ŷ������

كتاب جريء يطرق موضوعاً يتخوف منه كثير من مفكري الاسلام قديما وحديثا. مؤلف الكتاب انطلق من ادراكه لمشكلة جوهرية يعاني منها الفكر الديني اليوم. حيث تحول النص الديني من نص يتجه نحو الإنسان والى الاهتمام بشؤونه وسبل خلاصه إلى نص يتجه بكليته الى قائل النص؛ ويصبح الهدف بالتالي هو محاولة الوصول من خلال النص الى معرفة أزلية وثابتة، معرفة لها وجود متعالي سابق، دون الاعتبار لجزئية الواقع كطرف في تشكيل النص. وما دام الفكر الديني السائد (منذ الغزالي) هو امتداد للمدرسة الاشعرية التي تقول بأن فعل الانسان مرهون بإرادة إلهية مسبقة، وان كل ما حدث ويحدث هو حتمي وما على الإنسان الى "كسبه"، فإن قدم النص وازليته هي نتيجة منطقية لهذا التفكير، وبالتالي لا مجال للواقع في تشكيل النص حسب هذا التفسير.

النتيجة: نفي الإنسان وفعاليته ودوره كجزء من واقع جدلي في تشكيل النص تأثيرا فيه وتأثراً به.

لذلك نستطيع أن نثير بعض التساؤلات:
�� كيف يكون النص أزلياً اذا كانت اللغة التي وصل بها هي لغة بشرية لها عمر وزمن محدودين؟
�� كيف نفسر تفاعل النص مع الواقع من خلال ارتباط نزول بعض الايات بوقائع معينة إما موافقة لها او كنتيجة لحدوثها فيما يعرف بـ"أسباب النزول"؟
�� هل هناك علاقة بين الفاظ النص القرآني وطبيعة البيئة لشعب الجزيرة العربية حينها، مثل وصف الجنان والنعيم بأًوصاف تعكس وتعاكس الطبيعة البدوية القاسية والجافة؟ أليس هناك تأثير لهذه البيئة في تشكيل النص؟
�� ماذا عن الناسخ والمنسوخ؟ هل للواقع تاثير على تشكيل النص وتغييره وتطوره؟
�� ذات الامر ينطبق على تغير الشكل والاسلوب ومضمون الآيات في شكلها المكي والمدني.

كل هذه الاسئلة توكد حقيقة "مجاراة" النص للواقع.

* اطروحة الكتاب قائمة على فكرة التحليل التاريخي للنصوص اعتماداً على مبدأ الجدل التاريخي ومبدأ البناء الفوقي والتحدي كما هو معروف لدى مفكري الدياليكتيك �� فالمؤلف لا يكل جهدا من التذكير بهذه الحقيقة (او الفرضية) طول الكتاب.
* اعتمد نصر أبو زيد على نظرية هيرش في تحليل النصوص، والتي تفترض ان للنص بعدين: معنى meaning و مغزى significance. المعنى باختصار هو القصد الأصلي للمؤلف، وهذا لا سبيل للوصول ليقين حقيقي به وانما نحاول ان نقترب منه. والمغزى هو تجليات هذا النص وأثره على الواقع وتشكيله له. هذه النظرية تعطي للمعنى الاصلي للنص نوعاً من الثبات، وتفترض ان الطبيعة البشرية ثابتة، وبالتالي يبقى المعنى الاصلي ثابت ويصير بالامكان تأسيس معرفة بشرية مشتركة بالمعنى الحقيقي. اعتقد ان المؤلف لم يكن دقيقاً في تأويله لهذه النظرية وفي طريقة تطبيقه لها. ولم اتمكن من فهم مقصده الا بعد ان عدت للنظرية الاصلية كما نشرت في مطلع الستينات من القرن الماضي. وسبب تطبيقها برأيي، أن ابو زيد اراد ان يؤسس لفكرة أن النص يبقى مادة خام قابل للاستنطاق ولتوليد المعاني الجديدة على مر العصور. لا ادرى هل اطلع المؤلف على تطور هذه النظرية وتعديلها وتوسيع مفاهيمها منتصف الثمانيات.


هناك بعض الاجزاء المملة بعض الشيء. وهي التي تتعلق بذكر تفاصيل كثيرة "مدرسية" عن علوم القرآن ورأي اصحابها القدامى وتصنيفاتهم. كان يمكن أن تختصر. أيضاً، اعتمد نصر ابو زيد على كتابي الزركشي والسيوطي (في مناقشته لعلوم القرآن) بشكل مبالغ فيه. كان من الافضل توسيع دائرة المراجع في هذا الشأن. في نقده للغزالي، اتفقت مع المنطلق العام للمؤلف وللخلاصة التي وصل إليها. ولكني لم اعجب احيانا بالنتائج الجزئية التي كان يستخلصها الكاتب بعد ايراده لبعض نصوص الغزالي. كان يقع في تأويل او "مط" بعض تفسيرات الغزالي ليتناسب مع اطروحته التي هو بصدد اثباتها، دون اعتبار لسياقات الكلام او للظروف المحيطة بكتابة الغزالي لـ"إحيائه" وبقية كتبه. نظراً لكون الغزالي، كأي إنسان، وليد عصره.

عموماً، كتاب قيم ومركزي بالنسبة لفكر أبو زيد. خلاصتي هي اننا نحن بحاجة لمشاريع فكرية تتحلى بمثل هذه الشجاعة والصرامة العلمية بغض النظر عن النتائج التي توصلت إليها.