ŷ������

ما أحوج الأمة في عصرنا الحالي لهكذا علماء، هذا العصر الذي تصدر فيه وعاظ السلاطين وشيوخ الجمود الفتوى، يلوون أعناق النصوص حسب أهواء الحكام، وإن تورّعوا أفتوا بآراء واجتهادات السلف، دون مراعاة لتغيرات الزمان والمكان.

لكن الشيخ القرضاوي رحمه الله كان من القلة القليلة من العلماء الذين ففهوا الدين فقها يتميز بالاتزان والشمول والعمق، فَقِهَ واقع الحياة وواقع المسلمين واجتهد دون تهوين ولا تهويل، واتخذ منهج التيسير في الفتوى، والتبشير في الدعوة، وصدح بالحق ولم يتزلف، ونصح لله ولرسوله وللمسلمين بالرفق والحسنى. وفي هذا الكتاب وغيره تظهر تجليات هذا كله، تظهر سَعة علمه، ويتجلى فقهه لمقاصد الشريعة وعدم الجمود على ظواهرها.

في كتابه النافع الماتع هذا "في فقه الأولويات" حاول الشيخ القرضاوي رحمة الله عليه أن يُقوّم اختلال ميزان الأولويات في الأمة، وأن يظهر مدى احتياجنا لهذا الفقه، خصوصا في عصر تخلفنا وانحطاطنا، حيث تصدّر الدعوة شيوخ الجمود، واضطربت موازين المتدينين.

ويعني بفقه الأولويات: وضع كل شيء في مرتبته بالعدل، من الأحكام والأعمال والقيم، بناء على معايير شرعية صحيحة، فلا يُقدَّم المهم على الأهم، ولا المرجوح على الراجح، ولا المفضول على الفاضل، أو الأفضل. بل يُقدّم ما حقُّه التقديم، ويُؤخر ما حقه التأخير، ولا يُكبَّر الصغير، ولا يُهون الخطير، بل يوضع كل شيء فى موضعه بالقسطاس المستقيم، بلا طغيان ولا إخسار، دون الغفلة عن واقع الحياة وواقع المسلمين وتغير الزمان والمكان. كل هذا وفق ما يهدي إليه نور الوحي وما يهدي إليه نور العقل.