ŷ������

ثمة مسافة سنوات ضوئية عديدة بين ما يمارسه سيمور هيرش من عمل وبين أي شي آخر فوق هذا الكوكب يسمى صحافة.
هذا الرجل هو النموذج الأخير الباقي لماتعنيه الصحافة بمعناها الحقيقي المجرد، السلطة الرابعة الحقيقية التي تستقصي و تمحص و تحقق وتفضح الأكاذيب، أكاذيب رجال المال و السلطة و الجيش و أي جهة ذات نفوذ تحاول أن تضلل أو تزيف وعي الناس

الكتاب مليء بالقصص الأقرب إلى الخيال و الممتدة عبر عدة عقود منذ حرب فيتنام و فضيحة مذبحة مايلاي و حتى سجن أبو غريب واغتيال بن لادن
مروراً بعشرات القصص المثيرة عن عمليات المخابرات الأمريكية القذرة و خبايا البيت الأبيض و الكونجرس و البنتاجون و العداوات الشخصية الكثيرة التي جمعها ساي بعد كل تحقيق أو مقالة يكتبها
طبعاً قائمة العداوات تبدأ بالرئيس نيكسون و وزيره الأشهر هنري كسينجر ولا تنتهي بديك شيني و رامسفيلد و عشرات غيرهم من وزراء الدفاع و الخارجية و رؤساء المخابرات وطبعاً زملاء المهنة الألداء على الدوام.

لايمكنني الحديث بموضوعية عن كتاب كهذا و لا اجد الجرأة لاقتباس أي من قصصه الكثيرة والمثيرة لسبب بسيط هو أن أي اقتباس سيشعرني بالإساءة لتلك القصة والعمل البطولي وراءها و التفاصيل المثيرة التي تخللتها و التي تجبرك على احترام المجهود الكبير و من قبله القيم العميقة التي يحملها هذا الرجل بين جنبيه. يكفي فقط أن أشير لحادثة صغيرة تدلل على ما أقول، يحكي ساي أنه كان بصدد التحقيق عن فساد شركة من الشركات العملاقة و أحد كبار مساهميها وخلال تحقيقاته اكتشف أن هذا الشخص قد أخذ قرضاً بفائدة لاتذكر من الشركة بموافقة مجلس الإدارة مما يعد شبهة فساد، ولكنه تريث قبل النشر وأخذ يبحث عن أحداث مماثلة في مؤسسات وشركات أخرى ففوجئ بأن رئيسه في جريدة التايمز قد حصل على قرض مشابه من مجلس إدارة الجريدة، فما كان منه إلا أن انفعل ودخل عليه المكتب صائحاً لقد أفسدت تقريري بسبب جشعك وبسببك لن أستطيع نشر ما توصلت أليه و ألقى أمام رئيسه الأوراق التي حصل عليها فسأله رئيسه مندهشاً وهل كنت تحقق في خلفيتي المالية، فأجابه بنعم و خرج.
المدهش أن رئيسه و رغم تبريره لموقفه بأنه قانوني تماماً إلا أنه أرسل لسيمور هيرش بعد أسابيع مظروفاً سميكاً يحتوي على وثائق تبين أنه قد تخلى عن قرض الجريدة واستبدله بقرض آخر من بنك محلي
وكأنه يقول له بدون كلمات أن لاشيء يساوي نزاهة ونصاعة سمعة الصحفي الحقيقي.

ثمة ملاحظة جديرة بالانتباه وهي أن الكتاب مليء بالتفاصيل و الأسماء والتواريخ و المؤلف لا يجد حرجاً في إغراقك في تفاصيل وأسماء كثيرة لكل قصة يرويها، مما يشعرك بالضياع في بعض الأوقات مالم تكن حاضر الذهن وأنت تقرأ القصص المثيرة