Hamouda Zaoui's Reviews > وليمة لأعشاب البحر: نشيد الموت
وليمة لأعشاب البحر: نشيد الموت
by
by

وليمة لأعشاب البحر و حرية الأديب !
بداية أقول إنني لم أقرأ رواية «وليمة لأعشاب البحر» التي أثارت ضجة كبيرة و تم نشرها ومُنع تداولها إلا من خلال تسريبها من فرنسا من طرف صديقي الكاتب دايلي حمزة وكأنها تحمل وباء تخاف السلطات العربية من انتشاره، الرواية قبل أن أقرأها قرأت و سمعت عنها الكثير، أثارت زوبعة و لغط إعلامي كبير قلما تثيره الأعمال الأدبية العربية، آخر ما سمعته عن الرواية كان خطبة للشيخ القرضاوي الذي وصف حيدر حيدر بالكافر وعدو الله، وكذلك مقال للمفكر الإسلامي محمّد عباس الذي عنون مقاله الأوّل ضد الرواية بعنوان "من يبايعني على الموت"، قال في أحد الحوارات الصحافية التي ضمنها في كتيّبه المذكور أنّ "حيدر حيدر إختار الطريق إلى جهنّم ومشكلتنا ليست معه بل مع من يسمحون بنشر الكفر" وفق تعبيره، وهذا ما أثار فضولي أكثر من أجل قراءة الرواية، وقبل قراءتي للرواية جال بخاطري عديد الأسئلة: لماذا شنت تلك الحملة الشرسة على الرواية وعلى صاحبها؟ هل الكاتب تجاوز الخطوط الحمراء كما ترسمها بعض السلطات العربية؟ هل للأدب حدود أيديولوحية ينبغي على المبدع عدم تجاوزها؟
عند بدايتي في قراءة الرواية تراكمت أسئلة جديدة وربما أهم من السابقة ومنها: لماذا تجهض الثورات العربية دائما؟ ذكرتني أحداث الرواية بكتاب أسئلة الثورة للمفكر السعودي سلمان العودة الذي يقبع خلف القضبان بسبب آراءه المختلفة وجرأته في الطرح، سلمان الذي أكد في كتابه أن مرحلة مابعد الثورة أهم من الثورة وأن الثورات العربية كتب لها الإخفاق بسبب تدني مستوى الوعي الجمعي وعدم رسم خارطة تحدد الخيارات الكبرى لما بعد الثورة، ضاربا المثال بالثورة المصرية والليبية و اليمنية.
أعود إلى رواية حيدر حيدر "وليمة لأعشاب البحر" التي تعرضت لأمواج عاتية من النقد وجدل واسع بدأ باتهامه باستخدامه جملًا غير مألوفة، اعتبرها علماء مسلمون وبخاصة علماء الأزهر تطاولًا على الذات الإلهية ورسوله صلى الله عليه وسلم، وانتهت بمنع نشرها في دول عربية، أتى في الرواية: «الله قال انكحوا ما طاب لكم، رسولنا المعظم كان مثالنا جميعًا ونحن على سنته، لقد تزوج أكثر من 20 امرأة بين شرعية وخليلة ومتعة.. وكان صلوات الله عليه وسلم يقول: تناسلوا تناسلوا فإنى مفاخر بكم الأمم، استبد الغضب بالحاج: الرسول تزوج حسب الشريعة، أما أنتم فتريدونها شيوعية»، بسبب ما بين الأقواس وضع الكاتب السورى نفسه في موضع الاتهام والشبهة، ومن أبرز الانتقادات التي وجهت للرواية من طرف المتدينين كذلك أنه ادعى على القرآن ما ليس فيه، حين قال «حيدر» ساخرًا من القرآن: «والله تعالى قال في كتابه العزيز فإذا ابتليتم بالمعاصى فاستتروا، وصرخ مهدي-شخصية من شخصيات الرواية- ضاحكًا: يا عمى الحاج رغبنا في الاستتار فإذا بمخابرات ربى تقرع علينا الأبواب الموصدة»، حسبما جاء بالرواية جرأة «حيدر» على الذات الإلهية، وفقًا لمنتقديه، امتدت للهجوم على ما كتبه: «إن رب هذه الأرض كان يزحف وهو يتسلل من عصور الرمل والشمس ببطء السلحفاة»، بالإضافة إلى «قول أحد أبطال روايته: (هو من صنع ربي)، ليرد عليه آخر: لابد أن ربك فنان فاشل إذًا»
وكان حيدر حيدر رد على الهجمة الرعناء ضد الرواية والتحريض الذي تعرض له، قائلًا: " نحن نعرف ديننا وتراثنا، نعرف إسلامنا وتاريخنا، ولسنا بحاجة إلى فقهاء ومتعصبين ودعاة ويرشدوننا إلى الصراط، لكننا نعرف في الآن ذاته مواطن الخلل والتأويل الجاهلي، وكهوف الظلام التي يستودع فيها الإسلام السياسي المغلق والاحتكاري لفئة تتاجر بالإسلام وترشق التهم لمن لا ينتمي لقبيلتها العصبية، وأكد في عديد المقابلات التلفزيونية أن أن رواية " وليمة لأعشاب البحر" كتبت بهاجس واضح، هو الحرية وإعلاء شأن الإنسان العربي بثقافته وتراثه وحضوره في العالم الواسع، ولم تكن دعوة إلى التطاول على الدين والمس به، قال ذات حوار: "وليمة لأعشاب البحر تعلمنا أن نكتب ونفكر خارج القوالب السابقة وخارج النمط السائد، هي الكتاب الذي يعلمنا أن ليس للأدب حدود"
"وليمة لأعشاب البحر" هي الرواية الجزائرية التي كتبت من كاتب غير جزائري؛ صدرت عام 1983 في سوريا، تدور أحداثها حول مناضل شيوعي عراقي هرب إلى الجزائر، ليلتقي بمناضلة قديمة من زمن الثورة الجزائريّة وشاهدة على تحولاتها ومآلاتها، الرواية التي يتفق معظم النقاد على جودتها الأدبية الفائقة، لم تثر الجدل من نواحي نقديّة أو فنيّة، بل أثارت موجات عالية من ردود الأفعال على خلفية حملة التكفير التي طالتها وطالت صاحبها في مصر في العام 2000، أتسائل كقارىء وباحث لماذا منعت؟ و لماذا انتظر الشيخ القرضاوي حتى سنة 2000 ليعلق على الرواية بعد سبعة عشرة سنة من اصدارها؟
الرواية بحجم نقدها للدين إلا أنها رواية تسرد حلم شيوعي لم يتحق، ضاع في العراق ثم الجزائر؛ نجح حيدر حيدر في المقاربة بين الحركة الثورية العراقية للحزب الشيوعي وما آل إليه العراق بعد انتفاضة الأهوار وتغلّب القوميين وذلك بعد عام 1963 وكارثة الأهوار عام 1968,من خلال شخصيتين رئيستين هما مهدي جواد ومهيار الباهلي, وبين ما آلت إليه الجزائر بعد نهاية حرب الاستقلال الجزائرية (ثورة المليون شهيد) وانقلاب بومدين على بن بلة وما حدث من شتات لروح الكفاح الوطني الجزائري من خلال شخصيتين رئيستين هما آسيا الأخضر وفلة بوعناب، كما تطرح العديد من القضايا الفرعية كحرية المرأة والتدين الظاهري والتعصب والعلاقة بين العرب والغرب ونظرة كل منهما للآخر، الرواية مزيج من الفلسفة والسياسة والسوريالية والدين والواقعية والتاريخ والأدب والجنس والعبثية والتيه والضياع، وكل هذا جاء بقالب سردي بلاغي مدهش وعميق، لا يعكر صفوه سوى السرد والقص الطويل والأحداث المتشابكة المتشعبة ما يشعرنا بالملل أحيانًا، ويرسم حيدر حيدر شخصيات روايته بواقعية وباستخدام لغة الحوار( المونولوج) مناسبة لكل منها، ومختلفة فيما بينها. وهذه اللغة تعكس وتجسد شخصية الراوي وخلفيته الفكرية والدينية والعقيدية والثقافية والاجتماعية، ويوظف حيدر اللهجة العراقية والجزائرية كثيرًا في الحوار، وكان موفقًا جدًا باستخدام وتوظيف الكلمات العامية المتداولة في الشارعين العراقي والجزائري، ما أضاف للرواية بعدًا واقعيًا محببًا، أتت لغة الرواية جزلة متينة متماسكة فصيحة ورشيقة حد الابهار والدهشة.
في الأخير لا يمكن أن ننكر أن الرواية تحوي الكثير من الشتائم الدينية والكلام البذيء، لكن زيارة صغيرة إلى شوارع سوق من أسواق أي بلد عربي ستكون كفيلة بإدراكنا أن هذه الشتائم وحتى الأفكار منتشرة للغاية في مجتمعاتنا وتصنع يومياتنا، و أرى أن رواية "وليمة لأعشاب البحر" كتبت بهاجس واضح، هو الحرية وإعلاء شأن الإنسان العربي بثقافته وتراثه وحضوره في العالم الواسع، ولم تكن دعوة إلى التطاول على الدين والمس به، وتأكدت أن سبب محاربتها سوى أن من حاربها كان هدفه أن لا يصل محتواها العبثي الصادم الموجع للقارئ العربي، خوفا من أن يفيق من غيبوبته. بينما كانت الحجة المقنعة التي لا يمكن مناقشتها هي تعديها على الأديان والذات الإلهية، وربما كان هذا رأي من قد يقرأ الرواية بسطحية دون الغوص والابحار فيها.
أعجبت جدا بتعليق الناقد الفذ جابر عصفور الذي قال: ''إن رواية "وليمة لأعشاب البحر" من أفضل الروايات العربية المعاصرة على الإطلاق ومن يتهمونها بالكفر هم مجموعة من جماعات الضغط السياسى الذين يتقنعون تحت أقنعة دينية ويتولون إرهاب المثقفين والمبدعين ويحاربون كل من يدافع عن الدولة المدنية، وهؤلاء لهم طريقة مغلوطة فى قراءة الأعمال الأدبية وفى رؤية الأعمال الفنية، وهم يقرأون الأعمال الأدبية على طريقة (لا تقربوا الصلاة) أى أنهم يقتطعون الجمل والعبارات من سياقها ويوظفونها وفقا لما يخدم مصالحهم، وكل هذه الحملة الظالمة استندت الى ما لا يزيد عن خمسة جمل فقط مقتطعة من 387 صفحة وهؤلاء ينبغى أن يخجلوا من أنفسهم فهم يريدون مصادرة رواية من أجمل الروايات العربية لم تصادرها أى دولة عربية من قبل.
روايةٌ أقل ما يقال عنها أنها ملحمة ساحرة قل مثيلها في أيام الأدب الرخيص الاستهلاكي الذي كاد ينسينا كيف يكون الأدب رسالة تعكس آلام الشعوب ورغباتها، هي رواية وصف الاستلاب والغبن التاريخي المزمن الذي صار دمغة خاصة بالشعوب العربية المهزومة من الخارج والداخل...
5/5
زاوي حمودة
بداية أقول إنني لم أقرأ رواية «وليمة لأعشاب البحر» التي أثارت ضجة كبيرة و تم نشرها ومُنع تداولها إلا من خلال تسريبها من فرنسا من طرف صديقي الكاتب دايلي حمزة وكأنها تحمل وباء تخاف السلطات العربية من انتشاره، الرواية قبل أن أقرأها قرأت و سمعت عنها الكثير، أثارت زوبعة و لغط إعلامي كبير قلما تثيره الأعمال الأدبية العربية، آخر ما سمعته عن الرواية كان خطبة للشيخ القرضاوي الذي وصف حيدر حيدر بالكافر وعدو الله، وكذلك مقال للمفكر الإسلامي محمّد عباس الذي عنون مقاله الأوّل ضد الرواية بعنوان "من يبايعني على الموت"، قال في أحد الحوارات الصحافية التي ضمنها في كتيّبه المذكور أنّ "حيدر حيدر إختار الطريق إلى جهنّم ومشكلتنا ليست معه بل مع من يسمحون بنشر الكفر" وفق تعبيره، وهذا ما أثار فضولي أكثر من أجل قراءة الرواية، وقبل قراءتي للرواية جال بخاطري عديد الأسئلة: لماذا شنت تلك الحملة الشرسة على الرواية وعلى صاحبها؟ هل الكاتب تجاوز الخطوط الحمراء كما ترسمها بعض السلطات العربية؟ هل للأدب حدود أيديولوحية ينبغي على المبدع عدم تجاوزها؟
عند بدايتي في قراءة الرواية تراكمت أسئلة جديدة وربما أهم من السابقة ومنها: لماذا تجهض الثورات العربية دائما؟ ذكرتني أحداث الرواية بكتاب أسئلة الثورة للمفكر السعودي سلمان العودة الذي يقبع خلف القضبان بسبب آراءه المختلفة وجرأته في الطرح، سلمان الذي أكد في كتابه أن مرحلة مابعد الثورة أهم من الثورة وأن الثورات العربية كتب لها الإخفاق بسبب تدني مستوى الوعي الجمعي وعدم رسم خارطة تحدد الخيارات الكبرى لما بعد الثورة، ضاربا المثال بالثورة المصرية والليبية و اليمنية.
أعود إلى رواية حيدر حيدر "وليمة لأعشاب البحر" التي تعرضت لأمواج عاتية من النقد وجدل واسع بدأ باتهامه باستخدامه جملًا غير مألوفة، اعتبرها علماء مسلمون وبخاصة علماء الأزهر تطاولًا على الذات الإلهية ورسوله صلى الله عليه وسلم، وانتهت بمنع نشرها في دول عربية، أتى في الرواية: «الله قال انكحوا ما طاب لكم، رسولنا المعظم كان مثالنا جميعًا ونحن على سنته، لقد تزوج أكثر من 20 امرأة بين شرعية وخليلة ومتعة.. وكان صلوات الله عليه وسلم يقول: تناسلوا تناسلوا فإنى مفاخر بكم الأمم، استبد الغضب بالحاج: الرسول تزوج حسب الشريعة، أما أنتم فتريدونها شيوعية»، بسبب ما بين الأقواس وضع الكاتب السورى نفسه في موضع الاتهام والشبهة، ومن أبرز الانتقادات التي وجهت للرواية من طرف المتدينين كذلك أنه ادعى على القرآن ما ليس فيه، حين قال «حيدر» ساخرًا من القرآن: «والله تعالى قال في كتابه العزيز فإذا ابتليتم بالمعاصى فاستتروا، وصرخ مهدي-شخصية من شخصيات الرواية- ضاحكًا: يا عمى الحاج رغبنا في الاستتار فإذا بمخابرات ربى تقرع علينا الأبواب الموصدة»، حسبما جاء بالرواية جرأة «حيدر» على الذات الإلهية، وفقًا لمنتقديه، امتدت للهجوم على ما كتبه: «إن رب هذه الأرض كان يزحف وهو يتسلل من عصور الرمل والشمس ببطء السلحفاة»، بالإضافة إلى «قول أحد أبطال روايته: (هو من صنع ربي)، ليرد عليه آخر: لابد أن ربك فنان فاشل إذًا»
وكان حيدر حيدر رد على الهجمة الرعناء ضد الرواية والتحريض الذي تعرض له، قائلًا: " نحن نعرف ديننا وتراثنا، نعرف إسلامنا وتاريخنا، ولسنا بحاجة إلى فقهاء ومتعصبين ودعاة ويرشدوننا إلى الصراط، لكننا نعرف في الآن ذاته مواطن الخلل والتأويل الجاهلي، وكهوف الظلام التي يستودع فيها الإسلام السياسي المغلق والاحتكاري لفئة تتاجر بالإسلام وترشق التهم لمن لا ينتمي لقبيلتها العصبية، وأكد في عديد المقابلات التلفزيونية أن أن رواية " وليمة لأعشاب البحر" كتبت بهاجس واضح، هو الحرية وإعلاء شأن الإنسان العربي بثقافته وتراثه وحضوره في العالم الواسع، ولم تكن دعوة إلى التطاول على الدين والمس به، قال ذات حوار: "وليمة لأعشاب البحر تعلمنا أن نكتب ونفكر خارج القوالب السابقة وخارج النمط السائد، هي الكتاب الذي يعلمنا أن ليس للأدب حدود"
"وليمة لأعشاب البحر" هي الرواية الجزائرية التي كتبت من كاتب غير جزائري؛ صدرت عام 1983 في سوريا، تدور أحداثها حول مناضل شيوعي عراقي هرب إلى الجزائر، ليلتقي بمناضلة قديمة من زمن الثورة الجزائريّة وشاهدة على تحولاتها ومآلاتها، الرواية التي يتفق معظم النقاد على جودتها الأدبية الفائقة، لم تثر الجدل من نواحي نقديّة أو فنيّة، بل أثارت موجات عالية من ردود الأفعال على خلفية حملة التكفير التي طالتها وطالت صاحبها في مصر في العام 2000، أتسائل كقارىء وباحث لماذا منعت؟ و لماذا انتظر الشيخ القرضاوي حتى سنة 2000 ليعلق على الرواية بعد سبعة عشرة سنة من اصدارها؟
الرواية بحجم نقدها للدين إلا أنها رواية تسرد حلم شيوعي لم يتحق، ضاع في العراق ثم الجزائر؛ نجح حيدر حيدر في المقاربة بين الحركة الثورية العراقية للحزب الشيوعي وما آل إليه العراق بعد انتفاضة الأهوار وتغلّب القوميين وذلك بعد عام 1963 وكارثة الأهوار عام 1968,من خلال شخصيتين رئيستين هما مهدي جواد ومهيار الباهلي, وبين ما آلت إليه الجزائر بعد نهاية حرب الاستقلال الجزائرية (ثورة المليون شهيد) وانقلاب بومدين على بن بلة وما حدث من شتات لروح الكفاح الوطني الجزائري من خلال شخصيتين رئيستين هما آسيا الأخضر وفلة بوعناب، كما تطرح العديد من القضايا الفرعية كحرية المرأة والتدين الظاهري والتعصب والعلاقة بين العرب والغرب ونظرة كل منهما للآخر، الرواية مزيج من الفلسفة والسياسة والسوريالية والدين والواقعية والتاريخ والأدب والجنس والعبثية والتيه والضياع، وكل هذا جاء بقالب سردي بلاغي مدهش وعميق، لا يعكر صفوه سوى السرد والقص الطويل والأحداث المتشابكة المتشعبة ما يشعرنا بالملل أحيانًا، ويرسم حيدر حيدر شخصيات روايته بواقعية وباستخدام لغة الحوار( المونولوج) مناسبة لكل منها، ومختلفة فيما بينها. وهذه اللغة تعكس وتجسد شخصية الراوي وخلفيته الفكرية والدينية والعقيدية والثقافية والاجتماعية، ويوظف حيدر اللهجة العراقية والجزائرية كثيرًا في الحوار، وكان موفقًا جدًا باستخدام وتوظيف الكلمات العامية المتداولة في الشارعين العراقي والجزائري، ما أضاف للرواية بعدًا واقعيًا محببًا، أتت لغة الرواية جزلة متينة متماسكة فصيحة ورشيقة حد الابهار والدهشة.
في الأخير لا يمكن أن ننكر أن الرواية تحوي الكثير من الشتائم الدينية والكلام البذيء، لكن زيارة صغيرة إلى شوارع سوق من أسواق أي بلد عربي ستكون كفيلة بإدراكنا أن هذه الشتائم وحتى الأفكار منتشرة للغاية في مجتمعاتنا وتصنع يومياتنا، و أرى أن رواية "وليمة لأعشاب البحر" كتبت بهاجس واضح، هو الحرية وإعلاء شأن الإنسان العربي بثقافته وتراثه وحضوره في العالم الواسع، ولم تكن دعوة إلى التطاول على الدين والمس به، وتأكدت أن سبب محاربتها سوى أن من حاربها كان هدفه أن لا يصل محتواها العبثي الصادم الموجع للقارئ العربي، خوفا من أن يفيق من غيبوبته. بينما كانت الحجة المقنعة التي لا يمكن مناقشتها هي تعديها على الأديان والذات الإلهية، وربما كان هذا رأي من قد يقرأ الرواية بسطحية دون الغوص والابحار فيها.
أعجبت جدا بتعليق الناقد الفذ جابر عصفور الذي قال: ''إن رواية "وليمة لأعشاب البحر" من أفضل الروايات العربية المعاصرة على الإطلاق ومن يتهمونها بالكفر هم مجموعة من جماعات الضغط السياسى الذين يتقنعون تحت أقنعة دينية ويتولون إرهاب المثقفين والمبدعين ويحاربون كل من يدافع عن الدولة المدنية، وهؤلاء لهم طريقة مغلوطة فى قراءة الأعمال الأدبية وفى رؤية الأعمال الفنية، وهم يقرأون الأعمال الأدبية على طريقة (لا تقربوا الصلاة) أى أنهم يقتطعون الجمل والعبارات من سياقها ويوظفونها وفقا لما يخدم مصالحهم، وكل هذه الحملة الظالمة استندت الى ما لا يزيد عن خمسة جمل فقط مقتطعة من 387 صفحة وهؤلاء ينبغى أن يخجلوا من أنفسهم فهم يريدون مصادرة رواية من أجمل الروايات العربية لم تصادرها أى دولة عربية من قبل.
روايةٌ أقل ما يقال عنها أنها ملحمة ساحرة قل مثيلها في أيام الأدب الرخيص الاستهلاكي الذي كاد ينسينا كيف يكون الأدب رسالة تعكس آلام الشعوب ورغباتها، هي رواية وصف الاستلاب والغبن التاريخي المزمن الذي صار دمغة خاصة بالشعوب العربية المهزومة من الخارج والداخل...
5/5
زاوي حمودة
Sign into ŷ to see if any of your friends have read
وليمة لأعشاب البحر.
Sign In »