Heba Gharabwy's Reviews > هزّ القحوف في شرح قصيد أبي شادوف
هزّ القحوف في شرح قصيد أبي شادوف
by
by

وهو كتاب طريف وساخر يتضمن طرائف وحكايات من الأدب المكشوف مكتوبة باللغة العامية ومؤلفه هو الشيخ يوسف بن محمد بن عبد الجواد بن خضر الشربيني الذي عاش حياته في القرن الحادي عشر للهجرة وهو ما يوافق القرن السابع عشر الميلادي وكانت مصر تحت الحكم العثماني والولاة عليها من الشركس والأتراك أو الأورام كما يسميهم الشيخ الشربيني الذي درس في الأزهر. وهز القحوف يصف الحياة الاجتماعية في ذلك الوقت ويعتبر شاهد عصر في هذا العهد حيث قدم صورة للقرية وحياة الفلاح في مصر ووصف عادات أهل القري ولباسهم وأفراحهم وأعراسهم والمعاملات التي تجري بينهم بطريقة فكاهية، والكتاب به العديد من الأشعار والأزجال والحكايات التي تؤكد سعة اطلاع مؤلفه وأنه كان «الألفة» بين أبناء جيله، وقد أورد الشربيني العديد من النوادر المكشوفة والفكاهات المبتذلة وذكر اسماء العورات مع كلمات غاية في الفحش لو اقتبسنا فقرة ونشرناها «لقامت الدنيا»! ورغم هذا فإن الكتاب يعد وثيقة مهمة في تاريخ هذا العهد وتاريخ مصر كلها إذا استثنينا منه ما يخدش الحياء. قال عنه الأستاذ أحمد أمين: «كتاب هز القحوف خصب جدا من الناحية الاجتماعية في العصر العثماني فهو يقدم لنا الفلاحين السذج ويقارن بين حياة المدن وحياة الريف وذوقهما في الملبس والمأكل والمشرب وهو معجم غير مرتب في بيان مصطلحات الفلاحين في ملبسهم وأنواع مأكولاتهم ومرافقهم ومواويلهم وكل ما يتصل بهم». وقال الدكتور شوقي ضيف: «إن كتاب هز القحوف قد ألم بالأنظمة الظالمة الي بهظت بالفلاحين واثقلتهم في هذا العصر وإن كان قد تضيق بعض الشيء في ذلك فقد توسع في وصف الحياة الاجتماعية في عصره». والكتاب يقع في جزأين الأول تحدث فيه الشيخ الشربيني عن أحوال الفلاحين وبيان ما هم فيه من جهل وفقر «وعلمهم الذي يشبه ماء النخال، وفقراؤهم الأجلاف، وأحوال الأوباش منهم، والأطراف وأخلاقهم الرذيلة وذوائبهم الهبيلة ونسائهم المزعجات وما لهم من الدواهي والبليات». وهذا الجزء سماه المؤلف «هز القحوف» أما الجزء الثاني فهو الخاص بشرح قصيدة «أبي شادوف» وهي شخصية ابتكرها المؤلف كنموذج لفلاح ذلك العهد الذي اثقلته مظالم الحكم العثماني وهو يشرح المعاني في كتابه بطريقة غاية في الفكاهة زاعما أنه يرجع دائما إلي «قاموسه الأزرق وناموسه الأبلق» لتفسير ما غمض من المعاني والكلمات. ضحك وخلاعة يتحدث المؤلف عن سبب في كتابة كتابه باللغة العامية وحشوه بالنكات الهزلية وحكايات الخلاعة والمجون وشيء يحاكي كلام «ابن سودون» (كان يعيش في القرن التاسع للهجرة وهو مولود بالقاهرة وكان الهزل منهجه في الحياة وله كتاب «نزهة النفوس ومضحك العبوس» وتوفي بدمشق عام 868 هجرية). يقول الشربيني: إن السامع يلتذ بكلام فيه الضحك والخلاعة ولا يميل إلي قول فيه البلاغة والبراعة لأن النفوس الآن، متشوقة إلي شيء يسليها من الهموم ويزيل عنها وارد الغموم وزماننا هذا لا يعيش فيه إلا من عنده طرف من التمسخر والخلاعة والرقاعة ولهذا قال الشاعر: مات من عاش بالفصاحة جوعا / وحظي من يقود أو يتمسخر. وقد تساق الأرزاق لمن لا يدرك الحظ في الأوراق ويحرم صاحب البلاغة ولا يجد من القوت بلاغة «صدقت والله يا عم الشيخ!». يقول الشيخ الشربيني في بداية الجزء الأول عن أهل الريف «ليس لهم انضباط وأحوالهم شياط وعياط ووردهم عند الأسحار التفكر في الغنم والأبقار وتسبيحهم في الظلام هات النبوت والحزام وحط العلف وهات الكلف» ووصف حفلة عرس من أعراسهم وروي فيها شعرا يقول: يا عروسة يا أم غالي/ انجلي ولا تبالي/ انجلي يا وجه بومة / زاعقة وسط الليالي/ وجههم بالنقش يشبه / وجه ضبعة في الرمال/ يا عريس قم خد عروستك / واطلع بها فوق العلالي/ وافرشوا القبة وناموا/ فوقها جنح الليالي. وفسر الشيخ الشربيني كلمة القحف بأنه شيء طويل يعمل من الصوف أو الشعر يلبس علي الرأس وليس له زي ولا هندام وسمي قحفا لقحافته ويبسه ولهذا يشبه به الرجل السيئ الخلق فيقال هذا قحف أي سيئ الطباع ويقول الشاعر: إن اللطافة لم تزل بين الأكابر فاشية فهل رأيتم في الوري قحفا رقيق الحاشية ثم تعرض لغرابة أسماء الفلاحين وكناهم وذكر العديد من الأسماء التي لها وقع مضحك علي القارئين والسامعين. ويتوسع الشيخ الشربيني في وصف طعام الفلاحين وقسم الأطعمة بالشبه إليهم إلي قسمين: قسم يتشهاه أبوشادوف ويميل إليه وقسم يشكو منه ومن الطعام الذي يكرهه «الكشك». وما هدني من بعد هاده وهاده سوي الكشك لما يغرفوه غريف والرجل له صولات وجولات في هذا الجزء الذي يتحدث فيه عن الطعام والأكلات. فقهاء جهلاء وتندر الشيخ علي فقهاء أهل الريف ووصفهم بالجهل الشديد في ذلك العصر ومن ذلك أن رجلا من الأعيان سعي إلي قاضي القضاة بمصر كي يعين فقيها منهم ببعض المحاكم فلما حضر عنده سأله: هل تحفظ القرآن؟ قال: نعم، أيد الله مولانا القاضي، وعندي نسخة بخط المؤلف!! فتحقق القاضي من جهله وطرده، وأيضا دخل فقيه منهم علي الشيخ الحميدي شيخ القراء في عصره، فقال: هل عندك مختصر القرآن؟ فقال له: اجلس. ثم تصادف أن شخصا دخل عنده وطلب منه «مختصر مسلم» المعروف في الحديث النبوي، فلما قال له: أريد مختصر مسلم هل هو عندك؟ قال له: نعم خذ هذا. وأشار إلي فقيه الريف وطبعا المعني واضح، ولما سئل الفقيه لماذا يريد هذا المختصر قال: لأن الأولاد يحفظونه بسرعة أكثر من القرآن فهو طويل، وحينئذ ضحك منه الحاضرون. ويعرض الشيخ الشربيني بعد ذلك طرفا من خطبهم يوم الجمعة لا تكاد تمسك نفسك من الضحك عند قراءتها ومن هذه الخطب: «اعلموا يا أهل بلدنا أن عندكم قمح كتير وتبن وشعير وأنتم في خير من رب العالمين فأنتم تفيقوا لزرع الوسية وإلا صبحكم الكاشف بداهية وبلية وغدا تسرحوا للعونة والسخرة وفيقوا للغنم والبقر وافحتوا أبياركم وفيقوا لدوركم وجداركم وأكرموا الخطار بالعدس والبيصار تنجوا من عذاب النار علي إيش يا حبايب تهجرونا بلا سبب الله الله قولوا لا إله إلا الله من وحد الله ما خيبه الله آمين والحمد لله رب العالمين». كلمة فيقوا بمعني انتبهوا و«الكاشف» هو شخص كان يتولي شئون إقليم بأكمله «عمله يشبه عمل المحافظ الآن» وكان يأتي بعده شخص يسمي «الملتزم» وهو رجل يلتزم بزراعة قرية من القري وقد يزرع منها جانبا ويعطي الجانب الآخر للفلاحين بخراج معلوم والأرض التي كان يلتزم بها تسمي «الوسية» وهناك أيضا «المشد» و«محصل المال» وهؤلاء جميعا كانوا أعداء الفلاحين. وقال صاحب «هز القحوف»: إن الوجبة سُميت كذلك لكونها سارت في حكم الأمر الواجب علي الفلاحين تجاه «الملتزمين» ولابد من فعلها لـ«المسند» بالقرية أو «محصل المال» أو «الملتزم» إذا حضر وإذا أسقطها بعض الملتزمين جعل مقابلها شيئا معلوما من الدراهم وإضافته إلي المال ويلزمهم بدفعه إلي المشد بالقرية. وذكر الشيخ الشربيني خطبة من تأليفه بناها علي ذكر المأكولات التي كان يحرم منها الشعب المصري في هذا العصر يقول فيها: «الحمد لله مزيل الحزن ومزين الأرز باللبن، أشهد أن اللحم الضاني سيد الأطعمة ومصلح للبدن، واعلموا أن القشطة لا تترك، وأن المهلبية أحسن وأبرك، فتهيأوا لأكلكم وشربكم، واعلموا أنكم غدا بين يدي الله موقوفون، وبأعمالكم محاسبون وعلي رب العزة تعرضون وسيعلم الذين جاعوا أي منقلب ينقلبون، اللهم وارض عن الأربعة الأعيان، الذين ذكرهم الله تعالي في القرآن: التين والزيتون والخوخ والرمان، وارض اللهم عن الستة الباقين من العشرة أطعمة المفتخرة: الماوردية والمهلبية، والشعرية بالزغاليل المربية والأرز المفلفل باللحم الضاني المحشي المحمر، والكنافة المتبلة بالسمن وعسل ونحل واللوز والسكر، والقطايف الغارقة في السمن والعسل والقرع المحشي باللحم والبصل، والبقلاوة الموصوفة، والخرفان المعلوفة واليخني السمين والقرمزية متعنا الله وإياكمبهم أجمعين. اللهم وأدم النصر والتأييد والثبات واجمع الشمل بعد الشتات ببقاء السلطان السكر النبات ابن القناني من أصله من القصب الملواني اللهم و أيده بأرماح القصب وبسبائط الرطب وبعناقيد العنب واجمعنا عليه من أول النهار وفي وسطه وآخره، وانصره وانصر عساكره في الدنيا ننتفع به يارب العالمين، اللهم وأهلك الثلاثة الفجار: العدس والبسلة والبيصار، عبدالله من أراد حلل القبول أن تفاض عليه، فليأكل الموز بالسكر بين والديه، وتفكهوا قبل الطعام، واقتدوا بسنة خير الآنام، ولا تتضاربوا ولا تتخابطواوكونوا عباد الله إخوانا إن الله يأمركم بأكل الحلال مما تشتهي العقول وينهاكم عن أكل الحرام ولو من طيب المأكول والبغلة ترفسكم لعلكم تنقلبون أو تتدقلجون». وقد دعا الشاعر الكبير الراحل طاهر أبو فاشا الأدباء والمحققين تخليص المحتوي الجيد لهذا الكتاب من الشوائب وتقديمه للناس وقد خطا هو بنفسه خطوة نحو ذلك وقدم عرضا وتحليلا شائقا للكتاب أصدرته الهيئة العامة للكتاب عام 1987 . لو عاش شيخنا الشربيني إلي عصرنا هذا لرأي الفلاح مازال مظلوما من الحكام، وإن اختلفت صور الظلم، لكنه سيجد الموبايل في يده والدش فوق سطح منزله ويأكل السجق واللانشون والبسطرمة والعيش الفينو ولا أدري هل كان هذا سيعجبه أم لا؟
Sign into ŷ to see if any of your friends have read
هزّ القحوف في شرح قصيد أبي شادوف.
Sign In »
Reading Progress
October 9, 2012
–
Started Reading
October 9, 2012
– Shelved
November 15, 2012
– Shelved as:
favorit-shelf
January 11, 2013
–
Finished Reading
Comments Showing 1-2 of 2 (2 new)
date
newest »

message 1:
by
Osama
(new)
-
added it
Jul 26, 2016 01:59AM

reply
|
flag