Helmi Chikaoui's Reviews > ذهب أزرق: الجزء الثاني
ذهب أزرق: الجزء الثاني
by
في المفكرة الثانية "ذهب أزرق" يبرز بشكل كبير إشمئزاز كامو من الأوهام الكبيرة حول أدوار المثقفين ( سارتر وجماعته المتعاطفين مع الشيوعية والمبررين لسياسة ستالين )
إذ لم يكن كامو يحلم بتغيير العالم وإنما بإعادة التفكير فيه، والمحافظة على تلك القيم القليلة التي تحفظ كرامة النوع البشري ويبقي على احترام الإنسان لنفسه. يقول: “ل� نستطيع بعد اليوم أن نحيا دونما قيم إيجابية. نحن ندين القيم البرجوازية لنفاقها وقساوتها. وندين كذلك الكلبية السياسية التي تسود الحركة الثورية. هذا الموقف سيجعله عرضة للسهام المصوّبة عليه من كل اتجاه.
ومنهما سهم سارتر ، حيث ساءت العلاقة بين الكاتبين بسبب اختلاف وجهتي نظريهما بخصوص ما كان يجري في الاتحاد السوفياتي
كان كامو فناناً وفيلسوفاً، أما سارتر فكان حبيس تصوُّر حزبي يساري، وهو ما رفضه كامو الذي اختار الفن على حساب السياسة، وحين ألقى خطابه الشهير بأكاديمية استوكهولم سنة 1957، اعترف صراحة بخيبة المثقفين، وقال جملته الشهيرة: ”نح� جيل غير قادر على إحداث التغيير�. إنها الفكرة التي يستحيل أن يقولها فيلسوف متعالٍ مثل سارتر، المؤمن بقدرة المثقف على تغيير العالم. كان موقف سارتر مناقضاً لما كافح من أجله، سارتر الوجودي، الذي قال بأن الإنسان مدانٌ بأن يكون حراً. كان أيضاً سارتر الماركسي الذي اعتقد أن التاريخ لا يسمح بمساحةٍ كبيرةٍ للحرية الحقيقية بالمعنى الوجودي. في حين أن العنف الشيوعي قد دفع كامو إلى مسارٍ مختلفٍ، وقد كتب في “الثائر�: “اختر� الحرية، حتى لو لم تتحقق العدالة فإن الحرية تحافظ على قوة الاحتجاج وتبقي التواصل ممكناً�.
هناك مبدأ واحد كان كامو متأكداً منه : التمرد هو فعل لانهائي مستمر بالضرورة ( أنا أتمرد إذاً أنا موجود)
مقتطفات من المفكرة
**
... أنت تنسب إلي طموح أن أبدو واقعيا. الواقعية كلمة فارغة من المعنى (مدام بوفاري والممسوسون روايتان واقعيتان ولا شيء مشتركا بينهما). وأنا لم أهتم بذلك كثيرا. وإذا كان لا بد من إعطاء شكل ما لطموحي، فسوف أحكي بالأحرى عن الرمز. وأنت قد شعرت به على كل حال. إلا أنك منحته معنى لا يملكه ونسبت إلي بشكل مجاني فلسفة سخيفة. وبالفعل، لا شيء في هذا الكتاب يسمح لك أن تؤكد أني مؤمن بالإنسان الطبيعي، أني أماثل بين كائن بشري ومخلوق نباتي، وأن الأخلاق غريبة على الطبيعة البشرية، إلخ، إلخ. فالشخصية الرئيسية لا تقوم بأي مبادرة. ألم تلاحظ أنها تكتفي دوما بالإجابة على الأسئلة، أسئلة الحياة وأسئلة الناس. وهي بالتالي لا تؤكد البتة شيئا. أنا لم أعط عنها إلا صورة سلبية. فلم يكن هناك ما يبرر حكمك المسبق على موقفها العميق، ما عدا الفصل الأخير بالضبط. إلا أنك «لا تأخذه بعين الاعتبار»..
**
منح الإنسان الحياة الجنسية لإبعاده ربما عن دربه الحقيقية. إنها أفيونه. ففيها ينام كل شيء. وخارجها تستعيد الأشياء حياتها. وفي الوقت نفسه، تنهي العفة الجنس البشري، وتلك هي الحقيقة ربما.
**
لقد وضعت الآلهة في الإنسان فضائل کبری متوهجة تؤهله الإخضاع كل شيء. بيد أنها في الوقت نفسه، وضعت فيه فضيلة أكثر مرارة تجعله يزدري بعد حين كل ما يمكن إخضاعه.
... التمتع دائما أمر مستحيل، والكلل يأتي لينهي - ممتاز . لكن، لماذا؟ في الواقع، نحن لا يمكننا التمتع دائما لأننا لا نستطيع التمتع بكل شيء. فنحن نشعر بالكلل من التفكير في عدد المتع التي لن نحصل عليها أبدا مهما فعلنا، بقدر ما يتعبنا إحصاء تلك التي حققناها. لو كنا نستطيع بلوغ كل شيء، بشكل فعلي، واقعي، فهل كنا نشعر بالكل؟
**
الآن، تخلص مما يتملكه وقد بات يدرك ما هو الثمن. شرط الامتلاك هو الجهل. حتى بالمفهوم الفيزيقي: نحن لا نمتلك جيدا إلا المجهول.
**
لا أستطيع العيش خارج الجمال. هذا ما يجعلني ضعيفا تجاه بعض الكائنات.
**
العبثية. لست أؤمن بوجود عالم آخر حيث علينا أن نحاسب. إذ لدينا في الأصل ما نحاسب عليه في هذا العالم .
**
السمعة. يهدبك إياها رديئون، فتتقاسمها مع رديئين أو مع أوغاد.
**
التواصل. إنه عائق للإنسان الذي لا يمكنه أن يعدو دائرة الكائنات التي يعرف. فما بعدها، تصبح فكرته عنها غامضة.
**
لم أنا فنان ولست فیلسوفا؟ ذلك أني أفكر بحسب الكلمات لا الأفكار.
**
لست مصنوعا للسياسة بما أنني عاجز عن ابتغاء موت الخصم أو تقبله.
**
ضد الأدب الملتزم. ليس الإنسان فقط الجانب الاجتماعي. فموته على الأقل يخصه. لقد صنعنا لكي نحيا ضد الآخرين. غير أننا لا نموت حقا إلا من أجل أنفسنا.
**
بأي حق يعيب علي شيوعي أو مسيحي تناول الأشكال المحترمة من الفكر الحديث وليس أن أكون متشائما؟ لست أنا من اخترع بؤس الكائن ولا الصيغ الرهيبة للعنة الإلهية. ولست أنا من قال إن الإنسان عاجز عن الخلاص وحده، وإنه لا يملك، في قعر وضاعته، أملا نهائيا إلا برحمة الإله. أما في ما خص التفاؤل الماركسي الشهير، فليسمح لي بالضحك. فقلة من الناس ذهبوا بانعدام الثقة حيال أشباههم أبعد من ذلك. لا يؤمن الماركسيون بالإقناع ولا بالحوار. من غير الممكن صنع عامل من برجوازي، والشروط الاقتصادية في عالمهم أقدار محتومة هي أكثر فظاعة من النزوات الإلهية.
سيقول لي الشيوعيون والمسيحيون ان تفاؤلهم أبعد مدى، إنه يتفوق على كل ما عداه، وإن الإله أو التاريخ، بحسب الظرف، هما الحصيلة المرضية لنظريتهم الجدلية. سأقوم بالتحليل نفسه. إذا كانت المسيحية متشائمة بخصوص الإنسان، فهي متفائلة بشان المصير البشري. الماركسية، وهي متشائمة في ما يتعلق بالمصير ومتشائمة بشأن الطبيعة البشرية، تصبح متفائلة بخصوص سیر التاريخ (يا لتناقضها!). أما أنا فأقول إني متشائم حيال الشرط الإنساني، متفائل فيما يخص الإنسان.
كيف لا يرون أنه لم تطلق قط من قبل صيحة مشابهة لصيحة الثقة بالإنسان تلك؟ إني أؤمن بالحوار وبالصدق، وبكونهما السبيل إلى ثورة نفسية لا تضاهى؛ إلخ؛ إلخ...
**
أفضل البشر الملتزمين على الآداب الملتزمة. شجاعة في الحياة وموهبة في الأعمال الأدبية، هذا مما لا بأس به. ثم إن الكاتب يكون ملتزما ساعة يشاء. جدارته هي حركته. فإن كان ينبغي أن يتحول الأمر قانونا، مهنة أو إرهابا، فأين بالضبط تكون الجدارة؟
يبدو أن كتابة قصيدة اليوم عن الربيع، هي بمثابة خدمة تسدي إلى الرأسمالية. لست شاعرا، لكني سأفرح دون أفكار مسبقة بعمل ادبي كهذا إذا ما كان جميلا. نحن نخدم الإنسان بكليته، أو لا نفعل البتة. وإذا ما كان الإنسان يحتاج الخبز والعدالة، وإذا ما كان ضروريا فعل كل ما يجب لسد هذه الحاجة، فإن الإنسان يحتاج أيضا الجمال الصافي الذي هو خبز قلبه. الباقي ليس جادا.
أجل، أتمناهم أن يكونوا أقل التزاما في أعمالهم، وأكثر التزاما بعض الشيء في حياتهم اليومية.
**
عندما يتم الاعتراف بنا كموهبة، يبدأ البؤس الحقيقي للمبدع ما عدت أملك الشجاعة لنشر كتبي .
**
لو تختصر الأشياء كلها فعلا بالإنسان وبالتاريخ، فإني أتساءل أين هو موقع: الطبيعة - الحب - الموسيقى - الفن.
**
إن معضلة الحياة الكبرى هي معرفة كيفية العبور بين البشر .
**
توجد مآخذ على كتبي لأنها لا تبرز الجانب السياسي. الترجمة: يريدونني أن أتناول حياة أحزاب. إنما أنا لا أتناول إلا حياة أفراد يواجهون آلة الدولة، لأني أعرف ما أقول.
**
ينبغي أن نلتقي بالحب قبل أن نلتقي بالأخلاق. وإلا، فالتمزق.
**
حاولت بكل قواي، وأنا المدرك لنقاط ضعفي، أن أكون رجلا أخلاقيا. الأخلاق تقتل.
**
الجحيم معاملة مميزة تخصص لأولئك الذين طلبوه جدا.
**
السمعة السيئة اسهل تحملا من السمعة الجيدة، فهذه الأخيرة ثقيلة يصعب جرها وينبغي الثبوت فيها، وكل ضعف هو بمثابة جريمة تحسب عليك. في حين يحسب لك الضعف في السمعة السيئة ويعفى عنه
**
تجنيد. يتجه معظم الأدباء الفاشلين إلى الشيوعية. فهي الموقع الوحيد الذي يتيح لهم أن يحاكموا الفنانين من عل. من وجهة النظر هذه، الشيوعية هي حزب الدعوات المحبطة. عملية تجنيد كبيرة، من دون شك.
**
لسنا نقول ربع ما نعرف. وإلا انهار كل شيء. القليل الذي نقوله، وها هم يزعقون.
**
«فليعاقب الإله الأتقياء الذين يدخلون في حزب ثوري لكي يحولوه إلى كنيسة، بدل الذهاب إلى الكنيسة».
الشيوعية، تعصب شكاك.
**
في غياب الحب ، من الممكن أن نحاول الحصول على الشرف. يا لتعاسة الشرف.
**
الجمال الذي يساعد على العيش، يساعد على الموت أيضا.
**
العظمة هي محاولة أن تكون عظيما. ولا شيء آخر
**
فقير وحر بالأحرى، بدلا من ثري ومستعبد. يريد الناس بالطبع أن يكونوا أثرياء وأحرارا، وهذا ما يقودهم لأن يكونوا أحيانا فقراء وعبيدا.
**
تبدا باريس بمساعدة العمل الأدبي بان تضعه في الصدارة. وبعد الاعتراف به، تبدأ المتعة. متعة تدميره. توجد هكذا في باريس، كما في بعض أنهار البرازيل، آلاف الأسماك الصغيرة المضطلعة بهذه المهمة. إنها أسماك صغيرة جدا لكنها لا تحصى، وراسها كله إذا أمكن القول، في أسنانها. فهي قادرة على تجريد إنسان من لحمه، بشكل كامل، في أقل من خمس دقائق، فلا تخلف وراءها إلا عظاما بيضاء. ترحل من ثم، تنام قليلا، وتعاود من جديد.
**
لقد عشت بإسراف من الجمال: الخبز الأزلي.
**
فولکنر. على السؤال: ما رأيك بالجيل الجديد من الكتاب، أجاب: لن يخلف شيئا ذا قيمة. إذ لم يعد لديه ما يقوله. لكي تكتب، عليك أن تكون قد زرعت في ذاتك الحقائق الكبرى الأولى ووجهت عملك نحو إحداها أو نحوها كلها مجتمعة. إن الذين لا يجيدون الكلام عن الفخر، عن الشرف والألم، هم كتاب دونما أهمية وأعمالهم ستموت معهم أو قبلهم. لقد صمد غوته وشكسبير في وجه كل شيء لأنهما كانا يؤمنان بالقلب الإنساني. وكذلك بلزاك وفلوبير أيضا. إنهم أزليون.
- ما هو سبب تلك العدمية التي اجتاحت الأدب؟
- الخوف. يوم يكف البشر عن الشعور بالخوف، سيكتبون من جدید تحقا فنية، أي أعمالا تدوم
**
إذا ما أعطينا الشخص عن نفسه صورة جيدة، بدلا من وضعه باستمرار في مواجهة عيوبه، فإننا نساعده بشكل أفضل. إذ يجاهد كل كائن بشري، بشكل طبيعي، كي يشابه أفضل صورة له.
**
العقل ليس في حالة اضطراب لأن المعرفة قلبت العالم. إنه في حالة اضطراب لأنه لا يجيد التعاطي مع هذا الانقلاب. فهو لم يعتد على هذه الفكرة.
**
نفهم «العود الأبدي» بشكل أفضل إذا ما تخيلناه تكرارا اللحظات الكبرى - كما لو كان كل شيء يهدف إلى إعادة إنتاج أو إلى ترداد أصداء لحظات الذروة في حياة البشرية. الرسامون البدائيون الإيطاليون أو إنجيل يوحنا، يحيون، يقلدون، ويعلقون إلى ما لا نهاية على «انتهى كل شيء» فوق الجبل المقدس. كل الهزائم فيها شيء من أثينا المشرعة الأبواب أمام الرومان البرابرة، وكل الانتصارات تذكر بمعركة ، إلخ، إلخ.
by

في المفكرة الثانية "ذهب أزرق" يبرز بشكل كبير إشمئزاز كامو من الأوهام الكبيرة حول أدوار المثقفين ( سارتر وجماعته المتعاطفين مع الشيوعية والمبررين لسياسة ستالين )
إذ لم يكن كامو يحلم بتغيير العالم وإنما بإعادة التفكير فيه، والمحافظة على تلك القيم القليلة التي تحفظ كرامة النوع البشري ويبقي على احترام الإنسان لنفسه. يقول: “ل� نستطيع بعد اليوم أن نحيا دونما قيم إيجابية. نحن ندين القيم البرجوازية لنفاقها وقساوتها. وندين كذلك الكلبية السياسية التي تسود الحركة الثورية. هذا الموقف سيجعله عرضة للسهام المصوّبة عليه من كل اتجاه.
ومنهما سهم سارتر ، حيث ساءت العلاقة بين الكاتبين بسبب اختلاف وجهتي نظريهما بخصوص ما كان يجري في الاتحاد السوفياتي
كان كامو فناناً وفيلسوفاً، أما سارتر فكان حبيس تصوُّر حزبي يساري، وهو ما رفضه كامو الذي اختار الفن على حساب السياسة، وحين ألقى خطابه الشهير بأكاديمية استوكهولم سنة 1957، اعترف صراحة بخيبة المثقفين، وقال جملته الشهيرة: ”نح� جيل غير قادر على إحداث التغيير�. إنها الفكرة التي يستحيل أن يقولها فيلسوف متعالٍ مثل سارتر، المؤمن بقدرة المثقف على تغيير العالم. كان موقف سارتر مناقضاً لما كافح من أجله، سارتر الوجودي، الذي قال بأن الإنسان مدانٌ بأن يكون حراً. كان أيضاً سارتر الماركسي الذي اعتقد أن التاريخ لا يسمح بمساحةٍ كبيرةٍ للحرية الحقيقية بالمعنى الوجودي. في حين أن العنف الشيوعي قد دفع كامو إلى مسارٍ مختلفٍ، وقد كتب في “الثائر�: “اختر� الحرية، حتى لو لم تتحقق العدالة فإن الحرية تحافظ على قوة الاحتجاج وتبقي التواصل ممكناً�.
هناك مبدأ واحد كان كامو متأكداً منه : التمرد هو فعل لانهائي مستمر بالضرورة ( أنا أتمرد إذاً أنا موجود)
مقتطفات من المفكرة
**
... أنت تنسب إلي طموح أن أبدو واقعيا. الواقعية كلمة فارغة من المعنى (مدام بوفاري والممسوسون روايتان واقعيتان ولا شيء مشتركا بينهما). وأنا لم أهتم بذلك كثيرا. وإذا كان لا بد من إعطاء شكل ما لطموحي، فسوف أحكي بالأحرى عن الرمز. وأنت قد شعرت به على كل حال. إلا أنك منحته معنى لا يملكه ونسبت إلي بشكل مجاني فلسفة سخيفة. وبالفعل، لا شيء في هذا الكتاب يسمح لك أن تؤكد أني مؤمن بالإنسان الطبيعي، أني أماثل بين كائن بشري ومخلوق نباتي، وأن الأخلاق غريبة على الطبيعة البشرية، إلخ، إلخ. فالشخصية الرئيسية لا تقوم بأي مبادرة. ألم تلاحظ أنها تكتفي دوما بالإجابة على الأسئلة، أسئلة الحياة وأسئلة الناس. وهي بالتالي لا تؤكد البتة شيئا. أنا لم أعط عنها إلا صورة سلبية. فلم يكن هناك ما يبرر حكمك المسبق على موقفها العميق، ما عدا الفصل الأخير بالضبط. إلا أنك «لا تأخذه بعين الاعتبار»..
**
منح الإنسان الحياة الجنسية لإبعاده ربما عن دربه الحقيقية. إنها أفيونه. ففيها ينام كل شيء. وخارجها تستعيد الأشياء حياتها. وفي الوقت نفسه، تنهي العفة الجنس البشري، وتلك هي الحقيقة ربما.
**
لقد وضعت الآلهة في الإنسان فضائل کبری متوهجة تؤهله الإخضاع كل شيء. بيد أنها في الوقت نفسه، وضعت فيه فضيلة أكثر مرارة تجعله يزدري بعد حين كل ما يمكن إخضاعه.
... التمتع دائما أمر مستحيل، والكلل يأتي لينهي - ممتاز . لكن، لماذا؟ في الواقع، نحن لا يمكننا التمتع دائما لأننا لا نستطيع التمتع بكل شيء. فنحن نشعر بالكلل من التفكير في عدد المتع التي لن نحصل عليها أبدا مهما فعلنا، بقدر ما يتعبنا إحصاء تلك التي حققناها. لو كنا نستطيع بلوغ كل شيء، بشكل فعلي، واقعي، فهل كنا نشعر بالكل؟
**
الآن، تخلص مما يتملكه وقد بات يدرك ما هو الثمن. شرط الامتلاك هو الجهل. حتى بالمفهوم الفيزيقي: نحن لا نمتلك جيدا إلا المجهول.
**
لا أستطيع العيش خارج الجمال. هذا ما يجعلني ضعيفا تجاه بعض الكائنات.
**
العبثية. لست أؤمن بوجود عالم آخر حيث علينا أن نحاسب. إذ لدينا في الأصل ما نحاسب عليه في هذا العالم .
**
السمعة. يهدبك إياها رديئون، فتتقاسمها مع رديئين أو مع أوغاد.
**
التواصل. إنه عائق للإنسان الذي لا يمكنه أن يعدو دائرة الكائنات التي يعرف. فما بعدها، تصبح فكرته عنها غامضة.
**
لم أنا فنان ولست فیلسوفا؟ ذلك أني أفكر بحسب الكلمات لا الأفكار.
**
لست مصنوعا للسياسة بما أنني عاجز عن ابتغاء موت الخصم أو تقبله.
**
ضد الأدب الملتزم. ليس الإنسان فقط الجانب الاجتماعي. فموته على الأقل يخصه. لقد صنعنا لكي نحيا ضد الآخرين. غير أننا لا نموت حقا إلا من أجل أنفسنا.
**
بأي حق يعيب علي شيوعي أو مسيحي تناول الأشكال المحترمة من الفكر الحديث وليس أن أكون متشائما؟ لست أنا من اخترع بؤس الكائن ولا الصيغ الرهيبة للعنة الإلهية. ولست أنا من قال إن الإنسان عاجز عن الخلاص وحده، وإنه لا يملك، في قعر وضاعته، أملا نهائيا إلا برحمة الإله. أما في ما خص التفاؤل الماركسي الشهير، فليسمح لي بالضحك. فقلة من الناس ذهبوا بانعدام الثقة حيال أشباههم أبعد من ذلك. لا يؤمن الماركسيون بالإقناع ولا بالحوار. من غير الممكن صنع عامل من برجوازي، والشروط الاقتصادية في عالمهم أقدار محتومة هي أكثر فظاعة من النزوات الإلهية.
سيقول لي الشيوعيون والمسيحيون ان تفاؤلهم أبعد مدى، إنه يتفوق على كل ما عداه، وإن الإله أو التاريخ، بحسب الظرف، هما الحصيلة المرضية لنظريتهم الجدلية. سأقوم بالتحليل نفسه. إذا كانت المسيحية متشائمة بخصوص الإنسان، فهي متفائلة بشان المصير البشري. الماركسية، وهي متشائمة في ما يتعلق بالمصير ومتشائمة بشأن الطبيعة البشرية، تصبح متفائلة بخصوص سیر التاريخ (يا لتناقضها!). أما أنا فأقول إني متشائم حيال الشرط الإنساني، متفائل فيما يخص الإنسان.
كيف لا يرون أنه لم تطلق قط من قبل صيحة مشابهة لصيحة الثقة بالإنسان تلك؟ إني أؤمن بالحوار وبالصدق، وبكونهما السبيل إلى ثورة نفسية لا تضاهى؛ إلخ؛ إلخ...
**
أفضل البشر الملتزمين على الآداب الملتزمة. شجاعة في الحياة وموهبة في الأعمال الأدبية، هذا مما لا بأس به. ثم إن الكاتب يكون ملتزما ساعة يشاء. جدارته هي حركته. فإن كان ينبغي أن يتحول الأمر قانونا، مهنة أو إرهابا، فأين بالضبط تكون الجدارة؟
يبدو أن كتابة قصيدة اليوم عن الربيع، هي بمثابة خدمة تسدي إلى الرأسمالية. لست شاعرا، لكني سأفرح دون أفكار مسبقة بعمل ادبي كهذا إذا ما كان جميلا. نحن نخدم الإنسان بكليته، أو لا نفعل البتة. وإذا ما كان الإنسان يحتاج الخبز والعدالة، وإذا ما كان ضروريا فعل كل ما يجب لسد هذه الحاجة، فإن الإنسان يحتاج أيضا الجمال الصافي الذي هو خبز قلبه. الباقي ليس جادا.
أجل، أتمناهم أن يكونوا أقل التزاما في أعمالهم، وأكثر التزاما بعض الشيء في حياتهم اليومية.
**
عندما يتم الاعتراف بنا كموهبة، يبدأ البؤس الحقيقي للمبدع ما عدت أملك الشجاعة لنشر كتبي .
**
لو تختصر الأشياء كلها فعلا بالإنسان وبالتاريخ، فإني أتساءل أين هو موقع: الطبيعة - الحب - الموسيقى - الفن.
**
إن معضلة الحياة الكبرى هي معرفة كيفية العبور بين البشر .
**
توجد مآخذ على كتبي لأنها لا تبرز الجانب السياسي. الترجمة: يريدونني أن أتناول حياة أحزاب. إنما أنا لا أتناول إلا حياة أفراد يواجهون آلة الدولة، لأني أعرف ما أقول.
**
ينبغي أن نلتقي بالحب قبل أن نلتقي بالأخلاق. وإلا، فالتمزق.
**
حاولت بكل قواي، وأنا المدرك لنقاط ضعفي، أن أكون رجلا أخلاقيا. الأخلاق تقتل.
**
الجحيم معاملة مميزة تخصص لأولئك الذين طلبوه جدا.
**
السمعة السيئة اسهل تحملا من السمعة الجيدة، فهذه الأخيرة ثقيلة يصعب جرها وينبغي الثبوت فيها، وكل ضعف هو بمثابة جريمة تحسب عليك. في حين يحسب لك الضعف في السمعة السيئة ويعفى عنه
**
تجنيد. يتجه معظم الأدباء الفاشلين إلى الشيوعية. فهي الموقع الوحيد الذي يتيح لهم أن يحاكموا الفنانين من عل. من وجهة النظر هذه، الشيوعية هي حزب الدعوات المحبطة. عملية تجنيد كبيرة، من دون شك.
**
لسنا نقول ربع ما نعرف. وإلا انهار كل شيء. القليل الذي نقوله، وها هم يزعقون.
**
«فليعاقب الإله الأتقياء الذين يدخلون في حزب ثوري لكي يحولوه إلى كنيسة، بدل الذهاب إلى الكنيسة».
الشيوعية، تعصب شكاك.
**
في غياب الحب ، من الممكن أن نحاول الحصول على الشرف. يا لتعاسة الشرف.
**
الجمال الذي يساعد على العيش، يساعد على الموت أيضا.
**
العظمة هي محاولة أن تكون عظيما. ولا شيء آخر
**
فقير وحر بالأحرى، بدلا من ثري ومستعبد. يريد الناس بالطبع أن يكونوا أثرياء وأحرارا، وهذا ما يقودهم لأن يكونوا أحيانا فقراء وعبيدا.
**
تبدا باريس بمساعدة العمل الأدبي بان تضعه في الصدارة. وبعد الاعتراف به، تبدأ المتعة. متعة تدميره. توجد هكذا في باريس، كما في بعض أنهار البرازيل، آلاف الأسماك الصغيرة المضطلعة بهذه المهمة. إنها أسماك صغيرة جدا لكنها لا تحصى، وراسها كله إذا أمكن القول، في أسنانها. فهي قادرة على تجريد إنسان من لحمه، بشكل كامل، في أقل من خمس دقائق، فلا تخلف وراءها إلا عظاما بيضاء. ترحل من ثم، تنام قليلا، وتعاود من جديد.
**
لقد عشت بإسراف من الجمال: الخبز الأزلي.
**
فولکنر. على السؤال: ما رأيك بالجيل الجديد من الكتاب، أجاب: لن يخلف شيئا ذا قيمة. إذ لم يعد لديه ما يقوله. لكي تكتب، عليك أن تكون قد زرعت في ذاتك الحقائق الكبرى الأولى ووجهت عملك نحو إحداها أو نحوها كلها مجتمعة. إن الذين لا يجيدون الكلام عن الفخر، عن الشرف والألم، هم كتاب دونما أهمية وأعمالهم ستموت معهم أو قبلهم. لقد صمد غوته وشكسبير في وجه كل شيء لأنهما كانا يؤمنان بالقلب الإنساني. وكذلك بلزاك وفلوبير أيضا. إنهم أزليون.
- ما هو سبب تلك العدمية التي اجتاحت الأدب؟
- الخوف. يوم يكف البشر عن الشعور بالخوف، سيكتبون من جدید تحقا فنية، أي أعمالا تدوم
**
إذا ما أعطينا الشخص عن نفسه صورة جيدة، بدلا من وضعه باستمرار في مواجهة عيوبه، فإننا نساعده بشكل أفضل. إذ يجاهد كل كائن بشري، بشكل طبيعي، كي يشابه أفضل صورة له.
**
العقل ليس في حالة اضطراب لأن المعرفة قلبت العالم. إنه في حالة اضطراب لأنه لا يجيد التعاطي مع هذا الانقلاب. فهو لم يعتد على هذه الفكرة.
**
نفهم «العود الأبدي» بشكل أفضل إذا ما تخيلناه تكرارا اللحظات الكبرى - كما لو كان كل شيء يهدف إلى إعادة إنتاج أو إلى ترداد أصداء لحظات الذروة في حياة البشرية. الرسامون البدائيون الإيطاليون أو إنجيل يوحنا، يحيون، يقلدون، ويعلقون إلى ما لا نهاية على «انتهى كل شيء» فوق الجبل المقدس. كل الهزائم فيها شيء من أثينا المشرعة الأبواب أمام الرومان البرابرة، وكل الانتصارات تذكر بمعركة ، إلخ، إلخ.
Sign into ŷ to see if any of your friends have read
ذهب أزرق.
Sign In »
Reading Progress
March 6, 2020
–
Started Reading
March 7, 2020
–
Finished Reading
March 29, 2020
– Shelved