثر من مرة في الرواية! كما أن مقتل "جورج الكبادوكي" لم يكن عملاً دينياً بقدر ما كان ثورة شعبية ضد رئاسة دينية مفروضة بقوة السياسة و في ظروف نفي للرئاسة الدينية الشرعية. كذا نظرية موت "آريوس" مسموماً و إن كانت تعطي مصداقية للرواية فإن حولها علامات استفهام بما لا يجوز معه تقديمها مرتين كأحد المسلّمات!
و بعض المسلّمات المذكورة بالرواية غير حقيقية أصلاً. "طاطيان" لم يكن وثنياً بل ظل مسيحياً حتى موت "يوستين الشهيد" ثم تحول للغنوسية. "قسطنطين" لم يعقد مجمعاً لحرق الأناجيل غير القانونية و لم يمنع تداولها.، و لم يشكّل لجنة للتفتيش عنها في البيوت و الكنائس! "يوحنا الأنطاكي" تخلى بالفعل عن "نسطور" و وقع وثيقةً للاتحاد مع "كيرلس". الأقنوم ليس هو الطبيعة، و "كيرلس" كان يكتب باليونانية و ليس بالقبطية ...
على أن هذه التفاصيل لم تفقد الرواية متعتها و عمقها؛ هي في مجملها رائعة. لغة متقنة، تصوير عبقري، جو تاريخي محكم، و أسئلة شائكة ترحل بالقاريء - مع "هيبا" الراهب - بين الاسكندرية و أنطاكية؛ و الأهم أنها ترحل به داخل ذاته!
246 likes · flag

Sign into ŷ to see if any of your friends have read عزازيل.
Sign In »

Reading Progress

Finished Reading
June 26, 2008 – Shelved

Comments Showing 1-24 of 24 (24 new)

dateDown arrow    newest »

message 1: by Kosta (new)

Kosta انا اسف بس عندي ليك تعليق صغير كلمة عزازيل في التقليد اليهودي و المسيحي ملهاش اي علاقة بالشيطان خالص
عزازيل جايه من عزل و ذكر عزازيل في احد الاعياد اليهوديه و كانوا بيعزلوا تيس من الماعز وده كان نوع من الرمز و المرموز عن فكرة الخلاص
ممكن لو انت مهتم اكتر ابعت لحضرتك رد نيافة الانبا بيشوي علي رواية عزازيل
اسف مرة تانيه
و ياريت نبقي اصدقاء


message 2: by Hesham (new)

Hesham مينا جرجس أنت أكثر من مجر قارئ ومثقف
ليت مصر تمتلئ بأمثالك، لكان الحال أفضل ألف مره
شكراً


Ghada لروايه اكثر من رائعه ,من اول كلمه لأخر كلمه وانا مستمتعه


Rabab El-Noury يوسف زيدان استطاع أن يجذبني في كل مشهد لم أكن أقرأ رواية بل كنت أستمتع بمشاهدة فيلما يمكنك أن تقول عليه وثائقيا أو تسجيليا أو دينيا أو روائيا فلقد ضمت تلك الرواية كل عناصر الروايات قاطبة و استطاع أن يقذفني من أقصى الكون إلى أقصاه لم أخرج من تلك الرواية الشيقة إلا مستمتعة و مستكشفة و في قمة سعادتي لأن أرض العروبة مازالت تخرج طاقات يمكنها أن تسير هذا الكون بكلمات


Wadood elbanna ملخص نقدى راااااائع


Ahmed رائع


Basma انت لا تتخيل مدى احترامى لتعليقك على الروايه...بس انا كفتاه مسلمه الروايه اثرت فى بشكل غريب رغم انها بتدور حول رجل راهب مسيحى..ولكن روعة الرواية انها تضعك امام مراة ترى فيها نفسك بشوائبها وغلطتها و جنوحها و سكونها و تدينها و ايمانها وشكوكها.وعلى الرغم من التناقض الفظيع لشخصية هيبا الا ان الواقع فى النفس الانسانيه اكثر تشتت واقل عقلانيه واعجب من الخيال.من رأيى ان الدكتور يوسف زيدان قد وضع لنفسه فى هذه الرواية عقبة الاتيان بمثلها.


فجر شكراً للمعلومات في هذه الصفحة، سأحتفظ بها لأعود لها من جديد بعد قراءة الرواية للمرة الثانية :)


message 9: by Bashar (new) - added it

Bashar Kalash مشكور ملخص جميل


message 10: by Montassir (new)

Montassir Abumalian لا داعى لكل هدا التلخيص يمكن أختصار الرواية بى القول أنها نسخة مقلدة من رواية أسم الوردة يعنى الحكاية تقليد مو أبداع


Hodhodan الملخص جميل .. جدا جدا .. مع اني ما كملت الرواية للان بس فضيت تشابكات كثيرة كانت في راسي .. لدرجة اني قربت من التصديق بواقعية الرواية شيئا ما .. شكرا لك


message 12: by Diaa (new) - rated it 5 stars

Diaa Shaer هو فعلا الرواية ميش قصة حقيقية ؟؟


Mannora Elghandour نقد اكثر من رائع تحليل لجوانبها شكر ...الكاتب عبقري بكل الأحوال اجد الروايه غوص في داخل النغس البشريه أكثر من أي شئ أخر


message 14: by Medhat (new)

Medhat


message 15: by Anouar (new)

Anouar Ait اعتقد ان من خلال هدا التعليق و التحليل الممتاز ان رواية عزازيل هي تقريب للقارئ العربي المثقف عن العوالم الكامنة داخل اللاهوت المسيحي ككل و الغوص في التجادبات و الاشكالات التي تملئ عقيدة المسيحيين في كنائسهم حول اظهار فهم متقبل و مبسط للمسيحية و هدا يظهر جليا في الحوارات العميقة التي كانت بين الاساقفة...عموما الرواية ابرزت لنا بعدا جديدا حول المسيحية و نظرة اخرى حول اعتقاداتها


message 16: by Noha (new) - rated it 3 stars

Noha الرواية رائعة بس فيها اجزاء كتير مينفعش تكون موجودة واباحية بطريقة خلتنى اعديها ومش اقرأ منها وده خلانى شوية تفاصيل مترتب عليها كلام مش بعرف علاقتها ايه بس عامة القصة توضح ان طبع الانسان التفكير فى ربه وحاله والمحاولة التصحيح مهما وصل ببن من ذنوب واخطاء وبغض النظر عن ديانته او معتقده


Abood Ngeb مينا جرجس قرائتي لتحليلك كانت بنفس متعت قرائتي للراوية...انت رائع


Abood Ngeb بس انت قلت ان في بعض الاحداث مش حقيقية وقمت بتعديلها ..ايه الدليل ان تعديلات هي الصحيحة؟؟


Mohamed  Rayyan عزازيل هو اسم الشيطان بالسريانية .. قال ذلك ابن عباس
شكراً ع العرض الوافي الشافي .. جزاك الله خيراً


message 20: by Qussai (new)

Qussai رائع


message 21: by Mahmoud (new) - added it

Mahmoud Lutfi كلام الاخ صحيح عزازيل اسم ابليس


Ahmed Faiq جميل هو تعليقك واختيار كلماتك ونقدك الشفافزالبناء الذي لم ينقص من القيمة العالية للرواية


message 23: by Reem (new) - rated it 5 stars

Reem فعلا تقييمك ممتع كما الروايه شكرا استاذ مينا


message 24: by Ahmed (new) - rated it 1 star

Ahmed Kashif رائعة


back to top