ŷ

إيمان عبد المنعم's Reviews > الأدب والارتياب

الأدب والارتياب by Abdelfattah Kilito
Rate this book
Clear rating

by
12708367
's review

it was amazing
Read 2 times. Last read July 3, 2019.

الأدب والارتياب:
الأدب والارتياب؟ كم يبدو هذا العنوان غريبا، ليس فقط لأنه لا علاقة ظاهرة في تصوراتنا بين الأدب والارتياب، بل كذلك لأننا في عصر تمتع فيه الأدب بانتشار واسع وبرزت فيه الكتابة كإمكانية متاحة لكل أحد عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وبالتالي كيف يمكن لعبد الفتاح كيليطو أن يقنعنا هنا بأن الكتابة _أي كتابة_ تحمل مخاطرة من نوع ما وأن العلاقة بين الكاتب والقاريء تحمل شيئا من الحذر الخفي والتربص الذي قد يصل إلى حد العداوة؟!!!
حسنا، إنها لعبة كيليطو الأثيرة ، حين يعود بنا إلى كتب التراث ويقرأها بطريقة مختلفة تماما عما يمكن تخيله من قراءات، وهو هنا يختار نماذج من كتب الجاحظ وألف ليلة وليلة وكليلة ودمنة وقصة حي بن يقظان ليبحث في كل منها عن شيء مريب :)
ولأن الكتاب على صغر حجمه ممتليء بالملاحظات البارعة شديدة الجدة ولأن المؤلف لا يلتزم موضوعه الرئيسي على طول الخط فقد آثرت أن أعرض هنا العشرة عناوين الرئيسية في الكتاب مع تعليقات مختصرة عليها:


***نموذج:
يستعرض المؤلف هنا كيف تحول العرب إلى التدوين وكيف انتقلوا من الثقافة الشفوية أساسا إلى ثقافة الكتابة والقراءة وكيف مثلت الكتابة حينئذ فعلا متوجها للخاصة من الناس دون العامة لما يحتمل من تأويلات وفتنة للنفس وللآخر، ويورد نماذج عديدة لكتب من نوعية "البيان والتبيين" و"كليلة ودمنة" و"الإمتاع والمؤانسة" تحمل مقدماتها أسبابا يبرر بها المؤلف إقدامه على تأليف هذا الكتاب وكأن أمر الكتابة في حد ذاته يحتاج إلى تبرير!!! ( قارن ذلك بنوعية الكتب التي صارت تتكون من منشورات متفرقة على فيسبوك دون سبب واضح إلا استغلال شهرة المؤلف)، هنا تبرز الكتابة كسلطة من نوع ما لابد أن يتحكم فيها الأقوى فيأمر بها أو يمنعها أو يظهرها أو يخفيها، كحرفة تحتاج إلى إجازة كي تقوم بها، وهنا تبرز العلاقة بين القاريء والكاتب كعلاقة تربص وحذر يحاول فيها المؤلف استرضاء القاريء وإثارة اهتمامه وإبطال كراهيته وكأن كل كاتب هو شهرزاد وكل قاريء هو شهريار.


***صورة البخيل بطلا:
لا يمكن فهم نص كهذا إلا بقراءته مباشرة لذلك سأكتفي بملاحظتين جذبتا انتباهي: الأولى متعلقة بصورة البخلاء التي حاول الجاحظ رسمها في كتابه "البخلاء" وكيف أنها لم تكن بالسوء المتوقع بل حملت نوعا من البطولة والعقلانية والزهد أحيانا حيث نقل الجاحظ حكايات يحكيها البخلاء يبررون بها بخلهم وحرصهم ليتفهم الناس مواقفهم، أما الملاحظة الثانية فهي متعلقة بما يسببه التحول الحضاري من تحول ثقافي بالضرورة، فتحول الحياة العربية من البادية إلى الحواضر الكبرى حول ثقافتهم من الشعر الذي يحتفي بمظاهر الشجاعة والسخاء المبالغ فيها (ثقافة البوتلاتش) إلى ثقافة النثر المؤسس على العقل والاستدلال والمبني على الحجة والبرهان.


***الرقيب:
نحن هنا على موعد مع كتاب "طوق الحمامة" لابن حزم لنستعرض مع المؤلف فكرة الرقابة على المكتوب بدءا من الرقابة الذاتية للمؤلف على نفسه وما يكتبه حيث يكرر ابن حزم أنه أعرض عن ذكر كثير من أسرار الحب التي يعلمها في كتابه بل ويذكر أن البعض أنكر عليه ما نقله في الكتاب ولذلك يقسم أنه لم يقدم على فعل حرام قط ويستغفر الله مما يكتبه الملكان ويحصيه الرقيبان وكأن فعل الكتابة كالحب لابد أن ينطوي على رغبة في الكتمان وشعور بالذنب.



***الدر:
عبر قصة المعتمد بن عباد ملك إشبيلية الذي ضاع ملكه ونفي إلى أغمات فقيرا شريدا يروي لنا المؤلف نظرة الشعراء والكتاب إلى الدهر وصروفه وكيف تكمن المفارقة في أن خلود قصة المعتمد وأشعاره راجع بالأساس إلى ذله ذلك وفقره بعد عز وغنى وجاه وكأن أحوال الدهر التي انقلبت عليه هي نفسها التي كتبت له الخلود.


***العائد:
يورد المؤلف هنا قصصا عن الغائبين الذي يغادرون الأهل والبلاد ثم يعودون بعد ذلك وما أثر تلك العودة على أهلهم وما الأسباب التي دفعتهم أصلا إلى الرحيل؟ تعلقت فكرة الرحيل هنا بالزهد والتصوف وكانت مفعمة بالأسى واللوعة.


***في كل سنة كذبة:
وهو فصل شيق وخفيف الظل حيث يعود بنا كيليطو ثانية إلى كتابه المفضل "ألف ليلة وليلة"، ليحدثنا عن قصة كافور العبد الذي يخلق الأكاذيب في نفس الموعد من كل عام عند بداية الربيع، والعجيب أن كافور لا يخجل من أكاذيبه ولا يتراجع عنها بل يصر عليها حتى نهايتها وكأنها جزء من شخصيته لا ينفك عنه.

***الليالي كتاب ممل؟

يحكي كيليطو عن قصته مع "ألف ليلة وليلة" وكيف وجدها في صباه مملة وتافهة ولكنه غير رأيه حين أعاد قراءته بعد اطلاعه على الأدب الأوربي واكتشافه لاحتفائهم به واعتباره كنزا حقيقيا، ويستعرض المؤلف باختصار الأسباب التي جعلت الليالي في وضع أقل مما يستحقه في الأدب العربي قديما وكيف تغير ذلك الوضع حديثا حتى صار يعد من مفاخر العرب.


***الاغتراب:
هاهنا كلام عن الترجمة وهل تستطيع حقا نقل جوهر النص الأصلي وروحه أم يبقى ذلك عسيرا مهما بلغت جودتها، بينما في حالات نادرة تتسبب الترجمة في إعادة اكتشاف النص الأصلي كما حدث في حالة ألف ليلة وليلة حيث لم يعرف الأدب العربي قيمتها الحقيقية إلا بعد ترجمتها للغات الأجنبية واحتفائهم بها.

***يوم في حياة ابن رشد:
يخلق المؤلف علاقة غير مألوفة أبدا بين ابن رشد الفيلسوف وأرسطو وبين بورخيس حيث يحكي بورخيس قصة يحاول فيها ابن رشد قراءة أرسطو ليقع في فخ الترجمة ولا يستطيع تفسير كلمتي الكوميديا والتراجيديا إلا بالمديح والهجاء وكأنه يرد الأدب اليوناني إلى الأدب العربي وما ألفه من تقاليده وأساليبه.


***المتطفل حي بن يقظان:

كأنني ما قرأت قصة حي بن يقظان ولا عرفتها من قبل، القراءة المختلفة دائما لعبد الفتاح كيليطو تدهشني وتحبطني في وقت واحد :D
لكني أتعلم مرة بعد مرة كيف أقرأ القصص والروايات وأربط بين الأشياء وأخلق علاقات غير مألوفة بين شخصيات لم تعرف بعضها البعض أبدا إلا عبر أوراق الكتب وخيالات الكتاب.

وبعد،
فحتى هذه اللحظة لم يخيب "عبد الفتاح كيليطو" أملي في قراءة ممتعة ومثمرة تحفز العقل وتبهج الروح، وحتى هذه اللحظة أتعلم معه من جديد كيف أقرأ وأفهم ما أقرأ فهما عميقا متأملا، وحتى هذه اللحظة يدفعني كل مرة إلى رغبة قوية في إعادة قراءة ما قرأت من قبل دون تأمل،
إنه باختصار وكما يطلق عليه "أحمد شاكر"_فك الله أسره_ "بورخيسنا العربي" .
1 like · flag

Sign into ŷ to see if any of your friends have read الأدب والارتياب.
Sign In »

Reading Progress

Finished Reading
Started Reading
July 3, 2019 – Finished Reading
July 23, 2019 – Shelved

No comments have been added yet.