ŷ������

هذا كتاب لا يُقال فيه ما يفي حقه، ربما اقتضاءً بإيجازه الوافي، أو لأن قارئه يحتاج لفترات طويلة من التفكير والتمعن في محتواه قبل أن يهضمه كُليةً ويبدأ في التفكر: ماذا يكتب؟ وكيف يكتب؟
.
لكن في نقاط أقول:
�� صيّغت الجمل ببراعة متناهية تجعلك تشعر بشيء من يد العرب البليغة تمتد لقلم الكاتب، أو بروح عربي أصيل فصيح اللسان على بني البشر، تحضر بين السطور لتُحدّثك عن أيامهم.
�� الجهد البحثي جليّ فيما قدَّم السيد محمد يحيى من أوراق مُبجل محمود، وأكثر ما يجذب انتباه القارئ ويلقى استحسانه أن العمل - على عكس ما فات من حديث عن العرب - لم يتخطى المائتي صفحة، في تكثيف بديع ومرهق.
�� التقديم القصير الذي فنّد أسباب رغبة الكاتب في الحديث عن العرب "وقد اكتظت المكتبات بكتب ضخمة في ذات الموضوع" كان لا مفر منه، بل وهيئ النفس إلى ما سيقابلها من اقتضاب وإيجاز، لأن رغبة الكاتب كانت مخاطبة أبناء جيله تلك القرون المتقدمة عن أجيال وأقوام عتيقة، متشابكة النسب، عجيبة العادات والسمات. وتلك الرغبة السامية تمكن الكاتب من التوصل إلى أفضل الطرق وأنسبها - في التعبير والسرد والتكوين ككل - لتخاطب طبائعنا وعقولنا ومزاجنا نحن أجيال القرنين العشرين والحادي والعشرين.
�� كانت المعضلة التي واجهت الباحثين في تاريخ العرب ومؤرخيه الخروج عن عباءة الأيام المعروفة بـ"الجاهلية" والتنصل منها لأسباب دينية، وقد تجاهل أهل العرب أنفسهم - قبل أن يتجاهل العالم - حضارتهم القديمة الممتدة لقرون قبل الإسلام، ربما خجلًا من فجورهم ومجونهم وخروجهم عن كُل دين، وابتعادهم عن ملة أبيهم إسماعيل وأبيه إبراهيم (عليهما السلام)، تلك الأيام تحديدًا ما ينبش يحيى عنها، ويسبر أغوارها.
�� مع ذلك، لم يغفل يحيى أن يذكر "محمدًا" (صلوات ربي وسلامه عليه)، فهو جزء لا يتجزأ من تاريخ العرب، بل هو سبب من أسباب امتداد رفعتهم، وترسخهم مقامهم، واستمرار وجودهم، بل وتوسعهم. هل استمر الفُرس، أو بقت الروم؟ هل وحدتهم الكلمة والنسب والهدف كما توحد العرب (جيرانهم في ذاك الزمان)؟ ربما لتهاوى العرب - تاريخيًا - كأمة كما تهاوت أمم الفُرس والروم وتشتتوا وتبدلوا ولم يبقى منهم سوى ورثة ضعاف هزال، لكن محمد قد جاء، ليلعب دورًا تاريخيًا هامًا دونه لهلكت سيرة العرب.
.
أصابتني قشعريرة وأنا ختتم قراءة الكتاب، ومهابة من أقاصيص يحيى عن حال جزيرة العرب قبيل النبي، وكيف تمهدت الأرض والسماء واستعدت لاستقبال نبي آخر الزمان.
.
عمل فريد في كافة مقوماته، لغة وسردًا وتكثيفًا وبحثًا، في انتظار أن يفي محمد يحيى بوعوده ويستكمل تلك السلسلة الهامة.