Omar's Reviews > فصل الخطاب في سيرة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب
فصل الخطاب في سيرة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب
by
by

� كتاب ، أقل ما يقال عنه أنه رائع .. يتحدث فيه الدكتور الليبي ، د. علي الصلابي ، عن سيرة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب � رضي الله عنه - صدر عام 2001م ( 1422 ه ) ..
� الجميل في الكتاب ، انه ليس مجرد سرد للسيرة الذاتية لأمير المؤمنين .. و إنما تعليق على الأحداث و سرد للفوائد و العبر .. و يركز على جوانب مختلفة من سيرة الفاروق و عهده ، يفوق ما تركز عليه أغلب كتب السيرة - من مجرد الحديث عن الفتوحات و المعارك وعدد القتلى و الشهداء � فيضيف إلى ذلك ، حديثا ممتعا عن الطريقة التي أدار عمر بن الخطاب بها الدولة الإسلامية .. ( بيت مال المسلمين و توزيع الأموال على المسلمين، مؤسسة القضاء ، الولاة ، أزمة عام الرمادة و أزمة طاعون عمواس ، التعامل مع أهل الذمة و أقباط مصر ، .... الخ الخ )
هناك أشياء جديدة ستقرأها للمرة الأولى و ستتعجب من سبب تغييب التاريخ الحديث لها و عدم الحديث عنها.
� من المشاهد التي أعجبتني في الكتاب :
o مشهد إسلام عمر بن الخطاب في بيت أخته وتعليقه على الآيات التي قرأها من سورة طه : (
من هذا فرّت قريش؟ ثم قرأ. فلما بلغ إلى قوله تعالى: ( إنّني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري. إن الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى فلا يصدنك عنها من لا يؤمن بها واتبع هواه فتردى ) قال: ينبغي لمن يقول هذا أن لا يُعبد معه غيره دلوني على محمد )
كما أعجبني اللحظة التي رق فيها قلب عمر للإسلام حين رأى المستضعفات المسلمات يهربون من بطشه نحو الحبشة.
o مشهد عمر بن الخطاب وهو يحمل ورقة من التوراة ( عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى بيد عمر بن الخطاب ورقة من التوراة فقال: ( أمتهوكون يا بن الخطاب؟ لقد جئتكم بها بيضاء نقية، لو كان موسى حيا ً ما وسعه إلا اتباعي) وفي رواية: ( أن لو كان موسى حياً ثم اتبعتموه وتركتموني لضللتم) )
رأيت في هذا المشهد و في قول الرسول صلى الله عليه رد على من يقول بتساوي الأديان السماوية في العصر الحاضر.
o تعامل الرسول صلى الله عليه وسلم في القصة التالية التي رواها عمر بن الخطاب :
( سمعت هشام بن حكيم بن حزام يقرأ سورة الفرقان، في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستمعت لقراءته، فإذا هو يقرؤُها على حروف كثيرة، لم يُقرئنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فكدت أُساوره في الصلاة، فانتظرته حتى سلم، فلببته ، فقلت: من أقرأك هذه السورة التي سمعتك تقرأ؟ قال: أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت له: كذبت، فوالله إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لهو أقرأني هذه السورة التي سمعتك فانطلقت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أقوده، فقلت له: يا رسول الله إني سمعت هذا يقرأ الفرقان على حروف لم تُقرئنيها، وإنك أقرأتني سورة الفرقان، قال: يا هشام اقرَأها. فقرأها القراءة التي سمعته، فقال رسول الله: هكذا أنزلت، ثم قال: اقرأ يا عمر، فقرات القراءة التي أقرأنيها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هكذا أنزلت. ثم قال رسول الله: إن القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرؤوا ما تيسر منه. )
لفت انتباهي ، أن الرسول صلى الله عليه وسلم و بعد أن سمع قراءة هشام بن حكيم ، طلب من عمر بن الخطاب أن يقرأ السورة .. وهذا ذكاء ، فربما كان عمر بن الخطاب قد أخطأ في تلقي الآيات القرآنية أو حفظها حفظا خاطئا ، ولهذا لم يكتف الرسول بمجرد سماع قراءة هشام ، بل طلب من عمر أيضا أن يقرا.
o مشهد اليهودي الضرير الذي كان يبحث عن الصدقة :
( عمر - رضي الله عنه - مر بباب قوم وعليه سائل يسأل - شيخ كبير ضرير البصر - فضرب عضده من خلفه وقال من أي أهل الكتاب أنت؟ فقال يهودي، قال فما ألجأك إلى ما أرى؟ قال: أسأل الجزية والحاجة والسن، قال: فأخذ عمر بيده وذهب به إلى منزله فرضخ له بشيء من المنزل ، ثم أرسل إلى خازن بيت المال فقال: انظر هذا وضرباءه فو الله ما أنصفناه أن أكلنا شبيبته ثم نخذله عند الهرم، ووضع عنه الجزية وعن ضربائه ، وقد كتب إلى عماله معمّماً عليهم هذا الأمر وهذه الأفعال تدل على عدالة الإسلام وحرص الفاروق أن تقوم دولته على العدالة والرفق برعاياها ولو كانوا من غير المسلمين)
o مشهد ( لقد كان عمر رضي الله عنه شديد الورع، وقد بلغ به الورع فيما يحق له ولا يحق، أنه مرض يوماً، فوصفوا له العسل دواء، وكان في بيت المال عسل جاء من بعض البلاد المفتوحة، فلم يتداو عمر بالعسل كما نصحة الأطباء، حتى جمع الناس، وصعد المنبر واستأذن الناس: إن أذنتم لي، وإلا فهو علي حرام، فبكى الناس إشفاقاً عليه وأذنوا له جميعاً، ومضى بعضهم يقول لبعض، لله درك يا عمر! لقد أتعبت الخلفاء بعدك. )
o يتحدث الكتاب عن كثير من الفتاوى و الآراء الفقهية التي تبناها عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهي مهمة جدا إذا عرفت ان الفاروق كان من أهم المصادر الفقهية التي أخذ عنها بقية الصحابة علمهم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم و ذلك بسبب صحبته الشديدة للنبي :
o ( كان أول قرار اتخذه عمر في دولته رد سبايا أهل الردة إلى عشائرهم حيث قال: كرهت أن يكون السبي سنة في العرب ، وهذه الخطوة الجريئة ساهمت في شعور العرب جميعاً أنهم أمام شريعة الله سواء، وأنه لا فضل لقبيلة على قبيلة إلا بحسن بلائها وما تقدمه من خدمات للإسلام والمسلمين، وتلت تلك الخطوة خطوة أخرى هي السماح لمن ظهرت توبتهم من أهل الردة بالاشتراك في الحروب ضد أعداء الإسلام، وقد أثبتوا شجاعة في الحرب وصبراً عند اللقاء، ووفاءً للدولة لا يعدله وفاء)
o كان عمر بن الخطاب يرى كراهية الزواج من غير المسلمة : ( ( وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ ) (المائدة،آية:5) وهو نص مخصص للعموم في النص الأول، هذا هو رأي الجمهور ، إلا أنهم قالوا إن الزواج بالمسلمة أفضل، هذا فيما إذا لم تكن هنالك مفاسد تلحق الزوج أو الأبناء أو المجتمع المسلم، أما إن وجدت مفاسد فإن الحكم هو المنع، وهذا ما ذهب إليه بعض العلماء المعاصرين ، وهو رأي سبق إليه عمر بن الخطاب: إذ هو أول من منع الزواج بالكتابيات مستنداً في ذلك إلى حجتين:
- لأنه يؤدي إلى كساد الفتيات المسلمات وتعنيسهن
- لأن الكتابية تفسد أخلاق الأولاد المسلمين ودينهم وهما حجتان كافيتان في هذا المنع )
o كان مدافعا عن التوحيد : ( أخرج ابن سعد بإسنادٍ صحيحٍ عن نافع: أنَّ عمر بلغه أنَّ قوماً يأتون الشَّجرة ـ شجرة الرِّضوان ـ فيصلُّون عندها، فتوعَّدهم، ثمَّ أمر بقطعها، فَقُطِعَتْ. فهذا موقفٌ لأمير المؤمنين ـ رضي الله عنه ـ في حماية التَّوحيد، والقضاء على موارد الفتن، حيث قام أولئك التَّابعون بعملٍ لم يعمله الصَّحابة ـ رضي الله عنهم ـ فهو أمرٌ مبتدعٌ، وقد يؤدِّي بعد ذلك إِلى عبادةٍ، وأمر بها فَقُطِعَتْ.
و ( لمَّا ظهر قبر دانيال بتستر؛ كتب فيه أبو موسى إِلى عمر بن الخطَّاب ـ رضي الله عنه ـ فكتب إِليه عمر: إِذا كان بالنَّهار؛ فاحفر ثلاثة عشر قبراً، ثمَّ ادفنه باللَّيل في واحدٍ منها، وعفِّر قبره لئلا يفتتن به النَّاس )
o كان عمر يخاف أن تختلط السنة بالقرآن و أن ينشغل الناس بتدوين السنة عن حفظ القرآن الكريم :
( عندما شيَّع جماعةً من الصَّحابة قاصدين الكوفة؛ قال لهم: إِنَّكم تأتون أهل قرية ـ يعني: الكوفة ـ لهم دويٌّ بالقران كدوي النَّحل، فلا تصدُّوهم بالأحاديث، فتشغلوهم، جرِّدوا القران، وأقلُّوا الرِّواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمضوا، وأنا شريككم، لقد كان عمر يفضِّل الاشتغال بالقران عن الاشتغال بالسُّنة، ويظهر لنا ذلك في أنَّه لمَّا أراد أن يكتب السُّنَّة؛ استشار أصحاب رسول الله في ذلك، فأشاروا عليه: أن يكتبها، فطفق يستخير الله فيها شهراً، ثمَّ أصبح يوماً وقد عزم الله له، فقال: إنِّي كنت أريد أن أكتب السُّنن، وإِنِّي ذكرت قوماً كانوا قبلكم كتبوا كتباً، فأكبُّوا عليها، وتركوا كتاب الله، وإِنِّي والله لا أُلَبِّس كتاب الله بشيءٍ أبداً. )
o اهتم رضي الله عنه كثير باللغة العربية و حرص على تعلمها
فيقول ( تعلَّموا النَّحو كما تتعلَّمون السُّنن، والفرائض. وقوله: تعلموا إِعراب القران كما تتعلَّمون حفظه. وقوله: شرُّ الكتابة المشق، وشرُّ القراءة الهذرمة، وأجود الخطِّ أبينه.)
( بل نجد: أنَّ الفاروق يعاقب من يخطأى في العربية، وهو في مكانٍ هامٍّ ينبغي أن يكون فيه مجيداً لما كُلِّف به، وتحمَّله، فقد ورد أنَّ أبا موسى الأشعريَّ كتب إِلى عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ كتاباً، فكتب إِليه عمر: إِنَّ كاتبك؛ الَّذي كتب إِلي لحن، فاضربه سوطاً. )
o من فتاويه المهمة :
( ذمي استكره مسلمة على الزنا: حدث ذلك في خلافة عمر رضي الله عنه، فصلبه لأنه خالف شروط العهد .)
( أتي عمر بإماء من إماء الإمارة استكرههنّ غلمان من غلمان الإمارة فضرب الغلمان ولم يضرب الإماء ، وأتي عمر بامرأة زنت فقال: إني كنت نائمة فلم أستيقظ إلا برجل قد جثم علي فخلى سبيلها ولم يضربها ، فهذه شبهة والحدود تدرأ بالشبهات ولا فرق بين الإكراه بالإلجاء وهو أن يغلبها على نفسها وبين الإكراه بالتهديد بالقتل، فقد حدث في عهد عمر: أن امرأة استسقت راعياً فأبى أن يسقيها إلا أن تمكنه من نفسها ففعلت فرفع ذلك إلى عمر فقال لعلي: ما ترى فيها؟ قال: إنها مضطرة فأعطاها عمر شيئاً وتركها )
( حكم عمر رضي الله في من قتل ولده بدفع الدية ، وأما المسلم الذي يقتل ذمياً فحكمه القتل قصاصاً وهذا حدث في عهد عمر حيث قتل مسلم ذمياً بالشام، فقتل قصاصاً )
� في الكتاب ستقرأ الكثير عن علاقة الفاروق بعلي ابن طالب رضي الله عنه ، وهي علاقة اتسمت بالمحبة و الإحترام و التقدير ، عكس ما يروج بعض الجهلة :
o ( وعن ابن المسيب قال: أول من كتب التاريخ عمر بن الخطاب رضي الله عنه لسنتين ونصف من خلافته، فكتب لست عشرة من المحرم بمشورة على بن أبي طالب رضي الله عنه ، وقال أبو الزناد : استشار عمر في التاريخ فأجمعوا على الهجرة )
o ( يقول العلامة شبلي النُّعماني في كتاب « الفاروق » حول عنوان (رعاية الحقوق والآداب بين الال والأصحاب): إِنَّ عمر ـ رضي الله عنه ـ لم يكن يبتُّ برأيٍ في مهمَّات الأمور قبل أن يستشير عليّاً ـ رضي الله عنه ـ الَّذي كان يشير عليه بغايةٍ من النُّصح، ودافعٍ من الإخلاص، ولمَّا سافر إِلى بيت المقدس؛ استخلفه في جميع شؤون الخلافة على المدينة، وقد تمثَّل مدى الانسجام، والتَّضامن بينهما حينما زوَّجه عليٌّ ـ رضي الله عنهما ـ من السيدة أمِّ كلثوم؛ الَّتي كانت بنت فاطمة ـ رضي الله عنهاـ وسمَّى أحد أولاده عمر، كما سمَّى أحدهم أبا بكرٍ، وسمَّى الثَّالث عثمان، ولا يسمِّي الإِنسان أبناءه إِلا بأحبِّ الأسماء، وبمن يرى فيهم القدوة المثاليَّة )
o ( شكا رجل عليّاً إِلى عمر ـ رضي الله عنهما ـ فلمَّا جلس عمر لينظر في الدَّعوى؛ قال عمر لعليٍّ: ساو خصمك يا أبا الحسن ! فتغيَّر وجه عليٍّ، وقضى عمر في الدَّعوى، ثمَّ قال لعلي: أغضبت يا أبا الحسن ! لأنِّي سوَّيت بينك وبين خصمك ؟ فقال علي: بل لأنك لم تسوِّ بيني وبين خصمي يا أمير المؤمنين ! إِذ كرمتني، فناديتني يا أبا الحسن ! بكنيتي، ولم تناد خصمي بكنيته، فقبَّل عمر رأس عليٍّ، وقال: لا أبقاني الله بأرضٍ ليس فيها أبو الحسن. )
o ( أتي عمر بمجنونة قد زنت، فاستشار الناس فأمر بها عمر أن ترجم، فمر بها علي بن أبي طالب فقال: ارجعوا بها ثم أتاه فقال: أما علمت أن القلم قد رفع، فذكر الحديث وفي آخره قال: بلى قال فما بال هذه ترجم؟ فأرسلها ، وجعل عمر يكبر . )
o ( لما رأى عمر بن الخطاب خُمس تلك الغنائم وكان معها سيف كسرى ومنطقته وزبرجده فقال: إن قوماً أدَّوا هذا لذَوو أمانة، فقال علي رضي الله عنه: إنك عففت فعفَّت الرعية ولو رتعت لرتعت .(
� أعجبني من أقوال عمر بن الخطاب :
( كان ـ رضي الله عنه ـ يحفظ سوابق الخير للمسلمين، وكان لديه ميزانٌ دقيقٌ في تقييم الرِّجال، فقد قال رضي الله عنه: لا يعجبنَّكم طنطنة الرَّجل، ولكن من أدَّى الأمانة، وكف عن أعراض النَّاس، فهو الرَّجل، وكان رضي الله عنه يقول: لا تنظروا إِلى صلاة امرأىٍ، ولا صيامه، ولكن انظروا إِلى عقله، وصدقه. ويقول: إِنِّي لا أخاف عليكم أحد رجلين: مؤمناً قد تبين إيمانه، وكافراً قد تبين كفره، ولكنِّي أخاف عليكم منافقاً يتعوَّذ بالإِيمان، ويعمل لغيره. وسأل عمر عن رجلٍ شهد عنده بشهادةٍ، وأراد أن يعرف هل له مَنْ يزكِّيه، فقال له رجلٌ: إِنِّي أشهد له، وأزكيه يا أمير المؤمنين ! فقال عمر: أأنت جاره في مسكنه ؟ قال: لا ! قال: أعاشرته يوماً، فعرفت حقيقة أمره ؟ قال: لا ! قال: أسافرت يوماً معه، فإِنَّ السفر والاغتراب محكٌّ للرجال ؟ قال: لا ! قال عمر: لعلَّك رأيته في المسجد قائماً قاعداً يصلِّي ؟ قال: نعم ! قال: اذهب، فأنت لا تعرفه).
( حذَّر رضي الله عنه من زلَّة العالم، فقال: يهدم الإِسلامَ زلَّةُ عالم، وجدالُ منافقٍ بالقران، وأئمَّةٌ مضلُّون.)
( متى استعبدتم النَّاس وقد ولدتهم أمَّهاتهم أحراراً؟ )
( أشكو إِلى الله ظلم القويِّ، وعجز التَّقي.)
( لست بخبٍّ، ولا الخِبُّ يخدعني.)
( انتهت معركة جلولاء بانتصار المسلمين ، وقد غنموا فيها مغانم عظيمة أرسلوا بأخماسها إلى أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه فقال حين رآه: والله لا يُجنِّه سقف بيت حتى أقسمه فبات عبد الرحمن بن عوف وعبدالله بن أرقم يحرسانه في صحن المسجد، فلما أصبح جاء في الناس فكشف عنه جلابيبه ـ وهي الأنطاع ـ فلما نظر إلى ياقوته، وزبرجده وجوهره بكى، فقال له عبد الرحمن: ما يبكيك يا أمير المؤمنين فوالله إن هذا لموطن شكر! فقال عمر: والله ما ذاك يبكيني، والله ما أعطى الله هذا قوماً إلا تحاسدوا وتباغضوا، ولا تحاسدوا إلا ألقي بأسهم بينهم )
� من الأقوال الجميلة في الكتاب :
o يقول الكاتب : ( لم أجد أثناء البحث إشارة إلى أن المرأة قد بايعت في زمن أبي بكر وعمر وفي عصر الخلفاء الراشدين، ولم تشر كتب السياسة الشرعية القديمة إلى حق المرأة أو واجبها في البيعة - على حد علمي القاصر - والظاهر أن البيعة قد اقتصرت في معظم عصور التاريخ الإسلامي على الرجال دون النساء، فلا الرجال دعوها إليها، ولا هي طالبت بها، واعتبر تغيب المرأة عن البيعة أمراً طبيعياً، إلى درجة أن علماء الحقوق الدستورية الإسلامية لم يشيروا إليها في قليل ولا كثير غير أن هذا الواقع التاريخي والفقهي لا يغير من حقيقة الحكم الشرعي شيئاً، فليس في القرآن الكريم، ولا في السنة النبوية، وهما المصدران الرئيسيان للشريعة، ما يمنع المرأة من أن تشارك الرجل في البيعة )
� من القصص المؤثرة :
o ( كان العمل عند الفاروق ـ رضي الله عنه ـ معيار التَّفاضل بين البشر، فعندما حضر إِليه جمعٌ من سادات قريشٍ على رأسهم سهيل بن عمرو بن الحارث، وأبو سفيان بن حرب، وبعض عبيد قريش السَّابقين: صهيب، وبلال؛ أذن في لقائه للموالي الفقراء قبل أن يأذن للسَّادة من قريش وأشرافها، فغضب السَّادة لذلك، فقال أبو سفيان لبعض أصحابه: لم أر كاليوم قطُّ، يأذن لهؤلاء العبيد ويتركنا على بابه ؟ فقال سهيلٌ: أيُّها القوم ! إِنِّي والله أرى الذي في وجوهكم ! إِن كنتم غضاباً، فاغضبوا على أنفسكم، دعي القوم ـ إِلى الإِسلام ـ ودعيتم، فأسرعوا، وأبطأتم، فكيف بكم إِذا دُعوا يوم القيامة، وتركتم.)
o ( وعندما علم عمر بن الخطَّاب ـ رضي الله عنه: أنَّ خليجاً كان يجري بين النِّيل من قرب حصن بابليون إِلى البحر الأحمر، فكان يربط الحجاز بمصر، وييسر تبادل التِّجارة، ولكن الرُّوم أهملوه، فرُدم، فأمر الفاروق عامله على مصر عمرو بن العاص بشقِّ هذا الخليج مرَّة أخرى، فشقَّه، فيسَّر الطريق بين بلاد الحجاز وبين الفسطاط عاصمة مصر، وأصبح شريان تجارةٍ يتدفَّق منه الرَّخاء ما بين البحرين مرَّةً أخرى وقامت على هذا الخليج داخل الفسطاط منتزهاتٌ، وخمائل، ومساكن، وسمَّاه عمرو: خليج أمير المؤمنين. )
o ( مع توسع حركات الفتوحات اهتمَّت الدَّولة الإِسلاميَّة في عهد الفاروق ببناء المدن على الثُّغور، وتسهيل سبل المواصلات، وإِصلاح الأراضي، وكذلك تشجيع الهجرة إِلى مراكز التَّجمُّع الجهاديَّة، والتَّحوُّل إِلى البلدان المفتوحة لنشر الإِسلام، وإِمداد المجاهدين بالرِّجال، والعتاد. وأهم الأمصار الَّتي أنشئتهي: البصرة، والكوفة، والموصل، والفسطاط، والجيزة، وسرت، وقد خطِّطت، ووزِّعت بين الجيوش بحسب قبائلهم وألويتهم، وأنشئت فيها المرافق العامَّة، كالمساجد، والأسواق، وأنشأى لكلِّ مدينةٍ حمى لرعي خيل، وإِبل المجاهدين، وشجَّع النَّاس على استقدام أهليهم، وذراريهم من مدن الحجاز وأطراف الجزيرة العربيَّة للإِقامة في هذه المدن؛ لتكون قواعد عسكرية تنطلق منها تعبئة الجيوش، وإِمدادها للتوغُّل في أرض العدو، ونشر دعوة الإِسلام فيها، وقد أمر عمر ـ رضي الله عنه ـ قادة الجيوش عند تخطيط هذه المدن أن يكون الطَّريق بينها وبين عاصمة الخلافة سهلاً، وأن لا يحول دونها بحارٌ، أو أنهار )
o (فالمعلومات التاريخية تشير إلى: أن عمر بن الخطاب قد أبقى على تداول النقود والعملة التي كانت متداولة قبل الإسلام وفي عهد الرسولصلى الله عليه و سلم وأبي بكر بما كان عليها من نقوش هرقلية عليها نقوش مسيحية أو كسروية رُسم فيها بيت النار، بيد أنه أقرها على معيارها الرسمي المعروف على عهد النبي صلى الله عليه و سلم وأبي بكر، مضيفاً إليها كلمة جائز، لتمييزها من البهارج الزائفات ، فالذي ضرب النقود المسكوكة في الخارج وأقر التعامل بها وقرر الدرهم الشرعي في الإسلام هو الفاروق رضي الله عنه يقول الماوردي: إن عمر بن الخطاب هو الذي حدد مقدار الدرهم الشرعي ، ويقول المقريزي: وأول من ضرب النقود في الإسلام عمر بن الخطاب سنة ثماني عشر من الهجرة على نقش الكسروية وزاد فيها: الحمد لله. وفي بعضها: لا إله إلا الله، وعلى جزء منها اسم الخليفة عمر ، وعليه فإن الفاروق رضي الله عنه قد وضع تنظيماً خاصاً لوسيلة من وسائل الحياة الضرورية للمسلمين وغيرهم أثناء حكمه وقد تبعه الخلفاء الراشدون وغيرهم ممن طوروا هذا الأمر مع تطور وتقدم المدنية والحضارة )
o ( وقد لعب أهل اليمن دوراً رئيسياً في حركة الفتوح أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فاشتركوا في فتوح الشام وفي فتوح العراق ومصر ، وعندما اختطت الأمصار الإسلامية الجديدة في العراق كالبصرة والكوفة نزلتها الكثير من القبائل اليمنية وعلى رأسها كنده التي نزلت الكوفة ، كما استقرت أعداد أخرى من القبائل اليمنية بالشام، وكان لهم دور كبير في فتوحاتها، كما سكنت مجموعة منهم في مصر بعد إنشاء الفسطاط ، ولا شك أن هذه الهجرات المنظمة من القبائل اليمنية في عهد عمر قد خطط لها، وقد يكون لأمراء البلدان على اليمن دور كبير في هذا التخطيط وفي عملية توزيع القبائل على الأمصار، ومن هنا كانت اليمن من أهم الولايات الإسلامية على عهد عمر، وكان دورها وتأثيرها واضحاً بالنسبة لمختلف الولايات . )
هذه الجملة تتحدث عن انتشار العرب في الأمصار العربية التي فتحت حتى صاروا هُم أهلها و أغلبية سكانها حتى اليوم.
� من أقول الصحابة في عمر بعد وفاته :
( قال ابن عباس: وضع عمر على سريره فتكنفه الناس يدعون ويصلون، قبل أن يرفع، وأنا فيهم، فلم يَرُعني إلا رجل آخذ منكبي، فإذا علي بن أبي طالب، فترحم على عمر وقال: ما خلفت أحداً أحبّ إليَّ أن ألقى الله بمثل عمله منك، وأيم الله إن كنت لأظن أن يجعلك الله مع صاحبيك وحسبت أني كنت كثيراً أسمع النبي صلى الله عليه و سلم يقول: ذهبت أنا وأبو بكر وعمر، ودخلت أنا وأبو بكر وعمر وخرجت أنا وأبو بكر وعمر ).
( وأما أبو عبيدة بن الجراح، فقد كان يقول قبل أن يقتل عمر: إن مات عمر رق الإسلام، ما أحب أن لي ما تطلع عليه الشمس أو تغرب وأن أبقى بعد عمر، فقيل له: لم؟ قال: سترون ما أقول إن بقيتم، وأما هو فإن ولي وال بعد فأخذهم بما كان عمر يأخذهم به لم يطع له الناس بذلك ولم يحملوه، وإن ضعف عنهم قتلوه . )
الجملة الأخيرة فيها فراسة من أبي عبيدة رضي الله عنه ، و كأنه كان يعلم إلى ماذا ستؤول إليه الأمور بعد وفاة عمر .
� الجميل في الكتاب ، انه ليس مجرد سرد للسيرة الذاتية لأمير المؤمنين .. و إنما تعليق على الأحداث و سرد للفوائد و العبر .. و يركز على جوانب مختلفة من سيرة الفاروق و عهده ، يفوق ما تركز عليه أغلب كتب السيرة - من مجرد الحديث عن الفتوحات و المعارك وعدد القتلى و الشهداء � فيضيف إلى ذلك ، حديثا ممتعا عن الطريقة التي أدار عمر بن الخطاب بها الدولة الإسلامية .. ( بيت مال المسلمين و توزيع الأموال على المسلمين، مؤسسة القضاء ، الولاة ، أزمة عام الرمادة و أزمة طاعون عمواس ، التعامل مع أهل الذمة و أقباط مصر ، .... الخ الخ )
هناك أشياء جديدة ستقرأها للمرة الأولى و ستتعجب من سبب تغييب التاريخ الحديث لها و عدم الحديث عنها.
� من المشاهد التي أعجبتني في الكتاب :
o مشهد إسلام عمر بن الخطاب في بيت أخته وتعليقه على الآيات التي قرأها من سورة طه : (
من هذا فرّت قريش؟ ثم قرأ. فلما بلغ إلى قوله تعالى: ( إنّني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري. إن الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى فلا يصدنك عنها من لا يؤمن بها واتبع هواه فتردى ) قال: ينبغي لمن يقول هذا أن لا يُعبد معه غيره دلوني على محمد )
كما أعجبني اللحظة التي رق فيها قلب عمر للإسلام حين رأى المستضعفات المسلمات يهربون من بطشه نحو الحبشة.
o مشهد عمر بن الخطاب وهو يحمل ورقة من التوراة ( عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى بيد عمر بن الخطاب ورقة من التوراة فقال: ( أمتهوكون يا بن الخطاب؟ لقد جئتكم بها بيضاء نقية، لو كان موسى حيا ً ما وسعه إلا اتباعي) وفي رواية: ( أن لو كان موسى حياً ثم اتبعتموه وتركتموني لضللتم) )
رأيت في هذا المشهد و في قول الرسول صلى الله عليه رد على من يقول بتساوي الأديان السماوية في العصر الحاضر.
o تعامل الرسول صلى الله عليه وسلم في القصة التالية التي رواها عمر بن الخطاب :
( سمعت هشام بن حكيم بن حزام يقرأ سورة الفرقان، في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستمعت لقراءته، فإذا هو يقرؤُها على حروف كثيرة، لم يُقرئنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فكدت أُساوره في الصلاة، فانتظرته حتى سلم، فلببته ، فقلت: من أقرأك هذه السورة التي سمعتك تقرأ؟ قال: أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت له: كذبت، فوالله إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لهو أقرأني هذه السورة التي سمعتك فانطلقت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أقوده، فقلت له: يا رسول الله إني سمعت هذا يقرأ الفرقان على حروف لم تُقرئنيها، وإنك أقرأتني سورة الفرقان، قال: يا هشام اقرَأها. فقرأها القراءة التي سمعته، فقال رسول الله: هكذا أنزلت، ثم قال: اقرأ يا عمر، فقرات القراءة التي أقرأنيها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هكذا أنزلت. ثم قال رسول الله: إن القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرؤوا ما تيسر منه. )
لفت انتباهي ، أن الرسول صلى الله عليه وسلم و بعد أن سمع قراءة هشام بن حكيم ، طلب من عمر بن الخطاب أن يقرأ السورة .. وهذا ذكاء ، فربما كان عمر بن الخطاب قد أخطأ في تلقي الآيات القرآنية أو حفظها حفظا خاطئا ، ولهذا لم يكتف الرسول بمجرد سماع قراءة هشام ، بل طلب من عمر أيضا أن يقرا.
o مشهد اليهودي الضرير الذي كان يبحث عن الصدقة :
( عمر - رضي الله عنه - مر بباب قوم وعليه سائل يسأل - شيخ كبير ضرير البصر - فضرب عضده من خلفه وقال من أي أهل الكتاب أنت؟ فقال يهودي، قال فما ألجأك إلى ما أرى؟ قال: أسأل الجزية والحاجة والسن، قال: فأخذ عمر بيده وذهب به إلى منزله فرضخ له بشيء من المنزل ، ثم أرسل إلى خازن بيت المال فقال: انظر هذا وضرباءه فو الله ما أنصفناه أن أكلنا شبيبته ثم نخذله عند الهرم، ووضع عنه الجزية وعن ضربائه ، وقد كتب إلى عماله معمّماً عليهم هذا الأمر وهذه الأفعال تدل على عدالة الإسلام وحرص الفاروق أن تقوم دولته على العدالة والرفق برعاياها ولو كانوا من غير المسلمين)
o مشهد ( لقد كان عمر رضي الله عنه شديد الورع، وقد بلغ به الورع فيما يحق له ولا يحق، أنه مرض يوماً، فوصفوا له العسل دواء، وكان في بيت المال عسل جاء من بعض البلاد المفتوحة، فلم يتداو عمر بالعسل كما نصحة الأطباء، حتى جمع الناس، وصعد المنبر واستأذن الناس: إن أذنتم لي، وإلا فهو علي حرام، فبكى الناس إشفاقاً عليه وأذنوا له جميعاً، ومضى بعضهم يقول لبعض، لله درك يا عمر! لقد أتعبت الخلفاء بعدك. )
o يتحدث الكتاب عن كثير من الفتاوى و الآراء الفقهية التي تبناها عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهي مهمة جدا إذا عرفت ان الفاروق كان من أهم المصادر الفقهية التي أخذ عنها بقية الصحابة علمهم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم و ذلك بسبب صحبته الشديدة للنبي :
o ( كان أول قرار اتخذه عمر في دولته رد سبايا أهل الردة إلى عشائرهم حيث قال: كرهت أن يكون السبي سنة في العرب ، وهذه الخطوة الجريئة ساهمت في شعور العرب جميعاً أنهم أمام شريعة الله سواء، وأنه لا فضل لقبيلة على قبيلة إلا بحسن بلائها وما تقدمه من خدمات للإسلام والمسلمين، وتلت تلك الخطوة خطوة أخرى هي السماح لمن ظهرت توبتهم من أهل الردة بالاشتراك في الحروب ضد أعداء الإسلام، وقد أثبتوا شجاعة في الحرب وصبراً عند اللقاء، ووفاءً للدولة لا يعدله وفاء)
o كان عمر بن الخطاب يرى كراهية الزواج من غير المسلمة : ( ( وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ ) (المائدة،آية:5) وهو نص مخصص للعموم في النص الأول، هذا هو رأي الجمهور ، إلا أنهم قالوا إن الزواج بالمسلمة أفضل، هذا فيما إذا لم تكن هنالك مفاسد تلحق الزوج أو الأبناء أو المجتمع المسلم، أما إن وجدت مفاسد فإن الحكم هو المنع، وهذا ما ذهب إليه بعض العلماء المعاصرين ، وهو رأي سبق إليه عمر بن الخطاب: إذ هو أول من منع الزواج بالكتابيات مستنداً في ذلك إلى حجتين:
- لأنه يؤدي إلى كساد الفتيات المسلمات وتعنيسهن
- لأن الكتابية تفسد أخلاق الأولاد المسلمين ودينهم وهما حجتان كافيتان في هذا المنع )
o كان مدافعا عن التوحيد : ( أخرج ابن سعد بإسنادٍ صحيحٍ عن نافع: أنَّ عمر بلغه أنَّ قوماً يأتون الشَّجرة ـ شجرة الرِّضوان ـ فيصلُّون عندها، فتوعَّدهم، ثمَّ أمر بقطعها، فَقُطِعَتْ. فهذا موقفٌ لأمير المؤمنين ـ رضي الله عنه ـ في حماية التَّوحيد، والقضاء على موارد الفتن، حيث قام أولئك التَّابعون بعملٍ لم يعمله الصَّحابة ـ رضي الله عنهم ـ فهو أمرٌ مبتدعٌ، وقد يؤدِّي بعد ذلك إِلى عبادةٍ، وأمر بها فَقُطِعَتْ.
و ( لمَّا ظهر قبر دانيال بتستر؛ كتب فيه أبو موسى إِلى عمر بن الخطَّاب ـ رضي الله عنه ـ فكتب إِليه عمر: إِذا كان بالنَّهار؛ فاحفر ثلاثة عشر قبراً، ثمَّ ادفنه باللَّيل في واحدٍ منها، وعفِّر قبره لئلا يفتتن به النَّاس )
o كان عمر يخاف أن تختلط السنة بالقرآن و أن ينشغل الناس بتدوين السنة عن حفظ القرآن الكريم :
( عندما شيَّع جماعةً من الصَّحابة قاصدين الكوفة؛ قال لهم: إِنَّكم تأتون أهل قرية ـ يعني: الكوفة ـ لهم دويٌّ بالقران كدوي النَّحل، فلا تصدُّوهم بالأحاديث، فتشغلوهم، جرِّدوا القران، وأقلُّوا الرِّواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمضوا، وأنا شريككم، لقد كان عمر يفضِّل الاشتغال بالقران عن الاشتغال بالسُّنة، ويظهر لنا ذلك في أنَّه لمَّا أراد أن يكتب السُّنَّة؛ استشار أصحاب رسول الله في ذلك، فأشاروا عليه: أن يكتبها، فطفق يستخير الله فيها شهراً، ثمَّ أصبح يوماً وقد عزم الله له، فقال: إنِّي كنت أريد أن أكتب السُّنن، وإِنِّي ذكرت قوماً كانوا قبلكم كتبوا كتباً، فأكبُّوا عليها، وتركوا كتاب الله، وإِنِّي والله لا أُلَبِّس كتاب الله بشيءٍ أبداً. )
o اهتم رضي الله عنه كثير باللغة العربية و حرص على تعلمها
فيقول ( تعلَّموا النَّحو كما تتعلَّمون السُّنن، والفرائض. وقوله: تعلموا إِعراب القران كما تتعلَّمون حفظه. وقوله: شرُّ الكتابة المشق، وشرُّ القراءة الهذرمة، وأجود الخطِّ أبينه.)
( بل نجد: أنَّ الفاروق يعاقب من يخطأى في العربية، وهو في مكانٍ هامٍّ ينبغي أن يكون فيه مجيداً لما كُلِّف به، وتحمَّله، فقد ورد أنَّ أبا موسى الأشعريَّ كتب إِلى عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ كتاباً، فكتب إِليه عمر: إِنَّ كاتبك؛ الَّذي كتب إِلي لحن، فاضربه سوطاً. )
o من فتاويه المهمة :
( ذمي استكره مسلمة على الزنا: حدث ذلك في خلافة عمر رضي الله عنه، فصلبه لأنه خالف شروط العهد .)
( أتي عمر بإماء من إماء الإمارة استكرههنّ غلمان من غلمان الإمارة فضرب الغلمان ولم يضرب الإماء ، وأتي عمر بامرأة زنت فقال: إني كنت نائمة فلم أستيقظ إلا برجل قد جثم علي فخلى سبيلها ولم يضربها ، فهذه شبهة والحدود تدرأ بالشبهات ولا فرق بين الإكراه بالإلجاء وهو أن يغلبها على نفسها وبين الإكراه بالتهديد بالقتل، فقد حدث في عهد عمر: أن امرأة استسقت راعياً فأبى أن يسقيها إلا أن تمكنه من نفسها ففعلت فرفع ذلك إلى عمر فقال لعلي: ما ترى فيها؟ قال: إنها مضطرة فأعطاها عمر شيئاً وتركها )
( حكم عمر رضي الله في من قتل ولده بدفع الدية ، وأما المسلم الذي يقتل ذمياً فحكمه القتل قصاصاً وهذا حدث في عهد عمر حيث قتل مسلم ذمياً بالشام، فقتل قصاصاً )
� في الكتاب ستقرأ الكثير عن علاقة الفاروق بعلي ابن طالب رضي الله عنه ، وهي علاقة اتسمت بالمحبة و الإحترام و التقدير ، عكس ما يروج بعض الجهلة :
o ( وعن ابن المسيب قال: أول من كتب التاريخ عمر بن الخطاب رضي الله عنه لسنتين ونصف من خلافته، فكتب لست عشرة من المحرم بمشورة على بن أبي طالب رضي الله عنه ، وقال أبو الزناد : استشار عمر في التاريخ فأجمعوا على الهجرة )
o ( يقول العلامة شبلي النُّعماني في كتاب « الفاروق » حول عنوان (رعاية الحقوق والآداب بين الال والأصحاب): إِنَّ عمر ـ رضي الله عنه ـ لم يكن يبتُّ برأيٍ في مهمَّات الأمور قبل أن يستشير عليّاً ـ رضي الله عنه ـ الَّذي كان يشير عليه بغايةٍ من النُّصح، ودافعٍ من الإخلاص، ولمَّا سافر إِلى بيت المقدس؛ استخلفه في جميع شؤون الخلافة على المدينة، وقد تمثَّل مدى الانسجام، والتَّضامن بينهما حينما زوَّجه عليٌّ ـ رضي الله عنهما ـ من السيدة أمِّ كلثوم؛ الَّتي كانت بنت فاطمة ـ رضي الله عنهاـ وسمَّى أحد أولاده عمر، كما سمَّى أحدهم أبا بكرٍ، وسمَّى الثَّالث عثمان، ولا يسمِّي الإِنسان أبناءه إِلا بأحبِّ الأسماء، وبمن يرى فيهم القدوة المثاليَّة )
o ( شكا رجل عليّاً إِلى عمر ـ رضي الله عنهما ـ فلمَّا جلس عمر لينظر في الدَّعوى؛ قال عمر لعليٍّ: ساو خصمك يا أبا الحسن ! فتغيَّر وجه عليٍّ، وقضى عمر في الدَّعوى، ثمَّ قال لعلي: أغضبت يا أبا الحسن ! لأنِّي سوَّيت بينك وبين خصمك ؟ فقال علي: بل لأنك لم تسوِّ بيني وبين خصمي يا أمير المؤمنين ! إِذ كرمتني، فناديتني يا أبا الحسن ! بكنيتي، ولم تناد خصمي بكنيته، فقبَّل عمر رأس عليٍّ، وقال: لا أبقاني الله بأرضٍ ليس فيها أبو الحسن. )
o ( أتي عمر بمجنونة قد زنت، فاستشار الناس فأمر بها عمر أن ترجم، فمر بها علي بن أبي طالب فقال: ارجعوا بها ثم أتاه فقال: أما علمت أن القلم قد رفع، فذكر الحديث وفي آخره قال: بلى قال فما بال هذه ترجم؟ فأرسلها ، وجعل عمر يكبر . )
o ( لما رأى عمر بن الخطاب خُمس تلك الغنائم وكان معها سيف كسرى ومنطقته وزبرجده فقال: إن قوماً أدَّوا هذا لذَوو أمانة، فقال علي رضي الله عنه: إنك عففت فعفَّت الرعية ولو رتعت لرتعت .(
� أعجبني من أقوال عمر بن الخطاب :
( كان ـ رضي الله عنه ـ يحفظ سوابق الخير للمسلمين، وكان لديه ميزانٌ دقيقٌ في تقييم الرِّجال، فقد قال رضي الله عنه: لا يعجبنَّكم طنطنة الرَّجل، ولكن من أدَّى الأمانة، وكف عن أعراض النَّاس، فهو الرَّجل، وكان رضي الله عنه يقول: لا تنظروا إِلى صلاة امرأىٍ، ولا صيامه، ولكن انظروا إِلى عقله، وصدقه. ويقول: إِنِّي لا أخاف عليكم أحد رجلين: مؤمناً قد تبين إيمانه، وكافراً قد تبين كفره، ولكنِّي أخاف عليكم منافقاً يتعوَّذ بالإِيمان، ويعمل لغيره. وسأل عمر عن رجلٍ شهد عنده بشهادةٍ، وأراد أن يعرف هل له مَنْ يزكِّيه، فقال له رجلٌ: إِنِّي أشهد له، وأزكيه يا أمير المؤمنين ! فقال عمر: أأنت جاره في مسكنه ؟ قال: لا ! قال: أعاشرته يوماً، فعرفت حقيقة أمره ؟ قال: لا ! قال: أسافرت يوماً معه، فإِنَّ السفر والاغتراب محكٌّ للرجال ؟ قال: لا ! قال عمر: لعلَّك رأيته في المسجد قائماً قاعداً يصلِّي ؟ قال: نعم ! قال: اذهب، فأنت لا تعرفه).
( حذَّر رضي الله عنه من زلَّة العالم، فقال: يهدم الإِسلامَ زلَّةُ عالم، وجدالُ منافقٍ بالقران، وأئمَّةٌ مضلُّون.)
( متى استعبدتم النَّاس وقد ولدتهم أمَّهاتهم أحراراً؟ )
( أشكو إِلى الله ظلم القويِّ، وعجز التَّقي.)
( لست بخبٍّ، ولا الخِبُّ يخدعني.)
( انتهت معركة جلولاء بانتصار المسلمين ، وقد غنموا فيها مغانم عظيمة أرسلوا بأخماسها إلى أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه فقال حين رآه: والله لا يُجنِّه سقف بيت حتى أقسمه فبات عبد الرحمن بن عوف وعبدالله بن أرقم يحرسانه في صحن المسجد، فلما أصبح جاء في الناس فكشف عنه جلابيبه ـ وهي الأنطاع ـ فلما نظر إلى ياقوته، وزبرجده وجوهره بكى، فقال له عبد الرحمن: ما يبكيك يا أمير المؤمنين فوالله إن هذا لموطن شكر! فقال عمر: والله ما ذاك يبكيني، والله ما أعطى الله هذا قوماً إلا تحاسدوا وتباغضوا، ولا تحاسدوا إلا ألقي بأسهم بينهم )
� من الأقوال الجميلة في الكتاب :
o يقول الكاتب : ( لم أجد أثناء البحث إشارة إلى أن المرأة قد بايعت في زمن أبي بكر وعمر وفي عصر الخلفاء الراشدين، ولم تشر كتب السياسة الشرعية القديمة إلى حق المرأة أو واجبها في البيعة - على حد علمي القاصر - والظاهر أن البيعة قد اقتصرت في معظم عصور التاريخ الإسلامي على الرجال دون النساء، فلا الرجال دعوها إليها، ولا هي طالبت بها، واعتبر تغيب المرأة عن البيعة أمراً طبيعياً، إلى درجة أن علماء الحقوق الدستورية الإسلامية لم يشيروا إليها في قليل ولا كثير غير أن هذا الواقع التاريخي والفقهي لا يغير من حقيقة الحكم الشرعي شيئاً، فليس في القرآن الكريم، ولا في السنة النبوية، وهما المصدران الرئيسيان للشريعة، ما يمنع المرأة من أن تشارك الرجل في البيعة )
� من القصص المؤثرة :
o ( كان العمل عند الفاروق ـ رضي الله عنه ـ معيار التَّفاضل بين البشر، فعندما حضر إِليه جمعٌ من سادات قريشٍ على رأسهم سهيل بن عمرو بن الحارث، وأبو سفيان بن حرب، وبعض عبيد قريش السَّابقين: صهيب، وبلال؛ أذن في لقائه للموالي الفقراء قبل أن يأذن للسَّادة من قريش وأشرافها، فغضب السَّادة لذلك، فقال أبو سفيان لبعض أصحابه: لم أر كاليوم قطُّ، يأذن لهؤلاء العبيد ويتركنا على بابه ؟ فقال سهيلٌ: أيُّها القوم ! إِنِّي والله أرى الذي في وجوهكم ! إِن كنتم غضاباً، فاغضبوا على أنفسكم، دعي القوم ـ إِلى الإِسلام ـ ودعيتم، فأسرعوا، وأبطأتم، فكيف بكم إِذا دُعوا يوم القيامة، وتركتم.)
o ( وعندما علم عمر بن الخطَّاب ـ رضي الله عنه: أنَّ خليجاً كان يجري بين النِّيل من قرب حصن بابليون إِلى البحر الأحمر، فكان يربط الحجاز بمصر، وييسر تبادل التِّجارة، ولكن الرُّوم أهملوه، فرُدم، فأمر الفاروق عامله على مصر عمرو بن العاص بشقِّ هذا الخليج مرَّة أخرى، فشقَّه، فيسَّر الطريق بين بلاد الحجاز وبين الفسطاط عاصمة مصر، وأصبح شريان تجارةٍ يتدفَّق منه الرَّخاء ما بين البحرين مرَّةً أخرى وقامت على هذا الخليج داخل الفسطاط منتزهاتٌ، وخمائل، ومساكن، وسمَّاه عمرو: خليج أمير المؤمنين. )
o ( مع توسع حركات الفتوحات اهتمَّت الدَّولة الإِسلاميَّة في عهد الفاروق ببناء المدن على الثُّغور، وتسهيل سبل المواصلات، وإِصلاح الأراضي، وكذلك تشجيع الهجرة إِلى مراكز التَّجمُّع الجهاديَّة، والتَّحوُّل إِلى البلدان المفتوحة لنشر الإِسلام، وإِمداد المجاهدين بالرِّجال، والعتاد. وأهم الأمصار الَّتي أنشئتهي: البصرة، والكوفة، والموصل، والفسطاط، والجيزة، وسرت، وقد خطِّطت، ووزِّعت بين الجيوش بحسب قبائلهم وألويتهم، وأنشئت فيها المرافق العامَّة، كالمساجد، والأسواق، وأنشأى لكلِّ مدينةٍ حمى لرعي خيل، وإِبل المجاهدين، وشجَّع النَّاس على استقدام أهليهم، وذراريهم من مدن الحجاز وأطراف الجزيرة العربيَّة للإِقامة في هذه المدن؛ لتكون قواعد عسكرية تنطلق منها تعبئة الجيوش، وإِمدادها للتوغُّل في أرض العدو، ونشر دعوة الإِسلام فيها، وقد أمر عمر ـ رضي الله عنه ـ قادة الجيوش عند تخطيط هذه المدن أن يكون الطَّريق بينها وبين عاصمة الخلافة سهلاً، وأن لا يحول دونها بحارٌ، أو أنهار )
o (فالمعلومات التاريخية تشير إلى: أن عمر بن الخطاب قد أبقى على تداول النقود والعملة التي كانت متداولة قبل الإسلام وفي عهد الرسولصلى الله عليه و سلم وأبي بكر بما كان عليها من نقوش هرقلية عليها نقوش مسيحية أو كسروية رُسم فيها بيت النار، بيد أنه أقرها على معيارها الرسمي المعروف على عهد النبي صلى الله عليه و سلم وأبي بكر، مضيفاً إليها كلمة جائز، لتمييزها من البهارج الزائفات ، فالذي ضرب النقود المسكوكة في الخارج وأقر التعامل بها وقرر الدرهم الشرعي في الإسلام هو الفاروق رضي الله عنه يقول الماوردي: إن عمر بن الخطاب هو الذي حدد مقدار الدرهم الشرعي ، ويقول المقريزي: وأول من ضرب النقود في الإسلام عمر بن الخطاب سنة ثماني عشر من الهجرة على نقش الكسروية وزاد فيها: الحمد لله. وفي بعضها: لا إله إلا الله، وعلى جزء منها اسم الخليفة عمر ، وعليه فإن الفاروق رضي الله عنه قد وضع تنظيماً خاصاً لوسيلة من وسائل الحياة الضرورية للمسلمين وغيرهم أثناء حكمه وقد تبعه الخلفاء الراشدون وغيرهم ممن طوروا هذا الأمر مع تطور وتقدم المدنية والحضارة )
o ( وقد لعب أهل اليمن دوراً رئيسياً في حركة الفتوح أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فاشتركوا في فتوح الشام وفي فتوح العراق ومصر ، وعندما اختطت الأمصار الإسلامية الجديدة في العراق كالبصرة والكوفة نزلتها الكثير من القبائل اليمنية وعلى رأسها كنده التي نزلت الكوفة ، كما استقرت أعداد أخرى من القبائل اليمنية بالشام، وكان لهم دور كبير في فتوحاتها، كما سكنت مجموعة منهم في مصر بعد إنشاء الفسطاط ، ولا شك أن هذه الهجرات المنظمة من القبائل اليمنية في عهد عمر قد خطط لها، وقد يكون لأمراء البلدان على اليمن دور كبير في هذا التخطيط وفي عملية توزيع القبائل على الأمصار، ومن هنا كانت اليمن من أهم الولايات الإسلامية على عهد عمر، وكان دورها وتأثيرها واضحاً بالنسبة لمختلف الولايات . )
هذه الجملة تتحدث عن انتشار العرب في الأمصار العربية التي فتحت حتى صاروا هُم أهلها و أغلبية سكانها حتى اليوم.
� من أقول الصحابة في عمر بعد وفاته :
( قال ابن عباس: وضع عمر على سريره فتكنفه الناس يدعون ويصلون، قبل أن يرفع، وأنا فيهم، فلم يَرُعني إلا رجل آخذ منكبي، فإذا علي بن أبي طالب، فترحم على عمر وقال: ما خلفت أحداً أحبّ إليَّ أن ألقى الله بمثل عمله منك، وأيم الله إن كنت لأظن أن يجعلك الله مع صاحبيك وحسبت أني كنت كثيراً أسمع النبي صلى الله عليه و سلم يقول: ذهبت أنا وأبو بكر وعمر، ودخلت أنا وأبو بكر وعمر وخرجت أنا وأبو بكر وعمر ).
( وأما أبو عبيدة بن الجراح، فقد كان يقول قبل أن يقتل عمر: إن مات عمر رق الإسلام، ما أحب أن لي ما تطلع عليه الشمس أو تغرب وأن أبقى بعد عمر، فقيل له: لم؟ قال: سترون ما أقول إن بقيتم، وأما هو فإن ولي وال بعد فأخذهم بما كان عمر يأخذهم به لم يطع له الناس بذلك ولم يحملوه، وإن ضعف عنهم قتلوه . )
الجملة الأخيرة فيها فراسة من أبي عبيدة رضي الله عنه ، و كأنه كان يعلم إلى ماذا ستؤول إليه الأمور بعد وفاة عمر .
Sign into ŷ to see if any of your friends have read
فصل الخطاب في سيرة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب.
Sign In »
Reading Progress
April 4, 2022
–
Started Reading
April 17, 2022
– Shelved
April 17, 2022
– Shelved as:
to-read
April 19, 2022
–
Finished Reading